هل من مصلحة الدولة العبرية أن يسقط نظام بشا؟، هل كان النظام السوري جاداً في يوم من الأيام في محاربة الكيان الصهيوني؟، هل حاول يوماً أن يستعيد الجولان؟ ولماذا لم يطلق النظام رصاصة واحدة على هذه الجبهة منذ أربعة عقود؟ ولماذا دفع ببعض الفلسطينيين العزل من الجبهة القومية نحو جبهة الجولان في ذكرى يوم الأرض الماضية لأول مرة في تاريخه، وتعريضهم قسراً للقتل دون أن يحمي ظهورهم بدباباته ومدرعاته التي تستبسل في سحق العزل في المدن السورية؟، وماذا كان هدف النظام من التضحية بكل أولئك الفلسطينيين الذين حصدهم الرصاص الصهيوني وتكدست جثامينهم على بعضها في منحدرات الجبهة في حركة تهورية عابثة مستخفة بحياة الاجئين الفلسطينيين من مؤيدي النظام؟. الجواب على هذه الأسئلة يبدو جلياً على ضوء الهدوء التام الذي تميزت به جبهة هضبة الجولان المحتلة طيلة 40 سنة، ممن احتلالها، ومنذ حرب 1973 تنعم الكيان الصهيوني بالهدوء التام على هذه الهضبة السورية الجميلة الغنية بالمياه، وأصبحت منتجعاً سياحياً عرف ازدهاراً و نمواً خلال حكم بشار، حتى إن المستوطنات اليهودية قد تضاعفت خمس مرات خلال فترة بشار. ليس من مصلحة "إسرائيل" أن يسقط مثل هذا النظام الذي لا يكمن للكيان الصهيوني أن تحصل على معشار ما قدم ويقدمه لها من سلم وراحة بال على أرضه المغتصبة في الجولان أي بديل آخر متوقع أن تأتي به الثورة السورية. ولذلك فقد حسم الكيان الصهيوني أمره في الدفاع عن بشار ونظامه، لكن كجزء من التمويه السياسي فإن الدولة المزعومة تحاول ما أمكن أن تخفي عن الرأي العام جهودها لتثبيت حكم بشار الذي بات الكل يخشى من التلوث به بعدما جاوز كل الحدود في همجيته الحيوانية في الفتك بالشعب، وهي تعتمد أسلوب التخطيط وحياكة المؤامرات من وراء الكواليس، وهو أسلوب تتقنه الدولة العبرية ويميز دوماً تعاطيها مع السياسة الدولية، وقد جصدت من هذا الأسلوب المتخفي أضعاف ما جنته من سياستها العلنية في المحافل الدولية. روسيا تتحدث فقد تحدث موقع "روسيا اليوم" عن تقرير يكشف النقاب عن التحركات الدؤوبة للكيان الصهيوني على مختلف المسارح الدولية للعمل على تثبيت بشار في مكانه، والغض من التركيز على جرائمه، وإعطائه مزيداً من الفرص لسحق الثورة الشعبية، وتشجيعه على المضي قدماً في حربه الإبادية بإرسال تطمينات تتلوها توكيدات تتكرر بشكل ممل من مختلف دوائر القرار بأن التدخل العسكري ضد قواته مستبعد تماما، وهذا ما يطمع نظام بشار في سفك مزيد من دماء الشعب في محالته سحق تطلع الشعب نحو الحرية والكرامة التي أخرجته للشارع كباقي الشعوب العربية. ومن يتابع ما تكتبه الصحف الأمريكية عن تداعيات الثورة السورية على الكيان المحتل، يعلم تماماً حقيقة شعار الممانعة الذي يخفي نظام بشار همجيته من ورائه، فقد ذكرت مجلة "فورين أفيرز" في سبتمبر 2011، أن "إسرائيل" لعبت دوراً أساسياً في فك العزلة عن النظام السوري بعد اغتيال رفيق الحريري باعتبار أن نظام بشار مفيد لأمن الكيان الصهيوني، حيث كشفت نقلت المجلة عن مستشار إيهود أولمرت :"إيتامار رافينوفيتش أنه ساعد الرئيس السوري بشار الأسد في فك العزلة الدولية التي قادتها ضده الولاياتالمتحدةالأمريكية على إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لأن إسرائيل، تخشى من بدائل الأسد". وفي مارس 2011، أي بعد نحو أسبوعين فقط على بدء الثورة السورية، كتبت جانين زكريا بصحيفة "واشنطن بوست" تحت عنوان :"إسرائيل تفضل بقاء الأسد"، قالت فيه :"إسرائيل دأبت على الشكوى من تحالف بشار الأسد مع إيران، ودعمه لميليشيا حزب الله الشيعية، وإيوائه خالد مشعل في دمشق، غير أن مواجهة الأسد لأخطر تهديد جدي لحكمه منذ توليه السلطة قبل 11 عاماً، أجبر الصهاينة على إعادة التفكير في أنهم قد يكونون في أمن معه أكثر مما هم من دونه". شِبل بن .. الأسد فقد حافظ الأسد كوالده على هدوء الحدود السورية - الصهيونية كأهدأ جبهة لعقود، الأمر الذي مكّن سكان شمال "إسرائيل" من العيش في رخاء في جو من السلام النسبي على الرغم من كون الدولتين من الناحية التقنية في حالة حرب، وقال وزير في حكومة نتنياهو :"نحن نعرف الأسد، وعرفنا والده، ونحن بطبيعة الحال نود أن تكون جارتنا سورية دولة ديمقراطية... نحن نعلم أن هناك ديكتاتوراً، لكن رغم ذلك فإن الأوضاع كانت هادئة". بعد ذلك بيوم واحد؛ نشرت صحيفة هآرتس العبرية (1/ 4/ 2011) مقالاً تحت عنوان :"الأسد ملك إسرائيل"، حيث ورد في المقال :"إن كثيراً من اليهود يتضرعون للرب بأن يحفظ سلامة النظام السوري، الذي لم يحارب إسرائيل منذ عام 1973 رغم شعاراته المستمرة وعدائه الظاهر لها"، وأوضحت الصحيفة العبرية أن نظام الأسد يتشابه مع نظام صدام حسين، وهما كانا يحملان شعارات المعاداة لتل أبيب كوسيلة لإلهاء الشعب ومنعه من المطالبة بحقوقه" لافتة في النهاية إلى أن الإسرائيليين ينظرون للنظام الحاكم في دمشق من وجهة نظر مصالحهم، متحدثين على أن الأسد الابن، كوالده، محبوباً ويستحق بالفعل لقب ملك إسرائيل. في 2/ 4/ 2011 كتبت "واشنطن بوست" أن الأوضاع في سوريا تثير حيرة إسرائيل التي تخشى من المجهول بسبب عدم معرفتها بتكوينات المعارضة في شكل دقيق، ونقلت الصحيفة عن إفراييم سنيه، الذي شغل منصب النائب السابق لوزير الدفاع الصهيوني قوله :"إننا نفضل شيطاناً نعرفه"، أما دوري غولد، المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، شدد على أهمية أن تراقب إسرائيل "من هي المعارضة" في سورية لمعرفة ما إذا كان الأخوان المسلمون قد يختطفون ما يبدو على أنه رغبة جادة في الحرية"، بدوره قال شلومو بوم، من معهد الدراسات الأمنية الوطنية في جامعة تل أبيب :"إن الرئيس بشار الأسد حافظ على هدوء الحدود مع إسرائيل وعلى الرغم من دعمه لحزب الله". ولعل هذا التقييم الصهيوني هو الذي جعل السلطات في تل أبيب تسكت عن دخول الدبابات السورية إلى مناطق: نوى، وتسيل، وجاسم، والحارّة في حوران، المتاخمة للجبهة السورية- الإسرائيلية، ذلك أن الاتفاقية رقم 350 لمجلس الأمن بتاريخ 13/ 5/ 1974 والتي تعمل قوات بموجبها، تمنع الجانب السوري من إدخال آليات ثقيلة إلى المنطقة. و لكن طالما أن تلك الآليات الثقيلة تقتل المتطلعين إلى الحرية فإن إسرائيل ترحب بها. عودة الصحافة العبرية وفي 1/ 5 /2011 تحدثت الصحافة العبرية مجدداً ما مفاده أن "الإطاحة ببشار الأسد قد تشكل تهديداً غير مسبوق على استقرار جبهة إسرائيل الشمالية"، لأن "من تعرفه أفضل ممن لا تعرفه" (يديعوت أحرونوت نقلاً عن خبير الشؤون السورية موشي ماعوز) وقد اعتبر البروفيسور غوشوع لنديس، الخبير في الشأن السوري، ليديعوت أحرونوت "إنه من خلال وجهة النظر الإسرائيلية، يعتبر بشار الأسد ثروة ثمينة لإسرائيل"!. وفي 4/ 5 /2011 نقلت صحيفة "جيروزالم بوست" العبرية عن السفير السوري عماد مصطفى وزميله المبعوث السوري الدائم لدى الأممالمتحدة بشار الجعفري دعوتهما إلى الحاخام الإسرائيلي يوشياعو بنتو "لزيارة دمشق ولإقامة الصلاة على ضريح أجداده في مقبرتهم في العاصمة السورية"!. وفي 11/ 5 / 2011، وتحت رمى رامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد، وشريكه، وأحد أعمدة النظام، أوراق نظامه كلها وأعلنها بوضوح: "لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سورية"، ما يعني أن النظام السوري يربط استقرار "إسرائيل" باستقرار سورية!، خلافاً لكل شعارات الممانعة. وأضاف مخلوف في مقابلة مع "نيويورك تايمز": "لا تدعونا نعاني، لا تضعوا الكثير من الضغوط على الرئيس، لا تدفعوا سورية إلى فعل شيء لن تكون سعيدة بفعله". وغني عن التذكير بأن جميع استطلاعات الرأي التي جرت في إسرائيل تظهر أن الغالبية الساحقة من الإسرائيليين مع بقاء بشار، و هم متخوفون من أي بديل آت في سوريا. و لذلك فعلى كل عاقل ألا يكتفي بالافتات البراقة و الشعارات الرنانة و التي لا يابث " الممانعون" يملأون بها الأجواء و ينشرون طلاسمها في أسواق الغفلة العربية و ما أكثرها. وعلى الدول العربية الجادة في تخليص الشعب السوري من فتك هذا النظام القاتل أن تعتمد على نفسها و إمكانياتها الشعبية و المادية و ألا ترتبط في جهودها بالدوائر السياسية العالمية التي يبدو أنها قد باعت الجولة لإسرائيل، و تنتظر الخلاص من الشعب السوري بدل الخلاص من نظام بشار.