لم يكن مفاجأة لي ما سمعته بالأمس؛ لأنه كان حلقة في سلسلة استبداد من نوع جديد، ظهرت أولى حلقاتها مع بداية تكون ما سمي في تاريخ مصر الحاليّ ب( جبهة إنقاذ مصر ) ؛ لم يكن مفاجأة لي لأنني كنت متوقعاً أن ممارسة الأقلية للاستبداد السياسي سينتهي بها إلى ما هو أبعد من ذلك مما يثير الدهشة والتوجس معاً !! بالأمس استمعت إلى حلقة في إحدى القنوات التي تمارس الدجل الإعلامي، يقودها بحذق أحد فرسان هذه القناة، والمواطن البسيط يدرك بغير عناء أن المقصود في النهاية هو تحصين النخبة من أن تطالهم يد العدالة مهما ارتكبوا من تعديات، تحصينهم بالصوت العال، وبالإرهاب الإعلامي، وبتقرير ثوابت وهمية عن طريق (البجاحة) السياسية. كان الكلام يدور حول الدعوى التي رفعت ضد صباحي والبدوي وآخرين بالخيانة والتآمر على قلب نظام الحكم، وأسهم الطرفان المتحاوران في إنتاج وإخراج حلقة من حلقات التردي السياسي غاية في السوء؛ إذ شن الفريق المعترض على الدعوى والمؤيد لصباحي ورفقائه حملة شديدة من الانتقاد والتوبيخ والتقريع لمن تقدم بهذه الدعوى، بما يعني أن اجتراء مصريّ على مقاضاة هؤلاء الثوار المخلصين الوطنين يعدُّ جريمة في حق الوطن وفي حق مصر التي أنجبت هؤلاء من رأسها بينما أنجب سائر الشعب من أظافر قدميها، وترددت كلمات: ( صباحي ؟ الذي كان يناضل ؟ عيب ، والبدوي الذي .. ؟ عيييب ) ، وعلى الجانب الآخر يجتهد المحاور الإخواني المهذب في دفع التهمة عن حزبه وجماعته وحتى عن جميع المحبين لهم والمتعاطفين مع جماعتهم !!!! وبغض النظر عن مدى جدية الدعوى، وعن موقف المتهمين القانوني؛ هذا الطرح أعتبره ممارسة للإرهاب الإعلامي تجاه المجتمع وتجاه النيابة العامة، وصورة قميئة من صور الضغط الإعلامي لإحداث شفاعة لو مورست لصالح رئيس الجمهورية ما قبلناها، ولم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أعلن على الملأ أن المساواة أمام القانون لا يستثنى منها أحد ولو كان أشرف الناس نسباً وأقربهم مودة (فاطمة) فقال:" وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". وبغض النظر أيضاً عن قيمة هؤلاء وعن الحكم عليهم – أهم معارضون مخلصون أم أصحاب فتنة تلبس لبوس المعارضة – لا يصح أن يتم تناول الأمر بهذه الطريقة التي تمهد لرفع أناس فوق المساءلة القانونية، والتي تنتهي بسيادة النخبة لا سيادة القانون، لاسيما وشعارهم الذي دغدغوا به مشاعر الجماهير " لا للاستبداد" إن جميع المواطنين أمام القانون سواء، ومن حق أي مواطن أن يرفع دعوى ضد أي شخص ولو كان رئيس الجمهورية، ومن حق النيابة والنائب العام – بل من واجبهم – أن يحققوا فيما رفع إليهم، وليس من حق أحد أن يعترض عليهم في ممارستهم لعملهم، وإلا كان تدخلاً سافراً في عمل السلطة القضائية، التي طالما اتخذوا الحرص على استقلالها تكأة لإثارة القلاقل، والسلوك الصحيح هو أن نترك العدالة تأخذ مجراها، فمن كان بريئاً فلن يضره دعوى المدعين ومن كان مداناً فلا يوجد أحد فوق المساءلة القانونية. إنه الاستبداد الذي عندما لم يجد فرصته في العمل من خلال السلطة اضطر إلى العمل من خلال المعارضة، إنه استبداد غاية في الدمامة والسماجة، رفض للحوار الوطني، واحتقار وازدراء للإرادة الشعبية، وعدم اعتراف بدستور اقره الشعب صاحب السلطان الحقيقي، ثم محاولة للعلو فوق المساءلة والتميز أمام القانون. نتوسل إلى هؤلاء السادة المتغولين على كل السلطات أن يتنازلوا عن جزء من عصمتهم ليتسنى لهم رؤية الآخرين.