ذكرت تغريدة للدكتور البرادعي مؤخرا أن هناك مخالفة في الدستور في بعض مواده مثل حرية الرأي والعقيدة للقواعد الآمرة في القانون الدولي "jus cogens"، تجعله باطلًا مهما استفتي عليه. هذه التغريدة من وجهة نظري مهمة جداً؛ حيث تكشف بجلاء جوهر الخلاف والاستقطاب الداخلي في مصر، أو أحد أبعاده المهمة على الأقل. هناك تيار يؤمن بمركزية الحضارة الغربية، وهيمنتها على شعوب العالم، ويعتبر أي مخالفة لما استقرت عليه حضارة الغرب وتجربته الانسانية مجرد (تخلف، رجعية، ظلام، تطرف، جهل ...الخ) باعتبار أن ما نتج عنها حتى في أمور نسبية زمنية (قواعدة آمرة). لا يؤمن هذا التيار- وإن أعلن خلاف ذلك لأن الممارسة تفضحه- بأن تجربة الغرب الانسانية المادية لا يمكن استنساخها، حتى على مستوياتها الاجرائية (الممارسة الديمقراطية مثلا وقواعدها)، وأن حتى الممارسات الاجرائية ستخضع لخصوصية كل مجتمع وثقافته بل وأهواء مواطينه، وستصبح في النهاية منتجاً محلياً !! في المقابل هنا تيار ... يعلم جيداً أن شاباً عربياً اسمه (محمد بن عبدالله) جائه الوحي من السماء وحفظ بين دفتي القرآن إلى يوم الدين؛ يؤمن هذا التيار أن حضارة عربية اسلامية قامت على مبادئ هذا الوحي، وحملت رسالته إلى الدنيا. ويؤمن هذا التيار أن له مكاناً تحت الشمس، وأن واجبه ورسالته أعظم بكثير من مجرد اقتفاء أثر حضارة أخرى مهما بلغت من قوة وهيمنة. المسلمون شيدوا حضارة فريدة لم تعادي تاريخ من سبقها من اليونان، بل عربت علومهم وأبدعت فوقها المزيد ( واللافت أن النصارى العرب هم من حملوا عبء التعريب في الأساس ليضعوا بصمتهم في بناء حضارة العرب والمسلمين)،، والغرب عنما نهض من كبوته وعصور ظلامه ترجم علوم العرب ودرس نهضتهم وحضارتهم، لكنه لم يسقط في غياهب التقليد وأوهام استنساخ الحضارات !! فلم يظهر فيه مثلا من دعا الى التعلم من حضارة العرب وإقامة نظام حكم غربي يناظر الخلافة الاسلامية! على العكس تعلم منا ثم وظف هذه العلوم في احياء حضارته الأصلية (اليونانية على وجه الخصوص)، لأنه لن يكون في يوم من الأيام عربياً. خلاف عميق وجوهري بين من يؤمن أن لديه مرجعية عليا مهيمنة وآمرة نابعة من شريعته وحضارته وإرادة شعبه ،، وبين من يرى القواعد الآمرة في القانون الدولي مهيمنة ونافذة حتى فوق إرادة شعبه.