فور تنصيبه بطريركاً للمسيحيين الأرثوذوكس ليصبح البابا ال118 لكنيسة الإسكندرية، تسابقت الوسائل الإعلامية المختلفة لاستطلاع رأي الأنبا تواضروس الثاني، في العديد من القضايا الملحة سواء فيما يتعلق بمشكلات الشارع المسيحي وواقع ومستقبل المسيحيين في مصر بعد وصول التيار الإسلامي لسدة الحكم بعد الثورة. لائحة 38، لائحة 57، المادة الثانية، الكنيسة والسياسة,,... كانت هي أبرز التساؤلات التي وجهت للبابا الجديد للوقوف على رؤيته واتجاهاته حولها، حيث حسم تواضروس الثاني قضية لائحة 38 مؤكدا أنه لا عودة لها باعتبارها لائحة معيبة في الوقت الذي أبدى فيه رغبة حول تعديل المادة 57 والمتعلقة بانتخاب البابا. سياسيا، أكد البابا تواضروس أن المسيحيين لا يخشون صعود التيار الإسلامي مؤكدا تأييده لبقاء المادة الثانية كما جاءت بدستور 1971، كما أن تواضروس أشار إلى اعتزازه بالرئيس محمد مرسي القادم من جماعة الإخوان المسلمين، باعتباره رئيسا منتخبا مطالبا مرسي بأن تكون نهضته حقيقية وليست على الورق فقط مشددا على ضرورة أن يبنى الدستور على أساس المواطنة. أما فيما يتعلق بموقف الكنيسة من السياسة، فقد أكد البطريرك الجديد أن الكنيسة مؤسسة روحية ولكنها موجودة في المجتمع ولها دور اجتماعي لأنها تعيش المواطنة ولابد أن يتعامل البطريرك والكنيسة مع المجتمع، ويتفاعلان معه دون تأثير على روحانية الكنيسة. إلى هنا، انتهت تصريحات البابا تواضروس الثاني، والتي لم تخرج عما هو متوقع من تصريحات للبابا الجديد سواء كان تواضروس أو روفائيل أو أفامينا. إلا أن الواقع وما يدور في الغرف المغلقة، ربما يحمل أمورا مغايرة عن تصريحات نمطية صحفية توقعها الجميع قبل أن تقال، خاصة وأن الشارع المسيحي يتداول فيما بينه مصطلحات الاضطهاد والتهجير والتمييز وعدم المواطنة وغيرها. كما أن الكنيسة ومنذ عهد السادات باتت تلعب دورا بارزا في الواقع السياسي المصري، بل كان واضحا علاقة الشد والجذب التي اتبعتها الكنيسة المصرية في عهد البابا شنودة الثالث، مع النظام السابق والتي نجح فيها شنودة وبامتياز، وتشهد على ذلك العديد من القضايا كقضية وفاء قسطنطين والتي اعتبرت أبرز دليل على القوة والسطوة التي وصلت لها الكنيسة على المستوى السياسي. ومع قيام ثورة 25 يناير، خرجت الكنيسة لتدافع على استحياء عن نظام مبارك، فقد أدركت أن رحيله أصبح أمر حتمي، في الوقت الذي تمنت أن يبقى فيه نظامه في الحكم كما هو بنفس سياسته مع الكنيسة وفقاً للأرضية التي وضعتها كاتدرائية العباسية.!! إلا أن رحيل مبارك وصعود التيار الإسلامي تدريجيا وضع الكنيسة على المحك، فكان أول اختبار لقوتها في استفتاء مارس 2011 الخاص بالتعديلات الدستورية والذي خرجت الكنيسة لترفضه نكاية في التيار الإسلامي الذي تمت هذه التعديلات برعايته لتخرج نتائج الاستفتاء بموافقة 78% مقابل رفض 22%، وهو الأمر الذي أدركت الكنيسة من خلاله أنها ستفقد مكاسب عصر مبارك شيئا فشيئا، في ظل الصعود السريع لجماعات الإسلام السياسي التي بلغت ذروة صعودها في انتخابات البرلمان حيث حصدت 75% من مقاعد البرلمان، ثم وقفت الكنيسة إلى جانب المرشح الرئاسي أحمد شفيق، لكنه خسر ليجعل المسيحيين يشعرون أكثر فأكثر بأنهم في معركة سياسية خاسرة. وعلى الرغم من محاولات التيار الإسلامي تطمين المسيحيين في مصر وتأكيدهم المتواصل على حقوق المواطنة، إلا أن حالة الخوف والقلق ما تزال تسيطر على المسيحيين خاصة في ظل التناول الإعلامي لبعض الحوادث الفردية والتي حاول البعض استغلالها للترويج لما يسمى باضطهاد الأقباط والتضييق عليهم في ظل حكم التيار الإسلامي. وربما يكون الملف السياسي هو أخطر الملفات الموجودة على مكتب البابا الجديد، والتي يجب عليه التعامل معها بكل حذر، فهل ستكون تصريحات تواضروس الثاني هي خريطة الطريق التي سيسير عليها الفترة القادمة، أم سيسير على خطى سلفه في الشد والجذب مع النظام؟.. تساؤل ستجيب عليه الأيام القادمة.