عبّر استطلاع الرأي العام الإسرائيلي الذي قام به "معهد ديالوغ" الذي يديره خبير الاستطلاعات البروفيسور كميل فوكس ونشرته صحيفة "هآرتس" في عددها يوم 2/10/2012، عبّر عن حقيقة تفكير الأكثرية اليهودية في إسرائيل بالنسبة لما يتعلق بالعرب وبالمستقبل الذي تطلع إليه. فأغلبية الذين شاركوا في هذا الاستطلاع يؤيدون إقامة نظام الفصل العنصري (أبارتهايد). وتبين أن 59 بالمائة يعتقدون أنه يجب على الدولة أن تفضل اليهودي على العربي للعمل في الدوائر الحكومية. كما أن 58 بالمائة يعتقدون أنه يوجد الآن في إسرائيل نظام "أبارتهايد". و47 بالمائة يعتقدون أنه يجب طرد العرب من مواطني إسرائيل إلى مناطق حكم السلطة الفلسطينية. فهذا الموقف ليس جديدا فقد كانت هناك على مر السنين نسبة معينة من اليهود في إسرائيل من حمل هذه الأفكار العنصرية وعبر عنها علنا في الخطب والمظاهرات، ولعل المحاولات التي قام بها الحاخام مئير كهانا، خير دليل على ذلك. وكان صداها قيام أحد تلاميذه، الحاخام باروخ غولدشتاين، بارتكاب جريمة شنعاء في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل. ولكن بنظرة فاحصة فإننا نرى أن السياسة التي أتبعتها حكومة إسرائيل منذ يومها الأول كانت تصب في هذا الاتجاه، وعلى جميع المستويات. فقد عملت حكومات إسرائيل المتكررة على إفهام العرب من مواطنيها بأن الديمقراطية التي تتبجح بها هي لليهود فقط في الدولة اليهودية، وأن ما يحصل عليه المواطنون العرب هي الفتات التي تتساقط عن مائدة الديمقراطية اليهودية. فقد كانت هناك سياسة الفصل بين الشعبين، فيحصل اليهود على حصة الأسد بكل شيء، خصوصا المساعدات المادية والثقافية والاجتماعية، حيث كان الطلاب اليهود يتمتعون بأبنية جديدة، ومختبرات مزودة بكل ما يحتاجه الطالب، وبكتب دراسية بطباعات أنيقة، ومكتبة حافلة بالكتب، ورحلات تعليمية سنوية منظمة وغير ذلك من الأمور الأساسية لتطوير مستوى التعليم وبالتالي الطالب والمجتمع اليهودي بشكل عام. كل هذه الامتيازات لم تكن متواجدة لدى الجانب الآخر. كما أن البرامج التعليمة كان يقوم عليها معلمون يهود جاءوا من الدول العربية، وبالتالي كانت برامج مسيسة. وأذكر حادثة أن أستاذا قرر أن يعلم طلابه نشيد "عليك مني السلام يا أرض أجدادي". وفي اليوم الثاني دعي إلى مكتب المدير الذي سلمه رسالة طرده من عمله وسئل ما "معنى أرض أجدادي؟". ولم تتوقف الأمور عند عتبة التعليم بل اخترقت كل المجالات، ومن ثم وصلت إلى السياسة الإسرائيلية العلنية واندمجت بها وأصبحت جزءا منها. سرقت الأراضي الفلسطينية أصبحت سرقة علنية، طرد الفلسطينيين من بيوتهم ومنحها لعائلات يهودية اصبحت أعمال عادية. شق الطرق وتعبيدها لليهود فقط باتت إشارة إلى التعالي والغطرسة. وتطور الوضع فصار اعتداء المستعمرين اليهود على القرى العربية الفلسطينية وحرق منازلهم واقتلاع أشجارهم المثمرة جزء من عمل يومي، وعلى مرأى ومسمع من رجال الشرطة والجنود، بالإضافة إلى الحماية والدعم الحكومي. وأحيانا تغطية إيجابية في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية. ثم بدأت تظهر علنا مواقف عنصرية من مسؤولين إسرائيليين في مقدمتهم وزير الخارجية الحالي، أفيغدور ليبرمان، وغيره من أعضاء الكنيست من الأحزاب اليمينية، وبدأ بعض أعضاء الكنيست يتقدمون باقتراحات ومشاريع عنصرية، بما في ذلك مشروع "النقل" أو "الطرد" (ترنسفير) الذي تبناه وزير الخارجية ليبرمان. ولعل ما قام به عضو الكنيست العنصري ، ميخائيل بن عامي (من حزب هأحود هلؤمي الوحدة القومية) خير دليل على ظاهرة تسويق العنصرية والكراهية. فقد قام بتمزيق الكتاب المقدس للمسيحيين "العهد الجديد" ورميه في سلة المهملات، ونقلت هذه الصورة عبر الكاميرات التلفزيونية التي كانت تغطي ما يدور في الكنيست. فكيف يمكن أن يفسر رجل الشارع هذه العملية ألعنصرية؟ ويمكن أن نتصور ماذا كان سيحدث لو قامت شخصية رسمية بتمزيق أوراق التوراة ورميها في سلة المهملات. وزاد الطين بله ظهور بعض الكتب العنصرية على غرار كتاب "طريق الملك" الذي صدر في عام 2010، وألفه إثانان من الحاخاميم العنصريين، إسحاق شبيرا ويوسف إلتصور، الذي يدعو إلى قتل غير اليهود بما فيهم الأطفال لأنهم يشكلون خطرا على مستقبل الشعب اليهودي. وقد رأيت بأم عيني، أثناء زيارتي الحالية للبلاد، هذه الأصابع العنصرية تضع بصماتها بشكل علني. فأثناء زيارتي لمدينة رام الله كان علينا أن نمر عبر بعض المستعمرات اليهودية، وكانت هناك يافطات تحمل أسماء بعض المستعمرات والقرى بثلاث لغات: العبرية والإنجليزية والعربية، إلا أن الأيادي العنصرية عملت على تشويه الأسماء العربية. عمل يحمل الكراهية والعنصرية. وقد يقول البعض أن هذا العمل تقوم به مجموعة مراهقة من الشباب، ولكن لماذا لم تصلح رأسا من جانب المسؤولين عن هذه اليافطات؟ كل هذه التصرفات العنصرية لا تترك أي شك في أن أغلبية المجتمع اليهودي في إسرائيل يتبنى مواقف عنصرية مناهضة للعرب، وانعكس ذلك في الاستطلاع الذي نتحدث عنه. وما دام هذا الموقف يعبر عن أغلبية الشعب اليهودي في إسرائيل، فإنه سيلعب دورا أساسيا في الحملات الدعائية في المعركة الانتخابية القادمة في إسرائيل. وربما يكون هناك بعض التنازلات للمستعمرين اليهود في الأراضي المحتلة، سعيا من جانب الأحزاب وراء أصوات الناخبين فيها . فكلما زادت المواقف العنصرية زادت نسبة الأصوات لمن يتقدم بها. وإظهار العنصرية بهذا الشكل سيكون موجها ضدّ الفلسطينيين في الاراضي المحتلة، وضدّ القيادة الفلسطينية التي تريد "القضاء على دولة إسرائيل" وبالتالي يظهر هذا التطرف وكأنه "دفاعا عن النفس" ولهذا يمكن استعمال كل الطرق والأساليب، وتعبئة الرأي العام ضدّ هذا الموقف. وسيكون هناك من يدعي أنه من الأفضل أن تقوم إسرائيل بتوجيه "ضربة وقائية". كما أن هذه العنصرية ستستغل في الانتخابات القادمة ضدّ الفلسطينيين من مواطني الدولة. ففي رأي الكثيرين فإنهم يشكلون خطرا على "أمن الدولة"، ولهذا يجب التخلص منهم بشكل أو آخر. وهذا الاستطلاع للرأي العام اليهودي في إسرائيل يكرس فكرة الغطرسة اليهودية في إسرائيل. فأحد الأسئلة التي وجهت للمشاركين يقول: هل هناك اليوم تمييز ضدّ العرب بالنسبة لأماكن العمل؟ 50 بالمائة كان جوابهم نعم هناك تمييز، ولكننا لم نسمع عن معارضتهم لهذا التصرف. وعندما سئل المشاركون عما إذا يضايقهم وجود طلاب عرب في صفوف أولادهم 49 بالمائة أجابوا انه يضايقهم و9 بالمائة لا جواب لهم 42 بالمائة لا يضايقهم. ولعل ما جاء في مقال المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" (23/10/2012)، جدعون ليفي، حول هذا الموضوع يعبر عن واقع تفكير معظم الإسرائيليين. قال ليفي أن الإسرائيلي يفتخر بنظام الأبارتهايد: "بدون خجل أو شعور بالذنب". ويضيف: ".. لقد كانت هناك في السابق استطلاعات مشابه (لنتائج هذا الاستطلاع)، ولكنني أعتقد أن الإسرائيليين لم يظهروا بأنهم راضين بشكل كبير من أنفسهم كما هو الوضع في استطلاع الرأي العام هذا، حتى بعد أن يعترفوا بأنهم عنصريون.. إن هذا الاستطلاع لم يكشف عن حاضر الإسرائيليين فحسب، ولكن عن مستقبلهم أيضا". ------------------------------------------------------------------------------------------- * د. فوزي السمر كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن. - [email protected]