الدولة المصرية بعد الانقلاب العسكري ستعانى كثيراً لإعادة تسويق نفسها أمام دول العالم الرافضة للانقلاب على الديمقراطية والرئيس المنتخب من قبل شعبه، وهو ما يؤرق المسئولين الآن بشكل كبير، في كيفية إعادة وجه مصر الناصع الذي يعكس قيم وحضارة تاريخها بعد ثورة 25 يناير المجيدة التى أعادت شعبها للحياة مستعيداً حريته التي أبهرت كل العالم، ليأتى الانقلاب العسكري ويرجعنا إلى نقطة الصفر، ويهز صورة مصر دوليًا في أكثر من محفل له دوره الفاعل في التفاعل بين الشعوب وبعضها البعض، أبرزها المنظمة العالمية لحقوق الإنسان التي أدانت الانقلاب بشدة والقمع الذي صاحبه بغلق عدة وسائل إعلامية كانت لها تأثيرها ودعمها للتيار الذي تم الانقلاب عليه، وهو ما يضع مصر في خانة الدولة المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان والحريات.. وهذا ما وضح بعد هدوء الأوضاع نسبياً لصالح الانقلابيين وحالة الارتباك التي صاحبت ذلك بالبحث عن شخصية مصرية لها قدرتها على تسويق الوضع المصري المقلوب بعد 30 يونيه، بأن ما جرى مطلب شعبى ملح أوجدته الظروف المحيطة وحالة مصر الداخلية،وهذا يحتاج لجهود كبيرة فى وقت تلاشت من العالم تماماً الانقلابات العسكرية مع بداية الألفية الثالثة، وكان لوجود شخصية مثل محمد البرادعي أمر مهم فى لعب دور العراف الخارجي الذي تقع على عاتقه تغيير صورة مصر التى اهتزت بقوة بسبب الانقلاب العسكري، ليتولى البرادعي وظيفة تحت مسمى غريب أطلق عليها (نائب الرئيس للشئون الخارجية) وهو مسمى يتعارض مع منصب وزير الخارجية الذي يقع على عاتقه كل ما يخص علاقة مصر خارجياً ليقوم بتسويق الانقلاب بما يشبه تسويق(العروسة البايرة). اختيار البرادعي لهذا المنصب الذي تم تفصيله على مقاسه لم يكن مفاجئاً، فسبق له أن صال وجال قبل الانقلاب بعدة شهور ليروج بشكل مهين وينال من مكانة مصر الدولية، باتهامه نظام الرئيس مرسي بأنه نظام فاشي قد يفشل الدولة بكاملها، إن لم ينتهِ سريعاً ويتم خلعه في حوار أجرته مع مجلة دير شبيجل الألمانية، قبل الانقلاب بأيام قليلة، كما سبق له أن حرض الغرب على مصر بعدم دعمها اقتصاديًا بعد تولى مرسي ب6 شهور فقط، بحجة أنه نظام ديكتاتوري استبدادي، وعلى الرغم من الجهود التي بذلها ورحلاته المكوكية التي جابت العالم شرقاً وغرباً، فإنه فشل في إقناع أي دولة من هذه الدول التي زارها بأن مرسي يستحق الانقلاب عليه وفاقد للشرعية، وكان الرد الدائم بأن هذه الدول تحترم خيار الديمقراطية والطريق الذي رسمه الشعب المصري لنفسه من بوابة ثورة 25 يناير. مهمة رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق ليست سهلة كما يتصور البعض لن تأتى بثمارها بعدما تكشفت خيوط المؤامرة أمام العالم والتي دعمتها دول الأمراء غير المعترفين بالديمقراطية أصلاً ومسارعتهم بدعم مصر بحزمة مليارات من الدولارات لن تكون بأي حال من الأحوال بديلاً لاسترجاع صورة مصر التي يعرفها العالم وجسدتها بشكل رائع ومثالي ثورة 25 يناير، فالجميع ينظر لما جرى في أرض المحروسة على أنه انقلاب، فالثوابت التي تقوم عليها علاقات الدول لا تغيير يطرأ عليها طالما لم ترتبط بمصالح مشتركة، كما في حالة الولاياتالمتحدة التي تنظر للأمر المصري بأنه يكون مرتبطًا بالحفاظ على معاهدة السلام المصرية الصهيونية، بالحفاظ على حليفها الكيان الصهيوني، ورأينا كيف كان التحول من العمل على بقاء الرئيس الشرعي وبعدما تم طمأنتها بأن حليفها في أمان، سارعت بالتصريح بأنها مع التحول الديمقراطي في مصر، فيما هناك دول أخرى لن تحذو حذوها كما هو موقف بريطانيا وألمانيا، وما تمثله الدولتان من قوة داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما يكون له تأثيره على وضع مصر الخارجي وسيعرقل الكثير من المساعى التى تعيد مصر لدورها الإقليمي والدولي. ويبدو أن الأمر يمثل أهمية كبرى لدى الانقلابيين الجدد، فاختيار البرادعى كان أمرًا محسومًا من قبل تغييب الشرعية وخطف الرئيس المنتخب، فقام الرئيس المغتصب للمنصب عدلى منصور بالاجتماع ببعض الشباب الذى أيد الانقلاب، وكلفهم هو الآخر باللف كعب داير حول العالم للتسويق لشكل الدولة الجديد وإقناع الدول التى سيزورها بأن ما جرى حراك شعبي وثورة حقيقية، وهو ما يصب عمله وتحقيق بعض الأهداف منه، فكل ردود الأفعال العالمية واضحة وصريحة بأن ما جرى ليس سوى اغتصاب للشرعية وهدم أركان الديمقراطية، فكفانا عبث وكفاكم تضييع للوقت، فالمصريون الشرفاء لن يسمحوا لكم بالعودة بهم لعصر القمع الذي أرعبهم طوال عصر مبارك.