في إطار اهتمامه بقضايا الأمة العربية والإسلامية, واستمرارا لندواته السياسية الأسبوعية والتي يقيمها يوم الأربعاء من كل أسبوع, نظم مركز الدراسات العربي ندوته هذا الأسبوع تحت عنوان " السودان.. وخطر القرار 1706" والتي كان ضيفها الأستاذ عمر الفاروق- المستشار السياسي للسفارة السودانية بالقاهرة. وقد أدار الندوة خالد يوسف –رئيس تحرير جريدة الشعب- حيث أكد أن مشكلة السودان والمخططات التى تحاك له لا تخص السودان فقط وإنما تخص العالم العربي كله فالسودان هو البوابة الجنوبية لمصر والعالم العربي وهو البعد الاستراتيجي له في أفريقيا, فالأمن القومي العربي والمصري يبدأ من السودان. الفاروق: مصر والجامعة العربية طالبت بدعم قوات الاتحاد الأفريقي بدلا من استبدالها خالد يوسف: القرار يهدف لإنهاء السودان الموحد ويضرب الأمن القومي المصري والعربي
وتحدث المستشار السياسي للسفير السوداني موجها الشكر إلى كل القوى السياسية والفكرية المصرية وعلى رأسها حزب العمل على تلك اللفتة الواعية تجاه قضايا السودان ومشكلاته مؤكدا أن ذلك هو العشم في مصر وأهلها. وأضاف أنه عندما حضر إلى مصر عام 2004 كانت الأزمة على أشدها وكان النزاع شديدا في مجلس الأمن والذي نادى بالتدخل العسكري الدولي بحجة حماية حقوق الإنسان وحفظ السلام وما إلى ذلك من المصطلحات التي تبرر استهداف الدول وضربها في سيادتها, ولكن الموقف المصري السياسي والشعبي كان مشرفا للغاية.
وقال الفاروق: إن السؤال الموجه لنا دائما هو لماذا ترفض حكومة السودان القوات الدولية؟ وكان الأولى بهم أن يقولوا لماذا تقبل الحكومة أصلا بدخول هذه القوات الأجنبية إليها؟ فأي دولة ذات سيادة ترفض أي تدخل خارجي وتحتفظ بحل أي إشكال لها بشكل لا يحد من سيادتها فالحديث الآن صار معكوسا، مؤكدا أن هذا القرار يعني عدم الاعتراف بحكومة السودان متسائلا عن سبب كل هذا الإصرار على اختراق السودان بكل تلك الحجج؟! وأوضح أن هناك استراتيجيات عالمية لمناطق العالم المختلفة والسودان بموقعه الجغرافي المتميز وبثرواته الطبيعية الغنية يقع في تلك المناطق المستهدفة مؤكدا أن التوترات مع أمريكا بدأت عقب اكتشاف الثروات البترولية الهائلة في السودان في الثمانينيات بالإضافة إلى أن السودان يعتبر حزام الجنوب للأمن القومي العربي ويراد له أن يظل بعيدا عن رباطه العربي, وزاد من الطين بلة تغير موازين القوى وبروز الولاياتالمتحدة كقوة وحيدة أصبح تأثيرها على القرار العالمي واضحا. وأكد الفاروق أن الغرب يعرف جيدا أن السودان إذا استطاع الاستقلال بموارده وشعبه فإنه سيصبح قوة جبارة في العالم وهم لا يريدون ذلك وخصوصا أن قوة السودان هي امتداد لقوة مصر, فعمل الغرب على ظهور الحركات الانفصالية المتمردة ولكن الحكومة السودانية بذلت كل الجهود لإقرار السلام ووقعت اتفاقيات سلام مع تلك الحركات في 2005 وقدمت تنازلات كثيرة لهم في سبيل الحفاظ على وحدة السودان وحقن دماء أبنائه.
ولكن قبل أن يجف مداد تلك الاتفاقيات ظهرت مشكلة دارفور وأمد الغرب المتمردين بالمال والسلاح حتى يُبقى على عدم الاستقرار في السودان, وللعلم فإن إقليم دارفور كله من المسلمين وكان يشارك في صناعة كسوة الكعبة المشرفة ولا يوجد بهذا الإقليم مسيحى واحد, وكانت تحدث بعض الخلافات بين القبائل في هذا الإقليم ولكنها كانت خلافات طبيعية يتم حلها بواسطة شيوخ القبائل ولكن طبيعة الإقليم المتاخم لدول بها نزاعات مسلحة ساعدت على دخول السلاح له وانتشار ظاهرة النهب المسلح والتي سرعان ما تم تسييسها تحت مسميات الفرقة والتجييش. وبدأ التدخل الأجنبي الفاضح في دارفور وصدر قرار مجلس الأمن رقم 91 الذي طالب حكومة السودان بحل مشكلة دارفور خلال 30 يوما ونزع سلاح ميليشيات الجنجويد, وعقدت الحكومة عدة اتفاقات مع قادة الحركات المسلحة وبدأت في إعطاء أبناء الإقليم حقوقهم في التنمية والاشتراك في صنع القرار, وفي ذلك الوقت نشأ الاتحاد الأفريقي كقوة أفريقية تسعى إلى خلق الوحدة بين أفريقيا والترابط بين دولها, فرأت الحكومة السودانية الاستعانة به في حل مشكلة دارفور فالمشكلة على حدود دول أفريقية وهو أدرى بها, ووافق الاتحاد الأفريقي على طلب الحكومة السودانية وتم إدخال قوات الاتحاد الأفريقي إلى دارفور وعلاج الآثار الناجمة عن الصراع في الإقليم. وبعد جولات من المفاوضات في أبوجا أمكن تحقيق تقدم بتوقيع اتفاق سلام مع أكبر فصيل من التمرد وتم إعطاء أبناء دارفور جميع حقوقهم ووعدت الحكومة ببذل مزيد من الجهود لتنمية الإقليم، ولكن أطرافا معينة قامت بعرقلة جهود السلام وبدأ الحديث عن استبدال قوات الاتحاد الأفريقي بقوات دولية رغم أن قوات الاتحاد الأفريقي كانت تقوم بدورها على أكمل وجه وتحسنت الأوضاع الأمنية على يدها هناك,مضيفا أن الحكومة السودانية رفضت بشدة أي إحلال لقوات دولية بدلا من قوات الاتحاد الأفريقي مؤكدة أن قوات الاتحاد الأفريقي جاءت بناء على طلبها وضمن إجراءات لتسوية سلمية مباشرة وهي دول ليس لها أطماع في السودان, أما التدخل الأجنبي فالأمر يختلف حيث إنهم يريدون تأسيس سلطات مستقلة تقلص من سيادة الحكومة السودانية. وأكد المستشار عمر الفاروق أن الحكومة السودانية ترفض أي تدخل عسكري أممي تحت أي بند ولكنها تقبل بمشاركة المجتمع الدولي بجهوده في الإعمار والمجالات الإنسانية, فنحن نؤكد أنه ما دامت هناك قوة إقليمية تقوم بحفظ السلام وهي الاتحاد الأفريقي فإنه يجب الحديث عن تعزيزها وليس استبدالها وهناك دول عربية لها وزن وعلى رأسها مصر قدمت نصائح للأمم المتحدة بضرورة إعطاء الاتحاد الأفريقي فرصة أكبر ودعمه لإرساء السلام مؤكدا أن الجامعة العربية قد اجتمعت وأصدرت عدة توصيات بهذا الشأن تحت عنوان "مشروع قرار دعم السودان". وطالب فاروق الجامعة العربية بأن تكون لها قوات في دارفور بجانب قوات الاتحاد الأفريقي بدلا من القوات الدولية التابعة لأمريكا وبريطانيا والتي في حالة دخولها فإننا سنكون أمام قوات احتلال يجب على الحكومة والشعب مقاومتها, ونحن نعد بمقاومة شرسة ضد تلك القوات ويجب على الولاياتالمتحدة أن تفكر ألف مرة قبل أن تتورط في مستنقع السودان وهي لم تخرج بعد من مستنقع العراق, مشددا على أن بركات انتصار حزب الله على أمريكا والصهاينة في لبنان ستكون نفحة لنا تدفع فينا الأمل والثقة بأننا نستطيع الحفاظ على أمننا القومي وحماية بلادنا من التدخلات الأجنبية. وطالب المستشار عمر الفاروق في ختام كلمته الشعوب العربية بالوقوف إلى جانب الحكومة السودانية في موقفها الرافض لهذه التدخلات السافرة في الشأن السوداني.
وتحدث خالد يوسف فأكد أن قرار مجلس الأمن رقم 1706 والذي يطالب بإدخال قوات دولية تشكلها الأممالمتحدة إلى إقليم دارفور تحت زعم حفظ السلام والأمن هناك إذا تم تمريره تحت أي شكل فلن يكون فقط مساسا بالسودان وأمنه, ولكنه سيكون إنهاءً لدولة السودان الموحدة, مؤكدا أن هذا القرار يقضى على استقلال السودان ويضرب أمنه في مقتل وذلك للأسباب الآتية: 1- هذه القوات الدولية التي تريد الأممالمتحدة – أو إن شئت فقل الولاياتالمتحدة- إدخالها إلى السودان سيكون مجال عملها هو كل أرض السودان وليس إقليم دارفور فقط. 2- بمقتضى انتشار هذه القوات فإن حدود السودان مع تشاد وأفريقيا الوسطى ستكون تحت سيطرة تلك القوات التابعة للحلف الغربي وهذا الأمر في غاية الخطورة. 3- إذا قورنت هذه القوات الدولية بقوات الجيش السوداني من حيث التسليح والتمركز فإنها تتفوق على الجيش السوداني عسكريا وستتمركز في موقع حاكم لأنها ستكون على الحدود التي يدخل إلى المتمردين السلاح منها وأستطيع أن أقول أن إدخال الأسلحة إلى المتمردين سيكون تحت حماية هذه القوات. 4- إن هذه القوة هي قوة احتلال واضحة المعالم ولا تحتاج لبحث ويتخطى دورها حدود مهمة حفظ السلام, فالقرار 1706 يتكلم عن إنشاء منظمات حقوقية غير حكومية تضع على أولوياتها "الحقوق الجنسية" للمرأة, والقرار أيضا يتحدث عن إنشاء سلطة قضائية مستقلة ويمكن أن نقول أن هناك بجاحة واضحة في اتخاذ هذا القرار.
ولمح يوسف إلى التصريحات التي صدرت عن بعض الساسة السودانيين هذه الأيام والتي تحمل لهجة أقل خشونة تجاه ذلك القرار محذرا أن يكون ذلك تحولا في مواقفهم تجاه تقديم تنازلات في هذه القضية. وتعجب يوسف من تحرك الأممالمتحدة السريع جدا تجاه هذا الأمر وبكل جدية واستخدامها البند السابع لحق تقرير المصير موضحا أنه منذ يوليو 2004م وحتى صدور القرار 1706 أصدرت الأممالمتحدة أكثر من 9 قرارات لصالح تدخل تلك القوات في دارفور بل ووضع مواعيد نهائية لتنفيذه فقد حدد القرار أن بدء انتشار هذه القوات سيكون في 31/10/2006م, وستبدأ في ممارسة مهامها بنهاية هذا العام متسائلا عن سر هذا التحرك السريع والجاد!!!
وشدد يوسف على أن موقف الجامعة يجب ألا نعول عليه كثيرا, لأن موقفها من السودان ومشكلاته لا يتعدى سقف الأنظمة العربية ومواقفها المتخاذلة وهي مواقف "ذيلية" للولايات المتحدة, منتقدا سماح الجامعة العربية لمنظمات أخرى أن تلعب دورا أكثر فاعلية منها في المشكلة السودانية ولكنه اعتبر أنه يمكن تطوير هذا الموقف.
وعن الدور الشعبي تجاه هذه المشكلة أكد يوسف أننا جزء من الشعب السوداني في الشمال مشدداً على ضرورة دعم المواقف الرافضة لهذا القرار والتصدي له شعبيا على كافة المستويات منبها إلى أن الولاياتالمتحدة ستستخدم قوتها الإعلامية والعسكرية لمحاولة إدخال تلك القوات, وتوقع أن تكون هناك هجمة إعلامية من الإعلام الرسمي العربي التابع للغرب على الحكومة السودانية إذا اتخذت موقفا صحيحا تجاه هذا القرار. وطالب خالد يوسف المفكرين والساسة من الآن بحشد وتوعية كافة الفئات في مصر والسودان بهذه المعركة ضد أمريكا والكيان الصهيوني ولنا في هزيمتهم في لبنان أمام حزب الله قدوة حسنة, فيجب علينا حشد درجة عالية من الوعى بمخاطر هذا القرار على السودان ووحدته ومن ثم الأمة العربية والإسلامية. وأكد يوسف أن المنظمات الرسمية والقانون الدولي وحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف قد ماتت ودفنت وشواهد قبورها في فلسطين والعراق وأفغانستان شاهدة للعيان, مشددا على أن الأمر الوحيد الذي يمكن التعويل عليه هو تعديل موازين القوى بيننا وبين الأعداء ونحن أكثر احتمالا منهم. معركة مصرية سودانية واعتبر يوسف أن المعركة القادمة في السودان هي معركة مصرية سودانية ضد المخطط الأمريكي والصهيوني لتفتيت السودان وضرب وحدته, مطالبا كافة القوى السياسية الفاعلة في مصر بأن تضع كل ما تستطيع من جهد لحل هذا الموضوع.