لا أدري لماذا كلما اقترب مؤتمر السلام "الأميركي" المزمع عقده في الخريف المقبل، زادت التصريحات والتلميحات من مختلف الأطراف كما لو كانت "فقاقيع" تتطاير في سماء المنطقة الملبدة بغيوم التوتر والاستقطاب. ومن يتابع سيل هذه التصريحات يكتشف مدى اتساع الهوة بين توقعات الطرفين الرئيسييَن، وهما الإسرائيليين والفلسطينيين، من المؤتمر، ويدرك أن هذا الاجتماع يواجه فرصا معدومة للنجاح في ظل تباعد المسافات بين أطرافه. قبل يومين أطلق الرئيس الفلسطيني محمود عباس تصريحاً، لم أعرف أين يمكن "تسكينه"؟ هل تحت بند التصريحات المتفائلة، أم تحت مظلة "الفقاقيع" البلونية التي تتزايد كل يوم في أجواء المنطقة؟ فالرئيس عباس صرّح، وبكل ثقة، أنه يمكن التوصل إلى معاهدة سلام مع إسرائيل بحلول مايو المقبل، أي بعد ستة أشهر من انعقاد مؤتمر الخريف. وقد بني الرئيس الفلسطيني تصريحه المتفائل على الصيغة التالية: خلال المؤتمر الدولي للسلام والذي سيعقد في واشنطن منتصف نوفمبر المقبل، سيتم وضع المبادئ الأساسية إذا توصلنا إليها لحل قضايا الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية ثم تنطلق مفاوضات لصياغة التفاصيل الدقيقة ضمن جدول زمني يفترض ألا يتجاوز ستة أشهر للتوصل إلى معاهدة سلام". هكذا مرة واحدة وخلال ستة أشهر فقط، سيتوصل الفلسطينيون والإسرائيليون إلى معاهدة سلام، وليس مجرد "إعلان مبادئ"، أو "اتفاق إطار" لاستئناف المفاوضات، وهما الطرفين اللذين فشلا على مدار أكثر من نصف قرن في صياغة معاهدة سلام تضمن الحقوق الأصيلة للشعب الفلسطيني. ومن المفارقة أنه بعد صدور هذا التصريح مباشرة، عاد الرئيس عباس ليشير ضمناً إلى عدم وجود أجندة واضحة لمؤتمر السلام المزمع عقده، ما يعني صعوبة التوصل لاتفاق حول كيفية حل قضايا الوضع النهائي كما أشار بذلك عباس في تصريحه الأول. في المقابل، تبدو تصريحات الطرف الإسرائيلي على النقيض تماماً من تصريحات عباس، ويبدو الأمر كما لو كان مجرد لعبة "شد الحبل"، كل طرف يحاول جذب الأنظار تجاه أطروحته وتوقعاته من المؤتمر الدولي. فإسرائيل تحذر دوماً من مخاطر رفع سقف التوقعات من المؤتمر الدولي للسلام، وقد جاء ذلك مراراً على لسان جميع مسؤوليها، بدءاً من رئيس الوزراء إيهود أولمرت الذي يؤكد دوماً على عدم تقديم أية تنازلات (تخيل كيف تحولت الحقوق إلي تنازلات) للفلسطينيين، كما أنه لا يرى إمكانية في التوصل من الآن وحتى موعد "اللقاء الدولي" إلى اتفاق مبادئ بشأن التسوية النهائية. في حين كانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أكثر صراحة وجرأة منه، عندما أكدت أن على العرب البدء فوراً بعملية "تطبيع مجاني" مع إسرائيل دون انتظار لاكتمال العملية التفاوضية مع الفلسطينيين. وقد جاءت كلمات ليفني على مرأى ومسمع من العالم كله خلال الخطاب الذي ألقته على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أشارت فيه إلى أنه يتعين على الدول العربية أن تطبع علاقاتها مع إسرائيل من دون علاقة بحل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. واقترحت، في هذا الصدد، أنه مقابل كل خطوة ايجابية تنفذها إسرائيل تجاه الفلسطينيين تنفذ الدول العربية بدورها خطوة ايجابية تجاه إسرائيل، فهذا، بحسبها، سيسهل على إسرائيل تنفيذ خطوات ايجابية وسيساعد قادة عربا على إعداد الرأي العام في بلدانهم للتطبيع. ووصلت الجرأة و"التبجح" مداه حين قالت لينفي ، وبطريقة فجة ، "إن رسالتنا للقادة العرب هي أن لا تكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، ومهمة القادة العرب هي دعم العملية السياسية وليس وضع عراقيل أمامها". ولكن هل ثمة علاقة بين مؤتمر السلام ومسألة ضرب إيران؟ باعتقادي أن كلا الأمرين يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان. وكان من المفترض نظرياً أنه كلما زادت تحضيرات الحرب على إيران من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، أن تنتعش آمال السلام وتزداد فرص التوصل لاتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويفترض أيضا أن الطرف الأقل "حيلة" في المعادلة وهو هنا الطرف الفلسطيني، أن يضغط من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب ، استناداً للحاجة الطرف الذي يخطط للاعتداء على إيران لتهدئة الأوضاع على ساحته. بيد أن المفارقة الغريبة هي أن هذا الطرف المتغطرس الذي يسعى بكل قوة لمهاجمة طهران، هو ذاته الذي يرفض تقديم أي عرض جدي للفلسطينيين، ومن وراءهم العرب. كما لو كان يدرك تماماً عدم قدرة أي طرف عربي أو دولي على مواجهة ضرب إيران، ويدرك أيضا عدم قدرتهم على انتزاع أية تنازلات يمكن تقديمها للفلسطينيين، وتلك إحدى مآسي الشعب المسكين.