يحكى أن رجلاً حكيمًا كان في سفر إلى بلاد بعيدة بمفرده؛ فمرَّ في مدينة صغيرة، ليستريح في أحد خاناتها بضعة أيام فداهمته شرطة المدينة، واقتيد إلى الوالي، دون معرفة السبب وحين وقف أمام الوالي، عرف أن المدينة، تعاني أزمة خانقة؛ بسبب اختطاف فتيانها وفتياتها في حوادث منفصلة على مدى بضعة شهور إلا أن الفاعل ظلّ مجهولاً ..! وحيث إن ذلك الحكيم هو الغريب الوحيد الذي شوهد في المدينة؛ فربما يكون المتهم الأول في عمليات الاختطاف المتكررة ! وقف الحكيم أمام الوالي، وتكلم بثقة عمياء: «أو تظلمون الناس بجهلكم ؟! وتحكمون على الأغراب بعجزكم ..؟! ولا تعرفون عدوكم ..؟!» فعجب الوالي من جرأته، وصراحته وخطفه بيان حكمته وعرف أنه حكيم؛ فاستنجد به لمعرفة المجرم الذي يخطف الفتيات فقال له الحكيم: «دعني أبحث في أزقة مدينتكم؛ لأعرف أعرافها وأرى أحوال فتيانها وفتياتها..»! فوافقه الوالي؛ وخرج الحكيم منفذًا وعده وقضى بضعة أيام وهو يفكر، ويبحث في الحارات والأزقة؛ ويكلّم الناس شيبًا وشبابًا؛ فرأى فيهم طيبةً وبساطة؛ ولمس فيهم حبًا كبيرًا لدينهم. وبينما هو يسير؛ إذ سمع جمعًا من الناس تُكبر وتهلّل؛ فهرول مسرعًا إلى مصدر الصوت؛ فشاهد رجل دين شاب والناس يحتفون به من كل صوب، مكبرين! فسأل من هذا ؟! فقالوا إنه إمام هذه المدينه، وعالم الدين فيها، فقال وما بالكم تكبّرون لمقدمه؟ فهل كان في سفر؟! فقالوا كلا! بل هو يسكن خارج المدينة خوفًا من مسكن في المدينة أصابته الحرمات من الآباء والأجداد ..! وحين أراد الحكيم أن يشبع فراسته في عالم الدين، عسى أن يعرف دواخل شخصيته من شكله؛ فوجئ بأن هذا الشاب حافي القدمين ويضع خلخالاً في ساقيه؛ فسارع ليسأل أحدهم:«لمَ إمامك حافي وما هذه الخلاخيل في قدميه ..؟!» فقيل له: «إن هذا الرجل يخشى أن يسحق نملة أو أي مخلوق يدب في الأرض؛ فيكون في غضبة الله، لذلك يمشي حافيًا ويضع تلك الخلاليل؛ لينفر النمل من طريقه !!»؛ فأسرها صاحبنا في نفسه؛ إذ ليس في الدين مثل ما يقول ذلك الإمام وسعى لكشف ذلك الرجل وهو يضع غطاء الدين في غير موضعه! سار مع الناس وصلى مضطرًا خلفه حتى فرغ منه الناس، وعاد راجعًا إلى منزله في ضيعة غناء خارج المدينة؛ فاستطاع صاحبنا أن ينسل بين الجموع؛ ليتخذ لنفسه مخبأً، يتوارى فيه؛ فإذا فرغ المنزل من المتابعين والمستفسرين عن دينهم وغُلقت الأبواب؛ إذا برجل الدين في مجلس طرب ونبيذ وبغاء وفتيات راقصات وغلمان يتراقصون..! صبر في مخبأه حتى أخذ النبيذ مأخذه من عقولهم الثملة واستطاع أن يفلت من المنزل كما دخله وسارع إلى بوابة المدينة يطلب الوالي وشرطته على عجل؛ ليسير به إلى مجلس رجل الدين الغارق في لذته وفساده وسط ما خطف من فتية وفتيات مجبرين على فسقه ! كافأ الوالي الحكيم، وأعطاه منحة كبيرة وسط حفل كبير غشاه أهل المدينة، وقبل أن يسلمه المنحة، سأله: «كيف وصلت إلى الشك في رجل الدين والمدينة كلها تثق به .. ؟!»، فقال الحكيم: «وجدته قد جعل للدين غطاءً، يصنعه المنافقون..!». ما أكثر المنتسبين للتيار الإسلامي الذين، تمترسوا خلف الدين وهو منهم براء؛ والذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها من أجل المادة (219)، التي تنص على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية تعني الأدلة الكلية والقواعد الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة على مذاهب أهل السنة والجماعة "؛ لينقلبوا على أعقابهم ويتماهوا مع خصمهم الذي وقف حائلاً دون إقرار هذا النص بل دعوا إلى التصويت ضد الدستور المسلوق! وبعد أن خارت قوى الظالمين، التي شرعنت للعنف وسفك الدماء؛ ولم يبق سوى تشييع دعوتهم لمثواها الأخير؛ إذا بهؤلاء ينفخون في روح دعوتهم؛ ويرفعوا عقيرتهم ضد تطهير الوطن من اللصوص وأشباههم، الذين يواصلون نهب مصر، بدعوى أخونة الدولة ..! متخذين من الدين غطاءً يصنعون به مواقفهم، تمامًا مثل رجل الدين، صاحب الخلاخيل ..! وسار على نهج هؤلاء المتشاكسون، إعلاميون وصحفيون، يزعمون الانتماء إلى التيار نفسه، ليوظّفوا صحيفتهم، وصحفيهم، للهجوم على المشروع الإسلامي بدعوى الاعتدال، والحوار، الذي تهرّب منه جبهة الخراب الوطني بمزاعم كاذبة خاطئة، ولا يتركون خطوة تقوم بها الرئاسة إلا انتقدوها، وحاولوا تشويهها، والإجهاز عليها، والأخطر أنهم قد تفوقوا في الهجوم على أصحاب المشروع الإسلامي أكثر من إعلاميي العار والشنار..؛ ما يجعلنا نتساءل: ما السبب المفاجئ الذي دعاهم لتبني هذه المواقف المناهضة للفكرة الإسلامية التي يزعمون الانتماء لها الدفاع عنها؟! هل الفلوس فعلاً يمكن أن تغيّر نفوس أبناء التيار الإسلامي، المعروف بنزاهته وتبتله وعدم المزايدة على مبادئه..؟! ولكني أدركت الحقيقة بعدما أنعمت النظر في قصة الشاب الورع، الحافي القدمين! وأيقنت حقيقة الأدعياء، والمنافقين الذين، خطفوا الدين، وجعلوه غطاء لمواقفهم الفاسدة، والمشينة، وباتت أشكالهم وهيئاتهم تثير الشفقة وتبعث على الغثيان ..! همسة: قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ..﴾صدق الله العظيم [email protected]