إن مرافق الصرف الصحى هى حجر الزاوية الذى تستند إليه الصحة العامة، وتحسين تلك المرافق من الأمور التى تسهم كثيرا فى تحسين صحة الناس وعافيتهم، وعدم توافر مرافق الصرف الصحى من الأمور التى تؤثر بشكل وخيم فى الصحة والتنمية الاجتماعية وانتشار الأوبئة. ولكن لا يزال (الروتين) الحكومى يعرقل الأمور، ودائما ما نلقى الإهمال الشديد من قبل المسئولين الذين لا يريدون التحرك من مكاتبهم للتواصل مع الشارع. وعلى الرغم من أن نهر النيل يعد المصدر الرئيسى لمياه الشرب فى مصر (نحو 85%) بينما تمثل المياه الجوفية النسبة الباقية، فإنه يعانى أشكالا مختلفة من التلوث، سواء من خلال إلقاء المخلفات الصناعية أو الزراعية أو الصرف الصحى فيه. يعد الصرف الصحى أهم مصدر لتلوث مياه الشرب؛ نظرا إلى ما تحتويه مياه الصرف من ملوثات بيولوجية وكيميائية مجمعة من 5 آلاف حوض بالقرى النائية تصب مباشرة دون معالجة فى شبكة المصارف الزراعية. وتتمحور أزمة قطاع الصرف الصحى فى مصر، فى حرمان العديد من الأسر المصرية من مشروعات الصرف الصحى، وعدم التوازن فى توزيع تلك المشروعات بين الحضر والريف؛ إذ بلغ إجمالى عدد الأسر المتصلة بالشبكة العامة للصرف الصحى نحو 8 ملايين أسرة تمثل نحو46% من إجمالى الأسر المصرية، أما المساكن التى تصرف مخلفاتها بنظام (الطرنش) أى عن طريق آبار تتجمع فيها مياه الصرف وكلما امتلأ يتم تصريفه بعربات التصريف التى تمر، وبتأخرها تطفو المياه - فقد بلغ عدد الأسر المتصلة بهذا النظام نحو 7 ملايين أسرة تمثل نحو 41% من إجمالى الأسر المصرية. فضلا عما سبق فإن أكثر من 60% من قرى محافظة المنيا محرومة من خدمة توصيل هذا المرفق؛ ما يؤدى إلى مشكلات بيئية وصحية كبيرة، تأتى فى مقدمتها الأضرار الناتجة عن استخدام الطرنشات أسفل سطح الأرض لاستقبال مياه الصرف الصحى الخاص بهم، فيتم تسربها إلى الخزان الجوفى، ومن ثم استخدام هذا الخزان مصدرا للشرب فى بعض الأماكن، ما يؤدى إلى تدنى المستوى الصحى وانتشار الأمراض الفتاكة. وبالنسبة إلى مياه شبكات الصرف، فإنه يتم إلقاء90% منها فى المجارى المائية، سواء كانت ترعا أو مصارف، ويعاد استخدامها فى عمليات الرى، ومع الأسف أحيانا فى الشرب. وتتم معالجة الصرف الصحى فى أغلب الأحيان فى الأماكن المرتفعة، ما ينتج عنه تسرب المياه إلى باطن الأرض، ومنها إلى نهر النيل والترع. ويعانى أكثر من 80%من سكان قرى محافظة المنيا، على مستوى مراكزها التسعة، من ارتفاع معدلات الإصابة بالفشل الكلوى الناتج عن شرب مياه ملوثة. الأمر الذى حوّل حياة هؤلاء البسطاء إلى جحيم بسبب عدم توفر كوب ماء نظيف حتى بعد ثورة 25 يناير ومحاربتها الفساد، إلا أن الفساد الصحى والبيئى يطل بوجهه على سكان المنيا ليصيبهم بالأمراض المزمنة؛ فيعانى أكثر من 100 ألف مواطن من أهالى قرى (المقادير والكوم الأحمر وطحا الأعمدة وبنى غنى وإطسا والشروبى بسما لوط – وأبو يعقوب ومنشية الزاويا البحرية وأبو عزيز ونزلة خميس والشيخ عبد الرازق وعزبة رحمى وهدى شعراوى - ببنى مزار) وغيرها من المدن والقرى التى تعانى تلوث المياه وتغير تركيبها الكيميائى واحتوائها على معادن ثقيلة كالحديد والمنجنيز، فضلا عن اختلاطها بمياه الصرف الصحى، ما يهدد صحة آلاف المواطنين بالمنيا. وحذر أبو شبكة نجيب أيوب بأن المياه الملوثة بالصرف الصحى تسببت فى زيادة نسبة الأملاح فى التربة، ما يهدد الأرض بالبوار، فضلا عن تفشى الأمراض بين المواطنين. يقول عبد الناصر سالم، من سكان قرية كفر الصالحين بمركز مغاغة؛ إن عدد سكان القرى المصابة بفيروس سى والفشل الكلوى بالمحافظة يتخطى 6 آلاف مواطن بسبب تلوث المياه واختلاطها بمياه الصرف الصحى. ويضيف وائل عبد العظيم، من قرية شارونة بمغاغة؛ أنه لا يوجد صرف لمياه الصرف الصحى، فتجتاح البيوت وتدخل خزانات محطات مياه الشرب وتختلط بها، وتضر الأهالى وتصيبهم بالأمراض والأوبئة، وذلك نتيجة التلفيات المستمرة بمواسير مياه الشرب، مما يساعد على اختلاطها بالصرف الصحى. ويشير الدكتور أحمد سيد فتح الباب إلى وجود العديد من مشكلات الصرف داخل مدينة مغاغة، وخاصة فى المساكن الحكومية المهددة بالخطر من جراء مياه الصرف الموجودة باستمرار أسفل العمارات السكنية، مثل مساكن الاستاد بمغاغة وطه حسين. ومن الواجب على مجلس مدينة مغاغة -بالتنسيق مع هيئة الصرف الصحى- إيجاد حلول سريعة لهذه المشكلة وتغيير شبكات الصرف المتهالكة والتى تهدد هذه المساكن. وعلى الرغم من المبالغ الكبيرة التى تخصص للإنفاق على قطاع الصرف الصحى؛ إذ تقدر قيمة الاستثمارات المخصصة لمشروعات المياه والصرف الصحى المستهدفة فى الخطة الخمسية نحو 61 مليار جنيه، مخصص منها لمشروعات الصرف الصحى نحو 43 مليار جنيه بنسبة 71%، فإن الوضع الراهن يشير إلى وجود قصور فى هذا المرفق؛ إذ لم تتحقق الاستفادة القصوى من مياه الصرف التى لم تخضع بالكامل للمعالجة. وقد أكد تقرير للمجلس القومى لحقوق الإنسان عام 2009 وجود 38 مليون مواطن مصرى يعتمدون فى الشرب على مياه الصرف الصحى، مع العلم أن مياه الصرف الصحى تحتوى على مواد عضوية، ما يفضى إلى انتشار الأمراض بين المواطنين؛ إذ إن 76 %من مياه القرى مخلوطة بالصرف الصحى. وفيما يتعلق بالانتهاكات المرتبطة بالصرف الصحى فإنها تتضمن حرمان مناطق عديدة من الصرف الصحى وما ينتج عنه من مشكلات بيئية وصحية ومجتمعية كبيرة، أهمها اضطرار قاطنى المناطق غير الحضارية إلى إنشاء خزانات أسفل سطح الأرض لاستقبال مياه الصرف الصحى الخاصة بهم، ومن ثم تسربها إلى الخزان الجوفى، وما ينتج عنه من تلوث يحتاج إلى عشرا ت السنين لتنظيفه. والأخطر من ذلك هو استخدام هذا الخزان فى بعض المناطق للشرب.