فشل الاجتماع الأخير بين الرئيس السودانى «عمر البشير» ونظيره الجنوبى «سلفا كير» فى إثيوبيا، فى إنهاء الأزمة القائمة بين البلدين المتمثلة فى إغلاق الملفات المفتوحة بينهما التى يجب أن توقع فيها اتفاقات. ومن المقرر عقد الجولة التالية من المحادثات فى 15 من فبراير القادم، لكن الدبلوماسيين لا يتوقعون انفراجة قريبة فى المباحثات الشاقة والطويلة والمعقدة. وقد تأثر الاقتصاد السودانى بهذا، فتراجع الجنيه السودانى مقتربا من مستوى قياسى مقابل الدولار فى السوق السوداء، بعد فشل المحادثات مع جنوب السودان لاستئناف تدفقات النفط الهامة؛ ما يزيد شح الدولار وأزمة اقتصادية تؤجج الاستياء الشعبى. وخسرت العملة السودانية أكثر من نصف قيمتها منذ انفصال جنوب السودان فى يوليو 2011م آخذا معه ثلاثة أرباع إنتاج البلاد من النفط قبل التقسيم. ودفعت ندرة العملة الصعبة معدل التضخم السنوى إلى الصعود إلى 44.4% فى ديسمبر، فيما تفاقمت أزمة العملة بإغلاق إنتاج جنوب السودان من النفط قبل نحو عام، فى نزاع بشأن الرسوم التى يتعيّن عليه دفعها مقابل مرور الصادرات عبر خطوط أنابيب فى السودان. واتهمت الحكومة السودانية دولة جنوب السودان بالتراجع عن تنفيذ بنود اتفاق التعاون المشترك، الذى وُقّع بين رئيسى البلدين فى سبتمبر الماضى بأديس أبابا. وتراجعت حكومة الجنوب عن اعتماد منطقة 14 ميلا منزوعة السلاح كليا، حسب اتفاق الترتيبات الأمنية، وحسب الخريطة الأمنية للاتحاد الإفريقى التى بُنى عليها اتفاق الترتيبات الأمنية فى اتفاق التعاون بين البلدين. وكانت «الخرطوم»و«جوبا» قد وقعتا، فى السابع والعشرين من سبتمبر الماضى؛ اتفاقات للتعاون بينهما تتعلق بالأمن وأوضاع المواطنين وقضايا الحدود وقضايا اقتصادية، وأخرى تتصل بالنفط والتجارة؛ وذلك بعد مفاوضات شاقة وطويلة ومعقدة بين رئيسى البلدين بأديس أبابا. وقد حاولت دولة جنوب السودان، فى المحادثات الأخيرة، إقحام مناطق جديدة مختلف عليها، غير المناطق الخمس الأولى المتعارف عليها بأنها مناطق اختلاف بين البلدين. وتحدثت حكومة الجنوب عن أن عرض المنطقة 123 كيلومترا لا 284 كيلومترا. وقد أكد السودان الالتزام بالخارطة الأمنية للمنطقة التى اعتمدها اتفاق الترتيبات الأمنية بين البلدين، وجعل كل المنطقة منزوعة السلاح، على أن تسود فيها العلاقات القبلية بين القبائل المختلفة، وتسهل فيها حركة المواطنين والرعاة بين البلدين، خاصة فى موسم الجفاف. وتعتبر منطقة الميل 14 الواقعة على الحدود مع ولاية شرق دارفور السودانية ودولة جنوب السودان، والمتنازع عليها؛ استراتيجية للطرفين؛ إذ تتوفر فيها الأراضى الخصبة والمراعى الطبيعية والمياه. وقد فوض البلدان خبراء أفارقة لتقديم رأى قانونى «غير ملزم» فى المناطق الخمس المتنازع عليها. وركز السودان على أن إدخال مناطق جديدة تدعيها دولة الجنوب يناقض اتفاق التعاون بين البلدين ويعرقل ترسيم الحدود بينهما، كما أكدت الخرطوم أن عدم التزام حكومة الجنوب بإنشاء إدارية ومجلس تشريعى بمنطقة «أبيى»، أعاق التداول حول وضع المنطقة النهائى بين رئيسى البلدين. وكان الجانبان قد وقّعا، فى يونيو من العام الماضى، اتفاقا يقضى بجعل «أبيى» منزوعة السلاح، مع السماح بنشر قوة أمنية مؤقتة قوامها 4200 جندى إثيوبى. وفى 29 من مايو الماضى، أعاد الجيش السودانى انتشار قواته خارج «أبيى»، وسلم المنطقة إلى قوات حفظ السلام الأممية «يونسفا». وكان من المقرر أن تصوت «أبيى» على تقرير مصيرها فى يناير من العام الماضى بالتزامن مع استفتاء تقرير مصير الجنوب، إلا أن خلافات حول من يحق لهم التصويت حالت دون إجرائه. ويرى مراقبون سياسيون سودانيون أن تعثر الاتفاقيات بين السودان والجنوب يعود إلى تنفيذ منطقة عازلة منزوعة السلاح؛ فهنالك جنرالات فى الجيش الشعبى الجنوبى لا يؤيدون هذه الفكرة حسب أفكارهم التى تعود إلى فترة الحرب بين البلدين؛ فهناك قوات كانت فى الشمال وبقيت ولا تزال موالية للجنوب بتسمية جديدة «قطاع الشمال»، وتواصل القتال بإمداد من دولة الجنوب. وإذا نُفذ اتفاق المنطقة العازلة فإن التمرد سينخفض بالكامل ويهزم. ولم تستبعد وزارة الخارجية السودانية وقوف دوائر فى الولاياتالمتحدة وما سمته «لوبيات الضغط الصهيونية» فى دول غربية عديدة، وراء تعنت حكومة الجنوب فى المفاوضات الأخيرة بين الدولتين. فموقف حكومة الجنوب بدا كأنه محاولة لنقل الملف إلى مجلس الأمن الدولى وفق الاستراتيجية الأمريكية؛فالجنوب يريد أن يتملص من المرجعية الإفريقية ويعتمد على المرجعية الدولية فحسب (أمريكا والصهيونية)، فى الوقت الذى اختار فيه السودان عدة عوامل، منها الوقوف خلف التاريخ والوقائع التى ينبغى أن تؤسس عليها الحلول؛ وذلك بتأكيد قدرة الأفارقة على حل مشكلاتهم الداخلية ذات التعقيدات التى يصعب أن تحل فى الإطار الدولى؛ فآليات الحل الدولية فى الشأن الإفريقى قاصرة.