تعرضنا فى مقالنا السابق إلى إرهاصات ثورة 25 يناير المباركة وأشرنا إلى إن هذه الثورة كانت امتدادا لنضال سنوات طويلة تزيد على الثلاثة عقود، توجت بنضال شامل ومتواصل فى السنوات السبع الأخيرة بعد سقوط مبارك أثناء إلقاء خطاب العرش أمام مجلسى الشعب والشورى فى نوفمبر 2003. وأشرنا إلى الوثيقة التى حررها المجاهد مجدى أحمد حسين عام 2002 والمغفور له بإذنه الأستاذ الدكتور صلاح صادق -محامى الشعب والفقراء- والتى تطالب برحيل مبارك، وتشكيل "الجبهة الوطنية للتغيير" مع بدايات 2004 مع الكثير من القوى الوطنية ثم المشاركة فى تأسيس الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) ثم انتفاضة القضاة 2006 عقب تزوير انتخابات 2005 وانتفاضة إبريل 2008 وفى القلب منها انتفاضة عمال المحلة الكبرى ثم الحركات الاحتجاجية التى اجتاحت ربوع مصر ولم تهدأ إلا بانخراطها فى ثورة 25 يناير 2011. وأشرنا إلى معارك جريدة الشعب منذ عام 1981 والتى خاضتها ضد التبعية والاستبداد والفساد والظلم الاجتماعى وتضييع الهوية والتى تصاعدت عام 1986 بكتيبتها المجاهدة التى تقدمها الأستاذ عادل حسين -رحمه الله- وكان رأس الحربة رئيس تحريرها - قبل إغلاقها - الأستاذ مجدى أحمد حسين والذى قدم من حياته سنوات وسنوات قضاها فى سجون مبارك. وعرضنا نماذج لبيانات حزب العمل ومقالات أمينه العام فى الفترة من فبراير 2002 حتى سبتمبر 2003 قبل سقوط مبارك فى مجلس الشعب فى نوفمبر 2003 وقبل أن يبدأ تفكير أى من القوى السياسية فى إقالته أو تنحيته أو حتى عدم التمديد له. ولنتابع كتابات مجدى حسين أمين عام الحزب -وقتها- بعد هذا التاريخ. ♦ لماذا لا يصدق الناس مبارك فى موضوع التوريث؟ - ثلاث ضمانات رئيسية حتى يمكن إغلاق هذا الملف الأسود. (إعفاء جمال مبارك من مسئولية لجنة السياسات بالحزب الوطنى. - تعيين نائب لرئيس الجمهورية من غير أفراد الأسرة الحاكمة - أن يعلن صراحة أنه سيعتزل السياسة بعد هذه الدورة التى تنتهى فى أكتوبر 2005)، وأن يفتح باب الترشيح مبكرًا بين أكثر من مرشح للانتخاب الحر المباشر على موقع رئاسة الجمهورية. - أن يعلن اعتزال أسرته (وعلى رأسهم "السيدة سوزان ثابت، وعلاء وجمال") العمل العام من الآن.- 9 يناير 2004 ( تم هذا قبل تعديل المادة 76 بجعل منصب رئيس الجمهورية بالانتخاب بديلا عن الاستفتاء بستة عشر شهرا وقبل أحد عشر شهرا من تظاهرة كفاية) ♦ إعفاء مبارك من منصبه أصبح واجبًا وطنيًّا ودستوريًّا - 4 مواد بالدستور تنظم وتحتم تعيين نائب للرئيس. - ترك البلاد فى حالة فراغ دستورى يعكس انعدام الإحساس بالمسئولية تجاه مصر وشعبها. - إدخال البلاد فى حالة من الارتباك لإحياء فكرة توريث الحكم، ولن تسمح الأمة بهذا العبث. - سينتهى حكم مبارك وستعود مصر سيرتها الأولى زعيمة العروبة ومنارة الإسلام.- 25 فبراير 2004 ونراجع بعض بيانات حزب العمل خلال الفترة من 2001 وحتى 2006 والتى عاصرت انتفاضة الأقصى المباركة فى أكتوبر 2000 - العدوان الأمريكى على العراق - انتخابات الرئاسة 2005 - انتفاضة القضاة 2006. ¨ نداء.. من أجل إعداد مصر لمواجهة التهديدات الإسرائيلية والأمريكية - مقاومة ودحر الحملة الصليبية واجب شرعى وقومى ووطنى - 15 أكتوبر 2001 ¨ انكسرت موجة الهجوم الأمريكى الصهيوني لكن لنحذر المؤامرات - هجوم القوى المجاهدة يحقق الانتصارات والحكومات مطالبة بتوحيد مواقفها - 15 فبراير 2002 ¨ بيان إلى الأمة - العمليات الاستشهادية أعلى مراتب الجهاد - 5 يوليو 2002 - وقّع عليه ما يزيد على الثلاثين من علماء الأمة وتم تلاوته بالجامع الأزهر الشريف فى الجمعة التالية له وتحت حصار الأمن لقيادات الحزب. ¨ إقالة والى ومحاكمته ومواجهة المخططات الأمريكية – الصهيونية لتقسيم السودان، وإبادة شعب العراق، وتهجير الشعب الفلسطينى قضايا لم تعد تحتمل الصمت أو التأجيل أو المماطلة ومصداقية النظام على المحك! - 8 سبتمبر 2002 ¨ التاريخ لن يرحم أحدا يصمت أو يضعف فى مواجهة العدوان الصهيونى الأمريكى الراهن والقادم ضد العراق و فلسطين - 10 يناير 2003 ¨ التراجع الأمريكى وتعدد الأقطاب فى العالم بات حقيقة - 14 مارس 2003 ¨ إلى طلاب مصر.. اخرجوا فى مسيرات جماعية وتحركوا لإغلاق سفارة الشيطان الأمريكى - البيان الأول 20 مارس 2003 - إبان العدوان الأمريكى على العراق. ¨ اليوم المسيرات من كل المساجد إلى ميدان التحرير - مواصلة حصار سفارة الشيطان الأمريكى بدءا من الساعة الثانية ظهرا - البيان الثانى 20 مارس 2003 - احتشد لأول مرة ما يزيد على العشرين ألف مصرى دعما للعراق فى ميدان التحرير وتحركت مسيرة الحزب من الجامع الأزهر الشريف حتى ميدان التحرير فى الوقت الذى رفضت فيه بعض القوى التحرك من الأزهر للميدان. ¨ الحكومة المصرية مطالبة بإطلاق الحريات أمام الشعب لمساندة العراق وفلسطين.. واعتقال المصريين تطور خطير - 21 مارس 2003 ¨ نطالب بوقف أى تسهيلات لقوات العدوان وإغلاق قناة السويس أمام سفن العدو وفك الحصار حول العراق فورا وفتح الباب للمتطوعين للذهاب الى العراق وفلسطين- 4 إبريل 2003 ¨ نطالب بانتخاب رئيس الجمهورية انتخابا حرا مباشرا بين أكثر من مرشح يتنافسون على مرضاة الأمة من خلال برامج انتخابية ملزمة - 29 نوفمبر 2003 ثم كان بيان حزب العمل الذى صدر خلال تلك الفترة رافضا لرئاسة مبارك وكان بذلك حزب العمل أول حزب يدعو لإنهاء حكم مبارك – وفرق كبير بين رفض التمديد والمطالبة بإنهاء حكمه - وكذلك فإن معظم ما جاء فى هذا البيان أصبح برنامجًا للهبة الشعبية التى بدأت فى 12/12/2004، تحت شعار "لا للتمديد... لا للتوريث". والذى نص على ما يلى: 1. رحيل مبارك والأسرة الحاكمة من الحكم. 2. دورتان بحد أقصى لأى رئيس جمهورية. 3. إلغاء حالة الطوارئ والإفراج عن كافة المعتقلين. 4. إلغاء التعديل المزور للمادة 76 من الدستور، وإعادة صياغتها بما يسمح لكافة القوى السياسية بالترشيح للرئاسة. 5. إقرار قانون السلطة القضائية، والإشراف القضائى الكامل على الانتخابات. 6. إطلاق حرية تشكيل الأحزاب وإصدار الصحف. ¨ غابت الدولة وملأ فراغها إما فاسد أو عاجز أو مغتصب للسلطة - 30 إبريل 2006 ¨ ارفعوا أيديكم عن القضاة - حرية الشعب رهن باستقلال القضاء - 17 نوفمبر 2006 ¨ أكذوبة العهد الذى لم يقصف فيه قلم - استمرار إغلاق جريدة الشعب وقصف مائة قلم لست سنوات - نموذج صارخ للعدوان على القضاء والحريات - 25 فبراير 2006 ***** ولم يقتصر نشاط حزب العمل وكوادره على النقاش وإصدار البيانات بل نزلوا بها إلى الشارع والمقار والمساجد، وشهد الجامع الأزهر مؤتمرا أسبوعيا لقيادات الحزب - طوال ست سنوات من أول إبريل 2002 تاريخ الاجتياح الصهيونى للأراضى الفلسطينية وحتى مايو 2008 بعد صدور قانون خاص من مجلس الشعب المزور بمنع التظاهر فى دور العبادة - يشد على يد الأمة ويحذر من الأخطار التى تتهددها ومن السكوت على الاستبداد والفساد وشهد بهذه المؤتمرات العدو قبل الصديق. وعلى صعيد مقاومة حكم الاستبداد والطغيان قام الحزب بجمع توقيعات جماهيرية مطالبة بإنهاء حكم مبارك، تجاوزت الخمسين ألف توقيع، وكان يتم تظاهرات أمام مجلس الشعب برفض حكم مبارك تحت شعار "لا لمبارك" وتسليم التوقيعات دوريًّا لمجلس الشعب فى الفترة من يوليو 2003 وحتى يوليو 2004 حين قامت الشرطة بمحاصرة المجلس ومنعتنا من تسليم المزيد من التوقيعات. وأشير هنا إلى حوار سجله أخى العزيز شوقى رجب دار بينه وبين أحد شباب حركة كفاية فى إحدى التظاهرات عندما سأله شوقى: هل تذكر أول مره سمعت فيها هتافا ضد مبارك فأومأ برأسه مؤكدا (نعم أذكر، إن أول هتاف سمعته بسقوط مبارك كان من أعضاء حزب العمل أثناء استجواب مجدى حسين فى البلاغ المقدم ضده من يوسف والى عام 2000 (فسأله شوقى: هل تذكر ما قلته وقتها فقال (نعم أتذكر كنت أعجب كيف تملكون هذه الجرأة فى الهتاف بسقوط مبارك وتذكرت أيضا أول هتاف أسمعه قبل هذا اليوم ينادى بسقوط مبارك؛ كان هذا الهتاف فى المؤتمر الصحفى الذى عقد فى مقر السيدة زينب فى مايو 2000).. ولكننى أضيف هنا أن من أوائل المنادين بسقوط مبارك كان المجاهد الدكتور محمد زارع أمين عام مساعد الحزب وأحد قياداته فى مدينة ميت غمر عام 2002 عقب لقاء حضره الدكتور سعد الدين إبراهيم والمهندس محمد فريد حسنين عندما هتف "يسقط يسقط حسنى مبارك"، كما أذكر هنا آخر حكم فى قضايا حزب العمل ضد تجميد نشاطه وعقب صدور الحكم من المحكمة الإدارية العليا بتحويل قضايا الحزب إلى -ثلاجة- المحكمة الدستورية فانتفض أعضاء وقيادات الحزب هاتفين بسقوط مبارك وعائلته ونظامه فى طرقات وبهو المحكمة الإدارية العليا. وأتذكر هنا بدايات "كفاية" ووقفتها الصامتة الأولى ووضع شعار كفاية على الأفواه، وكسر الأستاذ مجدى حسين لجدار الصمت بالصلاة ثم الدعاء، كما أذكر هنا كيف كان يعاتب المهندس كمال خليل من قيادات كفاية عندما كان يهتف بسقوط مبارك عام 2005. كما دعونا فى وقت مبكر -فى بدايات 2004- لإقامة جبهة وطنية عريضة تضم كافة القوى الوطنية والإسلامية (الجبهة الوطنية للتغير)، ودعونا لانتزاع حق تأسيس المنظمات السياسية والجماهيرية دون إذن السلطات، وعلى هذا الصعيد حدثت تطورات بالغة الأهمية من أواخر 2004 حتى وحتى ثورة 25 يناير 2011. وكنا ندرك بطبيعة الحال أن إقالة مبارك لن تتم بدون حركة شعبية واسعة، ومن خلال التظاهر المتواتر حتى العصيان المدنى الشامل، ولا شك أن السنوات السبع السابقة للثورة كانت حافلة بكافة أشكال التظاهر والاعتصام والإضراب، وتبنى الحزب فى نهايتها الدعوة للعصيان المدنى التى أطلقها المستشار طارق البشرى فى إحدى دراساته، فقام حزب العمل بطباعتها وتوزيعها على نطاق واسع وتحويلها إلى برنامج عمل طرحه على القوى الوطنية، وتواصلت كل التحركات بفضل من الله ونعمة حتى تم الخلاص من هذا الحكم الذى انتهى عمره الافتراضى قبل الثورة بسنواته، ف"مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ" كما كان يقول أخى المناضل عبد الحليم قنديل. ***** إن الجهر بالحق هو السلاح الماضى لأى حركة شعبية ذات رسالة، وقد رأى حزب العمل دومًا أن يقوم بهذا التكليف الشرعي، الذى لا يستند أبدًا لتوازن القوى المادية مع أهل الباطل؛ فمعسكر الحق من المفترض أن يصدع بما يؤمر من الله عز وجل، بغض النظر عن حالة القوة والضعف من الناحية المادية فأعظم الجهاد هو كلمة حق عند سلطان جائر. لقد كان جزاء حزب العمل بعد ثورة شعب مصر المباركة جزاء سنمار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى تولى إدارة شئون البلاد بعد ثورة 25 يناير المباركة، رغم أن حزب العمل شارك فى تمهيد الأرض للثورة وبذر بذرتها، ولكننا قمنا بها ابتغاء وجه الله وخير هذا الوطن. هذا هو حزب العمل وهذا بعض من تاريخ نضاله، ويبقى الكثير من معاركه التى خاضها ولم نعرض لها، لعل مقال قادم يسمح بذلك. والحمد لله رب العالمين، وتهنئة لشعب مصر العظيم بثورته المباركة. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة