في سابقة تعد الأولي من نوعها في تاريخ تركيا الحديث حقق حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان, فوزا كاسحا في الانتخابات التشريعية المبكرة التي أجريت أمس الأول حيث أشارت النتائج الرسمية النهائية إلي حصوله علي نسبة46.77% من إجمالي الأصوات وعلي342 مقعدا من إجمالي550 مقعدا بما يمكنه من تشكيل الحكومة منفردا للمرة الثانية علي التوالي. كما حصل حزب الشعب الجمهوري المعارض علي20.87% من الأصوات ليحصد112 مقعدا بينما بلغت نسبة حزب الحركة القومية14.33% ليفوز ب70 مقعدا في حين حصل المستقلون علي5.11% ليصل عدد مقاعدهم إلي26 مقعدا في البرلمان. وقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات نحو85%. كذلك كشفت نتائج الانتخابات تضاعف عدد المقاعد التي حصل عليها النساء في البرلمان حيث سينضم إلي البرلمان الجديد48 سيدة, فيما كانت أعدادهن في السابق21 سيدة فقط. وفي الوقت نفسه فقد حزب العدالة واحدا من أهم وزرائه وهو كورشاد توزمن وزير الدولة للتجارة الخارجية الذي خسر مقعده في مدينة هرسين بجنوب البلاد, في حين فاز حزب الحركة القومية بالمقاعد الأربعة في المحافظة نفسها. و في أول تعليق له بعد فوز حزبه بالأغلبية الكاسحة وفي محاولة منه لتهدئة العلمانيين في تركيا بالإضافة إلى تخفيف حدة ضغوط المؤسسات العسكرية أكد أردوغان التزام حزبه العدالة والتنمية بالمبادئ العلمانية والجمهورية في تركيا معربا عن ارتياحه للنتائج التي تشير إلي نجاح تركيا في اختيار الديمقراطية. وأكد أردوغان التزامه بمواصلة مسيرة انضمام بلاده إلي الاتحاد الأوروبي والإصلاحات السياسية والاقتصادية. وأوضح رئيس الوزراء التركي أنه يتفهم رسالة من يصوت لمصلحة حزبه وأن حصول حزب العدالة علي الأغلبية المطلقة يفرض مسئوليات جديدة سنعمل علي تجاوزها. كما قدم أردوغان أمس استقالته خلال لقائه بالرئيس التركي احمد نجدت سيزار تمهيدا لتشكيل الحكومة الجديدة والتي تمثل الحكومة رقم60. وقال أردوجان- خلال مؤتمر صحفي عقده في أنقرة - إن الرئيس طلب منه الاستمرار في مزاولة عمله لحين تشكيل الحكومة الجديدة. وتعد استقالة الحكومة مجرد إجراء شكلي إذ سيكلف أردوغان الأسبوع المقبل علي الأرجح بتشكيل الحكومة الجديدة عقب إعلان النتائج الرسمية للانتخابات. وتشير هذه نتائج الانتخابات إلي تمثيل ثلاثة أحزاب في البرلمان الجديد هي حزب العدالة برئاسة أردوغان وحزب الشعب الجمهوري برئاسة دينز بايكال وحزب الحركة القومية برئاسة دولت باهلي ليصل إجمالي عدد نواب الأحزاب الثلاثة الممثلة في البرلمان523 نائبا إضافة إلي28 نائبا معظمهم من الأكراد. ومن جهة أخري احتجب رئيس حزب الشعب الجمهوري بايكال في بيته منذ بداية إعلان النتائج الأولية للانتخابات ومنذ ظهور المؤشرات علي تفوق العدالة والتنمية غادر بايكال المدعوم من المؤسسة العسكرية والرئيس التركي سيزار مقر حزبه إلي بيته رافضا الحديث مع أحد ومعبرا عن ذهوله لنتيجة الانتخابات حيث كان يتوقع أن يفوز حزبه بالمرتبة الأولي. وذكرت الصحف التركية الصادرة أمس أن نسبة المشاركة في الانتخابات حققت رقما قياسيا(85%) مقابل(79%) في انتخابات2002. وأشارت إلي أن المرحلة الأولي بعد الانتخابات ستتمثل في تشكيل البرلمان بلجانه المختلفة ورئاسة ديوان البرلمان وبعدها يتم اختيار رئيس البرلمان لإتاحة الإمكان لحل أزمة اختيار رئيس جديد للبلاد بعد أن اشترطت محكمة الدستور ضرورة حضور367 نائبا جلسات التصويت لاكتمال النصاب القانوني والآن يمتلك حزب العدالة341 صوتا وإذا استطاع ضم أصوات المستقلين لجانبه يمكنه حل جميع النزاعات علي الساحة. وأشار المراقبون إلي أن اكتساح حزب العدالة الانتخابات التشريعية جاء كرد فعل شعبي قوي جراء تدخل المؤسسة العسكرية والمعارضة العلمانية ضد الحزب في الانتخابات الرئاسية لمنع وصول عبدالله جول إلي القصر الجمهوري في شهر مايو إضافة إلي رسالة أخري حملتها بأن إرادة الناخبين انتصرت لأردوغان ورفاقه في حزب العدالة بعد أن حقق إنجازات علي الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي أدت في نهاية المطاف إلي رفع المستوي المعيشي. وتشير النتائج إلي أن حزب العدالة وللمرة الثانية علي التوالي سيتمكن من تشكيل الحكومة منفردا دون الحاجة إلي الدخول في ائتلاف مع أعضاء الأحزاب الأخرى التي دخلت البرلمان أو المستقلين. وأشارت تقارير إعلامية إلي أن البرلمان الجديد سيواجه عدة اختيارات, يتمثل الأول في اختيار رئيس تركيا الجديد, ويتعلق الثاني بمنظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية في ضوء الانقسام الحاد الذي شهدته فترة الانتخابات التشريعية وصعود الموجة القومية التركية التي أسفرت عن تمثيل حزب الحركة القومية المتطرف, إلي جانب تمثيل21 نائبا كرديا في البرلمان حاملين في جعبتهم الملف الكردي, الأمر الذي سيفرض جولة جديدة من السجال والتناحر علي الساحة التركية منذ23 عاما ولم يتم حسمها حتى الآن. كذلك تأتي مسألة الانضمام للاتحاد الأوروبي كاختبار للبرلمان الجديد بعد تمثيل حزب الحركة القومية الذي أعلن صراحة أنه ضد تقديم تنازلات جديدة لإتمام عملية الانضمام. وتوالت ردود الفعل الدولية حول فوز حزب العدالة, حيث وصف مسئول الخارجية الأمريكية مان برايزا النتيجة بأنها نصر كبير للديمقراطية. في الوقت الذي أعرب فيه رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون عن أمله في أن يسهم فوز حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان في تحقيق تقارب بين أوروبا وتركيا. كما رحب القادة الأوروبيون أمس بنتائج الانتخابات ووصفوها بأنها نقطة تحول للديمقراطية في تركيا وطالبوا الحكومة الجديدة المنتظرة بمضاعفة جهود الإصلاح لدفع أنقرة في طريق عضوية الاتحاد الأوروبي. من جانبه أعرب رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروزو عن تهنئته لأردوغان مضيفا أن هذا النصر الكاسح لحزب العدالة يأتي في مرحلة مهمة بالنسبة للشعب التركي حيث إن البلاد تمضي قدما في إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية.