"كش ملك".. قالتها المقاومة الفلسطينية بقوة؛ عندما طالت يد الاحتلال الغادرة نائب القائد العام لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، أحمد الجعبري.. لم تنتظر أن تحصد "الجندي" و"الفرس" أو "القلعة"، ولم تطمح باغتيال "الوزير"، بل اختصرت الطريق، وكشفت عن ال (m75 ) ، ثم ضربت تل الربيع المحتلة،وقالت ل(إسرائيل):" كش ملك"!! "المفاجأة كانت أكبر من التوقعات الإسرائيلية التي راهنت أن تكون المقاومة الفلسطينية (هربت) صواريخ يصل مداها إلى 30 كيلو متر، أما أن تكون تلك الصواريخ محلية، وأن يتجاوز مداها ال70 كيلو متر، ويهدد "الجبهة الداخلية" التي هي بمثابة خط أحمر لدولة الاحتلال .. هذا بنظر الاحتلال محال!! اللواء يوسف الشرقاوي الخبير في الشئون الأمنية والعسكرية، في حوار مع صحيفة "فلسطين"، قيَّم أداء المقاومة الفلسطينية في الحربين الأخيرتين، مؤكداً أن حرب 2012 جسدت الدروس التي استفادتها المقاومة من حرب 2008-2009م، والتفاصيل في السياق التالي: مقلاع داود بدأ الشرقاوي حديثه معنا بالمقارنة بين الحربين، قائلاً:"في الحرب الأولى كان هدف (إسرائيل) إسقاط حكم حماس وضرب المقاومة، أما الحرب الثانية سجلت للمقاومة أداء أفضل، حيث أدخلت في بنك أهدافها مدنا في العمق مثل (تل أبيب) والقدس المحتلتين وذلك للمرة الأولى". وشرح أن تحسن أداء المقاومة لم يكن على الصعيد العسكري فحسب، بل كان على الصعيد الإداري أيضا والإعلامي حيث أجادت اللعب في ميدان الحرب النفسية، مما يفسر تطويرها لإيجابيات الحرب السابقة وتقليصها للسلبيات. ونصح المقاومة في غزة أن تسير على خطى المقاومة اللبنانية، التي زاوجت بين الحرب النظامية وحرب العصابات، وأن تزاوج بين القصف الصاروخي والدفاع البري، لافتاً إلى أن الأول (جيد) تمكن من تعديل ميزان الرعب بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، بينما يبقى الدفاع البري يحتاج بذل مزيدٍ من الجهد. وقال:" هذا يتوجب تدريب جيد على مدى طويل حتى يتقنه المقاتلون، أيضا يحتاج إلى معدات حديثة تفاجئ العدو"، مشيراً إلى أهمية عنصر المفاجأة الذي خدم المقاومة بشكل كبير في حرب 2012 . وعلق على تطوير سلاح المقاومة المحلي الصنع، بقوله: لا أحد ينكر وجود تصنيع محلي للقذائف والصواريخ داخل قطاع غزة، لكن أيضاً لا ننكر أهمية الدعم الخارجي لها سواء كان بالسلاح أو المال. وأوضح أن الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع قطاع غزة هذا الشريط الضيق ذو الكثافة السكانية، كهدف مساحي، كما تتعامل المقاومة معه، من ذات الوجه، لذا يحسب لها أنها استطاعت أن تربك الجبهة الداخلية (اللحم الحي) للعدو. وأكد أن (نقطة الضعف) الكبيرة في حق الاحتلال أن المقاومة أثبتت فشل ما تغنى به، ألا وهي منظومة القبة الحديدية والتي في أفضل حالاتها لا تعترض أكثر مما يزيد عن 19-20% من صواريخ المقاومة. ولفت إلى أن المقاومة اضطرت الاحتلال بعد انتهاء المعركة للإعلان عن نيته "ادخال نظام (مقلاع داود) وأن بطارية واحدة منه تستطيع أن تحمي الداخل المحتل كله"، مؤكداُ أن هذا درب من الخيال . وسيلة المُرْهق !! وتطرق إلى المناورة الإسرائيلية الأمريكية المشتركة التي جرت في النقب قبيل الحرب، وشملت بطاريات أمريكية زُرعت في النقب المحتل والتي كان من الممكن أن تدخل الحرب، ومع ذلك لم تأبه المقاومة بها وقصفت تل الربيع المحتلة. وتابع:"المقاومة الفلسطينية صلبة ومتماسكة ولكن يجب أن تواكب التسلح الإسرائيلي، وتقتني سلاحا نوعيا حتى تفاجئ العدو وتضربه من حيث لا يحتسب فتربك توازنه"، مضيفاً:"تفوقنا ليس بالنصر أو الهزيمة بل بالنجاح أو الفشل والتي يفصل بينهما عنصر المفاجأة". وعلق على ما تداولته الأنباء ، عن تحكم المقاومة بتوجيه صواريخها عبر البحر ومن ثم تلتف إلى الداخل المحتل لتجاوز منظومة القبة الحديدية، بقوله:" إن صح ذلك فهو يدل على سيطرة المقاومة على مسار الصاروخ، والأفضل أن تعي المقاومة الفلسطينية تكتيك المقاومة في جنوب لبنان والتي تطلق صواريخها من تحت الأرض حتى تربك السيطرة الجوية ونظام المراقبة الإسرائيلية، المسيطر على سماء غزة 24 ساعة". وفيما يتعلق باختراق (إسرائيل) لبث الإذاعات الفلسطينية، وبث رسائل تتغنى بمنظومة القبة الحديدية وتطالب الأهالي بالابتعاد عن (عناصر حماس)، قال:" تأتي هذه ضمن الحرب النفسية التي تعتبر من أصناف الحروب في العالم ولا يلجأ لها الجيش إلا عندما يكون مرهقاً". وتابع:" هنا يجب أن تكون المقاومة حريصة ، لاسيما وأن العدو يمتلك قدرات ووسائل الحرب الالكترونية التي تمكنه من أن يخترق إذاعاتنا ونظام الاتصالات وإذا طورنا أسلحتنا قد يخترق الشيفرة الخاصة بها". وأفاد أن المقاومة هي أيضاً استطاعت أن تخترق أرشيف الجيش الإسرائيلي، وتوجه التهديدات لخمسة آلاف ضابط إسرائيلي، وهو ما اعترفت به الصحافة الإسرائيلية، مما يدلل على أن الحرب الالكترونية بين المقاومة المتواضعة والاحتلال الإسرائيلي الذي يمتلك جيشاً من أفضل ستة جيوش في العالم؛ (مستعرة). وأكد أن اهتمام المقاومة بترجمة القنوات العبرية ونقلها للمواطن، خدم أهدافها، وأن أحد أساليب النجاح في الحرب هو متابعة العدو ومعرفته وذلك وفق القاعدة التي تقول: (نصف النصر أن تعرف عدوك) حتى تبني عليه تقديرات موقفك كمقاومة. حرب على الجواسيس "حرب الأيام الثمانية" تخللها تصفية المقاومة الفلسطينية عدداً من جواسيس الاحتلال في مفترق عام بغزة، كيف أثر ذلك على سير هذه الحرب؟ هو ما أجاب عنه الشرقاوي قائلاً:"ردع الجواسيس أنا معه اقتداء بالثورة الجزائرية لكن أعتقد أن المحاكمات أفضل حتى لا ندخل في إطار العشوائية". واستطرد: "(إسرائيل) تعتمد على العملاء في تصحيح بنك الأهداف، فلولاهم لما تمكن من تحديد مكان الشهيد الجعبري في هذه السيارة بالتحديد"، موضحاً أن الرواية الإسرائيلية التي تقول إنهم كانوا يتابعونه عبر أجهزة الكترونية، مبالغ فيها. وأكد أن (إسرائيل) لا ترى الشعب الفلسطيني إلا من مناظير البنادق والمدافع والطائرات، وبالتالي فهو كله (هدف)، مشيراً إلى أن تاريخ قياداتها حافل بالمجازر التي ارتكبها بحق الفلسطينيين. وعلق على موضوع إسقاط طائرة اف 16 في البحر وفقدان الطيار، وهو ما اعترف به الاحتلال دون ابداء مزيد من التفاصيل، وذكرت الإذاعات المحلية في حينه، أن عدداً من طائرات الأباتشي والزوارق الحربة يغطيان سماء وبحر المنطقة الوسطى في قطاع غزة بحثا عن الطيار المفقود، بقوله:"نتمنى ذلك فهي الوسيلة الوحيدة لتحرير الأسرى، كما أنه يربك الاحتلال، لكن الوقائع تبقى سيدة الموقف". وأضاف:"لو لم تكن الإصابة مباشرة في وسط القطاع، يكون الاحتمال ضعيفاً لأن القطاع ضيق، ويمكن لهذا الطيار أن يقفز إلى المناطق الحدودية أو البحر ليقع بيد الجيش الإسرائيلي". بعد الحرب أما عن قراءته لبداية ونهاية الحربين، إذ بدأت الحرب الأولى بقصف المقار الأمنية واستشهاد ضباط فلسطينيين وانتهت بإعلان من طرف واحد وكانت السيطرة للاحتلال، أما الحرب الثانية بدأت باغتيال قيادي بحجم الجعبري وانتهت باتفاق، قال:"أمريكا و(إسرائيل) عندهما حرب أهم من غزة وهي سوريا وتدمير الجيش السوري، فكان من مصلحتهما إنهاء الصراع مع غزة بسرعة". وتابع:"أرى إصراراً على جر حماس للإطار السياسي العربي لتحقيق هدف بعيد المدى وهو إنهاء المقاومة"، معتبراً أن الإطار الرسمي العربي هو (مقتل) لحماس كما قتل منظمة التحرير من قبل. وما تلا هذه الحرب من استقالة وزير الجيش أيهود باراك وإعلانه اعتزال السياسة، وتقديم لائحة اتهام طويلة ضد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، في حين احتفلت غزة بالنصر قال: "إن (إسرائيل) تقيم الحروب وهي حريصة على المصلحة الإسرائيلية واستمرار الوجود الإسرائيلي، لذا صُعقت من ضرب عاصمتها بعد 64 سنة من قيامها". وفي معرض رده على سؤالنا، هل تتوقع حربا على غزة في ظل المنافسة بين الأحزاب الإسرائيلية على الانتخابات البرلمانية المقبلة، قال:"(إسرائيل) لا تسقط الحرب من حساباتها، وعندما ترى أن المقاومة قادرة على إيذائها تقوم بتجنبها، لا سيما وأن أمريكا تنصح (إسرائيل) بألا تخسر جنودا في المنطقة العربية بل تترك العرب ليقتلوا أنفسهم وهو ما نسميه ب"لحرب النظيفة". ولم يستبعد أن يكون احتمال توتر الحدود الشمالية في ظل أحداث سوريا، عزز صمود التهدئة بين غزة و(إسرائيل)، لاسيما وأن الأداء العسكري الإسرائيلي تراجع ولم تعد (إسرائيل) قادرة على خوض حروب طويلة المدى . واستطرد:"كانت تعتمد إستراتيجية الحرب الخاطفة لأيام، ثم تنقلها إلى أرض الغير، لتحييد الجبهة الداخلية، أما الآن فهي تُضرب في العمق، ناهيك عن أن (إسرائيل) تستطيع أن تبدأ الحرب لكن لا تستطيع إنهاءها، كمان أن جبهتها الداخلية منتهكة، وهو خوفها الأكبر". وأضاف:" عهد الحروب الخاطفة ولّى، كما أن عهد الانتصارات الإسرائيلية ولىَّ، حيث أصبح جيشها الذي لا يقهر يمرغ أنفه في الشمال من حزب الله والجنوب من المقاومة الفلسطينية، التي أنهت أسطورة الجيش الذي لا يقهر". الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة