من الوجهة الظاهرية أعلنت هدنة بين إسرائيل ومنظمات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. ومن الوجهة العملية إما أن هذه الهدنة لم تكتمل وهي بحاجة إلى مزيد من الوقت، وإما أنها لن تكتمل. وفي كل الأحوال، ليس هناك من يعتقد أن الهدنة الراهنة ستطول، حيث أطلقت أمس القوات الإسرائيلية نيرانها على قطاع غزة، واستهدف صاروخ من قطاع غزة أسدود على بعد 40 كيلومتراً من القطاع. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك في جولة له على حدود القطاع أن «الوضع لم ينته بعد. نحن سنقرر كيف ومتى نعمل في اللحظة التي نحتاج فيها لذلك»، مشدداً على أن «إسرائيل لا تنوي القبول بالمساس بروتين حياة المدنيين في جانبنا من الحدود». وأكد أن الجيش الإسرائيلي ينوي استعادة الردع وتمكين القوات من العمل حتى في شريط غربي السياج الحدودي، وهو شريط بعرض 300 متر وتعتبره إسرائيل حيوياً لأمنها. وأعلن وزير الدفاع أن هيئة «التساعية الوزارية» ستبدأ مشاورات حول الموقف الواجب اتخاذه بشأن التطورات في قطاع غزة. لكن هذه لم تكن المشاورات الأولى لا على الصعيد السياسي ولا على الصعيد الأمني والعسكري. ومن الواضح أن القيادة الأشد يمينية في إسرائيل باتت تنظر إلى التغييرات في المحيط الإقليمي وإلى تطور القدرات الفلسطينية في قطاع غزة بشكل مختلف. ويشهد على ذلك ليس التباطؤ في ردود الأفعال، خصوصاً بعد كل هذا القدر من التهديدات على لسان القادة السياسيين والعسكريين، وإنما أيضاً ما حملته الصحافة الإسرائيلية للجمهور من رسائل. فقد أشارت «معاريف» في خبرها الرئيس أمس إلى أن «السياسة الدولية لا تسمح لإسرائيل بالعمل في قطاع غزة»، موضحة أن مصر حذرت إسرائيل من مغبة شن عملية عسكرية في القطاع. وادعت «معاريف» أن الجيش الإسرائيلي كان قد أتم خططه للرد في القطاع، إلا أن التحذير من مصر جاء يقول: إذا نفذت إسرائيل عملية واسعة في القطاع فسنرد بشدة تصل حد إعادة السفير إلى القاهرة. وأشارت «معاريف» إلى أنه بالرغم من تعالي الأصوات في إسرائيل بشن عمل عسكري واسع في غزة يحل «مرة واحدة وإلى الأبد» المشكلة مع القطاع، إلا أنه «يتبين أن إسرائيل تخشى اتخاذ خطوة كهذه خوفا من رد فعل قاس من جانب مصر». وأوضحت أنه بالرغم من جهوزية الجيش في خططه إلا أنه من المشكوك فيه أن يتخذ قرار في إسرائيل بتنفيذ هجوم واسع. وأشارت «معاريف» أيضاً إلى أنه في إطار الاتصالات الجارية مؤخراً بعثت إسرائيل برسالة إلى مصر تفيد بأنه إذا لم يتوقف إطلاق الصواريخ، ولم تنجح الوساطة المصرية فستضطر إسرائيل إلى الرد بشدة وصولاً إلى شن عملية واسعة النطاق في غزة لاجتثاث خلايا إطلاق الصواريخ. وربط شمعون شيفر في «يديعوت» بين التهديدات الإسرائيلية والانتخابات العامة المقبلة بل الانتخابات التمهيدية لزعامة حزب الليكود بعد أيام. وأشار إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه ليسا أول من اعتقد أن السلوك العسكري المتشدد جيد انتخابياً. وكتب «اسألوا (الرئيس الإسرائيلي) شمعون بيريز، الذي كرئيس للحكومة أمر الجيش بشن عملية عناقيد الغضب وقت المعركة الانتخابية في العام 1996». وللتذكير، خسر بيريز الانتخابات حينها لمصلحة نتنياهو الذي يبدو أنه استوعب ذلك الدرس جيدا. وأوضح شيفر أنه في عهد نتنياهو لم تشن حروب ولم يبرم سلام، مشيراً إلى أنه بات على رئيس الحكومة أن يتخذ القرار لأن «الواقع يحشره ويجبره على أشد ما يكره: اتخاذ القرار». وكل قرار سيتخذه سينظر إليه محلياً ودولياً على أنه منطلق من دواع انتخابية. وفي كل الأحوال، وبالرغم من تصاعد المطالبات بعملية واسعة في القطاع، فإن «يديعوت» نقلت عن جهات عليا توضيحها بأن وجهة إسرائيل حالياً ليست نحو التصعيد. ونقلت الصحيفة عن مصدر أمني، أن إسرائيل تبحث حالياً عن سبل تحقيق الردع في مواجهة حركة حماس، من دون أن تجر المنطقة إلى تصعيد. ووفقاً للمصدر فإن الأمر يتعلق بالسير على حبل دقيق، «ففي المداولات أثيرت خشية من أن حماس قد تطلق صواريخ بعيدة المدى وتدخل المزيد من الإسرائيليين في دائرة النيران». وكان وزير حماية الجبهة الداخلية، آفي ديختر، قد أبلغ السفراء الأجانب أن لدى حماس صواريخ بعيدة المدى تصل إلى تل أبيب. وقال أنه «لا ريب في أن إسرائيل لا يمكنها مواصلة عد الصواريخ والرد هنا وهناك»، مضيفاً «أنا واثق جدا من أننا سنضطر ذات يوم لضمان عودة غزة لأن تكون منطقة منزوعة السلاح كما كانت حتى العام 2000». غير أنه، كما سلف، يتحدث مسؤولون إسرائيليون عن أن وجهة إسرائيل ليست بالضرورة نحو التصعيد، لكنهم يقولون إن خطوطاً تم تخطيها وأن هناك حاجة لتصعيد وسائل الرد. وبحسب التقديرات تدرس أنماط من العمليات، إذا استمر إطلاق الصواريخ، بينها استئناف الاغتيالات، والعمليات الجوية، وضرب المستوى السياسي في قيادة حماس، وضرب البنى التحتية للسلطة، وقصف مكاتب وبيوت قادة حماس، فضلاً عن تنفيذ عمليات برية محدودة. وفي سياق مواز، قال الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية عاموس يادلين لإذاعة الجيش «لا أعتقد انه سيكون من الضروري الدخول إلى قطاع غزة»، مضيفاً أن «الجيش يمتلك مجموعة واسعة من الأدوات التي لم يستخدمها بعد، ويستطيع رفع مستوى استجابته دون اللجوء إلى عملية برية. ويجب علينا استخدام الوسائل المتاحة لنا والتي لم نستخدمها بعد». أما ميدانياً، فاستشهد أمس مقاوم من «كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري لحركة حماس متأثراً بجروح أصيب بها يوم السبت الماضي بقذيفة دبابة إسرائيلية. وأعلنت «كتائب القسام» أن قنوع هو أحد عناصرها، وبذلك يكون قد ارتفع عدد الشهداء منذ بدء العدوان إلى سبعة. واستهدفت قوات الاحتلال ثلاثة مواقع في القطاع صباح أمس بالرغم من تراجع الهجمات الصاروخية للمقاومة. وفي وقت لاحق، سقطت قذيفة أطلقتها دبابة إسرائيلية على سطح منزل في منطقة تل الزعتر في شرقي جباليا في شمالي القطاع غزة، من دون أن تسفر عن وقوع إصابات. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة