بقلم: الدكتور بليغ حمدي إسماعيل كعادتي لا أدع مجالاً لعيني تطالع الأخبار التي تتناول النبي الأكرم محمداً (صلى الله عليه وسلم ) بالسب سواء في وسائل الإعلام الغربية أو عن طريق أقباط المهجر ، لأن ذاكرتي تعي وتحفظ ما وجده النبي الكريم ( صلى الله عليه وسلم) من عنت الكافرين ، وما لقيه من أساليب حاولت دونما فائدة أن تقوض دين الله الحنيف أو تنال من كرامته.
وإذا كان الغرب يجتهد قليلاً في صناعة أفلام ومقالات ودراسات تسعى سعي الحية في جحرها ، فإن المسلمين في شتى بقاع الأرض كل يوم وليلة يشاهدون فيلماً روائياً طويلاً يحكي عن حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وربما في هذه السطور أعرض بعض المشاهد التي تعرض لها النبي من أعداء الإسلام ربما تضمد بعض جراحات الحزن والقرف الذي تعرض له المسلمون إزاء الفيلم المسئ للرسول.
وأول هذه المشاهد هو تعرض النبي (صلى الله عليه وسلم ) للسخرية والاستهزاء ، والغرض منهما توهين قوى المسلمين المعنوية ، وخذل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أصحابه ، وليستحضرني حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين سأله سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا رسول الله ، أي الناس أشد بلاء ؟ قال : " الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه ، وإن كان في في دينه رقة ابتلي حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة " .
والجانب المعنوي في هذا الأمر هو أشد وأعنف من جانبه المادي ؛ وما بالكم بهؤلاء السفهاء الذين تضاحكوا وسخروا وطعنوا في أكرم مخلوق على الأرض ، وما أقوى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في الصبر على هذا الإيذاء المعنوي . ولنا في رسول الله r أسوة حسنة في الصبر على الضراء ، وفي البأساء ، وحين البأس ، ومن حكمة الله ( تبارك وتعالى ) أن جاء الحديث في القرآن عن الصبر على الحق والاستشهاد في سبيل الله بعد ذكر جانب الأسوة الحسنة ، يقول الله تعالى في محكم التنزيل : ) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (.
وكان السفهاء من قريش يسخرون من النبي(صلى الله عليه وسلم) باتهامه بأنه رجل مسحور ، وبأنه شاعر ، وبأنه مجنون ، وبأنه كاهن يأتيه الشيطان ، وأنه ساحر كذاب ، ومفترٍ متقول ، هذا بالإضافة إلى نظرة النقمة والازدراء التي كانوا ينظرون بها إليه ، كما قال الله تعالى : ) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (.
ويصف الله تعالى في كتابه العزيز كل افتراءات مشركي مكة لرسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، يقول تعالى : ) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ . ، وقوله تعالى : )وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) (. ولقد قص الله علينا في كتابه هؤلاء السفهاء الذين سخروا من سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) ، يقول تعالى : )إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) (
ويقول رب العزة ( تبارك وتعالى ) واصفاً هؤلاء المستهزئين حينما بثوا دعاياتهم وافتراءاتهم الكاذبة عن رسول الله r ، وحول ذاته وشخصه : ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ( .
ولأن طبيعة العهد المكي اتسمت بالجدلية المطلقة في أحداثها ، ولأن الرسالة المحمدية جاءت لتحرك الراكد والثابت الأسن ، فإن أهل مكة أنفسهم احتاروا وهم يحاولون تشويه صورة رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وإيذاءه بالقول ، فنجد مثلاً الوليد بن المغيرة وهو من زعماء قريش يقول عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قولا نذكر منه : " والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لغدق ، وإن فرعه ، لجنى ، فما أنتم بقائلين شيئاً من هذا إلا عرف أنه باطل " .
ويذكر صفي الرحمن المباركفوري في كتابه " روضة الأنوار" أن عظماء المستهزئين والمعذبين برسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن معه خمسة : الوليد بن المغيرة المخزومي ، والأسود بن بن عبد يغوث الزهري ، وأبو زمعه الأسود بن عبد المطلب الأسدي ، والحارث بن قيس الخزاعي ، والعاص بن وائل السهمي .
ولقد أخبر الله ( سبحانه وتعالى ) أنه سيكفي شرهم بقوله تعالى : ) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) (. ثم أنزل على كل رجل منهم ما فيه عبرة وعظة لمن يفكر في أن يعتدي على رسول الله r بالقول أو بالفعل .
فها هو الوليد بن المغيرة ، أصيب بخدش من سهم ، وكان خدشه بسيطاً حقيراً ، فلم يزل يؤلمه ويؤذيه حتى ملا ، وأما الأسود بن عبد يغوث فخرجت من رأسه قروح فمات منها ، والأسود بن عبد المطلب فلما تضايق رسول الله(صلى الله عليه وسلم) من أذاه دعا عليه ، وقال : " اللهم أعم بصره " ، فرماه جبريل بشوك في وجهه حتى ذهب بصره. والحارث بن قيس فأصيب بالماء الأصفر في بطنه ، حتى خرجت فضلاته من فيه ، فمات بها . والعاص بن وائل فدخلت شوكة في أسفل قدمه ، وجرى سمها إلى رأسه حتى مات.
وإذا كانت أفلامهم وأفلام ذرياتهم سينالون بها الأوسكار والسعفة وغيرها ، فإن فيلما الطويل الشريف سيقربنا من طاعة الله وشفاعة النبي (صلى الله عليه وسلم).وكم هو غريب وعجيب انتفاضة المؤسسات الدينية غضباً وحزناً على الفيلم المسئ للنبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) وهي تعد سبباً في ضعف المعرفة الدينية والوازع الديني الجوهري لدى الناشئة وبعض الكبار، لأنها تخلت في برامجها عن القيام بتقديم سيرة المصطفى وحياته لهؤلاء..اللهم صل وسلم وبارك على المصطفى. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة