«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبليات شرق أوسطية ما بعد الجولة العربية الإسرائيلية السادسة
نشر في الشعب يوم 19 - 08 - 2006

انتهت جولة سادسة في الصراع العربي الإسرائيلي منذ أيام ولكن ومن المؤكد أن مباراة المصير أو صراع البقاء ذاته لم ينته بعد. تلكأ الحكم الدولي في قرع الناقوس أو الجونج لعل وعسي يقوم اللاعب المدلل (الموصي عليه) بإنهائها بالضربة القاضية الفنية بدلا من الدخول في مشاكل حساب النقاط.
لخص السيد "عمرو موسي" الأمين العام لجامعة الدول العربية تأخير صدور قرار مجلس الأمن الدولي لأكثر من شهر علي اندلاع القتال بأنه تقاعس غير مسبوق من المنظمة الدولية، إلا أنه وفي حقيقته وبعيدا عن اللغة الدبلوماسية هو أمر أقرب إلي التواطؤ منه إلي التقاعس في تاريخ المنظمة.
قَبلَ طرفي الصراع الظاهران القرار، وهما الحكومة اللبنانية وبموافقة "حزب الله" وحكومة الكيان الإسرائيلي وباضطرار (اقرب إلي الوقفة التعبوية) من الإدارة الأمريكية. جاء القرار كالعادة من نفس نسيج قرارات الصراع عبر ستة عقود وابرز ما فيه نقطتان أحدهما نراه معقولا وهو قيادة فرنسية لقوات دولية بمشاركة دول إسلامية (وليست قيادة أمريكية أو بريطانية أو قيادة الناتو - حسبما أعلن حتى الآن)، والثاني شرا مستطيرا وهو شبح "تدويل" المشكلة اللبنانية كمقدمات (أمريكية إسرائيلية عربية موالية) لعملية تصفية نهائية أو تبدو نهائية لزوم الانتخابات الأمريكية الرئاسية في العام 2008(!!)، أي أن العام 2007 الذي سيبدأ في نهايات هذا العام سيكون حرجا مصيريا.
قمة المهانة والمذلة والاستكانة أن يتم تحديد مصير حوالي 300 مليون عربي وأكثر من مليار مسلم في أنحاء الكرة الأرضية الملتهبة علي موائد حوارات الأحزاب والقوي السياسية الأمريكية وفي سياق حساباتها الانتخابية.
عموما .. انتهت جولة في المباراة الكبري وبدأت كالعادة التحليلات والتنظيرات، من هو المنتصر ومن المهزوم ؟؟، ما جدوى المقاومة في عصر العولمة ؟؟، كيف تمت إدارة الأزمة إقليميا وعالميا ؟؟، ما هي مستقبليات المنطقة الشرق أوسطية ؟؟، ما هي الخطوة القادمة في المشروع الإمبراطوري الأمريكي ؟؟، وأخيرا وليس أخرا هل تنتظر "مصر" بصفتها دولة محورية (تاريخيا) أياما عصيبة ؟؟؟؟.
* * * * * * * * * * * * * * * * *
أولا: النصر والهزيمة:
ستة حروب (جولات) في ستة عقود في إطار الصراع العربي الإسرائيلي الذي بدأ أوله العام 1948 بمواجهه إسرائيلية ضد سبعة دول عربية، وجاءت الجولة السادسة ضد تجمع حزبي شعبي مقاوم – هو جزء فاعل داخل دولة. من المستحيل أن يتدني مستوي المواجهة دون ذلك – فماذا بعد حزب شعبى وطني يقاوم وحده المشروع الإسرائيلي الأمريكي ؟؟؟؟. إنها نهاية مرحلة وبداية أخري ستتحدد في الأشهر القليلة القادمة (!!).
من الظلم إن لم يكن من غباء التحليل السياسي أن يتم اختزال "حزب الله" بعقيدته وتاريخه وقيادته ومقاتليه ومقاومته وإنجازاته إلى مجرد كونه ذنبا لإيران أو عميلا لسوريا. هل كانت "مصر" ذنبا للإتحاد السوفيتي في فترة الحرب الباردة أم كان التقاء مصالح ؟؟؟؟.
المقصود بالنصر والهزيمة هنا هو ما يخص تلك الجولة وليس الصراع ككل. المقصود هو نتيجة جولة "تكتيكية" في إطار الصراع الإستراتيجي العربي الإسرائيلي. الحكم بتحديد المنتصر والمنهزم فى تلك الجولة السادسة لا يمكن أن يخضع لأهواء وأمزجة أو نقلا عن هذا أو ذاك. الحكم يكون بتحديد "معيار" أو معايير تقييم ذات أساس مرجعي تسقط عليها القيم المادية للشيء المراد تقيمه. معيار النصر والهزيمة المتفق عليه هو تحقيق الأهداف وفرض الإرادة. فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة والخفية وفشلت في فرض إراداتها علي حزب الله وكسرت هيبتها وظهرت عوراتها. إذن إسرائيل (طبقا للعيار الحاكم وما تجلي من نتائج) هي المنهزمة أو علي الأقل غير منتصرة.
في المقابل، نجح "حزب الله" في إثبات وجوده وذاته وقوته، ونجح في فرض خطابه أمميا وإقليميا، ونجح في الخروج الوقتي من مساعي مجموعة "14 آذار" لنزع سلاحه وتحجيم قدراته وبذلك تم تجنيب لبنان فتنة طائفية عاصفة مدمرة كان من الممكن أن تكون أشد وبالا وأسوء حالا من الخسائر التي نتجت عن العدوان الإسرائيلي (ونتائج الحرب اللبنانية الأهلية السابقة خير شاهد ومثال). أما الأهم فقد ظهر في نجاح "حزب الله" في احتواء مفاجأة الاستخدام الإسرائيلي المفرط في القوة كرد فعل علي عملية "الوعد الصادق".
مفاجأة الرد المفرط (كما ونوعا) لم تكن لحزب الله وحده بل للجميع بما فيهم معظم القوي الإسرائيلية باستثناء دائرة محدودة مغلقة في قمة هرم صناعة القرار الإسرائيلي والذي قامر وغامر وسيسقط كما سقط "بن جوريون" و"جي موليية" و"إيدن" و"موشي دايان" و"جولدا مائير".
الفارق بيننا (كأمة عربية) وبينهم أن أخطاء ساستهم تسقطهم، أما نحن فأخطاء ساستنا ترفعهم وتسقط شعوبهم (!!). رأينا ذلك في 1956 وفي 1967 وفي ثغرة الدفرسوار عام 1973 وفي معاهدة السلام 1978وفي سوء استخدام قواتنا المسلحة خارج حدودها عام 1991 وفي التواطؤ علي إسقاط النظام العراقي عام 2003 وفي الهزيمة الكبري في معارك الإصلاح الاقتصادي والسياسي في مصر المحروسة حتى تاريخه وأخيرا وليس أخرا في تبني الأجندة الأمريكية الإسرائيلية في الصراع الإسرائيلي اللبناني الأخير.
الهزائم في بلادنا تزيد كراسي السلطة وعروشها علوا وغلوا وتزيد الفاسدين والمنتفعين جاها ومالا وتزيد المعتقلات والسجون عددا وأتساعا وتزيد الشعوب جوعا ومرضا وجهلا وغم حال وهم مآل.
من أهم إنجازات "حزب الله" هو نجاحه في حل المتناقضات بين العقائد الفكرية والدينية بقدر مقبول. تلاشت الخلافات المصطنعة بين الخيار الديني الإسلامي ونظيره العروبى القومي واليسار الوطنى - ذاب هذا كله في أتزان خطاب "نصر الله" وفي غبار المعارك وصوت الرصاص ثقيل العيار ودم الشهداء وبسالة المقاومين وإنفجارات الصواريخ في المغتصبات الإسرائيلية وفي رحيل سكان الشمال وحيفا وتهجيرهم أفواجا إلي الجنوب. حتى الإشكالية الخائبة والفتنة المصطنعة بين "الشيعة" و"السنة" هوت ووأدت في مهدها وعلي أبواب جحورها بفضل عقلاء الأمة وحكماءها وبفضل وعي ونضج الشعوب التي أختلف إدراكها في العام 2006 عن ما سبق وولي. لم تعد الشعوب علي جهالة ملوكهم (!).
نتيجة الجولة (في رأينا) هي انتصار مستحق لحزب الله (رغم تصريحات الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي) ورغم الخسائر المادية اللبنانية التي تتضاءل أمام نظيرتها الإسرائيلية ولا تكاد تذكر أمام مكاسب عقائدية وأيديولوجية لخصها السيد "حسن نصر الله" في كونها تاريخية وإستراتيجية – أي ممتدة عبر البعد الزمانى والبعد المكاني وبعمق التأثير.
مكاسب المحور الإيراني السوري أو محور مقاومة المشروع الأمريكي بوجه عام عديدة وكثيرة أهمها تأكيد الدور والفاعلية في مفردات معادلة الصراع بالمنطقة الحيوية الموضوعة علي طاولة عمليات غرفة الجراحة الأمريكية (من إيران إلي التخوم الليبية، ومن سوريا ولبنان إلي التخوم اليمنية). ليس صحيحا ما يتردد ويقال أمريكيا وأوربيا وعربيا مواليا عن "عزلة" النظامين السوري والإيراني، فالعكس هو الصحيح. والحديث في هذا يطول ويكفينا عرض الملخص والمفهوم، وقد أسهب العديد من النخبة العربية الوطنية في الطرح والشرح.
أخطر ما في النتائج هو الإعلان الصريح وبدون تلميح عن الفصل التام بين محورين متعارضين في المنطقة، المحور الأمريكي الإسرائيلي العربي الموالي من جهة والمحور الإيراني السوري وحلفاءهما الحزبيين – حماس وحزب الله – من جهة أخري. خطاب الرئيس السوري "بشار الأسد" الأخير أزال أغشية الدبلوماسية الرقيقة الديكورية عن حقائق هذا التضارب ومن ثم تحول اللعب ليكون علي المكشوف (حسب المثل المصري العامي). الكل (ونحن معهم) في أنتظار الأسابيع القليلة القادمة ولعلها تبدأ بواكيرها في سبتمبر الآتي. سيكون "رمضان" القادم ساخنا للصائمين والمتصومين (إن جاز التعبير) في العالم العربي وللمفطرين في واشنطن وتل أبيب وفريق الوسطاء والمساعدين في العالم الغربي.
ملحوظة أخيرة .. لم تأت زيارة وزير الخارجية الإيراني " منو شهر متقي" لمصر عبثا واعتباطا. إيران تعلم جيدا موقف الإدارة المصرية وارتباطاتها وعجزها. لم تنتظر إيران من مصر قبول عرضها في دعم المقاومة اللبنانية ودعم "حزب الله" أو تكوين محور مصري – إيراني ضد المشروع الأمريكي الإسرائيلي، فهي أعلم بالأمور المعلن منه والمستور. أرادت إيران إحراج الإدارة المصرية بإعلان عجزها علي الملأ عربيا إقليميا وعالميا فكان لها ما خططت وتحقق لها ما أرادت (!!).زيارة وزير الخارجية الإيراني لمصر أظهرت مكر أو خبث أو مهارة (سمها ما شئت) السياسة الإيرانية وفضحت "عجز" وقصور وعدم دراية الإدارة المصرية لعدم التأهيل وغياب الإرادة.
أرادت الإدارة المصرية تجميل زلاتها الدبلوماسية وتقاعسها العاجز في بدايات الصراع ببعض من مساحيق التجميل (طبقا لتعبير الرئيس السوري "بشار الأسد") بتوسط لدي إسرائيل لسفر طائرة وزراء الداخلية العرب إلي بيروت، وفي الزيارة الإعلامية لنجل الرئيس لبيروت أيضا، وفي بعض التصريحات بإدانة الأعمال الإسرائيلية (جاءت علي استحياء ولعلها أيضا باتفاق) وفي مشاركة غير طيبة (لا نريد وصفها) في مؤتمر روما - ولكن جاءت الحركة الإيرانية لتعيد درجة تقييم الصورة المصرية أمام العالم العربي والدولي إلي المربع "صفر".
ملحوظة بعد الأخيرة (!!) .. خطاب السيد "حسن نصر الله" كثائر ومقاوم ورجل دين ورجل دولة مدعوما بتطبيقات عملية لحزب الله علي الأرض رفع أسهم "الخيار الإسلامي" في العالم أجمع وليس العربي فقط، وفي نفس الوقت أثار إشكالية داخل الجماعات والحركات الإسلامية بطلب العديد من قادة تلك الجماعات وأعضاءها مراجعة مواقفهم من أسلوب مناهضة المشروع الصهيوأمريكي وتواطؤ وتخاذل القيادات المحلية.
كثيرون باتوا علي قناعة بأن ما حدث "لطالبان" في أفغانستان (طالبان من طالب العلم) وما حدث "للمحاكم الشرعية" في الصومال سيتكرر بصور أخري في عالمنا العربي علي وجه الخصوص. هؤلاء لم يسعوا إلي حكم أو سلطة بل دفعوا إليه دفعا عن طريق شعوبهم عندما طفح الكيل بهم من فساد الفاسدين وظلم البغاة والطاغين.
أصحاب الخيار الإسلامي كانوا متهمين بالفقر السياسي والجهالة الدبلوماسية وإن يكونوا يتمتعون بالمصداقية والأخلاقية. الآن اجتمعت الصفتان الضروريتان للحكم الصالح .. الأخلاقيات المستمدة من العقيدة الإسلامية وحسن إدارة الصراعات والمتناقضات الدولية وهو ما يعرف بالسياسة.
* * * * * * * * * * * * * * * * *
ثانيا: المقاومة في عصر العولمة:
تعتبر مقولة المؤرخ العسكري الألماني "فون كلاوزفيتش" الشهيرة، "إن الحرب هي إدارة السياسة بطريقة أخري"، مرجعا حاكما لكثير من المحللين السياسيين (وعلي رأسهم الأستاذ "هيكل"). حاول البعض إقرار عكس معني المقولة لتكون "إن إدارة السياسة هي الحرب بطريقة أخري" وهذا غير صحيح. فمقولة "كلاوزفيتش" تعني أن السياسة بمعناها كإدارة الصراع بوسائل دبلوماسية وقانونية واقتصادية وغيرها هي الأساس والاستثناء هو الحرب وهذا هو الصحيح.
منظومة إدارة الصراع تشبه منظومة الحاسب الآلي (إلي حد ما) الذي يتكون أساسا من مكونات مادية (هارد وير – Hard Ware) ومكونات منطقية (سوفت وير – Soft Ware). يطلق عليها البعض مكونات خشنة قاسية ومكونات ناعمة. استخدم هيكل هذا التعبير (كترجمة حرفية) في وصفه لقوة مصر الناعمة (Soft Force) مقابل القوة المادية الخشنة إن جاز التعبير (Hard Force) أي القوة العسكرية في أحاديث سابقة.
أخذا بالقياس فإن منظومة إدارة الصراع يجب أن تشمل طرق ووسائل النوعين المتكاملين وهما المادية الخشنة (القوة العسكرية) والناعمة (الدبلوماسية وغيرها).
وسائل وطرق وأساليب الصراع هي "لغة" تخاطب مع الأخر المتناقض أو المتنافس. عندما نقوم بحذف القسم المادي الخشن أو تحيده في إدراره الصراع فنحن نلقي بنصف أبجدياتنا ونتخلى عنها وحينئذ يصبح حوارنا بنصف لسان (!!) – فكيف يفهمنا الخصم ؟؟؟؟، وكيف نقنع المتفرجين والوسطاء وهيئة القضاء !!؟؟.
هناك ثلاثة كتب تاريخية شهيرة تحت مسمى "فن الحرب" – مكيافيللي و"فون كلاوزفيتش" والصينى " سون تزي". يقول "مكيافيللي" في نسخته "إنه لا حضارة ولا مدنية من دون جيش يدافع عنهما". أخذ ساستنا وحكامنا مقولة "الغاية تبرر الوسيلة" من كتاب "الأمير" "لمكيافيللي" قرآنا وإنجيلا وقاموا بتحوير مقولته الأخيرة (من كتاب "فن الحرب") لتكون "لا سلطة ولا دولة بدون منظومة أمنية بوليسية تدافع عنها" !!!!. يظهر هذا في مصر المحروسة في تحييد جيشها عن الصراعات الخارجية مع عدونا التاريخي، وفي تخصيص مهام أمنية داخلية له، وفي نمو وتعاظم منظومتها الأمنية التي فاقت المليون فردا تحت السلاح (!!) وبأعلى ميزانية من بين مؤسسات الدولة. وكما قلنا سابقا – وكأن عدونا الإستراتيجي قد أنتقل من الشمال الشرقي حيث إسرائيل إلي الإسكندرية ودمنهور والزقازيق وأسيوط والقاهرة وخصوصا وسط البلد و"ميدان التحرير".
بالنسبة للعولمة فهو مصطلح سياسي مأخوذ من علوم الرياضيات (Globalization) ويعنون به إزالة التخصيص في الفئة الكلية – أي إزالة التقسيم ( Partitioning)، أي أن يتحول العالم (افتراضيا) إلي قرية كبري تذوب فيها الفواصل والحدود. وبدون حماية الخصوصية في عالم متعدد الثقافات ستتحول العولمة إلي سداح مداح وكل شيء مباح. عالم العولمة يتأثر فيه الأضعف من قبل الأقوى بمكانته وفعله – تماما كما تنتقل المواد في مسارها من الأعلى تركيزا إلي الأقل هكذا تقول علوم الطبيعة وهكذا تقول الحياة.
هل ستكون الدبلوماسية العرجاء وضعف القوة الاقتصادية وغياب الرؤية والمشروع الوطني والقومي وفي ظل والشرعية الدولية المنحازة وحدهم كافيين لحماية الخصوصية والسيادة الوطنية ؟؟؟؟. سؤال ننتظر إجابته من أصحاب مقولة "إن السلام هو خيارنا الإستراتيجي" !!، رغم قناعتنا التامة بأن لا الخيار ولا الطماطم يمكن أن يكونا إستراتيجيا !!؟؟.
وللحديث بقية .....................
هشام الناصر
الخميس 17 أغسطس 2006
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.