أبدت أغلب الصحف العالمية اهتماما بالغا بأزمة الجنود البريطانيين المحتجزين لدى إيران حيث اعتبرتها صحف بريطانيا جزءًا من الحرب الباردة الدائرة حاليًا بين الغرب وإيران. وظهرت بعض الأصوات التي تطالب بتوجيه ضربة عسكرية لإيران من أجل إطلاق المعتقلين فيما يبدو أنه حملةٌ إعلاميةٌ لتمهيد الرأي العام العالمي لتلقي تلك الضربة وهو الاحتمال الذي يرتفع بصورة كبيرة بعد تصريحات أحد المسئولين الروس التي نقلتها وكالات الأنباء بأن الولاياتالمتحدة سوف توجِّه ضربةً عسكريةً لإيران في يوم السادس من أبريل الحالي باسم "اللسعة". ومن أبرز معالم تلك الحملة ما ورد في ال(تايمز) البريطانية التي حمَّلت إيران مسئوليةَ الأزمة زاعمة أن المسئولين الإيرانيين تسبَّبوا في عرقلة التوصل إلى حلٍّ ولكن كيف ؟! وقالت الجريدة إن عملية الاعتداء التي تعرضت لها السفارة البريطانية لدى طهران على يد الشباب الإيراني الغاضب قد أثَّرت كثيرًا على التطوُّرات الإيجابية التي كان الملف يشهدها!! وهنا تتجاهل الجريدة تمامًا كل ما قامت به بريطانيا على المستوى الدولي من تجميد العلاقات التجارية مع إيران ومطالبة مجلس الأمن الدولي بالتدخل لإطلاق الجنود المعتقلين لدى إيران. كما أن الجريدة تجاهلت أمرًا أكثرَ بساطةً، وهو أن الجنود البريطانيين هم المسئولون عن تلك الأزمة منذ البداية عندما اخترقوا المياه الإقليميةالإيرانية!! أما صحيفة ال(صن) البريطانية أشارت في افتتاحيتها إلى أن بريطانيا أساءت التعامل مع ملف البحَّارة المحتجَزين؛ حيث اقتصرت على استخدام الأساليب الدبلوماسية فقط، مشيرةً إلى أن الساسة البريطانيين فشلوا في اتباع الطرق السياسية الأكثر تأثيرًا، الأمر الذي يجب معه أن يتم الإمساك ب"العصا لإيران" في دلالةٍ على ضرورة استخدام القوة، وتؤكد الجريدة أنه حتى هذه اللحظة فإن محاولات بريطانيا ل"إمساك العصا" قد باءت بالفشل حتى الآن. أي أن الجريدة ترى أنه حتى التعامل البريطاني الدبلوماسي المتشدِّد مع إيران بقطع العلاقات التجارية ليس كافيًا بصورة كبيرة، وبالتالي فإن "العصا" التي تراها الجريدة لن تخرج عن أن تكون عصا عسكرية. كما دخل الإعلام الصهيوني على خط التسخين السياسي؛ حيث أشارت مختلف الصحف الصهيونية اليوم إلى أن إيران تستخدم قضية البحَّارة لكي تؤكد نفوذها في الشرق الأوسط، وبالتالي هي تحاول "التمدد" و"التوسع" و"التحوُّل إلى قوة نووية" وغيرها من التعبيرات التي دأب الإعلام الصهيوني على استخدامها من أجل تحريض الغرب على إيران، وهو ما يوضح الإفلاس السياسي الذي وصل إليه الصهاينة بعدم القدرة على إيجاد حتى تعبيرات جديدة لوصْف ما يزعمون أنه "طموحٌ إيرانيٌّ في الشرق الأوسط"!! أما ال(نيويورك تايمز) الأمريكية فقد أشارت إلى أهمِّ نقطة في هذا المجال، وهي أن هناك العديد من الأصوات في الداخل البريطاني التي ارتفعت تطالب بالتحرك بصورة أكثر قوةً ضد إيران في هذه المسألة، ومن بينها بعض الدعوات إلى "استخدام القوة" ضد إيران، وهو الأمر الذي يعني بوضوح أن تلك الأصوات تطالب بالتحرُّك عسكريًّا ضد إيران فيما يتعلق بهذا الملف، أي أن تلك الأصوات تحاول أن تستخدم قضية البحَّارة لكي تبرر أية ضربة عسكرية أمريكية وبريطانية لإيران بسبب ملفها النووي. ويأتي إبراز الأمريكيين لتلك الأصوات كدلالةٍ على الموافقة الأمريكية على توجيه ضربة عسكرية لإيران؛ استنادًا إلى هذا المبرر الضعيف وهو عملية اعتقال الجنود. وفي ال(إندبندنت) البريطانية كتب الصحفي الأشهر روبرت فيسك ينتقد الجنود البريطانيين فيقول: إن جنود بلاده غير مدرَّبين بما يكفي بالنظر إلى أنهم وجدوا أنفسهم محاصَرين من جانب الجنود الإيرانيين فسلَّموا السلاح على الفور ولم يقاتلوا!! واعتبر فيسك أن ما حدث من اعتقال الإيرانيين للبحَّارة البريطانيين يُعتبر أمرًا مذلاًّ لبريطانيا والولاياتالمتحدة، مشيرًا إلى أنه يأتي في إطار المواجهات السياسية والأمنية الحالية القائمة بين الجانبَين بصورة سرية، فإيران تؤكد أن بريطانيا متورِّطة في الاضطرابات التي يشهدها إقليم خوزستان ذي الغالبية العربية في الجنوب الغربي الإيراني المجاور للمنطقة التي تسيطر عليها قوات الاحتلال البريطاني في الجنوب العراقي. ويؤكد الكاتب أن السبب في هذا الإذلال هو القيادات السياسية في كلٍّ من بريطانيا والولاياتالمتحدة؛ بسبب إصرارها على أن حربها في العراق هي حربٌ على ما تسميه "الإرهاب" إلا أنها في الواقع حربٌ لتحقيق المصالح الأمريكية والبريطانية، وبالتالي فهي لا تؤدي إلى نتائج إيجابية ولكن فقط تؤدي إلى فشل للبريطانيين والأمريكيين، وبالتالي المزيد من الإذلال لهم، ويرى فيسك أن ما حدث من اعتقال إيران للجنود ال15 يُعتبر أحد معالم ذلك "الإذلال السياسي". وعلى الرغم من أن هذه التغطية لم تدعُ إلى العمل العسكري ضد إيران إلا أنها في النهاية ربَطَت بين عملية اعتقال إيران للجنود البريطانيين والأزمة الشاملة بين إيران والغرب تحت القيادة الأنجلو أمريكية التي قادته إلى كارثة غزو العراق. ووسط هذه الحملة العاصفة ضد إيران تأتي تغطية ال(جارديان)- المنتمية إلى تيار الوسط- كصوت وحيد يطالب البريطانيين ضمنيًّا بالعمل على تسوية الأزمة سلميًّا، فقد حرصت على إبداء وجهة النظر الإيرانية في الموضوع؛ حيث قالت إن الإيرانيين يطالبون بالاعتذار البريطاني، ويرون أن هذا الاعتذار كفيلٌ بحلِّ الأزمة كلها منذ البداية، وتشير الجريدة إلى أن سوريا عرضت التوسُّط لإنهاء هذه الأزمة استنادًا إلى علاقاتها الوثيقة مع إيران. وتؤكد الصحيفة أن الحلَّ قد بدأ بالفعل في الظهور، وتستند في ذلك إلى أن إيران أرسلت إلى الخارجية البريطانية تقول إن المطلوب فقط هو تعهُّدٌ بريطانيٌّ بعدم دخول المياه الإقليميةالإيرانية مرةً أخرى؛ مما يعني أن الجريدة تلمِّح إلى أن الحلَّ الآن في يد البريطانيين بالنظر إلى أنهم المسئولون عن الأزمة منذ بدايتها.