الكوارث المفجعة تتوالى، والضحايا الأبرياء يتزايدون، والخسائر تصيب الوطن في أعز ما يملك.. والإدارة العاجزة قابضة على الوطن المفجوع؛ لا تستطيع إدارة وطن كبير عليها، ولا تريد الفكاك من الحكم وترك السلطة للشعب الذي اختار ممثليه وينتظر منهم إنقاذ الوطن. إن هذه الحوادث المتكررة التي أدمت قلوب المصريين كافة لا يمكن أن تكون عفوية، والمقصود منها قتل الروح الثورية ودفع الشعب إلى الكفر بالحرية والانصراف عن المسار الديمقراطي.. ونرجو ألا يكون هذا العبث تمهيد لانقلاب عسكري، أو حرب أهلية والعياذ بالله!. ألم نقل مئة مرة أن الزخم الثوري يتطلب سرعة القضاء على المفسدين قبل أن يستفيقوا ويستغلوا ضعف الإدارة المؤقتة ليعيثوا في الوطن فسادا وإرهابا؟!. إن ترك الأمور على هذا الحال المائل سوف يشجع أعداء الثورة وأعداء مصر على حرق الوطن. إنهم يخططون لعراق جديد على أرض الكنانة، وهذا ليس صعبا مادامت الإدارة عاجزة. في العراق كان من السهل جدا استغلال أي تجمع بشري لإعمال القتل وبث الفتنة التي تعمي الأبصار وتدفع المفجوعين الغاضبين إلى حرق الأخضر واليابس.. وقد جرب الخونة والعملاء والمفسدون هذا المخطط في بور سعيد وغيرها، فماذا ننتظر أيها العقلاء؟، ولماذا نتركهم يفسدون في مصر؟!. إن الفشل في مواجهة هذه المخططات يعني أحد أمرين، كلاهما مر: إما العجز، وإما التواطؤ!. والأمور واضحة تماما، والمجرمون معروفون بالاسم.. فلماذا تتركهم الإدارة العرجاء يمارسون الإجرام وتعرّض الوطن للأخطار؟. هل يوجد أدنى شك أن هنالك من يتآمر على ثورة 25 يناير، سواء بالداخل أو بالخارج؟.. في الداخل هناك بقايا النظام المخلوع (وعلى رأسهم وسائل الإعلام)، وكل المستفيدين منه دون وجه حق، وكل من أفسد ويخشى أن تطوله يد الثورة عند بدء عمليات التطهير. أما في الخارج فهناك الحلف الصهيوني الأمريكي الذي فوجئ بثورة فريدة سرعان ما تبعتها ثورات عربية، لأن العرب ينهضون بنهوض مصر ويتخلفون بتخلفها. وقد كان هذا الحلف مستريحا بالتعامل مع الطغاة الذين يأمرهم فيأتمروا ويزجرهم فينْحنوا وينظر إليهم فيرتعدوا.. وهذا لا يصلح مع الحكومات المنتخبة بحرية، وهم يعلمون أن الشعوب الحرة لا تخضع للابتزاز، ويدركون أن الحرية سوف تأتي بالوحدة العربية؛ أي أن هناك خطر على الكيان الصهيوني الذي (كانت) له الكلمة العليا بسبب تفرق العرب واستبداد أنظمتهم. لذا فينبغي علينا اليقظة التامة والحرص على عدم السماح باختطاف الثورة أو تبديد أحلام الثوار.. وأخطر ما تعرض له الوطن الثائر كان البطء الشديد في التفاعل مع هذه الطاقة الثورية الهائلة التي ولدتها الثورة مما بدأ يفتح الباب لاختطافها أو إنجاح المؤامرات التي تحاك ضدها. فالثورات الناجحة تتميز بسرعة اقتلاع الفساد والمفسدين وبسرعة التغيير الشامل المدروس لكل الأوضاع البالية التي تراكمت خلال عقود الطغيان. ولكن ثورتنا واجهت واقعا غريبا بالقضاء على رأس النظام وترك النظام نفسه لينقلب على الثورة ويدافع عن نفسه، وهذا كما نرى يعرقل خطوات الثورة، ويسبب خسائر فادحة لمصر على المدى القريب والبعيد. وإذا دققنا النظر في المكاسب التي تحققت بعد الثورة نجد أنها- بمعايير الثورات؛ محدودة جدا. فأغلب أركان النظام، الذي ثَبُت أنه نظام لصوصي، لازالوا في أوكارهم يواصلون النهب استباقا لخلعهم، ويزيلون آثار فسادهم بالتخلص من المستندات والأدلة التي يمكن أن تكشفهم أو تدينهم.. وهاهم يثيرون الرعب سعيا لقتل الثورة. والإجراءات القانونية التي اتخذت ضد قلة من المفسدين واللصوص كانت بطيئة جدا وبعد فوات الأوان، بما يُمَكّن هؤلاء من الهرب بأموالهم وأنفسهم. كان المفروض أن تأتي الثورة بحكومة ثورية تبدأ باقتلاع الفساد، وتُشرع (بالاستفادة من طاقة الثوار) في مصالحة الشعب بالإسراع في حل المشكلات العاجلة مثل النظافة العامة وترميم الطرق ومنع الاختناقات المرورية.. حكومة تسرع بوضع يدها على الأموال المنهوبة وتعيدها للشعب قبل تهريبها.. حكومة مقبولة من الشعب تضع جدولا زمنيا لحل مشكلات البطالة والأجور والأسعار لكي يطمئن الناس ويعودون إلى عملهم. وخسائر البطء في عملية التغيير كثيرة.. فالجهاز الإداري للدولة صار الآن في وضع مشلول؛ لأن المحافظين (ومن في مستواهم) من بقايا النظام المخلوع لا يؤدون عملهم كما ينبغي لشعورهم برفض الجماهير لهم وإحساسهم بقرب الرحيل من الوظيفة، وجهاز الشرطة لازال في أغلبه خارج نطاق الخدمة ولم يوجد وزير "سياسي" ليعالج الشرخ الذي حدث بين الشرطة والشعب، وتوابع الزلزال الثوري لا زالت تؤثر على العمل والإنتاج بكثرة الإضرابات والاعتصامات في مواقع العمل. وقد أدى البطء في تشكيل حكومة ثورية إلى منح أعدائنا الفرصة للتآمر علينا بعد الرعب الذي أصابهم من الثورة، ومن اليقظة العربية المفاجئة التي سوف تقود إلى تحرر كل العرب. وهكذا فالخسائر كثيرة.. ولا مفر من وجود حكومة ثورية لتستثمر هذه الطاقة الهائلة التي وفرتها الثورة، ولتدفع العجلة إلى الأمام، وليس هناك أفضل ولا أسرع من تشكيل حكومة منتخبة، عن طريق مجلس الشعب؛ الجهة الشرعية الوحيدة في الوقت الحاضر. والانتظار حتى يتم انتخاب رئيس مُخاطرَة كبيرة، لأن الطاقة الثورية المتفجرة لن تهدأ، وربما تنفجر في الوقت الخطر والمكان الخطأ، وأيا كان الرئيس المنتخب فلن يستطيع فعل شيء إذا استمر التوسع في هذا الانفلات وتلك الفوضى. العقل والعلم والحكمة تقتضي إطفاء الحريق أولا، بتشكيل حكومة مقبولة شعبيا. [email protected]