بالتزامن مع انتهاء مسرحية الاستفتاء على التعديلات الدستوريةعبد الفتاح يوم أمس الإثنين، ووسط إقبال ضعيف على مراكز الاستفتاء منذ انطلاق عملية الاقتراع التي بدأت صباح السبت الماضي, استخدم نظام المخابرات العديد من الأساليب والطرق سواء شرعية أو غير شرعية لتجميل المشهد وتصوير بعض اللقطات في أماكن بعينها، بعد فشله في وجود تأييد شعبي لتعديلات الدستور. فما بين الإجبار والتهديدات والرشاوى واللعب على أوتار مشاعر الفقراء واستغلال حاجات البسطاء، واستخدام أحزاب محسوبة على تيار “الإسلام السياسي” وفنانين وتسويق أكاذيب وفزاعات وخروقات بالجملة، ضغط نظام الانقلاب على المواطنين من أجل النزول خوفاً من المصير الذي ينتظرهم في حالة التعبير عن رأيهم وامتناعهم عن المشاركة. ونرصد فيما يلي مهازال نظام الانقلاب من أجل تغطية تعدياته على الدستور بإطار شرعي مزيف:
إجبار العمال والموظفين: وخلال أيام الاستفتاء على الدستور وقبلها؛ قامت الأجهزة الأمنية بالضغط على وكلاء الوزارات والمديرين العموم للتنبيه على جميع العاملين في الوزارة بالذهاب إلى صناديق الاستفتاء للإدلاء بأصواتهم بتأييد التعديلات، في إطار محاولات النظام لدفع قرابة خمسة ملايين موظف في جهاز الدولة للتصويت في الاستفتاء. وتم إرغام جميع موظفي الحكومة على الذهاب إلى لجان الاقتراع والمشاركة في اليوم الأخير للاستفتاء، بعد تهديدهم بعقوبات مالية وإدارية في حالة عدم التزامهم بالتعليمات، فضلاً عن اتهامهم بالانتماء إلى جماعة “الإخوان” المعارضة، كما أن التعليمات اشترطت التقاط الموظفين للصور بعد غمس أصابعهم في الحبر الفسفوري، ونشرها على صفحاتهم الشخصية بموقع “فيس بوك”. وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي استغاثات من عاملين بمدارس خاصة تم التنبيه عليهم بضرورة التصويت تفادياً لغلق المدارس وتشريد العاملين بها، كما نُشرت تكليفات إجبارية للتصويت في الاستفتاء، باعتبارها “مأمورية” واجبة التنفيذ، ووضعت مديريات التضامن الاجتماعي جداول لتوجُّه الموظفين والعمال إلى الاستفتاء، وتهديد الممتنعين. نشر شائعات : كما عمدت الكتائب الإلكترونية لنظام الانقلاب إلى نشر الشائعات بالتدوين بعبارات محذِّرة من التخلف عن التصويت على “بونات” صرف الخبز، ونشر شائعات عن وقف معاشات “تكافل وكرامة” عن غير المشاركين في الاستفتاء، وإعادة نشر أخبار عن غرامة ال 500 جنيه للمتخلفين عن التصويت، والتي يتم التلويح بها وعدم تنفيذها كل مرة. تلك الشائعات تم استخدمها في إذاعات المساجد وكذالك كانت ترددها السيارات الدعائية التي يستخدمها نظام الانقلاب من أجل نقل المواطنين لأماكن التصويت. حشد الطلاب والعاملين بالمدارس والجامعات ولضمان مشاركة أكبر عدد ممكن من المصريين في الاستفتاء، ربما كانت إغراءات رئيس جامعة القاهرة، الدكتور “محمد عثمان الخشت”، للطلاب هي الأبرز. وفي جامعة الأزهر؛ تم تسيير 6 أتوبيسات سياحية؛ لحشد طالبات المدينة الجامعية، وحين رفضن تمت الاستعانة بالعمال، كما حشد رئيس جامعة القاهرة عمال وموظفي مستشفى قصر العيني “الفرنساوي” في مسيرة انتخابية. وفي السويس؛ حُشد العاملون للتصويت بمدرستي “الأدبية الإعدادية” و”صلاح نسيم” بحي عتاقة، كما نُقل موظفو وعمال شركة مياه الشرب بدمياط داخل أتوبيسات الشركة للتصويت.
حزب “النور” ومن اللافت منذ اليوم الأول للاستفتاء على الرغم من محدودية الإقبال على التصويت، في حين كان معظم المشاركين من كبار السن والسيدات “كالعادة”، مشاركة أعضاء حزب “النور” السلفي في الحشد للتصويت، وانتشرت صور كثيرة لأعضاء الحزب “رجال وسيدات” أمام اللجان وخلفهم “بنرات” تأييد الاستفتاء، بالإضافة إلى وصولهم إلى اللجان في تجمعات.
; رشاوى رجال الأعمال: كما أسهم رجال أعمال في تقديم هدايا عينية؛ لدفع المواطنين إلى المشاركة، ومنهم “عبادة الأسيوطي”، الذي قدَّم سحباً على أجهزة كهربائية أمام إحدى لجان “أبو حمص” بمحافظة البحيرة. والتقى محافظ الوادي الجديد، اللواء “محمد الزملوط”، أهالي قرية “القصر” بالداخلة، داخل أحد مساجد القرية؛ لحثهم على المشاركة في الاستفتاء.
النشطة والكرتونة: ربما كانت “الشنطة” أو “الكرتونة” أبرز علامات الاستفتاء حتى الآن؛ حيث تمكنت تلك “الرشاوى” من سحب البساط تماماً عن مشاهد الرقص الجماعي التي كانت السمة المميِّزة للاستفتاءات والانتخابات التي جرت في مصر خلال السنوات الست الأخيرة. وأسهم تزامن إجراء الاستفتاء مع قدوم شهر رمضان، في أن تلك السلع التموينية (الزيت والسكر والأرز) هي الوسيلة الأهم لجذب الناخبين وزيادة الطوابير وتأمين الموافقة على التعديلات الدستورية بنسبة كبيرة. وكشفت مئات الشهادات الحية والفيديوهات والصور عن طرق الحصول على تلك “المساعدات” التي قدمتها أحزاب سياسية، على رأسها “مستقبل وطن”، وجمعيات أهلية؛ حيث يتم تسليم الناخبين ورقة بأرقام مسلسلة “بون” قبل التصويت، ويختمها الناخب دليلاً على أنه صوَّت فعلاً. وفي بعض الحالات يُشترط تصوير استمارة الاقتراع؛ للتدليل على اختياره “نعم”، وبعد الخروج من اللجنة يسلم الناخب، الذي يكون قد غمس إصبعه في الحبر الفسفوري، “البون” إلى شخص آخر يرشده بدوره إلى مكان بجوار اللجنة، ليتسلم منه “الهدية”. الظاهرة كانت لافتة للدرجة التي لم يتمكن معها الإعلاميون المؤيدون للنظام من إنكارها، مع تبرير ذلك بأنه نسبة غير مؤثرة، وادعاء أن رافضي التعديلات يدفعون أموالاً للتصويت ب”لا”!.
; ومن أبرز تلك التصريحات ما قاله الإعلامي “عمرو أديب” في برنامجه على فضائية “إم بي سي مصر”: “من نزل ليحصل على (كرتونة) لا يغير النتيجة، لا تجعلوا أحداً يسحب انتصاركم.. رأينا عمالاً وشباباً صغيراً يشاركون في الاستفتاء، والبعض يقوم بحركات مجاملة، فنحن لسنا في سويسرا، لكن ليست هذه الحركات التي تصنع النتيجة”. خدعة لجان الوافدين:
الاهتمام كان واضحاً بلجان الوافدين، وأصبحت لجان الوافدين كلمة السر في الحشد لتمرير الاستفتاء, وأصبح “الوافدون”، وهو التعبير القانوني الذي يطلق على الناخبين الذين يدلون بأصواتهم في لجان غير مقارهم الانتخابية الأصلية، هم السلاح الأبرز الذي تدير به أجهزة النظام الاستفتاء على التعديلات الدستورية؛ بسبب ضعف الإقبال. وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات السبت تخصيص ثلاث لجان انتخابية لعمال ومهندسي العاصمة الإدارية، وأبرزت أبواق الانقلاب الحضور العمالي على أنه “حشد دون إكراه”. وقالت غرفة عمليات اتحاد العمال استقبلت كذلك “آلاف المغتربين لإرشادهم لأماكن الاستفتاء”، بحسب صحيفة “الأهرام” القومية. الرقص أمام اللجان : وجد السيسي ومن حوله في الرقص و”استرقاص الملأ” وظيفة لجذب واستقطاب المزيد من الناخبين، تماماً كما يفعل صانعو سينما الشباك بحشر مشاهد الرقص الخليع في أفلامهم لضمان جذب الجمهور وزيادة الإيرادات. المُخيلة الراقصة باتت طاغية على عقلية المحيطين بالنظام حتى فيما أطلقوا عليه أغاني وطنية واكبته ورافقته، منها على سبيل المثال “تسلم الأيادي” و”بشرة خير” اللتان تتمتعان بإيقاع راقص يشجع المستمعين على الرقص. وينبذ المصريون مثل هذه المشاهد ويعتبرونها عاراً وسبَّة ونيلاً من سُمعة مصر والمصريين، مؤكدين أن الفضيلة هي الأصل، وأن هذا النوع من الرقص مُشوّه لصورتهم وسمعتهم، حتى لو استطاب الحاكم ومن حوله الاستعانة به دائماً وفي غير مناسبة فسيبقى عرَضَاً عارضاً لن يدوم. الأطفال: وعلى مدار ثلاثة أيام استغلّ أنصار السيسي الأطفال دون الثامنة عشرة سنة للترويج للاستفتاء، وحثّ الناخبين على التصويت ب”نعم” على تعديلات الدستور، حسب ما رصدت تقارير صحفية, في العديد من المناطق على مستوى الجمهورية، بالمخالفة للمادّة (80) من الدستور المصري، التي تنصّ على “التزام الدولة برعاية الطفل، وحمايته من جميع أشكال العنف، والإساءة، وسوء المعاملة، والاستغلال الجنسي والتجاري”. ووفقاً لمصادر في حزب “مستقبل وطن” الذي يدير ملف الدعاية لاستفتاء الدستور لصالح الأجهزة الأمنية من وراء ستار، فإن مسؤولي الحزب اتفقوا مع “متعهدي الانتخابات” في العديد من المحافظات، للحصول على خدمات المئات من الأطفال بمتوسط أجر 50 جنيهاً في اليوم، ضمن اتفاق الحزب على استئجار الآلاف من الشباب والبنات بمقابل يتراوح بين 150 و200 جنيه، للترويج للدستور في الشوارع الرئيسية، وعلى أبواب اللجان الانتخابية. وتجاهل “المجلس القومي للأمومة والطفولة” الانتهاكات المتعلقة بالأطفال في استفتاء الدستور، ولم يصدر أي بيانات في هذا الصدد، بالمخالفة لدوره المنصوص عليه في القانون بشأن حماية الأطفال من الاستغلال السياسي؛ نظراً لخضوع المجلس لتعليمات السلطة الحاكمة، وتركيز البيانات على الإشادة ب”إقبال المرأة المصرية” في عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية.