اتصال هاتفي من جهة سيادية إلى المسئولين بالجمعيات الخيرية، وما أن يرد مسئولي الجمعيات، حتى يفاجئه الطرف الآخر بجملة مرعبة لغالبية المصريين: "عايزينك عندنا شوية". يذهب مسئول الجمعية الخيرية إلى الجهة المعروفة بقمعها وبطشها وجبروتها الذي يصل إلى حد الإجرام، بافضافة إلى سمعتها كأحد أهم أذرع نظامي مبارك والسيسي لسلخ وقتل المصريين.. إنه أحد مقرات جهاز أمن الدولة.. أو السلخانة بوصف غالبية المصريين. يدخل المسئول إلى مقر "السلخانة"، ويسأل عن اسم الضابط الذي تولى الاتصال به، وما أن يذهب إليه في المكتب، يجد ما لم يتوقعه، حسن استقبال وكرم ضيافة لا يتفقان مع سمعة وصيت الجهاز!! "تشرب ايه" يسأل الضابط مسئول الجمعية، فيرد الأخير: "ولا حاجة يا فندم"، ليعاود الضابط سؤاله، فيجيب الآخر: "شاي". وخلال الفترة القصيرة التي يقضيها مسئول الجمعية مع الضابط، التي لا تزيد عن 20 دقيقة، يتلو الضابط على مسئول الجمعية سر المكالمة وسبب الزيارة. "عايزين الجمعية تحشد على قد ما تقدر الأهالي يوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية، عايزينكم تستغلوا الإعانات المقدمة للأهالي في إنكم تجيبوا الناس تصوت بنعم على التعديلات". يتنفس مسئول الجمعية الصعداء، بعد ان اطمأن قلبه أنه سيخرج على قدميه من مقر "السلخانة" وأن غرض الزيارة لن يكون المساس بحريته أو حياته، ويعد الضابط مبتسما: "إن شاء الله يا باشا هنعمل كل اللي نقدر عليه". لكن الوعد الباسم لم يغير مزاج ونبرة الضابط الذي تابع: "كل الجمعيات مطلوبة منها كده، والجمعية اللي هتقصر هيتسحب منها ترخيصها، والجمعية اللي هتقصر هنعرف انها قصرت من رجالتنا، وساعتها ماتلومش إلا نفسها". يقسم مسئول الجمعية على بذل كل الحهد للمشاركة في "العرس الديمقراطي" وحشد أكبر قدر من الأهالي يوم الاستفتاء، ويستأذن للانصراف، فيسمح له الضابط. كل ما سبق ليس مشهدا من درب الخيال أو من وحي إحدى الروايات، لكنه حصل بالفعل مع العديد من مسئولي الجمعيات الأهلية والخيرية في كافة محافظات الجمهورية. اقرأ أيضا: النظام يُجبر أصحاب المحلات على دعم التعديلات الدستورية يتسق اللقاء السابق مع ما تم الإعلان عنه خلال الأيام الماضية، حول إجبار أجهزة الأمن لأصحاب المحلات على المشاركة في حملات دعم التعديلات الدستورية، بإجبارهم على دفع مبالغ تتراوح بين 2000 و 8000 جنيه من كل كشك أو محل، وتسلميه "بانرات" ولافتات دعاية للتعديلات الدستورية لوضعها على واجهة محله، مع تهديد أي من يرفض بتشميع المحل. ومع نهاية شهر مارس وبداية شهر أبريل الجاري، امتلأت غالبية الميادين والشوارع الرئيسية في القاهرةوالمحافظات بلافتات تحث المواطنين على «عمل الصح» بتأييد التعديلات الدستورية، بشعارات مثل «معا لتعديل الدستور»، و«انزل شارك علشان بلدنا»، و«المشاركة مسؤولية.. تعديلات دستور مصر 2019»، و«مشاركتك مسؤولية خليك قدها»، و«تعديلات دستورية لمستقبل أفضل لمصر».