لم تستمر طويلا فرحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بما أطلق عليه إعلامه "تقريراً أمنياً سرياً" زعم براءته من جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. لم يهنأ ابن سلمان بهذا التقرير، إذ عاجلته تصريحات المسؤولة الأممية، أغنيس كالامارد، التي كان أُعلن في ال26 من الشهر الماضي أنها سترأس فريقاً أممياً للتحقيق في مقتل خاشقجي بتكليف من مجلس حقوق الإنسان، باتهام الدولة نفسها بالتورط في الجريمة، بل ووجهت اتهاماً مباشراً إلى النظام السعودي ممثلا في ولي العهد بتعطيل سير التحقيق وعرقلته. محاولات محمد بن سلمان للهروب من جريمة خاشقجي فاشلة حتى اللحظة، وبات واضحا أن الجريمة التي ارتكبت في قنصلية السعودية في اسطنبول، ستلاحق ولي العهد إلى أجل غير معلوم. أهم التطورات التي تؤكد أن الجريمة لن تغلق قريبا، ما أعلنته مقررة الأممالمتحدة الخاصة المعنية بحالات القتل خارج القضاء، أجنيس كالامارد، بعد أسبوع من زيارتها لتركيا، برفقة المحامية البريطانية هيلينا كيندي، والخبير في علم الأمراض دوارتي نونو فييرا. وأكدت كالامارد أن الأدلة تظهر أن واقعة الاغتيال كانت «جريمة وحشية متعمّدة خطّط لها ونفّذها مسؤولون في الدولة السعودية». هذا التصريح نسف كلّ جهود ومحاولات محمد بن سلمان لنفي الجريمة عن نفسه، ومحاولة حصرها في رجاله الذين تدور حولهم شبهات التورط في الجريمة، مع التنويه على نقطة أنهم لم يكونوا ضالعين في التخطيط والتنفيذ، إنما أرادوا فقط إرجاع خاشقجي إلى بلاده ب«الحسنى»، وهو ما خالفه الفريق المكلّف بالمهمة، وفقاً لمزاعم ولي العهد. ابن سلمان حاول احتواء الأزمة عبر إقالة كلّ من المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، ونائب رئيس الاستخبارات السعودية أحمد عسيري، من منصبَيهما، وإحالتهما للتحقيق. لكن على ما يبدو أن ولي العهد كان يريد التلاعب بالمهتمين بالقضية، وان التحقيقمع القحطاني وعسيري كان صوريا لخداع المجتمع الدولي. ما يؤكد هذا الأمر هو أن الرواية النهائية التي خرجت بها السعودية على الرأي العام أبعدت الشبهات عنهما باستخدام الحيلة المذكورة، لعلمها بأن إدخالهما في دائرة تدبير الجريمة إنما يحيل مباشرة إلى ولي العهد، الذي كان القحطاني قال بنفسه إنه يتلقى أوامره منه وإنه «لا يقدح من رأسه». هذا الهاجس يبدو واضحاً أنه ظلّ شاغلاً لسلطات ابن سلمان على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، إلى حدّ أن تلك السلطات استعانت بشركة أمنية أميركية تُدعى «kroll» بهدف الاستفادة من خدماتها في دحض التقييم الذي كانت توصّلت إليه الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي)، والذي تحدث عن «قدر متوسط بل وعالٍ من الثقة» بأن لولي العهد صلةً بالجريمة، وفق ما كشفت عنه صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية. دليل تورط ابن سلمان هناك دليلان أعلن عنهما يؤكدان تورط ولي العهد محمد بن سلمان في قتل خاشقجي، وإصدار الأمر مباشرة منه. الأول هو ما أعلنت عنه الاستخبارات المركزية الأمريكية، وهو مكالمة هاتفية بين مدير مكتب محمد بن سلمان، بدر العساكر، والقحطاني، ورد فيها: "أبلغ سيدك أن المهمة أُنجزت". الدليل الثاني هو ما أعلنت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" بأنّ وليّ العهد السعودي قال في العام 2017 إنّه سيذهب إلى حدّ استخدام "رصاصة" ضد جمال خاشقجي إذا لم يوقف انتقاداته للسعوديّة. الصحيفة الأمريكية التي تتضامن مع منافستها التقليدية "واشنطن بوست" في الحملة ضد ولي العهد السعودي بغرض محاكمته بقتل خاشجقي، نقلت عن مسؤولين حاليين وسابقين أمريكيين وأجانب، مُطّلعين على تقارير استخباريّة، أنّ ولي العهد السعودي أطلق هذه التصريحات خلال محادثة له مع أحد المقرّبين منه وهو تركي الدخيل. ووفقا ل""نيويورك تايمز"، فإنّ هذه المحادثة رصدتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي تفحص بعناية فائقة رسائل نصّية واتّصالات هاتفيّة أجراها ولي العهد على مدى أعوام. ونقلت الصحيفة عن هؤلاء المسؤولين، أنّ محمد بن سلمان قال خلال تلك المحادثة إنّه إذا لم يعُد خاشقجي إلى السعوديّة بكامل إرادته فيجب إعادته بالقوّة، وأنّ ولي العهد قال أيضاً إنّه مستعدّ لفعل ذلك باستخدام "رصاصة". الكونجرس يواصل الضغط ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فإن الكونجرس الأمريكي أمهل الرئيس دونالد ترامب، أكبر داعمي محمد بن سلمان في هذا الحادث، مهلة حتّى الجمعة، لتحديد ما إذا كان ولي العهد قد أمر باغتيال خاشقجي في القنصليّة السعوديّة في اسطنبول في 2 أكتوبر الماضي. العديد من المشرعين الأمريكيين توعدوا باتّخاذ إجراء أكثر صرامة ضد قيادة المملكة السعوديّة، على خلفية قتل خاشقجي. وقدّمت مجموعة من أعضاء مجلس الشّيوخ، من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، الخميس مشروع قانون يمنع بعض مبيعات الأسلحة للسعوديّة بما في ذلك دبّابات. كما يشمل مشروع القانون فرض عقوبات بحقّ أيّ شخص سعودي متورّط في قتل خاشقجي.