إقبال كثيف على لجان «إمبابة والمنيرة الغربية» في اليوم الثاني لانتخابات النواب 2025    رئيس جامعة المنصورة يتفقد سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بكليات العلوم والحاسبات (صور)    الفيوم تنظم معرضا للحرف اليدوية والتراثية بنادي الزهور بالقاهرة الجديدة    مؤسسة التضامن للتمويل الأصغر تجدد اتفاق تمويل مع بنك البركة بقيمة 90 مليون جنيه    خفض الفائدة.. الانتقال من إدارة الأزمة إلى هندسة التعافي    «المركزي» يقرر تعطيل العمل بالبنوك الخميس المقبل بمناسبة انتهاء السنة المالية    عاجل- مدبولي يترأس اجتماع اللجنة العليا للعدالة الاجتماعية لمتابعة تطبيق الدعم النقدي    محافظ الدقهلية يتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    «الإسكان» تحدد موعد القرعة الجديدة لأراضي منطقة الرابية بمدينة الشروق    الرئيس الصومالي: لن نقبل بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة    بريطانيا وألمانيا توقعان صفقة أنظمة مدفعية متنقلة ب70 مليون دولار    أشرف حكيمي: كأس أمم أفريقيا ليست سهلة.. وسنقاتل للفوز على زامبيا    حسام حسن: جميع اللاعبين جاهزون وأثق في العناصر المتاحة وحراس المرمى    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    الأرصاد: استمرار تكاثر السحب المنخفضة والمتوسطة على السواحل الشمالية غدا    الداخلية تضبط شخص يوزع كروت دعائية بمحيط لجان دمنهور    الداخلية تقضي على بؤر إجرامية بالمنوفية وتضبط مخدرات بقيمة 54 مليون جنيه    مرخصة أم مخالفة؟.. «الصحة» تحقق في فيديو هروب جماعي من مصحة بالمريوطية    داود عبد السيد.. كيف يتحوّل التيه إلى وطن؟!    مي كساب تبدأ تصوير مسلسل «نون النسوة» استعدادًا لرمضان 2026    وصول جثمان المخرج داوود عبد السيد إلى كنيسة مارى مرقس    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    «ليمتلس ناتشورالز» تعزز ريادتها في مجال صحة العظام ببروتوكول تعاون مع «الجمعية المصرية لمناظير المفاصل»    أعشاب تقلل التوتر العصبي للنساء، قبل الدورة الشهرية    رد ناري من عمر الفيشاوي على أزمة شقيقه مع المصورين في عزاء والدتهم    حقيقة اختطاف أجنبي بالقاهرة.. الداخلية تكشف تفاصيل الواقعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    الداخلية تنظم دورتين للكوادر الأمنية الأفريقية بالمركز المصري لحفظ السلام    ولادة عسيرة للاستحقاقات الدستورية العراقية قبيل عقد أولى جلسات البرلمان الجديد    القوات الروسية تحرر 5 بلدات في مقاطعة زابوروجيه وجمهورية دونيتسك الشعبية    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    الصحة: الشيخ زايد التخصصي يجري قساطر قلبية معقدة تتجاوز تكلفتها مليون جنيه على نفقة الدولة    وزير الصناعة يزور مقر سلطة الموانئ والمناطق الحرة في جيبوتي ويشهد توقيع عدد من الاتفاقيات    مد غزة ب7400 طن مساعدات و42 ألف بطانية ضمن قافلة زاد العزة ال103    البنك الأهلي يواجه إنبي في صراع التأهل لربع نهائي كأس مصر    أمم أفريقيا 2025.. تشكيل بوركينا فاسو المتوقع أمام الجزائر    العراق يتسلم 6 مروحيات "كاراكال" فرنسية لتعزيز الدفاع الجوي    21 مواطنًا يحصلون على جنسيات أجنبية مع الاحتفاظ بالجنسية المصرية    تحصيل حاصل| موعد والقنوات الناقلة لمباراة مصر وأنجولا في كأس أمم إفريقيا    أمم إفريقيا - طرابلسي: الهزيمة أمام نيجيريا مؤلمة لكنها أثبت قدرتنا على منافسة أي خصم    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    أول تعليق من حمو بيكا بعد انتهاء عقوبته في قضية حيازة سلاح أبيض    2026 .. عام الأسئلة الكبرى والأمنيات المشروعة    2025.. عام المشروعات الاستثنائية    حبس مها الصغير شهر بتهمة سرقة لوحات لفنانين أوروبيين وتغريمها 10 آلاف جنيه    كيف ينتج تنظيم الإخوان ازدواجيته.. ثم يخفيها وينكرها؟    الزمالك يخشى مفاجآت كأس مصر في اختبار أمام بلدية المحلة    إصابة شخصان إثر تصادم ميكروباص مع توك توك بقنا    شريف الشربيني يشارك في اجتماع لجنة الإسكان بمجلس الشيوخ اليوم    عبد الفتاح عبد المنعم: الصحافة المصرية متضامنة بشكل كامل مع الشعب الفلسطينى    لافروف: القوات الأوروبية في أوكرانيا أهداف مشروعة للجيش الروسي    نيللي كريم وداليا مصطفى تسيطران على جوجل: شائعات ونجاحات تُشعل الجدل    أمطار ورياح قوية... «الأرصاد» تدعو المواطنين للحذر في هذه المحافظات    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حجازى أسطورة الكاريكاتير
نشر في الشعب يوم 12 - 11 - 2011

تناقلت الصحف خبر وفاة الفنان حجازى فى 21 أكتوبر الماضى، ونعاه محبوه وتلامذته الذين فقدوا «فنان الشعب» و«سيد درويش الكاريكاتير»، وتطايرت بعض رسومه الكاريكاتيرية هنا وهناك، رسوم منذ 25 عاما لكنها لا تزال صالحة للدهشة، حول البطالة والفقر والاستبداد، حول قانون الطوارئ، والفساد الحكومى وغيرها من التيمات التى يطلق عليها موضوعات الساعة. ثم جاء خبر وفاة فيلسوف الصحافة أنيس منصور، فطغت صفحات الرثاء على رسوم حجازى الطفولية الرقيقة، ولم لا، ألم يكن إهمال فن الكاريكاتير والتضحية به عند أول منعطف هى أحد أسباب عزوفه عن هذا الفن وانسحابه فى مسقط رأسه بطنطا؟! فبدت سخرية الأقدار كما لو كانت وفاته أيضا أرادها بدون ضجيج، بنفس الدماثة التى ميزت مسيرة حياته، وهو الذى جاء من كفر العجيزى إلى مدينة القاهرة الكبيرة، تلقفه حسن فؤاد فى مجلة التحرير ثم أحمد بهاء الدين فعمل فى كتيبة روزاليوسف فى سنوات زهوها فى الخمسينيات، وكان يخشى المؤسسات الكبرى كالأهرام والأخبار، ويقول «المجلة برضه متدارية» كما ذكر فى أحد حواراته.
ونعاه تلميذه فى فن الكاريكاتير عمرو سليم، كتب نصا يقطر حبا ويصرخ غضبا وحزنا كما لو كان يخشى متاجرة المتاجرين بسيرة حجازى وتاريخه، فالمصاب مصابهم هم أهل الكاريكاتير الذين يعرفون قدر فنان بقامة حجازى. نستريح جميعا لكل ذلك، أو نريح أنفسنا، أليس هو، حجازى، نموذج الناسك الذى يعطى ولا ينتظر مقابلا؟! أليس هو من اختار احترام الموت مثل أهله الفراعنة، حين عاد إلى جذوره الأولى لا ليعيش وسط أهله، الفلاحين، ولكن ليموت وسطيهم كما قال لوائل عبدالفتاح فى حواره معه؟!
حجازى.. معنى الحنين
ووسط ذلك كله تأتى زميلتنا المصورة رندا شعث بلآلئ صغيرة هى بعض ما كتب حجازى التى أنجزها للأطفال فى سنوات الثمانينيات، فتشعل الحنين من جديد. مثل لقية نادرة أخرجتهم من مكتبتها، وحرصت ألا تفرط فى إحداها خاصة فى عالم الصحافة حيث يعد اقتناص الكتب «حلالا» وهى مجموعة منتقاة نفدت من الأسواق كانت تصدرها دار الفتى العربى فى قطع متميز منها المتوسط الصغر الذى أصبح مألوفا فى كتب الأطفال اليوم ومنها الصغير بحجم نصف الكف الذى يناسب أصابع الطفل الصغيرة. يتصفح الزملاء بحرص كنوزها الثمينة، وهى التى عملت وهى لا تزال صبية غضة مع عمالقة صناعة الكتب ورسوم الأطفال مع محيى الدين اللباد وبهجاتوس وحجازى، واحتفظت لديها ببعض علامات الزمن الجميل. هنا كتيب صغير رسمه حجازى مع كلمات العملاق السورى زكريا تامر، وهنا «الحيلة الذكية» أو «الباذنجانة الزرقاء» فكرة زين العابدين الحسينى لتعريف الأطفال معنى المقاومة الفلسطينية وسبل الدفاع عن الأرض، وهنا كتاب من سلسلة «تنابلة الصبيان» الذى يعتبر بمقاييس اليوم ينتمى مبكرا لفن الكوميكس، وهى الشرائط المصورة الشبيهة بالسيناريو السينمائى المرسوم. أبدعها حجازى فى مجلة سمير للأطفال ثم فى سلسلة دار الفتى العربى الفلسطينية والتى قدمها حجازى فى صورة مرحة لا تخلو من عمق ومغزى، فى الوقت الذى كانت الشرائط المصورة إما مترجمة عن لغات أجنبية وإما قاصرة على بعض صفحات المجلات.
ونكتشف كيف يرتبط اسم حجازى بمعانى الحنين، مجرد النظر إلى إمضائه الشهير يستدعى الزمن الجميل ممزوجا بالألم، هذا الإمضاء الذى تستدير فيه الحروف تماما مثل رسومه للمرأة باستداراتها وأنوثتها الشعبية، واستدارات الطفل الذى يتحول لدمية حنونة من لحم ودم، والأشجار والطبيعة التى تستدير خطوطها لتصبح مثل أحلام الطفولة البعيدة (هل صحيح ما يقال إن الخطوط الهندسية دليل الحدة، بينما الاستدارات دليل على الميل العاطفى الإنسانى، أم هى مجرد أقوال جاهزة؟). وندرك أن المصاب لا يخص فقط رسامى الكاريكاتير الكبار منهم والشباب بل مصابنا أيضا، نحن من تربينا على رسومه الكاريكاتيرية فى مجلة صباح الخير أو قل لحقنا بها فى السبعينيات، فى زمن مدرسة روزاليوسف التى كانت صوت اليسار التقدمى فى الواقع السياسى المصرى. يعلق فى أذهاننا أسلوبه المتفرد فى رسم الشخصيات جامعا بين براءة الطفل وحكمة العجوز المتمرس، كنا صغارا وحين كبرنا عرفنا لماذا كان مختلفا عن عباقرة جيله أيضا قالها هو نفسه فى معرض حديثه حيث كان مجايلوه ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، وكان هو الوحيد على حد قوله الذى ينتمى إلى الطبقة الفقيرة. كانوا جميعا أبطال مدرسة روزا يقدمون الكاريكاتير السياسى الاجتماعى، أما هو فكان شديد الوعى بطبقته، لا يرسم عن نموذج يدافع عنه ويتوحد معه، بل يرسم نفسه بصدق وبساطة. وكان أول من استحدث رسم الطبلية ولمبة الجاز ويوميات الأسر المصرية الفقيرة.
ثائر يعى متى يكون السكوت من ذهب
حنين موجع هذا الذى ينتاب الواحد منا أمام معضلة رحلته العكسية إلى الجذور، أمام عزوفه عن استكمال رسومه الكاريكاتيرية وسط شعور التكرار مع اللا جدوى الذى انتابه. كان مثل ناسك كسرته الهزيمة، ثم مبادرة السلام مثل مثقفين كثيرين، لكنه لم يكن مثل أحد. ظل يقاوم برسومه ضد الظلم والفقر والاستبداد، حتى نفذت ذخيرته («قلت ما عندى» كما كان يردد عند سؤاله عن سر اعتكافه فى أوج نجاحه). هل كانت الكآبة واليأس هما سر الانسحاب كما يحلو للبعض أن يردد، أو كما كان يقول إنه انتهى مما عنده ولا يريد أن يعيد نفس القضايا والمشاكل التى لا يراد لها حلا؟ أم أنه هذا الثائر الذى صار الكاريكاتير عنده مثل الكلام الذى يزنه بميزان من ذهب، لا إفراط فيه وإلا أصبح ضجيجا بدون طحن. ولكنه مع ذلك استمر فى تقديم رسوما للأطفال فى مجلة ماجد أو علاء الدين، أو قد يفاجئ أشقاءنا الأحدث عمرا ببوستر يقدم لهم فيه لوحة خلابة لمدينة القدس الفلسطينية، فقد صار الرهان على العقول الصغيرة، على هؤلاء الذين إذا وعوا الواقع ربما نجحوا فى التغيير. وهو ما جعله يواجه الصمت العربى تجاه القضية الفلسطينية بمجموعة أعماله «اللقية» التى صدرت فى الثمانينيات عن دار الفتى العربى. نفدت تلك الأعمال النادرة وكم تحتاجها أجيال اليوم فى طبعات جديدة، هذه الأجيال التى لم تعرف حجازى والتى حرمت من نعمة الحنين.
ادخر حجازى حسه الثورى وحفظه من إحباطات الكبار ليتوجه به للأطفال والشباب، ففى أحد أعماله للأطفال بعنوان «حيلة ذكية» يعطى المساحة كاملة لبطل المستقبل، للطفل الذى كبر فى سنوات الثمانينيات على كتب حجازى تعلمه ما هى فلسطين، وتبث فيه روح الفعل. يستهل الكتاب الذى يعتمد فقط على الرسوم بهذه الكلمات: «الكبار يعرفون كيف يقاتلون الأعداء بطرق ووسائل عديدة. ونحن الصغار لنا أيضا حيل ذكية ووسائل بسيطة نقاتل أعداءنا: أعدائنا الكبار والصغار من شعبنا». فيصور الطفل الذى يرى بعينيه أسلحة الإسرائيليين مشهّرة فى وجه أهله وشقيقته الصغرى يعترضها جنود العدو يفتشون حقيبة المدرسة، فيلجأ لحيلة ذكية فيجمع ثمار الباذنجان التى تشبه القنابل التى تحملها العدو، ليهدد بها الجنود حين يلقيها عليهم فى الظلام، فيفروا هاربين أمام تصميم وثقة الطفل البطل.
أما قصة «تمبول الأول» الحلقة الأولى من سلسلة تنابلة الصبيان، وهى القصص المصورة التى برع فيها حجازى، فيقدم فيها قصة ثورة الشعب على الحاكم الجائر «تمبول» وإخوته شملول وبهلول. يعطى حجازى البطولة للشعب الذى ضاق من الأدوار الهامشية فى أكثر من نظام عربى، وحلم حجازى معه أن يتحرر من قهر حكامه المستبدين، فصور تذمر الشعب من غلاء الأسعار وثورة الفقراء، ومظاهراتهم التى وصلت إلى القصر، وبطش العسكر بهم، وهروب الوزراء، ثم النهاية السعيدة استولى الشعب على الحكم وطرد التنابلة ويردد الشعب فى النهاية: «خلاص مافيش تنابلة بعد النهاردة، واللى يحكمنا واحد مننا بالعدل، من غير سجن ولا سجانين».
نم مطمئنا يا حجازى، فقد زرعت فى الأجيال التى تناولتك رغم ما عرف عنك من مرارة واكتئاب روح الثورة والإيمان بالثورة، تحقّق جزءٌ من حلمك، وسيكمل أبناؤك باقى الحلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.