كاردوسو يعزز صفوف أتليتكو مدريد 5 مواسم    أستاذ فقة ل"الستات مايعرفوش يكدبوا": معظم المشاكل الزوجية سببها سوء الاختيار    وفاة ميمي عبد الرازق بعد أزمة قلبية مفاجئة    وفاة ميمي عبد الرازق    «الأوقاف» تُنظم ندوات ب 1544 مسجدًا بالتعاون مع الأزهر الشريف    «أوقاف السويس» تنظّم ندوة في ثالث أيام الأسبوع الثقافي    بنسبة نجاح تخطت 90%.. صحة الفيوم تعلن نتيجة مدارس التمريض بالمحافظة    انطلاق اختبارات القدرات بكلية العلوم الرياضية جامعة قناة السويس    رئيس الوزراء يتابع موقف تسليم الوحدات السكنية للموظفين المنتقلين للعمل بالعاصمة الإدارية الجديدة    الداخلية تكشف ملابسات فيديو متداول حول مخالفة مرورية في مطروح    المهرجان القومي للمسرح يكرم الفنان القدير جلال العشري    بروتوكول تعاون بين مركز البحوث الزراعية والوكالة الإيطالية لتعزيز إنتاج المحاصيل    محافظ الجيزة يكلف بسرعة التشغيل التجريبي لموقف السرفيس بالصف    الطيران السوري: إغلاق مؤقت للممر الجوي الجنوبي    استيفاء الاشتراطات البيئية والصحية شرط إصدار تصاريح المشروعات ومحطات المحمول في الشرقية (تفاصيل)    محافظ الغربية في جولة مفاجئة ويستقبل طلبات المواطنين بنفسه .. صور    تعيين رؤساء تحرير جدد للأهرام الرياضي وآخر ساعة وعقيدتي و«روزاليوسف» (تفاصيل)    للمرة الأولى.. شهداء بسبب الاختناق في مراكز توزيع المساعدات بقطاع غزة    الرئيس العراقي يدعو إلى منع انزلاق المنطقة إلى مزيد من الصراع    مسؤولة أممية تدعو إلى تقديم قادة إسرائيل إلى العدالة    بسبب تهريب 2 مليون لتر وقود.. إيران تحتجز ناقلة نفط أجنبية في خليج عمان (تفاصيل)    التعليم العالي: 28 ألف طالب يسجلون لأداء اختبارات القدرات    «رواد تحيا مصر» تواصل التوعية بمخاطر المخلفات الإلكترونية بمركز شباب دمياط    انسحاب مفاجئ لمرشح من سباق انتخابات مجلس الشيوخ بالفيوم    منتخب مصر للناشئين يستعد بقوة لكأس العالم تحت 17 سنة.. وأحمد الكاس يؤكد: "جاهزون للتحدي"    بيراميدز ينافس الأهلي على ضم مصطفى محمد    شرط ليفربول لبيع دياز ل بايرن ميونخ    خالد الغندور ينتقد أساليب تقديم صفقات الأهلي والزمالك: "رسائل تافهة تثير الفتنة"    خطوة جديدة فى مشروع عملاق    إصابة 6 أطفال في حريق التهم معرض موبيليا ب الدقهلية    «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالعصى بسبب خلافات الجيرة في الشرقية    السيطرة على حريق في مزرعة دواجن بقرية دمشقين بالفيوم دون إصابات    بعد تداول فيديو يوثق الواقعة.. حبس شاب هدّد جيرانه بسلاح أبيض في الفيوم    تموين دمياط: خطة شاملة لضبط الأسواق وتأمين غذاء المواطنين    مقتل سيدة على يد شقيقها في المنيا بسبب خلافات أسرية    انتشال اثنين من المفقودين في حادث انقلاب سيارة في ترعة بالبحيرة وجاري البحث عن صغيرة    الرئيس الأمريكى ترامب يطرح حل أزمة سد النهضة مقابل تهجير الفلسطينيين والسيسي يرحب    سوزي الأردنية وكيرو على ريد كاربت «الشاطر».. جدل حول حضور «التيكتوكرز» عروض الأفلام    عزيز مرقة يشعل المنافسة ل«الفانز» في أغنيته «شايفة إيه؟» (تفاصيل)    مفاجأة عاطفية.. توقعات برج الثور في النصف الثاني من يوليو 2025    محمد علي رزق: «فات الميعاد» من أمتع الكواليس اللي مريت بيها| خاص    الشركة المتحدة ولميس الحديدى يتفقان على عدم تجديد التعاون بينهما    تواصل مناهضة الفرق البريطانية لدعهما غزة .. إلغاء تأشيرات "بوب فيلان" الأمريكية بعد أغنية "الموت لإسرائيل"    بعد تراجع عيار 21.. كم سجل سعر الذهب اليوم الأربعاء 16-7-2025 عالميًا ومحليًا؟    إنزال 800 ألف زريعة أسماك «المبروك والبلطي» في بحري مويس وأبو الأخضر ب الشرقية    وزير البترول يبحث مع شركة "شلمبرجير" سبل دعم الاستكشاف والإنتاج    بين الحب والاتباع والبدعة.. ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف 2025؟    نائب وزير الصحة يعقد اجتماعًا لمناقشة آخر مستجدات ملف السياحة العلاجية    مبادرة الألف يوم الذهبية.. نائب وزير الصحة في ندوة علمية بالمنيا لدعم الولادات الطبيعية    تقديم 1214 خدمة طبية مجانية خلال قافلة بقرية قصر هور في المنيا    محافظ شمال سيناء: مبادرة 100 يوم صحة نقلة نوعية لتوفير رعاية شاملة للمواطنين    أوكرانيا: إصابة 15 شخصا على الأقل في أحدث هجوم روسي بمسيرات وصواريخ    أكاديمية الشرطة تستضيف دورتين تدريبيتين بالتعاون مع الصليب الأحمر    تسبب انكماش الدماغ.. طبيب يحذر من تناول هذه الأطعمة الثلاثة    بتوجيهات السيسي.. وزير الخارجية يكثف الاتصالات لخفض التصعيد في المنطقة    بعد 12 عامًا.. خلفان مبارك يغادر الجزيرة الإماراتي    قصور الثقافة تواصل برنامج "مصر جميلة" بورش تراثية وفنية في شمال سيناء    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا لنعمك شاكرين وبقضائك راضين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو حركة إسلامية جديدة
ندعو لخط إسلامي وسطي بين التفريط والافراط- الحلقة (1)
نشر في الشعب يوم 20 - 02 - 2018

من بين الحطام ينبثق الصرح الجديد، من بين عذابات الآلام يولد الفرح، ووسط حلكة الليل ينفلق الصبح، والماء ينزل من السماء فيحيي الأرض بعد موتها، والله يحيي العظام وهي رميم، ويخرج الحي من الميت، ويخرج النور من الظلمات، ويكور النهار على الليل.
وبين ظلمات الجاهلية وطغيان هرقل وكسرى انبلج نور الاسلام، ومن رحم حطام بغداد ولدت عين جالوت، ومن عذابات الصليبية فتحت القسطنطينية، واليوم حيث نشهد اندحار أكبر حركتين إسلاميتين وهزيمة مدرستين: مدرسة التربية، ومدرسة حمل السلاح نرى الصحوة الاسلامية التي انبثقت في السبعينيات من القرن العشرين، تحط رحالها بين السجون والمنافي وبين القبور ومواقع الحكم مع الطاغوت، فلابد أن نحول الهزيمة إلى نصر والهزائم إلى انتصارات ولن يكون هذا قبل ان نعترف أصلاً بالهزيمة وبأسبابها حتى نمتلك أسباب النصر. لقد استطال عهد الهزائم بما يجزم اننا نسير في الطريق الخطأ ولابد من التصحيح، ولابد من الطريق الوسط الصحيح بين الافراط والتفريط.
*****************
لقد كانت الثورات العربية التي وقعت خلال عام 2011 فرصة لاحداث تغيير عميق في واقع أمتنا العربية والاسلامية، وكان التيار الاسلامي هو الأقوى والأكثر جماهيرية في كل ساحات الثورة، واندحر في كل الساحات، بما ينبئ بأن الأمور ليست على ما يرام كما يزعم جناحي الحركة الاسلامية.
أولا: مدرسة التربية:
نسميها مدرسة التربية لأن هذا هو المجال الذي برعت ونجحت فيه وعندما عملت في السياسة فشلت فشلاً ذريعاً عدة مرات ولذلك وبعد 90 عاماً من نشأتها ها هي الأصوات تتعالى بينها للمطالبة بالعودة من جديد إلى مرحلة التربية! حنين إلى الماضي، حنين لسنوات الانجاز، وسنوات النجاح. الاخوان المسلمون هم العنوان الأبرز والعمود الفقري وربما الجسم الأساسي لهذا التيار وإن كانت مدرستها تتسع أكثر من الاخوان وتضم مروحة من التنظيمات والجمعيات والحركات الأخرى التي تعمل في إطار نفس التوجه، حتى وإن لم تنضو جميعا تحت القيادة التنظيمية للاخوان. وإذا ركزنا- في هذه الدراسة- على مصر وعلى العقد أو العقدين الأخيرين فسنجد أن الاخوان هزموا للمرة الثالثة خلال 60 سنة.
هزموا أولا في 1954 ثم في 1965 ثم في 2013 بصورة كربونية في المرة الأخيرة للهزيمة الأولى في 1954. وهم الآن خارج الساحة السياسية بين السجون والمنفى، ولا شك انهم لن ينتهوا وسيعودون يوما ما للحياة السياسية ولكن أحسب أن عمرهم الافتراضي كقوة قائدة قد انتهى.
ثانيا: مدرسة العنف المسلح:
والتي بدأت عام 1965 وهُزمت آخر موجاتها على ساحتي سوريا والعراق فيما يعرف بتجربة داعش والنصرة بعد تعثرها المتواصل في مصر، أي هزيمة كبيرة لهذا التيار بعد قرابة 40 سنة من بدايته.
ولا أقول التيار الجهادي- كما هو شائع- لأن الجهاد هو السمة المفترضة لكل التنظيمات الاسلامية الساعية للتغيير ولذلك نستخدم تعبير العنف المسلح في إشارة لتغليب هذا التيار لأسلوب الكفاح المسلح من أجل التغيير.
إذا توقفنا عند العقدين الأخيرين من الزمان نقول..
لماذا هزم تيار التربية أو الاخوان؟ اتسم هذا التيارفي مرحلته الأخيرة بسمة "التفريط" أي عدم التمسك بثوابت الاسلام، والنزوح إلى الروح البراجماتية (أي العملية أو المكيافيلية) والانتقال من مرحلة التربية إلى العمل السياسي بالمعنى التقليدي الذي يرفع شعار (الذي تغلب به العب به) والتخلي عن الأهداف الاستراتيجية أو تأجيلها بصورة مستمرة. ولذلك يمكن أن نسميه تيار التفريط.
في المقابل فإن المدرسة الأخرى (العنف المسلح) تنحو إلى الاستعجال والاعتماد الأساسي على القوة المسلحة لانهاء وحسم الصراع فحققوا شعار (فإن المُنْبَتَّ لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى) وانتهاج منحى التشدد في أي خيار ينتهي. ولذلك يمكن أن نسميه تيار الافراط. وضاع الاسلام أو الرؤية الاسلامية (لان االاسلام لن يضيع أبدا بإذن الله). بين التفريط والافراط وقف جمهور المسلمين بينهما مشدوها مرتبكا حائراً يرى قادته على الجبهتين لا يجيدون إلا الهزائم، وكأنهم أبرموا عقداً مع السجون أو الموت. والأخطر من كل ذلك أن ملامح المشروع الاسلامي الحقيقي ضاعت في أذهان الجماهير ففقدت حماسها للمشروع الاسلامي الذي طالما صوتت من اجله وقدمت التضحيات، في وقت لا يوجد أي بديل آخر لانقاذ الأمة.
لذلك فإن واجب الوقت الآن هو إعادة الاعتبار للمشروع الاسلامي، وتقديم الصورة الحقيقية المشرقة للاسلام وقد تحول إلى برنامج عمل متكامل لانقاذ الأمة.
ان المهمة الملحة الآن هي العمل من أجل بناء حركة إسلامية جديدة وفقاً للخط الثالث أي الخط المستقيم أي الخط الوسط الحقيقي للأمة، الوسط بين الافراط والتفريط (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة 143. وليس المقصود بالخط الوسط هو تلفيق نقطة من هنا ونقطة من هناك، بل ان الفهم الحقيقي والعميق للاسلام يضع ملامح هذا الخط بصورة طبيعية وبدون أي افتعال.
فالهزائم المؤكدة عبر عشرات السنين لا يمكن أن تكون إلا نتيجة الانحراف عن الفهم الصحيح للاسلام وسنن الله في خلقه..
النصر يحدث خلال جيل واحد:
من سنن الله في خلقه أن النصر يحدث خلال جيل واحد فإذا لم يحدث بل في المقابل حدثت هزائم متصلة فلابد أن الخطة يوجد بها خلل جوهري، الخطة النظرية العقدية قبل الخطة العملية ولابد من المراجعة. وعادة فإن القيادات التاريخية لأي تيار تعاند وترفض الاعتراف بأخطائها وتبرر الهزائم مرة بأنها ابتلاءات والابتلاء سنة إلهية، ومرة بتصوير شراسة العدو وتكالب الأعداء وكأن هذا أمراً مفاجئاً لم يكن في الحسبان.
وليست الابتلاءات الدائمة سنة إلهية وإلا لكانت سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام كلها (اُحد) بل الأمر كما سئل الامام الشافعي. هل يمكن النصر بدون ابتلاء؟ قال: لن تُنصرو حتى تبتلوا. أي ان الابتلاء مقدمة للنصر وهذا حديث موجه لجيل محدد. فلا يوجد جيل للابتلاء وجيل للنصر! بل يقول الله عز وجل (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) أي أن اليسر يتعاقب مع العسر بل لا يمكن أن يتلازما ويتزامنا. أما شراسة الأعداء فهي عذر أقبح من ذنب، فهل كنتم تظنون انهم سيفرشون لكم السجادة الحمراء لتدخلوا قصر الحكم أو في القتال فإنهم سيضربونكم بقنابل خفيفة، أو أن الأطراف المعادية المختلفة لن تجتمع عليكم.
ان الجيل الذي دعا إلى الثورة الفرنسية هو نفسه الذي انتصر بنفس المادة البشرية، يموت هذا الفرد أو ذاك ولكن المجموع ينتصر، وهذا ما حدث للثورة البلشفية في روسيا حيث بدأ البلاشفة سعيهم لاسقاط النظام القيصري في آواخر القرن 19 وانتصروا عام 1917، وماوتسي تونج زعيم الصين بدأ كفاحه في آواخر العشرينات وأوائل الثلاثينيات وانتصر عام 1949، انتصر هو ورفاقه وجمهوره. السنن الالهية في المجال الاجتماعي والسياسي تعمل بنفس القدر والدقة بين المؤمنين وغير المؤمنين.
وبالنسبة لنا كمؤمنين مسلمين فإن الرسول عليه الصلاة والسلام انتصر بعد 21 عاما من بدء الدعوة أي خلال جيل واحد وبنفس المادة البشرية خلا سقوط نفر قليل من الشهداء.
وفي الغزوات الكبرى لم يهزم المسلمون إلا في أُحد وفي المرحلة الأولى من غزوة حنين وانتصروا في باقي المواقع، والقرآن الكريم يوضح في سورة آل عمران دروس الهزيمة في أُحد، واضعاً القوانين التي تحكم الهزيمة والنصر حتى في معارك الحق ضد الباطل، فأهل الحق لا ينتصرون بصورة آلية تلقائية بل بشرط تمسكهم بأسباب النصر. ومن المؤسف أن البعض لا يزال أحيانا يتعامل مع القرآن ككتاب تاريخ، فلا يكتشف السنن والقوانين الحاكمة التي تبسطها الآيات. وفي آل عمران التي تناولت غزوة أُحد وإن لم تذكر اسمها صراحة ولكن لا يوجد خلاف بين المفسرين حول أنها هي المقصودة، ومن ضمن إحكام القرآن للقوانين والسنن أنه يتعمد كثيراً عدم ذكر الأسماء أو الأحداث صراحة فهو كتاب هداية لا كتاب رواية وليؤكد طابع القانون العام الذي يحكم المسألة وانها ليست مسألة إخبار ببعض الأحداث على سبيل العبرة العامة. وآيات آل عمران المتعلقة بغزوة أُحد تقول أن النصر- وإن كان من عند الله- إلا أنه لا يأتي إلا إذا قام المؤمنون بالواجب وحافظوا على تجردهم الايماني، وإلا فإن الهزيمة تأتي بسببهم (من أنفسكم) أي أن القرآن الكريم يعلمنا أن ندرك أن الهزيمة لا تحدث بدون خطأ جوهري للمؤمنين، ولابد من اكتشافه وإصلاحه، فالهزيمة قرينة الخطأ والنصر قرين الصواب. هذا في المعركة الواحدة فما بالك عندما تهزم في الحرب كلها، فما بالك عندما تهزم على مدار عشرات السنين على مدار أكثر من ثلاثة أجيال على مدار 90 سنة (بحساب الاخوان) أو 40 سنة بحساب الجهاد المسلح.
ماذا تقول سورة آل عمران؟
أولاً: قارنت بين نصر بدر وهزيمة أحد (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) آل عمران 123
يذكر الله المؤمنين بنعمة النصر في غزوة بدر حين صبروا وأخذوا بالأسباب، حيث نصرهم الله وهم قليلو العدد والعدة. (هذه القوانين تسري على السلم والحرب) وبالتالي فإن قوة العدو عدداً وعدة لم تؤثر على النتيجة. ويستخدم الشيخ الشعراوي تعبيراً دقيقاً في تفسيره فيقول:(التذكرة ببدر تعني أن النصر ليس بالاعتماد على العدد والعدة ولكن بالاعتماد على الله، ومدد الله لا يأتي لغير مستقبله، فإن لم تستقبل هذا المدد نقول أصلح جهاز استقبالك).
ثانياً: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران 152
جاء في تفسير المنتخب هذا التفسير الدقيق ( وإن نصر الله محقق واقع، ولقد صدقكم الله الوعد بالنصر حين قتلتم كثيرين منهم أول الأمر بإرادته، حتى إذا ضعف رأيكم في القتال، واختلفتم في فهم أمر النبي إياكم بالبقاء في مراكزكم، فرأى بعضكم ترك موقعه حيث ظهر النصر ورأى البعض البقاء حتى النهاية ، وعصى فريق منكم أمر الرسول فمضى لطلب الغنيمة من بعد ما أراكم ما تحبون من النصر. وصرتم فريقين منكم من يريد متاع الدنيا ومنكم من يريد ثواب الآخرة، لما كان ذلك، منعكم نصره ثم ردكم بالهزيمة عن أعدائكم ليمتحنكم فيظهر المخلص من غيره. ولقد تجاوز عنكم لما ندمتم (نحن الآن نحرم أنفسنا من العفو الالهي لأننا لا نعرب عن أي ندم!) والله ذو الفضل عليكم بالعفو وقبول التوبة.
ثالثا: ثم تأتي الآية التي تؤكد أن الهزيمة (من عند أنفسكم):
(أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) آل عمران 165
ويقول تفسير المنتخب (أجزعتم وتخاذلتم وقلتم مستغربين حين أصابتكم مصيبة يوم أُحد قد أصابتكم ضعفيها يوم بدر: من أين لنا هذا القتل والهزيمة ونحن مسلمون ورسول الله فينا؟ قل: الذي أصابكم من عند أنفسكم بسبب مخالفتكم الرسول والله قادر على كل شيئ وقد جازاكم بما عملتم) المنتخب تفسير صادر عن المجلس الأعلى لشئون الاسلامية على يد لجان علمية من أرفع علماء الأزهر في التسعينيات من القرن العشرين، ويكاد يكون أفضل التفاسير المختصرة. ويؤكد الشيخ الشعراوي نفس المعنى في تفسير الآية ويقول: (فكان يجب أن تسألوا أنفسكم من أين أصابنا هذا القتل ونحن مسلمون وفينا النبي وهم كافرون. فذلك أنكم لم تكونوا على مستوى الايمان المطلوب الذي كنتم عليه في بدر. فالله لن يجاملكم بإبطال سننه).
وليس المقصود بهذا الاستشهاد أن أنصار معسكر 30 يونيو كانوا معسكر الكفار، ومعسكر الاخوان ومن معهم معسكر المؤمنين، ولكن لا شك أنه كان من المفترض أن يكون معسكر الاسلاميين هو الأقرب إلى الحق على الأقل بحكم رفعهم الشعار الاسلامي في حين كان يرأس المعسكر الآخر بقايا نظام مبارك.
ونلاحظ هنا أن الآيات الكريمة لم تتحدث عن واقعة الرماة صراحة، وقصة نزولهم قبل الأوان للمشاركة في جمع الغنائم، لأن القرآن الكريم يضع قانونا عاما ولا يريد أن يخصصه بواقعة معينة. وهنا قد يقال هذه معركة حربية ولم تكن أحداث ثورة يناير حتى فض رابعة مما يصنف في الأعمال الحربية أو المعارك.. كما ذكرت فإن القانون عام يشمل أعمال السلم والحرب. ففي الثورات الشعبية السلمية تنطبق كثيراً من قواعد الحرب. حقا ان إطلاق النار من جانب واحد: وهو الشرطة والأمن ولكن الطرف الآخر يستخدم الحجارة والمولوتوف ويستخدم أسلوب الكر والفر، بينما يستخدم الأمن تكتيكات الالتفاف والتطويق والحصار والاعتقال. فالثورات الشعبية نوع أو نمط من أنماط الحروب منخفضة الشدة.
كما أن الاخوان ارتكبوا ما هو أضل سبيلا من فعلة الرماة في أحد، فقد كانوا باحثين دائما عن الغنائم، والغنيمة الكبرى هنا هي الوصول لحكم مصر، فأوقفوا الثورة وتحالفوا مع المجلس العسكري (وهومجلس مبارك) ونسقوا مع الأمريكان واحتكموا إليهم في كل خلاف مع العسكريين أو التيار المدني. وتجاهلوا أن سلطة مبارك لم تكن بالأساس إلا سلطة التبعية للأمريكان، وبالتالي تخلوا عن أي موقف ثوري أو استقلالى أو إسلامي. وهم غير مشغولين بأي قضية سوى أن الصناديق قد سرقت ولابد من عودة مرسي ولا توجد أي قضية أخرى. وهذا الموقف لا يزال مستمراً حتى الآن. لا شك أن محور الحريات والنظام السياسي التعددي والشورى وعلى رأسها انتخابات الرئاسة، هذا محور أساسي من محاور الحل الاسلامي. ولكنه ليس المشروع الاسلامي برمته، ولا يمكن إغفال كل المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى، ولا يمكن اعتبار التعامل مع قضية شرعية الانتخابات الرئاسية وكل ما يتصل بالحريات السياسية مرحلة مستقلة نكف خلالها عن التصدي لباقي القضايا الأخرى. بل لقد بدأ الاخوان وكثير من النخبة الاسلامية والعلمانية هذا النهج حتى من قبل الثورة عندما تجمعوا جميعاً خلف البرادعي كرمز ليبرالي، وفق برنامج ليبرالي على وجه الحصر.
كيف حدث التفريط؟
قلنا نريد أن نقصر حديثنا عن آخر عقدين من الزمان ولنبدأ من عام 2000 حتى الآن. الاخوان كانوا علامة تاريخية وأهم رد على سقوط الخلافة الاسلامية 1924 بتأسيس الجماعة في 1928 والتي انتشرت في معظم الأصقاع الاسلامية، وكما ذكرت نجحت بامتياز كجماعة دعوية لبناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم ولكنها عجزت عجزاً تاريخيا عن الدخول في المرحلة الرابعة- وفقا لطرح حسن البنا- وهي إقامة الحكومة الاسلامية، وهو نفسه قد اغتيل والتنظيم على أعتاب الدخول إلى المرحلة الرابعة بعد 3 مراحل (الفرد- الأسرة- المجتمع). وكان الأداء السياسي لجماعة الاخوان ضعيفا ومتخبطاً، وعجزت عن بلورة الرؤية الاسلامية في مشروع سياسي إصلاحي للنهضة، وان نجحت في الأداء التنظيمي للعمل السياسي، كالنجاح في إدارة الحملات الانتخابية والسيطرة على الاتحادات الطلابية والنقابات حتى النجاح في انتخابات البرلمان وحتى انتخابات الرئاسة بعد ثورة يناير. ولكن الأداء الناجح للانتخابات ليس هو لب السياسة، فالرؤية السياسية الاسلامية هي الأساس وإلا ستنجح في الانتخابات ولا تدري ماذا ستفعل في المواقع التي وصلت إليها!؟
لا شك أن البرامج التربوية استمرت في الاخوان ولكن في مجال الأداء السياسي تحولت الجماعة بصورة تدريجية إلى حزب سياسي تقليدي براجماتي أميل لليبرالية السياسية والاقتصادية. الجماعة كلها تحولت إلى حزب سياسي بعد أن رفضت انشاء حزب ليكون لها ذراعاً سياسياً وتبرأت من حزب الوسط الذي سعى لتأسيسه مجموعة أعضاء من الاخوان وكان معهم مهدي عاكف قبل أن يتولى موقع المرشد، ولكن وفي إحدى المرات عندما أصبح مرشداً عقد مؤتمراً صحفيا بنقابة الصحفيين وقدم برنامج حزب سياسي للاخوان على أمل أن يحصل على ترخيص رسمي. ولكن المشروع توقف. ولكن أهم ما في الموضوع أن البرنامج الذي عرضه الأستاذ/ مهدي عاكف كمرشد للاخوان المسلمين وصدر في كتيب كان هزيلا للغاية، ولكن الأهم انه كان برنامج حزب ليبرالي ويصلح أن يكون برنامجاً لحزب الوفد أو الأحرار، فلا يوجد به أي نفس اسلامي، ويدعو لأشياء عجيبة كأن يكون وزير الدفاع مدنياً. ولكن الأهم من هذا البرنامج الذي اختفى واختفت معه فكرة الحزب، أن الخطاب الوارد في هذا البرنامج هو الخطاب السياسي المعتاد للاخوان. وكان الاخوان بدأوا يعانون من أعراض الشيزوفرانيا (انفصام الشخصية) فهم في المناسبات الانتخابية يبرزون الشعار الاسلامي، وبعد النجاح يتحدثون في السياسة كأي علماني ليبرالي وبمنهج رأسمالي في أمور الاقتصاد، وبدأ حوار جدي بين الاخوان والأمريكان، حيث سعى الأمريكان لاحتواء الاخوان كقوة صاعدة بديلة لمبارك بشرط أن تصبح أكثر "اعتدالاً" بالمفهوم الغربي للاعتدال، وقد أدى هذا لتوتر العلاقات بين مبارك وأمريكا في العقد الأخير من حكمه. وليس من المهم كيف يخطط الأمريكان فالأكثر أهمية استجابة الاخوان لهذه المغازلة الأمريكية على سبيل "المكر والدهاء والخداع" وعلى طريقة "اتمسكن حتى تتمكن" وهذا أسلوب ساذج وردئ في العمل السياسي، وهو بالأساس يؤدي إلى تمييع التمسك بالعقيدة.
وقد أدت هذه اللعبة- من جانب الاخوان- إلى إهمال القضايا الكبرى للأمة الاسلامية بما في ذلك القضايا الكبرى لمصر نفسها، فلم يعد الاخوان مشغولين بسقوط مصر في براثن التبعية لأمريكا والخضوع أمام اسرائيل، بل أعلنت على لسان المرشد العام انها (أي الاخوان) إذا وصلت للسلطة فإنها ستلتزم بكل الاتفاقيات الدولية بما في ذلك كامب ديفيد. وهذا ما حدث بالفعل بعد سنوات عندما تولى مرسي الحكم.
والتوجه الليبرالي كان صنو الصداقة مع أمريكا، فقام الاخوان بجمع مليون توقيع للبرادعي وهو ليبرالي أمريكي الهوى كرئيس قادم لمصر بناء على نقاط برنامجية محددة تقتصر على ضمان نزاهة الانتخابات. فماذا بقى من مهام اسلامية في اهتمامات الاخوان؟
ولا نرى أن الانتخابات الحرة والحريات موضوع بسيط أو فرعي بل نرى انه من المحاور الأساسية للمشروع الاسلامي، ولكن هذا المحور يفقد معناه إذا تم التقدم له تحت مظلة التبعية للولايات المتحدة.
هذا هو الموضوع الجوهري.. فإذا تحدثنا عن حركة إسلامية فهي لا معنى لها إذا لم تكن تستهدف إقامة دولة بمرجعية إسلامية. فإذا كانت مصر وما حولها من بلدان تحت الهيمنة الأمريكية المباشرة وفي ظل تطبيع متصاعد مع اسرائيل يؤكد الاعتراف بها والتخلي عن فلسطين كدار إسلامية، فإن الحركة الاسلامية الساعية لإقامة دولة إسلامية سواء على مستوى قطري أو عربي لابد أن تصطدم بالقوة الحقيقية المسيطرة على البلاد، وهي هنا الولايات المتحدة.
هل كان صلاح الدين الأيوبي يعطي طوال حكمه ومن قبله عماد الدين زنكي ونور الدين زنكي، هل كان أي منهم يعطي طوال حكمه أولوية لأي موضوع أكثر من تحرير فلسطين والشام من الاحتلال الصليبي.
إن وباء كامب ديفيد وصل للاسلاميين ولا نقول للاخوان فحسب فأصبح معظمهم غير مكترث بما يجري في فلسطين. وبما انك كحركة إسلامية لا تتحدى السلطة الأمريكية- الصهيونية في المنطقة فإنك تتخلى تدريجيا عن الاسلام لأنه لا يمكن إقامة دولة إسلامية حقيقية تحت الهيمنة الأمريكية ومن الطبيعي أن ينحدر التفكير إلى دولة "ديمقراطية" أو أقل استبداداً. وهكذا تضيع نصاعة عنوان الاسلام وشعاره الأسمى (لا إله إلا الله). نحن ضد تكفير أي مسلم وليس الاخوان فحسب وسنشرح ذلك تاليا (موقفنا من مسألة تكفير الحاكم والمجتمع) ولكن المسلمين يبتعدون أو يقتربون من النموذج الاسلامي. (الاخوان ومن حالفهم من الاسلاميين) يبتعدون عن الخط الاسلامي المستقيم.
ماذا يعني ضياع نصاعة شعار (لا إله إلا الله)؟
هو شعار التوحيد، والتوحيد يعني إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، أي بالاتباع والطاعة والخضوع. سنجد كل البرنامج الاسلامي الصحيح والحقيقي ينبثق كأشعة منيرة من هذه الشمس الوضاءة (لا إله إلا الله) فهذا الشعار يعني استقلال البلاد الاسلامية بالمعنى الواسع للاستقلال: السياسي- الاقتصادي- العسكري- المالي- الحضاري. لا إله إلا الله تعني المرجعية الاسلامية الشاملة لمختلف مناحي الحياة، المرجعية الدستورية- التشريعية، القواعد والمبادئ العامة لنظام الحكم والاقتصاد والنظام القضائي والتعليمي وفي مجال الأخلاق والثقافة والفنون وفي مظاهر الحياة الاجتماعية ومبادئ وقواعد العدالة الاجتماعية- الالتزام بالاسلام يعني رفض كل أشكال التبعية لأمريكا والغرب، وعدم أخذ قروض أو معونات منهم، يعني إسقاط كامب ديفيد بما تتضمنه من اعتراف باسرائيل، وقيود خانقة لتسليح سيناء وانتشار الجيش المصري فيها، الاسلام يعني التمسك بتحرير فلسطين مهما طال الزمن وفي المدى المباشر وقف كافة أشكال التطبيع مع المحتل الصهيوني- البرنامج الاسلامي يعني تبني مشروع للتنمية الاقتصادية المستقلة (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)- الاسلام يعني تبني مبدئي للوحدة العربية والاسلامية بكل أشكال التعاون والتكامل والترابط بين الدول الاسلامية بدءاً من السوق المشتركة إلى التعاون في مختلف المجالات. البرنامج الاسلامي يعني إعادة ترتيب التحالفات الدولية على أسس اسلامية (دار العهد) مع البلاد غير المحاربة للمسلمين. سترى كل هذه القضايا الكبرى للأمة غير واردة في برنامج الاخوان المسلمين والقوى المتحالفة معها وبالأخص من عام 2000 حتى الآن. فمواقف الاخوان كانت أفضل من ذلك، ولكنها في سبيل الوصول للحكم بشكل غير مبدئي (أي بالتفاهم مع أمريكا والغرب) أخذت مواقفها الاسلامية المبدئية تتآكل مع مرور الزمن. حماس هي الفرع الوحيد من الاخوان الذي نجا من هذا الوباء، وندعو لها بالصمود على موقفها من عدم الاعتراف باسرائيل والاصرار على المقاومة المسلحة للاحتلال، ولكن يجب أن ندعمها أو بالأحرى ندعم صمود الشعب الفلسطيني في غزة بالعودة إلى جهادنا السابق من أجل رفع الحصار المصري عن غزة.
هذه مقدمة الدراسة وسنفصلها على نحو يطرح البديل الذي أشرنا إلى عناوينه، لا بمجرد نقد الاخوان. أما تيار الجهاد المسلح فقد كانت هزيمته الأساسية في العقدين الأخيرين خارج مصر (سوريا- العراق) وقد كان غائبا في مصر بين 2000 حتى 2013 ثم عاد بأسلوب عشوائي بعد فض رابعة حتى الآن وهذا ما سنتعرض له بإذن الله. والهدف هو استجلاء وحفر مجرى للخط الاسلامي الصحيح.. وعلى الله التكلان.. (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.