«صراعُ الإخوةِ المتخاصمينَ» هو الخلاف بين دولة قطر ودول الحصار. و«عنترة المراهقين» هي السّمة الغالبة على سلوكيّات الأنظمة الحاكمة في دول الحصار. و«حصافة البالغين» هي أهمّ ما يُميّز سلوك قطروالكويت جميعًا. وبعدُ. ذكر سموّ أمير قطر مؤخّرًا جملةً عابرة، قصيرة معبّرة، ذات معنًى عميقٍ، ومغزًى عظيم، حين قال: «نحنُ جميعًا أخوة، ونحن كلّنا خاسرونَ». وقال سموّ أمير الكويت في خطابه الأخير أمام مجلس الأمّة الكويتيّ: «إنّ ما يجمعنا أكثر ممّا يفرّقنا». أيّها القارئ الكريم، دعنا نتأمّل هذين القولين الحكيمينِ، ونحلّل مغزاهما، ونسبر أغوارهما. ما معنى قولِ سموّ أمير قطر: «نحن جميعًا إخوة»؟ تُذكّرني هذه العبارة الوجيزة بالآية القرآنيّة الكريمة: «ولكم في القصاص حياةٌ»(البقرة: 179). لقد ذكر السّيوطيّ في كتابه الموسوعيّ «الإتقان في علوم القرآن»، وابن أبي الإصبع المصريّ في «بديع القرآن»، أنّ هذه الآية تحتوي على أكثر من عشرينَ شكلًا من أشكال البلاغة. لكن العنصر البلاغيّ الأوضح فيها، من وجهة نظري، هو الإيجاز الّذي استخُدم بصورة إعجازيّة فيها. ولو حاول أعظم الفصحاء التّعبير عن معنى هذه الآية الكريمة بعبارة أخرى، لاحتاج إلى عدّة جمل، بدون أن يصل إلى هذا المستوى البلاغيّ الرّاقي في القرآن الكريم. الإيجاز أيضًا سمة بارزة في القولين المذكورين أعلاه لسموّ أمير قطر، وسموّ أمير الكويت. فما المقصود من قولِ سموّ أمير قطر: «نحن جميعًا إخوة»؟ المقصود هو أنّ العرب جميعًا إخوة في الدّين، واللّغة، والدّم، والتّاريخ، والمصير، والثّقافة، والمستقبل. فعندما انطلق صحابة رسول اللّه (صلعم) (571م-632م) يفتحون مختلف الدّول المجاورة لشبه الجزيرة العربيّة، في القرن السّابع الميلاديّ وما بعده، حدث اختلاط وزواج بين عرب شبه الجزيرة العربيّة، وسكّان الأمصار الّتي فتحوها. ويكفي أن نذكر مثلًا أنّ معاوية بن أبي سفيان (602م-680م) انتقل من مكّة إلى دمشق، وأقام الدّولة الأمويّة (662م-750م) في الشّام، قبل أن يؤسّس أحفاده مجد العرب في الأندلس (711م-1492م). وهكذا فعندما نقابل اليوم أحد السّوريّين مثلًا، فعلينا أن نعلم أن هذا الّذي يُقال لنا ظاهريًّا عنه إنّه سوريّ، من الممكن جدًّا أن يكون في حقيقته من أحفاد معاوية بن أبي سفيان أو أصحابه الّذين أسّسوا أمجاد العرب في دمشق. فهو دمشقي الموطن، مكيّ الأصل!!. وعندما نتأمّل جهابذة العلماء العرب في الأندلس في عصر ازدهار الحضارة الإسلاميّة، سنندهش من العدد الهائل من عرب الأندلس الّذين تعود جذورهم إلى شبه الجزيرة العربيّة. فيُقال مثلًا إنّ أبا القاسم الزّهراويّ (936م-1013م) - الّذي اعتبره جورج سارطون (توفّي سنة 1956م) من أعظم علماء الإنسانيّة - من مدينة الزّهراء قرب قرطبة، تعود جذوره إلى الأنصار في المدينة المنوّرة. أيّ أنّه قرطبيّ المولد، أنصاريّ الأصلِ!. والشّيّ نفسه ينطبق على جميع دولنا العربيّة. ففي مصر نجد كثيرًا من العائلات الّتي تحمل أسماء مدنٍ في شبه الجزيرة العربيّة، مثل: حجازيّ، ومكيّ. وكان لي صديق مصريّ يُقال إنّ نسبه يعود إلى أبي بكر الصّدّيق، رضي اللّه عنه. ومن المعروف أنّ رسول اللّهِ (صلعم) تزوّج المصريّة ماريا القبطيّة الّتي أهداها له حاكم مصر سنة 7 هجريّة. وفي عصر ازدهار الحضارة الإسلاميّة نلاحظ أنّ عددًا كبيرًا من العلماء العرب كانوا لا يكفّون عن التّرحال والتّنقّل بين الأمصار الإسلاميّة، قبل أن يستقرّوا في مدينة بعيدة عن موطنهم الأصليّ. فيُقالُ إنّ ابن البيطار (1197م-1248م)، أعظم علماء النّبات العرب، رحل من مدينته الجميلة مالقا في جنوبأسبانيا، واستقرّ في الشّام، والشّيء نفسه فعله ابن العربيّ (1165م-1240م) الّذي غادر المدينة الأندلسيّة الرّائعة مرسية - الّتي تنمو فيها أشجار المانجة اللّذيذة في أسبانيا اليوم - وارتحل إلى الشّام. والإمام الشّافعي (767م-820م) الّذي تعود جذوره إلى قريش، وُلدَ في غزّة، ثمّ تنقّل بين مكّة، والمدينة، واليمن، وبغداد، قبل أن يستقرّ في مصر. فهذه جميعًا ديار العرب، وبلادهم، ومدنهم، وموطنهم، ولا يمكن لأي مراهق أن يقطع صلة الرّحم الّتي صارت تربط بين هذه الشّعوب. وبعدُ. إدراك هذه الحقائق يُجبر أيّ إنسان عربيّ أنّ يقول: «نحن جميعًا إخوة». لكن من لا يعرف التّاريخ، بسبب ضمور عقله، أو قصور تعليمه، أوضحالة ثقافته، فهو يهتك الأعراض، ويسبّ الأشقاء، ويقطّع الأواصر العائليّة بين الأقرباء. كان بوسع أمير دولة قطر أن يقول «نحن أعداء»، لكنّه قال: «نحن إخوة». وكان بوسعه أن يقول: «نحن نتحدّى»، لكنّه قال: «نحن نريد حلًّا». وكان بوسعه أن يرد الإساءات الصّادرة من دول الحصار بإساءات أشدّ منها ضراوة، وبذاءة. لكنّه تحكّم في نفسه، برغم أنّ إعلام دول الحصار لم يتوقّف عن سبّ أمّه. سلوك أمير قطر باختصار يُمثّل لي شخصيًّا أسمى درجات الأخلاق والنّبل، وأرقى طبقات جهاد النّفس الأمّارة بالسّوء. يقينًا مازال سموّ أمير قطر في ريعان شبابه، وكان من الممكن أن تصدر عنه أيضًا تصرّفاتٍ مشابهة لتصرّفات المراهقين من المسؤولين في دول الحصار. لكن علينا أن ندرك هنا أنّ المرء يستطيع علاج عيوب المراهقة، مثل الطّيش والتّهوّر والعنترة، بالتّربية القويمة، والثّقافة الغزيرة، والدّيانة الصّحيحة. عنصر التّربية بالذّات يمكن أن يجعل المراهق ناضجًا، والنّاضج مراهقًا. أعرفُ أطفالًا أوروبيّينَ في سنّ الثّامنة توقّفوا عن اللّعب، وتوجّهوا إلى القراءة. وأعرف رجالًا في سنّ السّبعين لا يكفّون عن اللّعب. وهكذا نلاحظُ أحيانًا نضوجًا مبكّرًا تُقابله طفولة متأخّرة، أو مراهقة مستديمة إلى آخر العمر. وهذه قسمة الرّحمن وحكمة البارئ تعالى: يجعل من طفل صغير إنسانًا ناضجًا، ومن شيخ كبير طفلًا مراهقًا، وسبحان الّذي يُغيّر ولا يتغيّر. أيّها القارئ الكريم، ليس هدفي من هذه السّطور أن أسبّ أحدًا، أو أقلّل من شأن شخصٍ بعينه، حاشا اللّه. بل هدفي هو الاجتهاد في تحليل ما يدور على السّاحة العربيّة من أحداث تشير إلى أنّنا نعيش في «عصر الجنون» حقًّا، وبعدُ. ما معنى قولِ سموّ أمير الكويت: «ما يجمعنا أكثر ممّا يفرّقنا»؟ اعلمْ، أيّها القارئ الكريم، أنّ هذا قولٌ لا يصدر إلّا عن إنسان بلغ أسمى درجات الوعي والنّضج. لأنّ العرب للأسف الشّديد لا يدركون أنّهم يتمتّعون بما لا يتمتّع به أيّ جنس آخر، أو أيّ أمّة أخرى، أو أي شعب آخر، من عوامل القوّة. وسأقتصر هنا على ذكر حالتين فقط من التّاريخ الحديث: فعندما أراد الأوروبيّون الّذين هاجروا إلى أمريكا تأسيس دولة جديدة، أدركوا ما قاله لنا سموّ أمير الكويت مؤخّرًا أنّ لديهم مشتركات كثيرة يمكن أن تجمعهم وتجعلهم قوّة ضاربة. ويُعتبر تأسيس «الولايات المتّحدة الأمريكيّة» نموذجًا فريدًا في التّاريخ الإنسانيّ الحديث على أنّ الاتّحاد قوّة. يقينًا لم يكن الطّريق مفروشًا بالورود أمام الآباء المؤسّسين. لكنّهم تمكّنوا من «توحيد صفوفهم»، ونبذ خلافاتهم، وسماع صوت العقل، والانصياع للحكمة. فأسّسوا بذلك دولة مازالت تهيمن على الكرة الأرضيّة حتى يومنا هذا، برغم ما اعتراها من ظواهر الشّيخوخة!! لولا عبقريّة الآباء المؤسّسين - الّذين نستطيع الاطّلاع على آرائهم عن أهمّيّة «توحيد الصّفوف» والتّركيز على المشتركات، ونبذ الخلافات، في أهمّ عمل خلّفوه لنا وهو: «الأوراق الفيدراليّة» - لتعذّر تأسيس «الولايات المتّحدة الأمريكيّة». وبعد مرور نحو مئتي عام أراد الأوروبيّون تقليد الأمريكّيين وتأسيس «الاتّحاد الأوروبيّ» مثلما أسّس الأمريكّيون «الولايات المتّحدة الأمريكيّة». بيد أنّ فكرة الاتّحاد الأوروبيّ تقوم في المقام الأوّل على المصالح الاقتصاديّة، وهي مصالح متناقضة، متضاربة، لأنّ المشتركات بين الشّعوب الأوروبيّة أقلّ بكثير من المشتركات بين العرب أو الأمريكيّين. فالأوروبيّون - بعكس العرب - لا يتحدّثون لغة واحدة، بل عشرات اللّغات. والأوروبيّون بعكس العرب ليس بينهم صلة دم ورحم. والأوروبيّون، بعكس العرب، لا يجمعهم أصل واحد، أو تاريخ مشترك، أو مصير واحد، أو ثقافة واحدة، أو دين واحد. ولذلك فالوحدة بينهم مصطنعة، هشّة، يمكن أن تنهار في أيّ لحظة، مثلما حدث مؤخرًا، عندما قرّر الإنجليز الانفصال عن الاتّحاد الأوروبيّ. العرب، بعكس الأوروبيّين، يستطيعون استخدام اللّغة العربيّة من المحيط إلى الخليج. أمّا الأوروبيّون، فأحيانًا لا يفهم بعضهم بعضًا في داخل البلد الواحد. فسكّان سويسرا النّاطقون بالألمانيّة، لا يفهمون سكّانها النّاطقين بالإيطاليّة، برغم أنّهم جميعًا سويسريّونَ!. والألمان لا يفهون الفرنسيّين، والسّويديّون لا يفهمون التّشيكيّين، والبولنديّون لا يفهمون البلغار، والرّومانيّون لا يفهمون الدّانماركيّين، إلخ. هذا هو معنى قول سموّ أمير الكويت عندما قال: «أيّها النّاسُ، إنّ ما يجمعنا أكثر ممّا يُفرّقنا». وبعدُ. هل يمكنُ مقارنة الأسكندر الأكبر (356 ق.م-323 ق.م) بسموّ الأمير محمّد بن سلمان؟ وجه التّشابه الوحيد بينهما هو وصولهما إلى الحكم في سنّ الشّباب. فالأسكندر الأكبر لم يعش إلّا 32 عامًا، حقّق خلالها من الفتوحات والانتصارات ما لم يحقّقه أيّ قائد عسكريّ آخر في تاريخ البشريّة. ولعلّ حالة الأسكندر الأكبر بالذّات تُجسّد لنا نموذج الطّفل المراهق النّاضج، أيّ النّضوج المبكّر. لماذا؟ لأنّ التّربية هنا نجحت في تدارك تهوّر المراهقة، والتّعليم الصّحيح أنقذ الأسكندر من طيش المراهقة. يكفي مثلًا أن نذكر أنّ أرسطو (384 ق.م-322 ق.م) فيلسوف اليونان الأكبر كان معلمَ الأسكندر. ولعلّ هذا هو الفارق الجوهريّ بين الأسكندر الأكبر وسموّ الأمير محمّد بن سلمان. فسموّ الأمير السّعوديّ لا يعرف إلّا الأمر والطّاعة، ولا نكاد نعثر على شخصيّة حكيمة مقنعة ضمن المحيطين به، لأنّ المستبدّ يحسب أنّه هو وحده الّذي يمتلك الحقيقة، والّذي يحقّ له أن يأمر فَيُطاع. وهو يعتمد على إعلام من الدّرجة العاشرة بالمقاييس العالميّة للإعلام، لأنّه إعلام يقوم على الأمر والطّاعة، والطّبل والزّمر. وبعدُ. أتذكّر أنّ الشّيخ زايد كان يحرص على استقطاب علماء مجتهدين، ليكونوا مستشارين له. وأتذكّر على الأقلّ اثنين من أفاضل العلماء العرب كانا من مستشاريه، أحدهما سوريّ، والآخر هو العالم المصريّ إبراهيم عزّ الدّين. ويؤلمني ألّا أرى شخصيّات بهذا العيار ضمن مستشاري سموّ الأمير محمّد بن سلمان، لأنّ ما نسمعه منهم أو عنهم في أوروبّا لا يتعدّي حدود الشّتم، والسّبّ، والرّدح، دون أن نقرأ لهم جملة واحدة مفيدة. أملي بالطّبع أن تتحسّن الأوضاع في السّعوديّة، ويستعين سموّ الأمير محمّد بن سلمان بمستشارين من عيار أرسطو، وليس من عيار الدّخيل، أو رضوان؛ لأنّ الفرق بين سموّ الأمير محمّد بن سلمان والأسكندر الأكبر، كالفارق بين أرسطو ومستشاري سموّ الأمير محمّد بن سلمان. عوارض المراهقة الّتي لاحظها كثير من المراقبين الغربيّين على حكّام مصر والسّعوديّة والإمارات، جعلتهم لا يتعلّمون من التّاريخ شيئًا. فعنترة المراهقة جعلتهم يخوضون حروبًا هنا وهناك، بدون التّحلّي بالحدّ الأدنى من الحكمة. وغياب الوعيّ التّاريخيّ جعلهم يكرّرون الأخطاء القاتلة الّتي وقع فيها سلفهم عبد النّاصر عندما تعنتّر، وخاض حرب اليمن الّتي استنزفت موارد مصر، وجعلتها لقمة صائغة بعدئذٍ أمام إسرائيل في حرب 1967م. المراهق لا يتعلّم، لأنّه عنيد، ومصاب بوهم العظمة، وهو لا يعرف شيئًا عن تاريخ العالم، وليس لديه أيّ فكرة عن علاقة القوى المنتصرة بالقوى المنهزمة عبر التّاريخ، (ولتتذكّروا قصّة فرساي، وإذلال الفرنسيّين المنتصرين للألمان المنهزمين). وهو ما نتج عنه أنّه يحسب أن بوسعه إقامة علاقة مكتافئة مع إسرائيل الّتي انتصرت على العرب، وهزمتهم شرّ هزيمة في حرب 1967م، ومازلت تنظر إليهم بمنتهى الاحتقار والازدراء، لأنّهم فشلوا في مقاومتها، والتّصدّي لها. ولو كان لدى المراهقين في السّعوديّة والإمارات الحدّ الأدنى من الوعي بالتّاريخ، لأدركوا استحالة إقامة علاقات متكافئة بين المنتصر والمنهزم، لأنّ المنتصر يحسب أنّ من حقّه إذلال المهزوم، واستعباده، مدى الحياة. وإلّا لما رأينا عظماء الرّياضيّين في العالم يتحدّثون دائمًا عن «الانتقام»، و«الثّأر»، عندما يخسرون مباراة واحدة أمام خصم لدود، ولا تهدأ لهم نفسٌ، قبل استرداد كرامتهم المهانة، واستعادة كبريائهم المفقود، بردّ الصّاع صاعين للخصم اللّدود. والمراهق، والمحيطون به، ليس لديهم أدنى فكرة عن تاريخ تطوّر العقيدة الإسلاميّة، ولا عن الصّراعات الفكريّة الّتي حدثت بين المعتزلة والحنابلة، ثمّ بين المعتزلة والأشاعرة، ثمّ بين الحنابلة والصّوفيّة، ثمّ بين الفلاسفة والصّوفيّة، وهو ما نتج عنه خروج سموّ الأمير محمّد بن سلمان علينا بإعلانه الغريب بأنّه يريد إسلامًا وسطيًّا !!. ولو كان مستشارو سموّ الأمير محمّد بن سلمان ملمّين بالحدّ الأدنى من تاريخ العقيدة الإسلاميّة، لأبلغوه أنّ الإخوان المسلمين الّذين يحلو لسموّ الأمير شتمهم، هم من روّاد دعاة الوسطيّة في الإسلاميّة. هل سمع سموّ الأمير عن كتاب الشّيخ القرضاويّ عن الوسطيّة في الإسلام؟ وهل يعرف مستشارو سموّ الأمير محمّد بن سلمان شيئًا عن المركز العالميّ للوسطيّة الإسلاميّة في الكويت؟ وهلِ اطّلع سموّ الأمير على دراسة كاتب هذه السّطور المعنونة: «بُغية المشتاق إلى فهم تطوّر عقيدة الأسلاف»؟، سأقول مع إليا أبي ماضي: «لست أدري»!. أكرّر مرّة أخرى أنّ هدفي من هذه السّطور ليس التّجريح، أو الإساءة، بل البيان والتّبيين، كما قالها الجاحظ قديمًا، خاصّة أنّني مدرك أنّنا «جميعًا إخوة» كما قال سموّ أمير قطر، وأنّ «ما يجمعنا أكثر ممّا يفرّقنا» كما قال سموّ أمير الكويت. المراهق يحسبُ أنّ التّنمية يمكن تحقيقها في مجتمع يعاني من الاستبداد. ويظنّ أنّه يستطيع جذب المستثمرين من جميع أنحاء العالم إلى السّعوديّة، في الوقت الّذي يقوم فيه بتكميم الأفواه، وقمع المعارضين، وخنق الحرّيّات. المراهق يحسب أنّه رامبو زمانه. فهل سمعتَ، أيّها القارئ الكريم، عن رامبو؟!! إنّها شخصيّة أسطوريّة قام بتمثيلها ممثّل هوليوود سيلفستر ستالون. وهي شخصيّة طرزانيّة تمتلك قوى خارقة، جعلت الرّئيس الأمريكيّ الرّاحل ريغان يهدّد أعدائه بإرسال «رامبو» لهم، إن لم يرتدعوا !!. وقد يسأل سائل: كم سيحتاج المراهق من الأيّام والسّنين حتّى يصل إلى مرحلة الكمال والنّضوج؟ والإجابة بسيطة وهي أنّ بعض النّاس يعيش ويموت دون أن يصل إلى مرحلة النّضوج، وبعضهم الآخر قد ينضج متأخّرًا. لكن الحالات الّتي نراها أمامنا لا تُبشّر بأي خير، لأنّنا لم نرَ منها إلّا فشلًا ذريعًا في كلّ ما أقدمت عليه من أعمال حتّى الآن. والأمل الوحيد المتبقّي لنا هو أن تتضامن شعوبنا العربيّة معًا لمواجهة جميع أشكال المراهقة السّياسيّة الّتي أدّت إلى تبديد ثرواتنا، وتجويع شعوبنا، وكبت حرّيّاتنا، وقمع طموحاتنا، واعتقال شرفائنا، وتبديد أحلامنا، وإملاق مواطنينا، وإدماء قلوبنا.