أعلنت الصين خلال مناسبة الذكرى التسعين لتأسيس جيش التحرير الشعبي الصيني افتتاح قاعدتها العسكرية في دولة جيبوتي، كأول قاعدة عسكرية خارج مناطق نفوذها الطبيعية. جاء الإعلان خلال عرضًا عسكريًا ضخمًا حضره الرئيس الصيني شي جين بينغ، وذلك بمناسبة الذكرى التسعين لتأسيس جيش التحرير الشعبي الصيني ، بل هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها الصين عرضًا عسكريًا بمناسبة يوم الجيش، منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، كما أنها المرة الأولى التي يستعرض فيها الرئيس الصيني القوات المسلحة بالزي العسكري. تضمن العرض العسكري الذي شارك فيه عشرات الآلاف من الجنود، تحليق أكثر من مئة طائرة حربية، بالإضافة إلى خمسمئة قطعة عسكرية شملت دبابات وقاذفات صواريخ وعربات مجهزة بصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، وآليات عسكرية أخرى ، والإعلان عن افتتاح قاعدتها العسكرية في دولة جيبوتي ، معلنة معها على بدء سباق النفوذ في منطقة الشرق الأوسط مزاحمة أمريكاوروسيا ولكن امتدَّ إلى الصين. الصين التي تحتل ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، بدأت تتخذ خطوات من شأنها تعزيز نفوذها بما يتلائم مع التحسن الاقتصادي المتسارع خلال العقدين الماضيين ، حيث تسعى لتوفير موطئ قدم لها في منطقة الشرق الأوسط؛ اعتماداً على القوة الناعمة. قاعدة عسكرية صينية في جيبوتي شرعت الصين في التخطيط لبناء القاعدة العسكرية العام الماضي؛ بدعوى إمداد سفن القوات البحرية التي تشارك في مهام حفظ السلام والإغاثة قبالة سواحل اليمن والصومال، وسط تأكيدات بأنها ليست سوى قاعدة لوجيستية فقط. وذكرت الإذاعة الرسمية الصينية، أن أكثر من 300 شخص حضروا حفل افتتاح القاعدة العسكرية من بينهم "تيان تشونغ" ، نائب قائد الأسطول الصيني ، ووزير دفاع جيبوتي. وكانت وكالة الأنباء الرسمية "شينخوا"، أفادت مطلع الشهر الجاري، بأن سفناً تحمل قوات من الجيش الصيني غادرت بكين في طريقها إلى جيبوتي بالقرن الأفريقي؛ من أجل تجهيز أول قاعدة عسكرية ل"بكين" في الخارج ، مشيرة إلى أن تأسيس القاعدة كان قراراً اتخذه البلدان بعد مفاوضات ودية واتفاقيات تراعي المصالح المشتركة للبلدين. افتتاح القاعدة العسكرية تسبب في حالة من القلق لدى الهند، خاصة مع التخوف أن تصبح جيبوتي حليفاً عسكرياً للصين فيما يعرف باسم "سلسلة اللآلئ"، والتي تضم "بنجلادش" و"ميانمار" و"سريلانكا" التي تحيط بالهند. الصين في الشرق الأوسط تحتل قاعدة الصين في جيبوتي أهمية كبيرة ؛ نظراً لأنها أول تواجد في منطقة الشرق الأوسط وفي دولة عربية ، كما أن جيبوتي تعتبر موقعاً استراتيجياً في منطقة القرن الأفريقي بما يسمح بحماية مصالحها. وتحاول الصين تأمين ممر هام مثل مضيق "باب المندب" الذي تواجه فيه السفن عمليات قرصنة، خاصة أن 20% من حجم التجارة العالمية يمر عبر مضيق "باب المندب"، وبالتأكيد فإن للصين نصيباً كبيراً منها، فضلاً عن أن 50% من واردات النفط إلى الصين تصلها من المملكة العربية السعودية والعراق وجنوب السودان. كما تسعى الصين إلى التوسع في النفوذ في الشرق الأوسط، خاصة وأن عدة دول سبقت الصين في بناء قواعد عسكرية في القرن الأفريقي مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا. وتدفع الصين بربطها أكثر بأفريقيا خلال الفترة المقبلة، إذ زادت الاستثمارات الصينية في منطقة شرق أفريقيا تحديداً بنسبة كبيرة خلال السنوات الماضية، والتي تجاوزت الاستثمارات الأمريكية التي كانت تُقدَّر في عام 2008 ب 4 مليارات دولار. وربما تحاول الصين توفير دعم لوجيستي لسفنها البحرية خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن الهدف الأساسي والمعلن هو أنها قاعدة عسكرية لوجيستية وليست قاعدة حربية، ولكن هذا لا يمنع تطوير القاعدة لتسمح باستقبال أسلحة وطائرات وقوات عسكرية إضافية. لماذا خرجت الصين عن محيطها الجغرافي ؟! وبَدَا أن الصين تحاول التوسع في قواعدها العسكرية خارج حدودها؛ لحماية مصالحها وبسط نفوذ في عدة مناطق، ولكن كان التركيز الأكبر خلال الفترات الماضية على محيطها الجغرافي. وفي سبتمبر الماضي، أفادت تقارير عن نية الصين إقامة قواعد عسكرية في آسيا الوسطى وتحديداً على الحدود الأفغانية الطاجكية، في خطوط لتوسيع نفوذها العسكرية. واعتبرت الدورية، أن الإعلان الصيني يظهر اهتمام بكين في آسيا الوسطى، حيث تتصادم الأولويات الأمنية للصين ومنافستها روسيا في هذه المنطقة، فضلاً عن تهديدات المنظمات الإرهابية. وأبدَت الصين قلقها مراراً من حالة انعدام الاستقرار والاضطرابات التي تشهدها المنطقة، وتزايد القلق مع توسُّع المصالح الصينية خاصة تلك المُتعلّقة بالطاقة والبُنَى التحتية في منطقة أوراسيا. وأشارت إلى أن الصين أوجدت في أغسطس الماضي آليةَ تنسيقٍ رباعي في المنطقة تضم إلى جانب الصين، باكستان وأفغانستان وطاجيكستان. توسيع النفوذ دخلت الصين خط النفوذ في منطقة الشرق الأوسط لتزاحم روسياوأمريكا ، بعدما كانت تعتمد خلال السنوات الماضية على القوة الناعمة المتمثلة في الدفع باستثمارات سواء مباشرة أو غير مباشرة. وقد عينت الصين في 2009 مبعوثها الخاص الأول للشرق الأوسط، بحسب "ديفيد شينكر"، في مقاله على موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. وقال "أن الصين تُبرز قوتها الناعمة في الشرق الأوسط، حيث تبذل جهوداً ملموسة لزيادة التجارة والاستثمارات، لا سيما في قطاع الطاقة، مع التفاوض لإقامة اتفاقية تجارة حرة مع "مجلس التعاون الخليجي". وبحسب مراقبين، فإن إقامة قاعدة جيبوتي أول اختبار لمدى قدرات الصين العسكرية وقدرتها على التوسع في إقامة قواعد عسكرية في عدة مناطق؛ للتعزيز من تواجدها ونفوذها في وقت يحتدم الصراع بين أمريكاوروسيا على النفوذ في تلك المنطقة.