كان جورج برنارد شو قال يوماً: مَن يستطيع يعمل. مَن لا يستطيع يعلم. وربما زِدتُ اليوم انّ مَن لا يستطيع أن يعلم يعمل جنرالاً أميركياً. الجنرال ديفيد بيتروس، القائد الأعلى الأميركي الجديد في العراق، وصل إلى منصبه لأنه أيّد زيادة القوّات الأميركيّة كما قرّرت الإدارة، في حين عارض الزيادة كل قائد آخر داخل العراق وخارجه. وهو جمع حوله فوراً فريقاً من حَمَلة الدكتوراه المدنيين لمساعدته على «النجاح» كما يريد جورج بوش.
ما كان «الدكاترة» وحدهم يثيرون قلقي، غير أنّ الفكرة الأخرى التي طلع بها الجنرال بيتروس هي الاستعانة بقوّات أو وحدات حماية المنشآت، وهي في الواقع ميليشيات.
هنا أيضاً كل مسؤول أميركي آخر، وكل مسؤول عراقي بمن في هؤلاء رئيس الوزراء نوري المالكي، حذّر من خطر هذه القوّات، فأقل تهمة وُجِّهت إلى أفرادها هي الفساد، أما التُهم الأخرى فمن نوع أنها مخترقة وأنها خطر على الاستقرار، وانّ بعض أفرادها متّهم بتنفيذ اغتيالات طائفيّة.
لو كان بيتروس الجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيتز لما نجح في مهمّته. فالولاياتالمتحدة خسرت الحرب في العراق وقضي الأمر، وما نشهد الآن هو ثمن كبرياء جورج بوش وجهله، وإصرار عصابة الحرب على تدمير ما بقي من العراق وجرّ المنطقة إلى حرب طائفيّة أهوالها توراتية من نوع الفيضان أو الوباء.
الجانب العسكري يمثّل جزءاً واحداً من الفشل العام، فالموازنة الأميركيّة للسنة المقبلة التي أعلنتها إدارة بوش بلغت 2.9 ترليون دولار، وضمّت رقماً خرافياً للدفاع هو 63 بليون دولار، إي ما يزيد كثيراً على مجموع موازنات وزارات الدفاع الأخرى في العالم أجمع (السنة الماضية وبّخت واشنطنبكين لأن موازنة الدفاع الصينية بلغت 40 بليون دولار).
قبل أن أدخل في بعض التفاصيل التي تهمّنا، أسجّل أنّ الحرب الباردة انتهت، ولا يوجد سوى قطب عالمي واحد وحيد هو الولاياتالمتحدة، ولم يبق هناك سباق تسلّح مع أي بلد، فالحرب الوحيدة المعلنة هي الحرب على الإرهاب التي تخوضها الولاياتالمتحدة ضدّ عصابات إرهابية فعلاً سلاحها رشاشات خفيفة ومتفجّرات. هل يمكن أن يصدّق أحد أنّ مواجهة عصابات الإرهاب تحتاج إلى ما يزيد على موازنات الدفاع العالميّة الأخرى مجتمعة؟ أو أن الأمر أنّ عصابة الحرب تخطّط لحروب جديدة ولا تزال تسعى إلى امبراطورية استعمارية جديدة على رغم النكسة في العراق؟
الحرب على العصابات الإرهابية هي حرب أفكار واستخبارات، وهذه حتماً لا تحتاج إلى 661 بليون دولار تُنفَق على بناء أنظمة سلاح جديدة لا عدوّ يمكن أن تُستخدَم ضدَه.
أكمل بالأرقام التي تهمّني والقارئ، فقد كانت إدارة بوش حصلت على تمويل إضافي من الكونغرس للحربين في العراق وأفغانستان بلغ 70 بليون دولار. وهي في سبيل طلب 93 بليوناً أخرى، فيكون الإنفاق على الحربين منذ 2003 قد بلغ 661 بليون دولار، وهو رقم يزيد على ما أنفقت الولاياتالمتحدة في كل حرب سابقة مثل كوريا أو فيتنام. وربما زدت هنا أنّ الحرب المستمرّة في العراق هي أطول حرب خاضتها الولاياتالمتحدة في تاريخها.
نعلم أنّ الرئيس بوش قرّر زيادة القوّات الأميركيّة 21 ألفاً، كأن مثل هذه الزيادة ستحلّ المشكلة. إلا أنه أرفقها بعشرة بلايين دولار تُنفَق على إيجاد وظائف ومشاريع إعادة تعمير ترافق الاستراتيجيّة الجديدة.
هل سينشر الجنود الإضافيون الأمن في بغداد؟ أقول لا وأرجو أن أكون مخطئاً. هل سيستفيد العراقيون من البلايين العشرة؟ أقول لا مرة أخرى وأتوكأ على التجربة، فالولاياتالمتحدة أنفقت منذ 2003 على إعادة التعمير في العراق 108 بلايين دولار، ومع ذلك فالكهرباء وإنتاج النفط أقلّ منها قبل 2003 عندما كان صدّام حسين محاصَراً، وهناك نقص هائل في المحروقات. وثمّة تقارير رسميّة أميركية كثيرة، آخرها تقرير صدر في مطلع الشهر عن المفتش العام الخاص لإعادة التعمير في العراق يسجّل حالات كثيرة من الهدر والسرقة. وكانت تقارير سابقة أشارت إلى ضياع 8.8 بليون دولار من الأموال العراقية سلّمتها الأممالمتحدة إلى سلطات الاحتلال، واختفت أيام بول بريمر، رئيس سلطة الاحتلال الذي تريد الآن لجنة المراقبة والإصلاح الحكومي في الكونغرس استجوابه.
خلاصة كل ما سبق أنّ العسكر الأميركيين لن يغيّروا نتيجة معركة حُسمت، وأنّ البلايين الإضافية لإعادة التعمير ستذهب إلى حيث ذهبت البلايين السابقة، فأقارن بين قدرة صدّام حسين بعد خسارة عسكرية مذلّة هائلة على إعادة تشغيل محطة كهرباء الدورة خلال أشهر وتحت الحصار، وبين عجز القوة العظمى الوحيدة في العالم عن تأمين الكهرباء للعراقيين بعد أربع سنوات من الاحتلال.
لست متشائماً وحدي، فالتقرير الصادر هذا الشهر عمّا يسمّى تقرير الاستخبارات الوطني، أي مجموع جهود 16 جهاز استخبارات، رسم صورة أكثر تشاؤماً لمستقبل الوضع في العراق وقدَّم سيناريوات ترجّح انهياراً نهائياً إذا نفّذ أي منها. وفي حين حذّر التقرير من خطر انسحاب القوّات الأميركية من العراق، فإنه لم يتوقّع لها النجاح لو بقيت.
أدعو أن أكون وجنرالات أميركا وأجهزة استخباراتها ومراكز البحث (غير الإسرائيلية التي سعت إلى الحرب) مخطئين، وأن يكون جورج بوش والجنرال بيتروس وحدهما مصيبين، فالموضوع هو العراق وشعبه. ثم أدعو إلى محاكمة المجرمين جميعاً عندما تفشل الاستراتيجيّة الجديدة. عن الحياة