منح البنك المركزي، منذ الخميس الماضي ، البنوك العاملة في مصر، حرية تحديد سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، بالتنسيق فيما بينها ، في خطوة زعموا انها لتوحيد سعر الصرف بالبنوك والسوق الموازية ليباع الدولار رسميًا بالبنوك ب13 جنيهًا كسعر استرشادي. وتم تحرير سعر صرف الجنيه بعد قرار البنك المركزي، وهو أسلوب إدارة السياسة النقدية، ويعني ترك سعر صرف عملة ما، أي معادلتها مع عملات أخرى، وذلك يتحدد وفقًا لقوى العرض والطلب فى السوق النقدية، وتختلف سياسات الحكومات حيال تعويم عملاتها طبقًا لمستوى تحرر اقتصادها الوطني، وكفاية أدائه، ومرونة جهازها الإنتاجي. وأثار قرار البنك المركزى المصرى تخفيض قيمة الجنيه بنسبة 48% ، جدلًا واسعًا ، وتباينت الإراء ما بين مؤيد ومعارض لقرار البنك المركزي ، حيث أشاد مؤيدو الانقلاب بالخطوة التى وصفوها بالجريئة ، ليضيفوا بدورهم صفحة جديدة فى كتاب "التطبيل" المستمر للانقلاب ، واسمرارًا لحملتهم الشرسه لتضليل الرأى العام. وأكد مؤيدو الانقلاب أن هناك تجارب عديدة فى دول آخرى لتعويم عملتها المحلية ، ولكن مالم يذكره هؤلاء أنه هذه الدول كانت لديها قيادة وطنية طموحه ، تسعى لاستقرار بلادها ونمر اقتصادها ، بل لم يذكروا أيضًا أن هناك دول لا تزال تعانى حتى الآن من قرارات التعويم "العشوائية". فهناك 8 تجارب عالمية سابقة في عملية تحرير سعر العملة أو تطبيق نظام الصرف المرن، فقط دولتان تمكنتا من أن تتجاوز أزمتيهما بعد فترة قصيرة من الاتجاه إلى تحرير عملتها مقابل الدولار ، فنجاح التجربة يعتمد في الأصل على تحرير سعر الصرف على القدرة التنافسية للدولة من حيث الإنتاج والتصدير للبلد، في حين تعاني الاقتصادات الهشة من صعوبة انتقالها لمرحلة الصرف المرن، خاصة بالنسبة للطبقة الفقيرة. ورغم صعوبة التجربة في 6 دول طبقت عملية تحرير عملتها مقابل الدولار، لكن استفادت الصين والهند بنسبة كبيرة من نظام الصرف المرن، بفضل الصادرات المرتفعة وتدني أسعار منتجاتها، ما عزز الإقبال عليها خارجيًا ومحليًا، وجذبت الاستثمارات الأجنبية، نتيجة انخفاض سعر العملة الهندية والصينية. وترصد "الشعب" ، من خلال هذا التقرير ، بعض التجارب التى نجحت ، ولكن أيضًا ، نذكر التجارب الآخرى التى لا تزال تعانى من هذا القرار ، لنترك للقارئ حرية التفكير والمقارنة ، وعلى أى جانب سيستقر الاقتصاد المصري بين هؤلاء. "البرازيل".. التجربة الأكثر قسوة كانت تجربة البرازيل كانت قاسية، حيث قررت عام 1999 اتخاذ هذه الخطوة في ظل ظروف اقتصادية أكثر من صعبة. واعتمدت البرازيل تحرير عملتها منذ عام 1999، وانخفضت قيمة الريال البرازيلي في ذلك الوقت بنسبة كبيرة، ما أدى إلى ارتفاع السلع المستوردة وزيادة التضخم، وبالتبعية انعكس ذلك سلبًا على الطبقات الكادحة والمتوسطة ، قبل أن يعتدل سعر العملة البرازيلية في 2004، مع الإصلاحات الاقتصادية، التي باشرها الرئيس البرازيلي السابق، "لولا دا سيلفا" ، لتتعزز قدرات البرازيل التنافسية. ومن الواضح أن البرازيل لم تشهد تحسنًا في اقتصادها خلال عام 2016 بعد أن شهدت أسوأ مبيعات تجزئة خلال فترة عيد الميلاد في 10 سنوات ، وتوقع المصرف المركزي البرازيلي ارتفاع التضخم في نهاية السنة إلى 10.8% بالمقارنة مع 10.4% . ومن المستبعد أن تحقق البرازيل مستهدفها للتضخم للعام المقبل، مما يعني أن المركزي والسلطات المالية ستضطر الى رفع الفائدة لبلوغ المستهدف المطلوب. ويتوقع أن يتراجع التضخم خلال السنة المقبلة، بالتزامن مع انخفاض إنفاق المستهلكين تزامنًا مع تباطؤ الطلب في الاقتصاد اللاتيني ، حيث أشارت تقارير رسمية إلى أن الضغوط التضخمية الأخيرة جاءت كرد فعل لوقف الدعم الحكومي للكهرباء ورفع معدلات أسعار السلع بما فيها أسعار البنزين. كما رفع المركزي من احتمال عدم وصول البرازيل الى مستهدف التضخم في العام المقبل 6.5% إلى 40% من 20% الشهر الماضي. ويتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي 3.6% خلال السنة، فضلاً عن انخفاض 1.9% العام المقبل إذا بقي سعر صرف الدولار عند 3.9 ريال برازيلي. "الأرجنتين" والصعود من الهاوية أما التجربة الثانية فقد كانت في "الأرجنتين" التي حررت سوق الصرف المحلية تنفيذًا لوعد الرئيس المنتخب عام 2015 "ماوريسيو ماكري". وتراجعت قيمة "البيزو" الأرجنتيني أمام الدولار الأمريكي بأكثر من 40 في المائة فور إعلان القرار ، وذلك بعد أن بدأت البلاد في تحرير سوق الصرف المحلية ، حيث كان من المتوقع انخفاض سعر البيزو الأرجنتيني من أقل مستوى رسمي له وهو 9.83 بيزو لكل دولار ليصل إلي ما يقرب من سعره في السوق السوداء الذي يتراوح بين 13.5 و15 بيزو لكل دولار ولكن نجحت خطة تحرير سعر الصرف. وكان "ألفونسو برات جاي" وزير المالية قد أعلن رفع إجراءات مراقبة أسعار الصرف، التي فرضت في عام 2011، لتسهيل عمل الشركات الراغبة في الاستيراد وللأفراد القدرة على الادخار أو شراء العملات للسفر. وأقدم البنك المركزي على تلك الخطوة لمنع التذبذب الحاد في سعر العملة والتخطيط وإضافة نحو 20 مليار دولار إلى احتياطات النقد الأجنبي التي وصلت إلى 25 مليار دولار. وكانت حكومة الرئيس السابقة "كريستينا كريشنر" قد فرضت قيودا صارمة على سعر صرف العملة المحلية عام 2011 لمنع خروج رءوس الأموال من البلاد. وخلال فترة رئاسية واحدة مدتها أربع سنوات استطاع الرئيس الأرجنتيني الراحل "نستور كريشنير" أن يصعد بالأرجنتين من الهاوية ويحدث انتعاشًا اقتصاديًا منقطع النظير ليصنع بذلك من التجربة الأرجنتينية نموذجا ملهما في كيفية صناعة النهضة. وكان الاقتصاد الأرجنتيني قد تعرض إلي الانهيار بشكل عنيف في ديسمبر عام.2001 واضطرت الحكومة الأرجنتينية لخفض الإنفاق العام بنسبة20% أي بمقدار10 مليارات دولار من خلال عدد من الإجراءات التقشفية علي رأسها تخفيض أجور العاملين بالحكومة بنسبة13%, وهو ما كان بمثابة الفتيل الذي أشعل ثورة الغضب الشعبي واندلعت مظاهرات احتجاجية زلزلت أرجاء العاصمة بوينس إيرس. "المغرب" والتحرير التدريجي لم يكن قرار تحرير سعر صرف العملة في المغرب وليد اللحظة، بل بدأ محافظ بنك المغرب المركزي، عبداللطيف الجواهري، التلميح إلى هذا التوجه منذ نهاية عام 2015، حينما صرح بأن المغرب ينوي الاتجاه نحو نظام صرف مرن، وأنه يجري الإعداد للعملية بطريقة متأنية. وبالفعل استغرق المشروع شهورًا طويلة من التحضير، تخللها عدة لقاءات بين الجانب المغربي وخبراء صندوق النقد الدولي، للتباحث حول طريقة الانتقال من نظام سلة العملات إلى نظام صرف مرن. وخلال لقائه بمسؤولي صندوق النقد الدولي، أكد والي بنك المغرب، "عبد اللطيف الجواهري" ، أن مؤسسته ستعمد إلى التدرج في تحرير صرف الدرهم، وذلك حتى يتهيأ الفاعلون الاقتصاديون لهذا القرار، وحتى تكون الظرفية الاقتصادية مواتية، مشددًا على أن مثل هذا الإجراء يجب أن يكون على أسس متينة، مبرزا أنه يأتي، أيضًا، استجابة للمطالب المتكررة لصندوق النقد الدولي للمغرب باعتماد نظام صرف مرن. ويأتي هذا الإجراء الاقتصادي كحلقة من حلقات الإصلاحات الليبرالية التي تنادي بها المؤسسات المالية الكبرى، كصندوق النقد الدولي، وتطالب البلدان النامية بتبنيها، وطرحت الفكرة سابقًا في ثمانينات القرن الماضي، ومرة أخرى في التسعينات، في إطار ما كان يسمى "التقويم الهيكلي"، إلا أنها رفضت من قبل السلطات المغربية آنذاك، غير أنه أعيد طرحها في الألفية الجارية، لتقبل مؤخرًا. وفي المرحلة الثانية، التي ستبدأ مع النصف الثاني لسنة 2017، سيدخل المغرب دخولًا كاملًا في نظام تحرير سعر الصرف، حيث سيخضع الدرهم المغربي إلى قانون العرض والطلب، بدل تحديد قيمته سلفًا وفق العملات المرجعية. "ماليزيا".. أقوى النظم الاقتصادية قالت محافظة البنك المركزي الماليزي في يوليو 2015، إن ماليزيا قررت التخلي عن سياسة ربط عملتها الرينجيت بالدولار الأمريكي واستعاضت عنها بسياسة تحرير محكوم للعملة. وقالت "زيتي إخطار عزيز"، وقتها، إنها لا تتوقع أن يختلف سعر صرف "الرينجيت" بدرجة كبيرة عن مستواه الراهن ، حيث كان مثبتًا عند مستوى 3.8 للدولار منذ سبتمبرعام 1998 عندما تقرر ذلك لمساعدة ماليزيا على التعامل مع الأزمة المالية الآسيوية. ويعدّ اقتصاد ماليزيا واحدًا من أقوى النظم الاقتصادية في جنوب شرقي آسيا ، حيث يعتمد اقتصادها إلى حد كبير على إنتاج النفط والمطاط والأخشاب والقصدير، إلى جانب عدة أنواع من المحاصيل والسلع المصنعة. أفادت دراسة أعدها مركز الأبحاث الاقتصادية "كينانغا" -وهو مؤسسة ماليزية شبه حكومية- أن من المتوقع أن يحقق الاقتصاد الماليزي نموًا بنسبة 7% خلال النصف الثاني من العام الجاري.
وأشارت إلى أن هذا النمو سيتحقق بفضل تراجع أسعار النفط الخام عالميًا, إضافة إلى التقدم الذي تحققه المشاريع الاقتصادية العملاقة في البلاد بموجب برنامج التحول الاقتصادي.
كما ذكرت أن الناتج المحلي الإجمالي حقق ثباتًا على معدل نمو قدره 5.7%, في حين أن تراجع أسعار النفط الخام إلى ما دون مائة دولار للبرميل كان له نتائج إيجابية على اقتصادات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. "السودان" والسقوط السريع اتخذ بنك السودان المركزي عدة قرارات بشأن سوق الصرف المتأزمة في البلاد ، حيث قرر التوقف عن توفير الدولار المدعوم لاستيراد الأدوية، كما أعاد العمل بسياسة الحافز لاجتذاب النقد الأجنبي من السودانيين المغتربين. وقرر بنك السودان التوقف عن توفير الدولار لشركات استيراد الأدوية بسعر 7.5 جنيهات، مما يعني أن هذه الشركات ستلجأ إلى السوق الموازية للحصول على الدولار الذي يبلغ حاليا 15.9 جنيها. وقبل هذا القرار، كان البنك المركزي يخصص 10% من النقد الأجنبي المتحقق من الصادرات غير البترولية لدعم استيراد الأدوية، لكن التراجع الاقتصادي جعل البنك عاجزا عن توفير هذه المبالغ. وأعلن المتحدث باسم البنك المركزي "حازم عبد القادر" إن نظام الحافز سبق أن طبق في عام 2010، "وكانت من أكثر الأوقات جذبًا وحشدًا للموارد من السودانيين العاملين بالخارج وغيرهم". هبط الجنيه السوداني أمام الدولار في 15 يوما بشكل مخيف دفع اقتصاديين لتشبيه الهبوط بالانهيار، وذلك بعدما فقد نحو 10% من قيمته أمام العملة الأميركية في السوق الموازية في المدة المذكورة، ويرجع اقتصاديون الانهيار لخطط خاطئة، ويقترحون جملة سياسات لوقف نزيف العملة. وانخفض سعر الجنيه في السوق السوداء عنه في السوق الرسمية بنسبة تجاوزت 100%، أي 13.5 جنيها للدولار الواحد في السوق الموازية في مقابل 6.4 جنيهات للدولار الواحد في المنافذ الرسمية. وقاد هبوط الجنيه مقابل الدولار إلى انخفاض الأول أمام عملات أخرى كالجنيه الإسترليني واليورو والين الياباني، وحتى العملات الخليجية من ريال ودينار ودرهم. ووفقا لنشرة أصدرها البنك المركزي نهاية الأسبوع الماضي، فإن السعر التأشيري لصرف الدولار مقابل العملة المحلية كان 6.1673 جنيهات للدولار الواحد. "نيجيريا".. التضخم الأقوى بدأت في تخفيض العملة في يونيو الماضي عندما خفف صناع السياسة الضغوط السوقية وأنهوا ارتباط "النايرا" عملة نيجيريا بالدولار خلال 16 شهرًا مما جعل سعر العملة في السوق السوداء يقل بحوالي 50% عن السعر الرسمي حتى تم رفع القيود وهبطت العملة بحوالي 30% في ذلك الوقت ولم تنخفض منذ ذلك الحين إلا بحوالي 10% فقط حتى الآن. وإذا كانت نيجيريا حققت بعض النجاح من فصل عملتها عن الدولار إلا أن المستثمرين الأجانب استجابوا ببطء، ومازالت العملة النيجيرية تباع في السوق السوداء بسعر يقل بحوالي 20% عن السعر الرسمي. وفشلت نيجريا فى السيطرة على معدلات التضخم، إذ ارتفع التضخم فى أكبر اقتصاد فى أفريقيا من 15.6% فى مايو إلى 16.5% فى يونيو، وذلك وفقاً لمكتب الإحصاءات الوطني. ويعد هذا المعدل هو الأعلى منذ أكتوبر 2005، ويفوق توقعات خبراء الاقتصاد الذين توقعوا ارتفاع معدلات التضخم إلى 16.2%، وجاء الارتفاع الحاد فى التضخم، بعد أن اتخذت نيجيريا أخيراً الخطوة التى يقول عنها الجميع، إنها صعبة وهى فك ارتباط النيرة بالدولار، ويعتقد بعض المحللين، أن التضخم قد يكون أكثر ارتفاعاً فى الأشهر المقبلة. وانخفض سعر الصرف الرسمى للنيرا إلى 280 نيرة للدولار، عندما بدأ التداول فى اليوم الذى تم فيه خفض قيمة العملة نهاية يونيو الماضي، مقابل 198 نيرا للدولار، عندما كانت العملة مرتبطة بالدولار، وتقف، حالياً، قيمة العملة عند 282 نيرة للدولار، ولكن يتم تداولها فى السوق السوداء بمستويات تقترب من 360 نيرة للدولار.