انتخابات مجلس نواب 2025، الحصر العددي في لجنة مدرسة القباب الكبرى بدكرنس بالدقهلية    13.5 ألف طالب يستفيدون من خدمات التكافل الطلابي.. و9.5 ألف طالب بالخدمات الطبية    جامعة المنيا: اعتماد استراتيجية الابتكار والأمن السيبراني    يوفنتوس يحقق أول فوز فى دورى أبطال أوروبا على حساب بودو جليمت.. فيديو    رئيس البرازيل السابق جايير بولسونارو يبدأ تنفيذ حكم بالسجن 27 عاما بتهمة التخطيط لانقلاب    الرئيس النيجيري يعلن إنقاذ جميع الطالبات المختطفات من مدرسة في ولاية كيبي    بعد تصنيف بعض فروع الإخوان كمنظمات إرهابية.. الفقي: ترامب يبعث برسالة غير مباشرة لحماس    بوروسيا دورتموند يفترس فياريال برباعية في دوري أبطال أوروبا    كريم الدبيس: أي حد أفضل من كولر بالنسبالى.. وجالى عرضين رسميين للاحتراف    الشناوى وعبد القادر وجرديشار.. أبرز 7 غيابات للأهلي أمام الجيش الملكى    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الخميس والسبت فى دور ال32 بكأس مصر    "لم ننسحب وعدم خوض المباراة حفاظا على جماهيرنا".. بيان من الاتحاد السكندري عن نهائي مرتبط السلة    فرز الأصوات فى لجنة مدرسة عمرو شكرى الإعدادية بنات بطور سيناء.. فيديو    مصرع شخص ووالدته وإصابة 2 آخرين إثر حادث تصادم سيارتين بحدائق أكتوبر    بالأرقام.. مؤشرات اللجنة الفرعية رقم 44 بدائرة المطرية محافظة القاهرة    رؤساء لجان الانتخابات يكشفون تفاصيل اليوم الثاني من المرحلة الثانية لانتخابات النواب    افتتاح الدورة الثانية من مهرجان الفيوم الدولى لأفلام البيئة بحضور نجوم الفن    لجنة السيدة زينب تعلن محاضر فرز اللجان الفرعية للمرشحين بانتخابات النواب    بالصور.. جنات تُشعل افتتاح مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي بأغنية "وحشتينا"    محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ    المستشار حازم بدوي: العملية الانتخابية جرت في مناخ حقيقي من الديمقراطية    الفنان محمد صبحي يكشف حالته الصحية: أصابني فيروس بالمخ فترة حضانته 14 يومًا    "الوطنية للانتخابات": تلقينا 221 شكوى على مدار يومي التصويت بانتخابات النواب 2025    نجوم الفن على الريد كاربت بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    سرايا القدس تعلن استشهاد اثنين من عناصرها في جنين ونابلس    ضبط كميات من المخدرات قبل ترويجها في الأسواق بالإسكندرية    مراسلة إكسترا نيوز ببورسعيد: غرف العمليات المركزية لم تسجل أى عقبات بانتخابات النواب    إطلاق مشروع الطريق الأخضر لعالم أكثر أمانًا بقنا بتعاون بين الإنجيلية والبيئة و"GIZ"    مراسل إكسترا نيوز: ما رأيناه باللجان عكس حرص المواطنين على الإدلاء بأصواتهم    الصحة: ضعف المناعة أمام الفيروسات الموسمية وراء زيادة حدة الأعراض    تطوير 5 عيادات صحية ومركز كُلى وتفعيل نظام "النداء الآلي" بعيادة الهرم في الجيزة    رماد بركان إثيوبيا يشل حركة الطيران في الهند ويتمدّد نحو الصين    محافظ الإسماعيلية يتفقد المقار الانتخابية بمدرستيِّ الشهيد جواد حسني الابتدائية وفاطمة الزهراء الإعدادية    فى حضور 2000 من الجمهور بلندن.. ليلة استثنائية لأعمال عبد الوهاب بصوت فاطمة سعيد    خصوصية الزوجين خط أحمر.. الأزهر يحذر: الابتزاز والتشهير محرم شرعا وقانونا    ما حكم عمل عَضَّامة فى التربة ونقل رفات الموتى إليها؟ أمين الفتوى يجيب    «النقل» تكشف حقيقة نزع ملكيات لتنفيذ مشروع امتداد الخط الأول لمترو الأنفاق    مدبولي يلتقي نائب رئيس "المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني".. صور    منتخب الكويت يهزم موريتانيا ويتأهل لمجموعة مصر في كأس العرب 2025    ضبط المتهمين بالتهجم على مسكن شخص وأسرته لخلافات الجيرة بالشرقية    الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق دبلومة صحافة الذكاء الاصطناعي    متابعة حية | مانشستر سيتي يستضيف باير ليفركوزن في مباراة حاسمة بدوري أبطال أوروبا    أمن المنافذ يضبط 66 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    رئيس الوزراء والوزير الأول للجزائر يترأسان غدا اجتماع اللجنة العليا المشتركة    وزير التعليم الإيطالى: أشكر مصر على الاهتمام بتعليم الإيطالية بالثانوية والإعدادية    مكتب الإعلام الحكومي يوثق بالأرقام: مؤسسة غزة تورطت في استدراج المُجوّعين إلى مصائد موت    مواجهة نارية في دوري أبطال أوروبا.. برشلونة وتشيلسي لايف    إقبال كثيف على لجان شبين القناطر في اليوم الثاني لانتخابات النواب    وزير التعليم: أتوجه بالشكر للرئيس السيسى تقديرا على اهتمامه البالغ بالتعليم    وزير الصحة: مصر وتركيا شريكان استراتيجيان في بناء أمن صحي إقليمي قائم على التصنيع والتكامل    الافتاء توضح حكم الامتناع عن المشاركة في الانتخابات    باسل رحمي: نعمل على مساعدة المشروعات المتوسطة والصغيرة الصناعية على زيادة الإنتاجية والتصدير    قمة آسيوية نارية.. الهلال يلتقي الشرطة العراقي والبث المباشر هنا    الزراعة تطلق حملة لمواجهة مقاومة المضادات الحيوية في الثروة الحيوانية    «الصحة»: تقديم 21.9 ألف خدمة في طب نفس المسنين خلال 2025    إزالة 327 حالة تعدٍ على نهر النيل في 3 محافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25-11-2025 في محافظة قنا    دعاء وبركة | أدعية ما قبل النوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عفوًا .. لا عفوَ هناك
بقلم: أيمن الصياد
نشر في الشعب يوم 18 - 09 - 2016

لا يوجد قانوني أو لغوي أو باحث جاد إلا ويعلم أن «لا قيمة» للألفاظ في ذاتها. وإنما بما تعنيه تعريفا ودلالة واصطلاحا .. عن «العفو»؛ لفظة واصطلاحا أتحدث.

جميلٌ أن يخرج ولو مظلوم واحد من سجنه، ولكن الأجمل أن يخرج كل المظلومين. أما الأفضل من هذا وهذا وذاك هو ألا يكون لديك نظام يسمح أصلا بحبس المظلومين
في الأخبار:
في مارس 2016 التقى السيسى بالمثقفين، وعلمنا من الأستاذ الأديب إبراهيم عبد المجيد أن هناك من طرح على السيسى قضية «المعتقلين» وحقوق الإنسان. وقيل أنه وعدهم أو طلب منهم أن يقترحوا عليه حلا. ثم علمنا أن من بين من حضروا اللقاء من أخذ الأمر «بجدية يستحقها»، فعقدت اجتماعات، ومشاورات (بعضها في «الأهرام»)،
12أغسطس2016 المجلس القومي (الرسمي) لحقوق الإنسان يعلن أنه، تتيويجا لكل الجهود أعد قائمة تضم ستمائة اسم ممن يستحقون «العفو» لظروفهم الصحية أو الدراسية أو الاجتماعية.
24 أغسطس2016: السيسى يصرح لرؤساء تحرير الصحف القومية «جميعهم» أنه «سوف يصدر خلال أيام قرارًا بالعفو والإفراج عن 300 شاب من أبنائنا، منهم أصحاب حالات صحية وإنسانية وأشقاء وشباب شاركوا في تظاهرات. ومنهم تخصصات مختلفة، ومنهم صحفيون…» (النص ورد هكذا في الصحف الثلاث)
10 سبتمبر2016: االسيسى يُصدر القرار الجمهوري رقم 416 لسنة 2016 «بالعفو عن باقي العقوبة لبعض المحكوم عليهم بمناسبة الاحتفال بعيد الأضحى المبارك».
ورغم أن هناك من حاول أن يُوحي للناس أن هذا هو القرار «المُنتظر» الذي وعدنا به السيسى، إلا أن كل مشتغل بالقانون أو الشأن العام، أو كان له قريب أو حبيب غائب «ظلما» خلف القضبان يعلم أن ذلك غير صحيح. وأن قرار»العفو» المُنتظر. والذي ظن البعض أن من شأنه، إن حدث أن يرفع «بعض» الظلم عن «بعض» المظلومين لم يصدر بعد، على الأقل حتى ساعة كتابة هذه السطور.
تبقى الحقيقة إذن (إذا راعينا المعنى الاصطلاحي للكلمة): أن لا عفو هناك.
جاء العيد إذن وذهب، ثم تأهب السيسى للذهاب إلى نيويورك .. ولا عفو هناك.
وللأسف (أكرر: للأسف) لم تكن تلك «المرة الأولى»، أو الوعد الأول، الذي ظل «إعلاميا» دون أن يجد طريقه أبدا إلى الجريدة الرسمية قرارا جمهوريا يرفع «بعض» الظلم، ولو عن «بعض» المظلومين. ففي يناير من هذا العام (الذي تم إعلانه «عاما للشباب»)، أي قبل تسعة أشهر كاملة، ذكرت الصحف (والعهدة على الراوي) أن السيسى سيُصدر خلال أيام قرارًا جمهوريًا بالإفراج عن أكثر من مائة من الشباب المسجونين («الوطن» 9يناير2016)، إلا أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية فاجأ المنتظرين (أمهات وآباء وزوجات وأبناء) مساء الخامس والعشرين من يناير ذاته في مداخلة هاتفية ببرنامج «هنا العاصمة» بتأكيده على أنه «لم ترد إلى الوزارة أية قرارات بصدور عفو رئاسي (!) … مشيرًا إلى أن ما صدر فقط هو قرار بالعفوعن المساجين الذين أمضوا نصف المدة في قضايا جنائية»
***
عندما يصبح منتهى أحلامنا هو مجرد قرار يرفع «بعض» الظلم عن «بعض» المظلومين، يصبح سؤال «العدل»، ومفهومه قائما .. ومؤرقا
ماذا حدث إذن بالضبط؟
قبل أن نبادر بمحاولة للإجابة أو للفهم، ربما يستلزم الأمر استجلاء بعض المعلومات «والتعريفات» ذات الصلة:
تُعَرف المصطلحات القانونية «العفو الشامل» على أنه يعني محو الصفة الإجرامية عن فعل ما ليصبح في حكم الأفعال المباحة، أو محوها عن شخص ما أو مجموعة من الأشخاص. كما يحدث عادةً في مراحل التحول السياسي، بهدف فتح صفحة جديدة. (من أمثلة ذلك المرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952) ويعرف القانونيون أن هذا «العفو الشامل» بهذه الصيغة لا يكون إلا بقانون، كما تنص المادة 155 من الدستورالحالي.
ولكن يعرف القانونيون أيضًا أن هناك صورتين أخريين «لقرارات العفو»:
1 إحداهما: تلك «الروتينية» التي تصدر في المناسبات والأعياد « للعفو عن باقي العقوبة السالبة للحرية» لبعض المحكوم عليهم الذين نفذوا نصف مدة العقوبة، أو عشرين عاما للسجن المؤبد، (أو غير ذلك من التفاصيل) وذلك باشتراطات معينة منها حسن السلوك داخل محبسه. ومثال ذلك القرار الجمهوري الأخير رقم 416لسنة 2016 بمناسبة عيد الأضحى. والقرار في هذه الحالة لا يصدر محدِدًا للأشخاص أو للجرائم، بل يصدر مقرِرًا المعايير التي في حدودها تضع الجهات الأمنية المعنية قوائم المفرج عنهم. ويسري ذلك القرار عادةً، بالنظر إلى تفصيلاته واستثناءاته على المحكوم عليهم من الجنائيين.
2 أما الصورة الثانية لقرارات «العفو عن العقوبة» التي يملك رئيس الجمهورية الحق في إصدارها بموجب المادة 155 من الدستور، فهي تلك ذات الطابع السياسي، وتصدر لرفع الظلم الواقع «على المظلومين الموجودين في السجون» كما وصفهم السيسي مرتين، أو لتخفيف التوتر والاحتقان وعمل انفراجة مطلوبة في المناخ العام. وهذا هو «العفو» الذي يقصده «اصطلاحًا» الحوار المجتمعي العام. وهو الأمر الذي غاب للأسف عن ما يصدره الرئيس «روتينيًا» من قرارات. كما كان من تجاهله (حتى الآن على الأقل) لقائمة المجلس القومي لحقوق الإنسان، التي أشرنا إليها.
للتدقيق، والتوضيح، والإنصاف فمن نوعية ذلك «القرار المنتظر»، كان عبد الفتاح السيسي قد أصدر قرارين؛ أحدهما في يونيو 2015 وشمل 165 اسمًا، والثاني في سبتمبرمن العام ذاته وضمت قائمته مائة من المحكوم عليهم، من بينهم صحفيو «الجزيرة» الذين كانت الحملات الدولية للإفراج عنهم تُمثل في حينه صداعًا للدبلوماسية المصرية.
علي هامش القرارين (والموضوع) كانت هناك تفاصيل، هي ككل التفاصيل لا تكتمل الصورة إلا بالنظر إليها:
1 أن من بين ال 165 اسمًا التي ضمتها قائمة القرار الأول (257 لسنة 2015) كان هناك خمسة أطفال / أحداث، و35 آخرين كان موعد انتهاء العقوبة بالنسبة لهم سيحل «في العام ذاته»، كما كان موعد انتهاء العقوبة بالنسبة لكل الباقين في القائمة لا يتجاوز العام التالي 2016، أما أولئك الصادر بحقهم مثلا أحكام تصل إلى 25 عامًا في قضايا تظاهرات جرت قبل صدور القانون، بعضها أيام المجلس العسكري، وبعضها أيام الإخوان، فلم يشمل القرار أيا منهم.
2 أن عدد المستفيدين من هذين القرارين اليتيمين (بالعفو عن العقوبة) لم يتجاوز ال 265 اسمًا من بين عدد يقدره البعض بالآلاف (القائمة الكاملة للمستفيدين بالقرار نشرها مفصلة في حينه الأستاذ محمد بصل في هذه الجريدة)
3 أننا في غيبة الشفافية، التي هي غائبة عن كل شيء في حياتنا لا نعرف على وجه الدقة عدد المسجونين والمحبوسين (في قضايا ذات خلفية سياسية)، سواء المحكوم عليهم أو المحبوسين احتياطيًا. ولكننا نعلم أن هناك همة ونشاطًا ملحوظًا في إنشاء سجون جديدة (تسعة عشر سجنا جديدا كما نقلت لنا الأخبار المتواترة).
في تفاصيل القصة أيضًا أن Samantha Power مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، كتبت (يوم 22 سبتمبر2015) على موقع التواصل الاجتماعي تويتر تغريدة عن سناء سيف ومعتقلات الاتحادية. وفي اليوم التالي23 سبتمبر صدر القرار الجمهوري بالإفراج عنهن (ضمن مجموعة المائة شاب). ثم سافر الرئيس في اليوم الثالث إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
السيدة ذاتها Samantha Power كتبت قبل أيام (14 سبتمبر) أنها التقت بأسرة آية حجازي «التي أمضت 865 يوما في الحبس لإدارتها مأوى لأطفال الشوارع» حسب نص تغريدة الدبلوماسية الأمريكية. الأمر الذي جعل البعض يعتقد أن السيناريو مرشح للتكرار، غافلين عن حقيقة أن الفتاة الصغيرة وزوجها وخمسة من الذين كانوا يعملون معهم «محبوسون احتياطيًا» ولم يصدر بشأنهم حكم بعد، بإدانة أو براءة. الأمر الذي يُعقد الوضع من الناحية القانونية. هل رأيتم كيف أن التوسع هكذا في قرارات الحبس الاحتياطي، لا يدفع ثمنها المحبوسون وأهاليهم والمجتمع فقط. بل «الدولة» أيضا، وأيا ما كان قرارها؟ هل تذكرون سيناريو ما جرى بشأن الأمريكيين المُدانين في قضية التمويل الشهيرة (173 لسنة 2011)، والذين جرى تسفيرهم على متن طائرة عسكرية أمريكية في الأول من مارس 2012 عقب زيارة السيناتور الأمريكي القوي «جون ماكين» إلى القاهرة؟
***

رغم أن قرار العفو (إن صدر) هو حلم مشروع لكل أب وأم وشقيقة وزوجة، إلا أن «العدل» يعني أكثر من ذلك بكثير
جاء العيد إذن دون أن يصدر قرار بالعفو عن «الشباب»، بل على العكس قرأنا في الصحف على ألسنة أهاليهم أن هدية العيد لم تكن «إفراجًا» وعد به السيسى، بل حرمانًا من «زيارة العيد» الاستثنائية التي تنص عليها لائحة السجون. وتقول القصة «الإنسانية بالأساس» والتي رواها لنا زميلنا الأستاذ أحمد عبده في «البداية» على لسان هند شقيقة لؤي القهوجي، وزوجة الدكتور عمرو عاطف، المحتجزين منذ عامين ونصف في سجن برج العرب على خلفية قضيتي تظاهر بالإسكندرية، إن إدارة السجن منعتها وأكثر من 200 أسرة من الزيارة الاستثنائية للعيد، ثم تصف لنا «الشقيقة والزوجة» بلغتها البسيطة المباشرة، تفاصيل، لا يعرف وطأتها إلا من كابدها وجربها: «… بعد يوم طويل من الطوابير والقرف … وقفونا ساعات في عز الشمس وجمعوا الأسماء ودفعنا إكراميات لأمناء الشرطة على أمل ندخل نشوفهم وفي الآخر منعونا، ولما سألنا على السبب قالولنا أوامر عليا».
لست في حاجة إلى التأكيد على أن حكاية هند «الزوجة والشقيقة» ليست أكثر من مثال لحالات لا نعرف عددها لزوجات وشقيقات وآباء وأمهات وأبناء صغار، أخذت «الحالة في مصر» ذويهم إلى غياهب السجون المقفرة؛ ظلمًا، أو مصادفة، أو نكاية، أو عقابًا لهم على «الحلم المشروع»، أو للأسف ظنًا من أصحاب القرار بأن «بهذا نحمي الوطن» (!)
***
عندما يتحدث السيسى (لا غيره) عن «مظلومين» في السجون، يصبح من المشروع انتظار «الخطوة التالية»
وبعد..
وبرغم أن قرارًا منتظرًا بعفو يرفع بعض الظلم لم يصدر، وبرغم التهليل «الكاذب» والمتكرر لقرار لم يصدر. فإن الأمر برمته يذكرني بما كنت قد كتبته هنا ذات مرة تعقيبًا على حديث «متكرر» للسيسى عن حقيقة أن هناك «مظلومين داخل السجون». إذ يظل جميلًا مثل ذلك الحديث / الإقرار من السيسى(السلطة الأعلى فعليا في هذه البلاد)، إلا أن الأجمل منه أن يكتمل مثلُ ذلك الحديث بالفعل. كما أن الأهم (والأبقى) من مثل ذلك حديث أو فعل، أن يكون هناك من أدرك أن المعنى البسيط والمباشر لكلام السيسى: أن هناك خللًا في منظومة العدالة وإجراءاتها يسمح، إن لم يكن يدفع يهؤلاء «المظلومين» حسب تعبير السيسى نفسه إلى غياهب السجون. (ومن ثم إلى التطرف يأسا، أو العنف ثأرا) وأن نظامًا للعدالة يقوم على الحقوق والواجبات واحترا م«حقيقي» للدستور والقانون هو سمة المجتمعات المعاصرة، وليس ذلك الذي يقوم على انتظار «منحة» من الحاكم، أو التماس «عفوه». أما دولة «السلطة المطلقة» التي تقوم على الوالي الذي يمنحُ العطايا إذا رضى، وينادي على سيافَه إذا غضب، فلا أظنها تنتمي إلى عصرنعيشه. وأخشى أننا في منطقتنا تلك (لا أستثني أحدا) بحاجة لأن نتذكر أننا الآن في النصف الثاني من العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
تبقى حقيقة أن قرار العفو المنتظر (إن صدر) هو حلم مشروع لكل أب وأم وشقيقة وزوجة، أعياهم الشوق والانتظار .. «والإحساس بالظلم»، كما أنه بالتأكيد إجراء محمود لرفعه «بعض» الظلم، عن «بعض» المظلومين، إلا أنني لن أمل من التأكيد على ماذكرته في تغريدة يومها: «جميل أن يخرج ولو مظلوم واحد من سجنه، ولكن الأجمل أن يخرج كل المظلومين. أما الأفضل من هذا وذاك هو ألا يكون لديك نظام يسمح أصلا بحبس المظلومين». وأحسب أن مصر تستحق ذلك.

(هامش: وصف بعض الموجودين في السجون «بالمظلومين»، ليس من عندي بل يعود للسيسى؛ الذي لم يصدر القرار المنتظر. وهو الذي كان قد وصفهم بهذا في تصريحات نقلتها عنه الصحف في 23 فبراير من العام الماضي ثم عاد ليكررها في 24 يونيو من العام نفسه .. لذا وجب التنويه )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.