محافظ القاهرة يتفقد لجان الناخبين بعدة مناطق بالعاصمة    المياه أغرقت الشوارع.. كسر في خط مياه رئيسي بالدقهلية    «حماة الوطن» يعقد اجتماعًا مع مرشحي الحزب لوضع اللمسات الأخيرة استعدادًا لانتخابات الشيوخ 2025    تواصل انقطاع الكهرباء ومياه الشرب فى محافظة الجيزة وحكومة الانقلاب تفشل فى احتواء الأزمة    سعر الأسمنت اليوم الثلاثاء 29 - 7-2025 .. تطورات الأسعار    الاحتلال الصهيوني يقصف قطاع غزة وسقوط عشرات الشهداء ومقتل ضابط وجندي من لواء جولاني    مقتل وإصابة 5 أشخاص فى إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    الأهلي يناقش عروض محمد عبدالله قبل غلق القيد الصيفي    حملات أمنية موسعة بمديريات أمن أسيوط ودمياط وأسوان لضبط الخارجين على القانون    كسر فى خط مياه بمدينة المنصورة يغرق الشوارع وفصل الكهرباء عن المنطقة.. صور    للتصويت على جوائز الدولة 2025.. المجلس الأعلى للثقافة يعلن اكتمال النصاب    نادية مصطفى ومنصور هندى في انتخابات التجديد النصفى لنقابة الموسيقيين    أنغامي ترد على خطوة عمرو دياب.. وتؤكد: تامر حسني رقم 1 في الوطن العربي بلا منازع    أكرم القصاص: جهود مصر لإغاثة غزة تواجه حملة تشويه رغم نجاحاتها الدولية    «مفعولها سحري».. 4 مشروبات خارقة ل حرق دهون الكرش بدون دايت    رئيس هيئة الرقابة الصحية يستقبل ممثلى "منظمة دعم أداء النظم الصحية والابتكار    «يا عم حرام عليك».. شوبير يدافع عن محمد صلاح بعد زيارة المعبد البوذي    حقيقة مفاوضات النصر مع كوكوريلا    رئيس مياه القناة: تكثيف تطهير شبكات الصرف الصحي بمساكن مبارك    محافظ بني سويف ورئيس البورصة المصرية يفتتحان النسخة ال13 من مؤتمر البورصة للتنمية    الداخلية تكشف ملابسات مقطع فيديو الاعتداء على بائع متجول في الجيزة    حبس 3 أشخاص في واقعة العثور علي جثه طفل داخل شرفه عقار بالإسكندرية    بمشاركة وزير السياحة.. البابا تواضروس يفتتح معرض لوجوس للمؤسسات الخدمية والثقافية    وزير العمل يشيد بإنشاء 38 محكمة عمالية ومكاتب قانونية مجانية    مدير مجمع الشفاء في غزة: وفيات المجاعة تزداد يوميا.. والأطفال الأكثر تضررا    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في باكستان إلى 281 قتيلًا    «أحط فلوسي في البنك ولا لأ؟».. الفوائد تشعل الجدل بين حلال وحرام والأزهر يحسم    وسائل إعلام فلسطينية: مقتل 20 شخصا من طالبي المساعدات في قطاع غزة منذ فجر اليوم    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    وزير الصحة: إصدار 28 ألف قرار علاج على نفقة الدولة ل مرضى «التصلب المتعدد» سنويًا    «الإسعاف»: نقل أكثر من 4 آلاف طفل مبتسر على أجهزة تنفس صناعي خلال النصف الأول من 2025    موسوي: إسرائيل كشفت عن وجهها الوحشي بانتهاكها كافة الأعراف الدولية    عودة الانقطاع.. الكهرباء تستعين ب60 مولد متنقل لتأمين التغذية بالجيزة    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية    الأعور: كلمة السيسي جددت رفض مصر للتهجير    انطلاق تصوير فيلم «ريد فلاج» بطولة أحمد حاتم    تجديد الشراكة العلمية بين مصر والصين في مجال مكافحة الأمراض المتوطنة    أوقاف الفيوم تنظم ندوة حول "قضية الغُرم" بالتعاون مع مؤسسة مصر الخير    رئيس الوزراء: الحرف اليدوية أولوية وطنية.. واستراتيجية جديدة لتحقيق طفرة حتى 2030    «التضامن» توافق على إشهار جمعيتين في محافظة البحيرة    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    سبورت تكشف موعد عودة برنال لتدريبات برشلونة    ثنائي المصري أحمد وهب وأحمد شرف ضمن معسكر منتخب الشباب استعدادًا لبطولة كأس العالم بشيلي    دخول 9 شاحنات مساعدات إنسانية إلى معبر كرم أبو سالم تمهيدًا لدخولها لقطاع غزة    القبض على رمضان صبحى فى مطار القاهرة أثناء العودة من تركيا    سميرة صدقي: والدي قام بتربيتي كأنني رجل.. وجلست في مراكز عرفية لحل المشاكل (فيديو)    "بقميص الزمالك".. 15 صورة لرقص شيكابالا في حفل زفاف شقيقته    يوسف معاطي: سعاد حسني لم تمت موتة عادية.. وهنيدي أخف دم كوميديان    ياسر الشهراني يعود إلى القادسية بعد نهاية رحلته مع الهلال    الاَن.. الحدود الدنيا وأماكن معامل التنسيق الإلكتروني للمرحلة الأولى 2025 في جميع المحافظات    رئيس الإسماعيلي يعلق على أزمات النادي المتكررة    الجبهة الوطنية يُكرم الطالبة نوران الشيخة السادسة على الجمهورية في الثانوية العامة    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    5 أبراج «معاهم مفاتيح النجاح».. موهوبون تُفتح لهم الأبواب ويصعدون بثبات نحو القمة    الدين لا يقبل تفسير النوازل بالخرافات.. تنويه مهم من «وعظ سوهاج» بشأن حرائق قرية برخيل    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل النادي : لا تبع قلبك !
بقلم : أ . د . حلمي محمد القاعود
نشر في الشعب يوم 28 - 08 - 2016

لم أصدق الخبر في بداية الأمر . وحين تأكدت أنه حقيقي صُدمْتُ وتألمتُ وفزعتُ ورفعتُ يدي إلى السماء طالبا الرحمة بالعباد !.
عادل النادي من المثقفين الحقيقيين الذين لم يدخلوا الحظيرة . كان يحترم نفسه وبلده وثقافته وتاريخه ، ويحلم بمستقبله ، وظل طويلا يواصل جهده في القراءة والمناقشة من خلال برنامجه "مع النقاد" الذي كان يقدمه عبر البرنامج الثاني بالإذاعة ( يسمى الآن البرنامج الثقافي ) . من يعرفون عادل النادي قلّة ، لأن المثقفين الحقيقيين قلّة . أغلبية شعبنا مشغولة بعبده موته وسلسال الدم ومهارشات العوالم والغوازي في برامج التلفزيون والمسلسلات والأفلام ، بالإضافة إلى المعارك الكلامية بين أنصار الأهلي ومشجعي الزمالك، ومقدمي البرامج الرياضية والليلية، ولذلك لا يعرفون مثقفا اسمه عادل النادي ؛ ينتمي إلى مملكة ماسبيرو المتوحشة !.
عرفت عند كتابة هذه السطور أنه قرّر أن يبيع قلبه ليوفّر لعائلته بعض المال يكفيهم مواجهة الحياة فترة من الزمان ، بعد أن عجز عن توفير ثمن العلاج اللازم لنفسه بعد إصابته في حادث مؤلم أقعده وجعله ينفق ما يملكه ، ولم يجد عونا من المملكة المتوحشة التي ينتمي إليها ، ولا من السلطة المسئولة عن رعاياها!.
أعلن عادل عن بيع قلبه السليم لمن يدفع !
والمفارقة أن العروض انهالت عليه من أطباء وتجار أعضاء بشرية ، مع القبول بكل الشروط التي تسبق تسليم القلب وتلحقه، وينهي حياة الإنسان الطيب المهذب ، الذي يظنّ أن التخلص من الحياة بهذه الطريقة الغاضبة والمغضبة لله وملائكته ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والناس أجمعين قد تحل مشكلته ومشكلة أسرته وذويه . غضب أصدقاؤه ومحبّوه وحذّروه قائلين له : لا تفعل ، وتنادوا إلى البحث عن حلّ لمشكلة الرجل الإنسان .
في العقود الماضية شاركت في برنامج عادل النادي ، وحضرت بعض حلقات " مع النقاد "، وعندما تأثرت صحتي ووهنت الحركة وضعفت ، فضلا عن ابتعادي عن القاهرة ، غابت عنّي أخباره ، حتى فوجئت بالخبر الصادم الذي نقله بعض الناس عن الفيس بوك الذي لا أعرف التعامل معه .
عادل كان رجلا محترما ومثالا للخلق الكريم - ولا أزكيه على الله - ويملك فكرا راقيا متحضرا ، وهو ما جعله مختلفا عن سكان المملكة المتوحشة في ماسبيرو ، ولعل هذا هو السبب الذي جعل القوم يهملون علاجه ومساعدته..
لو كان عادل يفهم اللعبة جيدا ، ويعرف الطريق إلى المسئولين وأصحاب القرار في المبنى الحجري المطل على النيل الحزين ، ما وصل إلى ما وصل إليه من إحباط ويأس ورغبة في التخلص من الحياة ..
في الحظيرة الثقافية والإعلامية يلعب الشباب الصغير والكهول الكبار والعجائز الطاعنون لعبة الشقلباظ ، فيحصدون مكاسب متنوعة فضلا عن شيكات وخدمات بلا حصر . ولكن أمثال عادل النادي لا يعرفون هذه اللعبة التي تضم سماسرة وأفاقين ومرتزقة ودجالين وآخرين يتفقون على شيء واحد هو بيع الضمير أو التخلص منه تماما ..
لي صديق صحفي أديب قارب الثمانين وأجرى عملية جراحية في العمود الفقري كانت نتائجها سلبية مؤلمة ، وتردد على عديد من الأطباء الذين أجمعوا على سفره إلى الخارج ، فقررت له السلطة بعد جهد مبلغا لا يفي بتكاليف العلاج والمُرَافق الذي يُعاونه . له قرابة عامين يستصرخ المسئولين من أجل السفر وتخفيف آلامه ، ولكن القوم يضعون في آذانهم طينا وعجينا . كتب كثيرٌ من زملائه الصحفيين والأدباء يناشدون أولي الأمر إنقاذ الرجل ؛ ولكن أحدا لا يصغي ولا يسمع ، ولا أدري هل يواصل الاستصراخ أو ييأس ويحتمل . أوشكت أن أقول له : إن اللعبة تحتاج مهارات معينة أنت لا تملكها ..
المهارات تظهر عندما يمرّ سماسرة الثقافة والأدب والفكر بظروف صحية مشابهة . تنهض المنظومة السلطوية وتتنادى لإنقاذه ، فينقل على الفور إلى أفخم المستشفيات ، وإن لزم الأمر يسافر فورا إلى الخارج بالطائرة .. خذ مثلا : سمسار ثقافة لا يملك من الفكر والثقافة والأدب إلا قشورا ، ولكنه يمتلك قدرة على التسلق والوصول إلى صناع القرار . يحقق المذكور مكاسب مهمة يتاجر بها . مناصب صحفية أو ثقافية ، يروج بها لنفسه في مشرق الوطن العربي ومغربه ، يعرفه أهل السلطة والصولجان الذين يقوم صاحبنا بتلميع بيادتهم وأحذيتهم ليل نهار . يبارك طغيانهم على عباد الله ومذابحهم للأبرياء ، ونهبهم لثروات البلاد وأموالها . يداعب فيهم نرجسيتهم الظامئة للشهرة وحديث الناس ، حين يصيبه المرض تفتح الهواتف الخاصة لينقل إلى أرقى أقسام العلاج ، والعناية والرعاية ، وإن لم يُجْدِ العلاج عندنا ، فالطائرة جاهزة لنقله إلى عاصمة النور أو الضباب أو بلاد ناطحات السحاب ..
هذا منهج قديم ساد منذ الابتلاء بالحكم العسكري في 1952 . كنا نسمع عن نقل العوالم والغوازي والمشخصاتية بالطائرات ، سمعنا في زمن بعيد أن راقصة شهيرة أصيبت بالصداع ، فنقلوها إلى باريس ليعود الاتزان إلى رأسها الثمين ، وكم من مطربة وممثلة وراقصة وممثل وسمسار ثقافة وعراب فكر وكاتب تقارير ومخبر في التعليم والسياسة يحظى برعاية البيادة وكرمها وسخائها في مرضه وعافيته .
في بلاد العالم التي تحترم مواطنيها وتصون كرامتهم يتم علاجهم على نفقة الدولة إذا لم يكونوا قادرين على تكاليف العلاج ، وهناك دول تجعل من يتجاوز الستين محل عنايتها ورعايتها صحيا واجتماعيا وإنسانيا ، ولا أريد الإشارة إلى بلد مثل فنلندا التي قامت مؤخرا بتوزيع أموال غير مشروطة على مواطنيها جميعا لأن الفائض الاقتصادي كبير في خزانتها العامة . هل نقارن ذلك بالوحدات الصحية التي يذهب إليها الفلاح الفقير بحثا عن علاج فيدفع ثمن تذكرة من ثلاثة جنيهات إلى خمسة ، ويدخل إلى طبيب امتياز أو مبتدئ فيكتب له ورقة بها بعض الأدوية ليشتريها من الخارج لأن الوحدة ليس بها أدوية ، بل لا يوجد بها أبسط أنواع الإسعافات الأولية ، بينما السلطة العسكرية الحاكمة نفسها تدفع ما يسمى إعانة تصييف ( قضاء الصيف في الساحل الشمالي أو الشرقي ) لبعض الفئات التي تتقاضى رواتب عالية جدا ، قدْرُ هذه الإعانة ثلاثة شهور تشمل الأساسي وجميع البدلات !.
المفارقة أن هناك مشروع قانون أمام برلمان مرجان يفرض ضريبة عشرة جنيهات على الفقراء والمعدمين وغيرهم من أجل علاج هذه الفئات المحظوظة جدا ، ومع ذلك تسمع أحدهم يقول : ما فيش حد غلبان !.
عزيزي عادل النادي : أثق أن إيمانك وعقلك وفكرك سيبعد هذه الفكرة الدموية البشعة عن ذهنك ، وأن الله سيجعل لك مخرجا طيبا ، يعيدك إلى أحضان الثقافة البانية المضيئة .
الله مولانا . اللهم فرّج كرْب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.