نعيد نشر بعض المقتطفات من كتاب "العصيان المدنى رؤية إسلامية" للمجاهد مجدي احمد حسين رئيس حزب الاستقلال ورئيس تحرير جريدة الشعب والمعتقل حالياً ب"مقبرة العقرب والذي تم نشره عام 2008. العصيان المدنى شعار رائع، وهو مفتاح التغيير فى مصر وعدد كبير من الدول العربية والإسلامية وهو شعار إسلامى، دون أن نرفض أن يكون شعارا للجميع من الراغبين فى التغيير فى مصر، فالشعار الإسلامى لا يعنى أنه يخص المسلمين، وإنما يعنى أنه يعبر عن ضوابط الشريعة الإسلامية، وقواعد العدالة فى الإسلام هى للبشرية جمعاء وليست للمسلمين فحسب، ولكنها بالنسبة للمسلمين التزام عقائدى وليست مجرد التزام سياسى قابل للتقلب. الأنبياء والرسل عبر التاريخ هم قادة ما نسميه الآن عصيانا مدنيا، فهم أصحاب رسالة، وأصحاب الرسالات وأتباعهم يهتمون - فى المقام الأول - بنشر رسالتهم، وهى عملية فكرية وعقلية ووجدانية لا تعرف العنف، هى ما نسميه الآن المعركة حول العقول والأفئدة. وقد كان الطغاة ينزعجون ويعادون الأنبياء لأنهم يكسبون القلوب والعقول، فكان لابد من عزلهم عن الناس بكل الوسائل التى تراوحت بين قتل الأنبياء أنفسهم أو تعذيبهم أو تعذيب كل من يقترب منهم بكل وسائل الإكراه البدنى والمعنوى. وكانت عدة الأنبياء وأتباعهم الصبر والمثابرة والاعتصام بحبل الله والقبض على معتقداتهم وإن كان كالقبض على الجمر. واستعذبوا العذاب والاستشهاد فى سبيل ذلك؛ لأنهم بذلك يتسامون على متطلبات الحياة الحيوانية الغرائزية وينطلقون فى عالم السمو الأخلاقى، وهو ذاته عالم الإصلاح الدنيوى الذى أمر به الله سبحانه وتعالى. فإذا كان هدف المؤمنين الأساس بل الوحيد هو رضاء الله والجنة، فإن ذلك يمر عبر معبر إجبارى هو إصلاح الدنيا والسعى فى هذا الإصلاح والموت دونه. سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام لم يصطدم مع علية قومه بأية وسيلة من وسائل العنف، بل أصر على ارتباطه بأراذل (تسمية الطغاة للمستضعفين المؤمنين) الناس المؤمنين. وقام بتصنيع سفينته التى فصلت فى النهاية بين المعسكرين. ورغم أن معجزة الطوفان انتهت وغيرها من المعجزات إلا أن مبدأ سفينة نوح ما يزال قائما: مبدأ الفرز والمفاصلة والهجر الجميل. وسيدنا هود أرسله ربه إلى عاد فما ذكر القرآن الكريم أية مظاهر للكفاح المسلح، بل هى نفس قصة نوح: مفاصلة وصراع فكرى عقائدى وجدانى، انتهى بريح صرصر عاتية أبادت قوم عاد إلا هودا وصحبه من المؤمنين. وتكرر نفس السيناريو فى قصة صالح وثمود. أما سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام فهل نسميه القائد الأكبر للعصيان المدنى، لا نستطيع أن نسميه إلا بما سماه الله عز وجل به فى محكم كتابه: صديق ونبى وأواه حليم وأمة. ولكن أقصد أن القرآن الكريم فصل هنا تفصيلا أكبر ورأينا تطورا فى وسائل الدعوة للحق. وسنجد مصطلحات ما نسميه الآن العصيان المدنى متواترة فى قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مثلا: )قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبراهيم وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ( (الممتحنة: 4). وأيضا نرى فكرة الاعتزال: )وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا( (مريم: 49). ولكننا نرى تطورا مهما فى قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام فالعصيان السلمى أخذ شكلا أعلى وهو تحطيم الأصنام مع سبق الإصرار والترصد، والمجاهرة بذلك، وليس من خلال عملية فدائية سرية. وبالنسبة للمؤمنين فإن هذه العملية لا تمت إلى منهج العنف؛ لأنها حطمت شيئا لا قيمة له فى الحقيقة، بل إن تحطيمه أكثر نفعا من إبقائه. ومع ذلك فلم يكن المقصود سوى القيام بعملية رمزية عملية تعليمية. كما يقوم المعلم فى حصة دراسية بكسر بيضة فى طبق ليشرح للتلاميذ أشياء حول البياض والصفار وطريقة تكوين الكتكوت! سيدنا إبراهيم عليه السلام قال لهم: سأحطم آلهتكم بعد خروجكم، ولكنهم لم يصدقوه، كيف يجرؤ على ذلك؟! بل هل ستسمح له الآلهة بذلك؟!: )وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ {57} فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ {58} قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ {59} قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم {60} قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ {61} قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إبراهيم {62} قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ {63} فَرَجَعُوا إلى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ {64} ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ {65} قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ {66} أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ {67} قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ {68} قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إبراهيم {69} وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ( (الأنبياء). حاولت مرارا، فى عديد من الندوات، أن أذكر الحضور بمغزى هذه الآيات الكريمة، ولكننى لم أفلح كثيرا، لا لأن أحدا اعترض على الدروس التى استخلصتها منها، ولكن لأن قليلا من الناس عملوا بها حتى بعد تذكيرهم بها!