بات واضحاً أن أيام جواد أو نوري المالكي تعددت الاسماء والشخص واحد في رئاسة الحكومة الرابعة في ظل الاحتلال أوشكت علي الانتهاء، ولن ينفعه ما يبديه من خضوع واستعداد لتنفيذ ما يطلبه الأسياد، فالقرار أتخذ في واشنطن ولم يبق غير اعلانه، وكوندوليزا رايز هيأت له قبل ذهابها الي الكويت للاجتماع مع نظرائها الخليجيين والمصريين والاردنيين، عندما قالت (أن المالكي استنفد الوقت الذي منح له) وفي هذه العبارة دلالات تحقيرية، لو كان لهذا الكائن الذي قصدته إحساس انساني وشعور وطني، لرمي بوجهها المنصب الذي يحتله، وذهب الي حال سبيله. لقد قلنا في مناسبات سابقة ان الامريكان حولوا العراق الي ساحة تجريب، هذه حقيقة لا جدال فيها، وواضح ان الصيغ والأشكال التي نفذوها منذ نيسان (ابريل) 2003 الي اليوم لم تعط ثمارها لصالحهم، فقد جربوا مجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة والحكومة الانتقالية وانتهاء بحكومة المالكي الحالية التي ضاقوا برئيسها قبل ان ينهي عامه الأول، ليس لانه فشل في أداء المهمات الموكولة اليه، وأخفق في تنفيذ التعهدات التي قطعها علي نفسه، بل لأن الأسياد يحبون التغيير مثل سيدات القصور اللواتي يحرصن علي تغيير اثاث وديكور منازلهن بين فترة واخري! وسبق ونشرنا هنا في هذا المكان قبل شهرين تقريباً كلاماً قاله احمد الجلبي في ندوة عقدها لعدد محدود من الصحافيين في لندن، مفاده ان الرئيس الامريكي طلب تغيير ابراهيم الجعفري من رئاسة الحكومة التي كان مرشحاً وحيداً لها واستبداله بشخص آخر، والسبب كما اعلنه الجلبي، ان مزاج بوش لم يكن مرتاحاً لشكل وهيئة الجعفري عندما زار الاخير واشنطن واجتمع بالرئيس في البيت الابيض، وقال الجلبي ايضاً ان الجعفري تمسك بترشحه واصر عليه، عندئذ ذهب موفد امريكي الي النجف وقابل المرجع السيستاني ونقل اليه رغبة الادارة الامريكية بتغيير ابراهيم والأ.. وكانت نتيجة هذا (الا) ان سارع المرجع وطلب من الائتلاف الشيعي ترشيح شخص آخر لرئاسة الحكومة يقبل به الامريكيون، سواء وافق الجعفري او لم يوافق. ورغم ان المالكي يفتقر الي الشخصية الرصينة ولا يملك مؤهلات لتسلم منصب خطير كرئاسة الحكومة، الا انه حاول التميز عن سابقه ورئيس حزبه ابراهيم الجعفري، بالادعاء بانه عربي الاصول والانتماء، في تلميح واضح لا لبس فيه ولا غموض، بان ابراهيم ليس عربياً في اصوله وانتمائه، وتقدم المالكي خطوة اخري في هذا الاتجاه، عندما جاء بالمئات من انصاف الاميين وعينهم مستشارين وموظفين في مكتبه والدوائر الملحقة به، والقصد من ذلك حرصه علي تأمين شعبية له من خلال الموظفين والمستخدمين واسرهم وعشائرهم، وهو الذي لا يعرفه احد حتي في مدينة الهندية (طويريج) التي يزعم انها مسقط رأسه، وتصوروا ان الدائرة الصحافية والاعلامية التابعة لرئيس الحكومة تضم 128 منتسباً ليس من بينهم صحافي او اعلامي محترف، وجميعهم ممن يطلق عليهم في العراق (الكعيبرية) وهم فئة طفيلية، وعندما سعي مستشار المالكي للاعلام المدعو مجيد ياسين خصخصة الدائرة المذكورة في تموز (يوليو) الماضي ونقل مئة منتسب منها الي دوائر اخري، نهره المالكي وانذره بانه سيعيده اي المستشار الي بلده الأصلي اذا حاول التصرف بدون إذنه مرة اخري. والذين عاصروا المالكي ايام اقامته في دمشق وكثير منهم لهم اهتمامات وتوجهات شيعية، يأخذون عليه انه شخص لا طعم له، رغم لونه الطائفي السافر ورائحته المذهبية النفاذة، ويقولون انه امضي في سورية قرابة خمسة عشر عاماً متصلاً لم يتمكن خلال هذه الفترة الطويلة من كسب عشرة اشخاص لحزب الدعوة وهو احد قادته، بل ان الكثيرين من اعضاء الدعوة وكوادرها الذين وفدوا علي سورية من ايران والعراق نفروا من الحزب بسبب تصرفات المالكي، ولم يبق منهم في حي السيدة زينب علي سبيل المثال غير زوج ابنته الذي كان يدير مخبزاً مع ثلاثة عمال، وأربعتهم الان يشغلون مناصب سياسية وأمنية في مكتب رئيس الحكومة، وأولهم وظيفته (المرافق الاقدم) لرئيس الوزراء. وليس صحيحاً ان جواد او نوري المالكي حفيد الشاعر والوزير السابق ابو المحاسن كما زعم في بداية تعيينه بمنصبه الجديد، فقد أصدرت اسرة الشيخ ابو المحاسن التي ينتشر افرادها في كربلاء والحلة وبغداد بياناً مقتضباً شكرت فيه رئيس الوزراء علي التفاتته الكريمة لانه وضع دراسة عن ادب وشاعرية الراحل ابو المحاسن، قال انها اطروحته التي نال بها شهادة الماجستير من جامعة اربيل، ولم يرد في بيان الاسرة اي اشارة الي قرابة هذا الرجل من عميدها، وفهم الناس الأمر علي حقيقته، حتي شهادة الماجستير التي يدعي انه حصل عليها من اربيل مطعون فيها لانه غير حاصل علي شهادتي الاعدادية والجامعية، وهما شهادتان لابد من توافرهما لمن يتقدم لدراسة الماجستير في اي فرع او تخصص. ويتحمل فؤاد معصوم السياسي الكردي مسؤولية وطنية وتربوية واخلاقية جراء منح المالكي شهادة لا يستحقها، علماً بان معصوم نفسه لا يصلح أكاديمياً للإشراف علي اطروحات الماجستير والدكتوراه. ولأن المالكي ضيق الأفق ولا ينظر بعيداً، فقد اوقعه الأمريكان في مهزلة مراسيم تنفيذ الاعدام بالرئيس الراحل صدام حسين، وصوروه بانه صاحب القرار الوحيد والمنفذ الوحيد والمذنب الوحيد، بينما الواقع يقول: ان الامريكان هم من اصدر قرار اعدام صدام وهم من حدد توقيته وموعده، ووظفوا المالكي وشلته لتنفيذه، والغريب ان هذا الرجل الكارتوني صدق نفسه، وتصرف بطريقة (خلف بن امين) وهو شخصية بغدادية مضحكة أيام العهد العثماني، وكأن الناس لا تعرف من هو، ومن أين جاء، ومن جاء به؟! ولاحظوا.. كيف شتم العرب والمسلمين الذين استهجنوا طريقة اعدام الرئيس صدام حسين ونددوا بالهتافات الطائفية التي صاحبت عملية الاعدام، ولكنه سكت علي تصريحات رئيس الحكومة البريطانية توني بلير الذي احتج علي الطريقة ذاتها، وصمت صمت القبور علي سخرية الرئيس بوش منه عندما قال في معرض تعليقه علي الاعدام ان حكومة المالكي ويقصده شخصياً تفتقر الي النضج. وأكثر ما أضحك الناس علي المالكي رغم أجواء الحزن والمحنة التي يعيش تحت وطأتها العراقيون، تلك التصريحات التي أدلت بها مستشارته مريم الريس وهي للعلم ليست من اسرة (الريس) العربية السنية المعروفة، عندما قالت ان القلم الاحمر الذي وقع به المالكي قرار الاعدام يحتفظ به منذ ثلاثين عاماً انتظاراً لهذا اليوم. والسؤال الذي لم تجب عليه الانسة او السيدة المستشارة (لا فرق) أين كان جواد او ابو اسراء او نوري المالكي قبل ثلاثين سنة؟ واذا لم تكن تعرف لانها في ذلك الوقت كانت طفلة تحبو ولا تفهم ما يدور في بيت اهلها، فنحيلها الي دائرة تربية الحلة والعاملين فيها خلال سنوات (1975 1980) لتتعرف علي طبيعة عمل سيدها الحالي، لتجد ان عمله لا يستلزم قلماً وإنما أشياء اخري نعف عن ذكرها. وصحيح ما يقوله الاستاذ حسن العلوي وهو عارض صدام أكثر من ربع قرن ولا يقدر علي المزايدة عليه اشخاص يستخدمون أسماء والقابا مزورة، مثل نصير المهدي وعلوان حسين واحمد هاشم الحسني و(العبد) الحسيني، يجزعون من ذكر اسمائهم الحقيقية لجبنهم، ان من حسن حظ الرئيس الراحل انه شنق بحبل، لان الذين شنقوه لن يجدوا حبالاً عندما يحين اوانهم، وسيعدمون بطرق اخري لا حاجة للحبل فيها، واللبيب من الاشارة يفهم.