استدعت وزارة الخارجية المصرية امس سفراء دول الاتحاد الأوروبي في القاهرة للإعراب عن رفض مصر لقيامهم بإصدار بيان حول التحقيقات الجارية في قضية المواطن خالد سعيد. واعتبرت الحكومة المصرية أن قيام الاتحاد الأوروبي مؤخراً بالتدخل في قضية الشاب سعيد امر مرفوض ولا تسمح به دولة كبيرة مثل مصر. وأعرب السفير حسام زكي المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية عن الأسف تجاه هذا التحرك، وقال إن هذا التحرك يمثل مخالفة صريحة للأعراف الدبلوماسية، وتدخلا غير مقبول في الشأن الداخلي المصري من قبل سفارات أجنبية معتمدة في القاهرة خاصة أن هناك تحقيقا في الحادث يتولاه القضاء المصري الذي يجب على الجميع احترام إجراءاته وأحكامه.
وتشعر قيادات النظام المصري بالتوتر بسبب الاهتمام العالمي بقضية مقتل شاب يقول أهله وجيرانه ان الشرطة قامت بقتله بواسطة إثنين من المخبرين.
وعبر مراقبون عن دهشتهم بسبب حدة الموقف المصري من مجرد تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي للحد الذي يتم فيه استدعاء سفراء دول القارة بأكملهم، واعتبر هؤلاء بأن رياح أيام السادات الأخيرة تسيطر الآن على مصر.
وفي هذا السياق قال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية والقطب البارز في الجمعية المصرية للتغيير، ان "المتأمل لما يجري في مصر الآن يدرك بأن النظام يتصرف على طريقة الرئيس السادات في أيامه الأخيرة حيث العصبية والإنفلات هما معيار التعامل مع الداخل".
وحذر المرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع النظام من غضبة المصريين الذين لم يعد بوسعهم ان يحتملوا مزيدا من الفساد والتزوير والتعذيب مشدداً بأن رهان الحزب الحاكم على صمت الجماهير بات خاسراً.
وفي سياق متصل اتهم أحمد أبوالغيط وزير الخارجية، قوى لم يسمها، بأنها تسعى لدفع مصر للحرب، وقال "إن البعض يريد دفع مصر إلى الحرب لإثبات دورها في المنطقة، وهذا توصيف لما يردده البعض عن تراجع دور مصر الإقليمي"، مؤكدا على أن ما من شيء يحدث في الشرق الأوسط دون مشاركة القاهرة وفعاليتها، نظراً لمكانتها التاريخية في المنطقة.
استبعاد الدخول فى حرب ونفى ابو الغيط تقلص دور مصر او تراجعه معتبراً ان "الذين يروجون لتلك الشائعات مغرضون أو راغبون في توريط مصر في حرب لن تدخلها".
وأكد وزير الخارجية على عدم استعداد مصر للدخول في حرب مع أي طرف شقيق في القارة الأفريقية، خاصة مع دول حوض النيل بعد أزمة التوقيع على اتفاق عنتيبي، معتبرا أن ذلك أمر مرفوض لكن مصر تسعى في نفس الوقت للحفاظ على مصالحها وحقوقها التاريخية في مياه النيل، لأن هناك الكثير من الاتفاقيات التي لا يستطيع أحد أن يخرج منها إلا بالتراضي.
وعن إمكانية نشوب حرب في المنطقة خلال الصيف الحالي قال أبوالغيط في حوار لقناة "روسيا اليوم": "إن المنطقة ليست على أعتاب مواجهة مسلحة بين إسرائيل من جانب، وإيران وسورية ولبنان من جانب آخر، لأن الأمور هادئة"، لكنه حذر من قيام أي طرف باستفزاز الآخر حتى لا تحدث مواجهة مسلحة.
وقد عبر معارضون مصريون عن دهشتهم لتصريحات أبو الغيط بشأن عدم تراجع دور مصر. وقال الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية السابق بأن كل الشواهد تشير ليس فقط إلى تراجع دور مصر بل إلى تقزم مصر وتحولها إلى كيان غير فاعل بالمرة في مختلف الملفات، سواء الفلسطيني او العراقي، اضافة لقضية مياه النيل، معتبراً ما يحدث من صدمة عربية من أفول دور مصر بأن له ما يبرره.
وهو نفس ما أشار إليه النائب حمدي حسن عن الإخوان المسلمين والذي أشار إلى أن النظام الحاكم يتحمل كامل المسئولية عن هذا الغياب حيث أصبح يؤدي أدوارا تطلب منه سلفاً من قبل القوى الكبرى من غير أن يهمه من قريب او بعيد ما آلت إليه البلاد كما لا يهمه مصالح الأشقاء في شيء.
اعتداء بالضرب واستعمال القسوة شهدت الساعات الماضية تطورًا لافتًا في مسار التحقيقات في قضية الشاب خالد سعيد (29 عامًا) تمثل في قرار النيابة أمس بتوقيف أمين ورقيب شرطة بقسم سيدي جابر بالإسكندرية على ذمة التحقيق، بعد أن وجهت لهما تهمة القبض على شخص بدون وجه حق وتعذيبه بدنيًا، فيما ألمح التقرير النهائي للطب الشرعي إلى مسئوليتهما عن وفاته، من خلال الضرب المتكرر على الرأس الذي ربما أدى إلى ابتلاع لفافة البانجو المزعومة، في الوقت الذي استدعت فيه وزارة الخارجية المصرية رؤساء البعثات الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي بالقاهرة احتجاجًا على بيانهم الصادر أمس الأول والذي طالبوا فيه بتحقيق "شفاف وغير منحاز"، معتبرة أن موقفهم يمثل مخالفة للأعراف الدبلوماسية، كما ورد على لسان المتحدث باسم الخارجية.
وقررت النيابة العامة بإشراف المستشار ياسر رفاعي المحامي العام الأول لنيابات استئناف الإسكندرية حبس محمود صلاح محمود أمين شرطة وعوض إسماعيل سليمان رقيب شرطة من أفراد قوة شرطة قسم سيدي جابر بالإسكندرية لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيق، بعد أن وجهت لهما تهمة القبض على شخص بدون وجه حق، وتعذيبه بدنيًا، وذلك في واقعة وفاة الشاب في السادس من يونيو الجاري، على إثر قيامهما بمداهمة مقهى للإنترنت كان يجلس فيه، وتوقيفه دون الحصول على تصريح بذلك، والاعتداء عليه بالضرب المبرح.
غير أن التحقيقات لم توجه إلى أمين ورقيب الشرطة اتهامات بالمسئولية عن وفاته، كما تقول أسرته وشهود عيان، وقالت إنهما ألقيا القبض على سعيد أثناء جلوسه في مقهى إنترنت وكان بحيازته لفافة لمخدر البانجو فقام بابتلاعها ليتعرض لاسفكسيا الاختناق ويلفظ أنفاسه، وقد اقتصر الاتهام الموجهة إليهما على أنهما اعتديا عليه بالضرب واستعملا القسوة معه أثناء اقتياده لديوان القسم.
لا وجود لآثار العنف! في سياق متصل، أعلن الطب الشرعي الأربعاء أن التقرير النهائي لتشريح جثمان خالد سعيد انتهى إلى أن وفاته نتجت عن ابتلاع لفافة بانجو لكنه لم يستبعد احتمال أن تكون اللفافة انزلقت إلى مجرى التنفس نتيجة للضرب المتكرر على الرأس.
وسلم الدكتور السباعي أحمد السباعي رئيس مصلحة الطب الشرعي وكبير الأطباء الشرعيين التقرير النهائي للمستشار ياسر الرفاعي المحامي العام الأول لنيابات استئناف الإسكندرية، حيث قام بالإجابة على تساؤلات بعض المحامين من هيئة الدفاع عن الشاب خالد سعيد.
وأكد أن التقرير النهائي انتهى إلى أن سبب الوفاة يرجع إلى اسفكسيا الاختناق وانسداد المسالك الهوائية بلفافة بلاستيكية تحتوي على نبات مخدر البانجو، حيث منعت اللفافة دخول الأوكسجين للرئتين كونها كانت محشورة في منطقة لسان المزمار والقصبة الهوائية.
وأثبت استحالة وضع تلك اللفافة عنوة من قبل شخص آخر، موضحا أن المتوفى كان سيقوم في تلك الحالة بغلق فمه وأسنانه، لافتا إلى عدم وجود أية آثار عنف حول الفكين والفم تشير إلى وجود محاولة لوضع اللفافة بالقوة.
لكنه أشار إلى أن اللفافة من الممكن أن تنزلق إلى مجرى التنفس من خلال الضرب المتكرر على الرأس، وقال إن الإصابات بوجه المتوفى نتجت عن التعرض للضرب بالأيدي والاصطدام بجسم صلب كالأرض أو الحائط، غير أنه اعتبر أن تلك الإصابات من الإصابات الردية التي لا تؤدي إلى الوفاة.
يذكر أن النائب العام المستشار عبد المجيد محمود قرر انتداب لجنة ثلاثية من الطب الشرعي لإعادة تشريح جثة الشاب إلا أنها انتهت في تقريرها إلى ما خلص إليه التقرير الأول وأثبت في تقريرها أن سبب الوفاة هو اسفكسيا الاختناق، وأن الجثة بها إصابات لكنها لم تكن سببا في الوفاة، إلا أن شكوك منظمات حقوقية أثارت شكوكًا حوله، استنادا إلى إفادات شهود عيان أكدوا أن الشاب لقى حتفه من شدة الضرب.