يعرفُ الجميع «الزومبيز» باعتبارهم الأموات الأحياء الذي عادوا للحياة بوسائل السِّحر الأسود، واكتسب الزومبي زخمًا كبيرًا بعد استخدامهم في أفلام الرعب في هوليوود بدايةً من عام 1968. يشتهر أمر الزومبيز في عبادة الفودو الإفريقية. لكنّ الكثيرين ربما لا يعلمونَ بأمر «زومبي» القائد الإفريقي الشابّ الذي استطاع أن يقوم بثورة حقيقية للعبيد الأفارقة في البرازيل على المستعمر و «السيِّد» البرتغالي، في هذا التقرير تسليط للضوء عليه. لوحة تجارة العبيد لأوغست فرانسوا بيار، عام 1840. كيف بدأت القصة؟ كانت البداية حين بدأ المستَعمِر البرتغالي في جلب «الرقيق» من مُستعمراته والمستعمرات الأوربيَّة الأخرى فيما كان يعرف ب(تجارة العبيد الأفارقة) إلى بلاده أو مستعمراته في أمريكا اللاتينية، في بدايات القرن السادس عشر. وكانت إفريقيا هي المنبع الرئيسي للعبيد بالطبع باعتبارها كانت مستعمرة كبيرة لأوروبا. وصلت أعداد الرقيق الأفارقة أرقامًا مليونية. فقد استُجلب من دولة بنين وحدها ثلاثة ملايين شخص، بينما فاق العبيد في مستعمرة البرازيل (التي كانت تحت حكم المستعمر البرتغالي) النِّصف مليون. بشكلٍ عام وصلت أعداد الرقيق الأفارقة في أمريكا اللاتينية 13 مليون إفريقي. استطاع الأفارقة أن يُعلِّموا «أسيادهم» الكثير من المهارات في الزراعة والهندسة المعمارية، هذه المهارات التي كانت لدى «العبيد الأفارقة» كانت أيضًا أداتهم لمحاربة هذا المستَعمِر المستَعبِد. فقد بدأت بعض التكوينات الإفريقية بالتكوُّن والتشكُّل في البلاد والمستعمرات الجديدة التي جلبهم لها البرتغاليون عبر الهرب إلى الأدغال والغابات وإنشاء مجتماعات خاصة بهم. كانت أول هذه «الأحراش» كما سمَّاها البرتغاليون مُستعمرة باهيا التي كانت قد ضمَّت المئات من الأفارقة من أصول مالية، كان هذا عام 1579. بالطبع لم يكن المستعمر ليسكت على ما يفعله «عبدُه»، فقامت العديد من الحروب بينهما كانت الغلبة في أكثرها للمستعمر الذي كان يمتلك مدفعيةً ثقيلةً وسلاحًا متطوِّرًا. قلعة المينا، بغانا، التي كانت مصنعًا في سلسلة مكونة من حوالي خمسين مصنعًا مُحَصنًا لفرض القوانين التجارية البرتغالية على طول الساحل. المشهد من أمام البحر في عام 1668. إحدى هذه المستعمرات التي أسسها أفارقة مُستعبدون كانت مستعمرة بالماريس التي استطاعت أن يكون لها جيش يدافع عنها، وأن تقود ثورة كبيرة ضد المستعمر، فما هي هذه ال «دولة»؟ ومن قادتها؟ دولة بالماريس والثَّورة الإفريقية في مواجهة المُستعمر البرتغالي تأسس هذا الكيان عام 1605 من مجموع مستوطنات أسَّسها أفارقة جلبهم المستعمر البرتغالي لمستعمرته برازيليا (البرازيل). حسب المعلومات المتاحة وصل عدد سكانها 30 ألفًا معظمهم من السود. استطاعت بالماريس أن تحقق اكتفاءً ذاتيًّا، وفيما بعد تمّ اختيار «جانجا زومبا» كملك لبالماريس من قبل قادة المستوطنات المنطوية تحت لوائها. بقية المستوطنات التِّسع التي حكمها جانجا زومبا تحت لواء بالماريس كانت تُحكم من قبل إخوته وأبنائه وابن أخته القائد الشجاع زومبي وأخيه. لورحة: رقصة الحرب في بالماريس، يوهان موريتز 1825. «لا يمتلك العالم الآن أية وثائق لهذه الدولة التي قاومت البرتغاليين، فقد فُقدت جميع وثائقهم وكتب تاريخهم البرتغاليون أنفسهم! ». أحد التحليلات التاريخية تقول إن زومبا كان ابن لابنة ملك الكونغو الذي قاد معركة كبيرة ضد البرتغاليين لكنه انهزم بالنهاية. بالجملة كان مواطنو بالماريس من أنغولاوالكونغو. انتهت حياة زومبا بيد أتباعه حين قبل اتفاقية قدَّمها قائد البرتغاليين له بعد المناوشات الدائمة بينهما. فما هي الاتفاقية؟ وكيف برز «زومبي»؟! معاهدة الصُّلح وظهور القائد الشابّ «زومبي» بعد الصراع الطويل بين زومبا والبرتغاليين؛ عرض الحاكم البرتغالي «بيدرو ألميدا» على زومبا معاهدة صلح مع بالماريس تقضي بإعطاء البرتغاليين الحرية لجميع «العبيد» الهاربين إذا أعلنت بالماريس انضواءها تحت السلطة البرتغالية، وافق زومبا، لكنّ القائد الشاب «زومبي» لم يوافق على الاتفاقية التي رأى أنها مجحفةً لهم. إضافةً إلى أنه لم يكن يأمن جانب البرتغاليين. وربما اعترض على الاتفاقية لأنَّها تعطي الحرية لمواطني بالماريس بينما يظلّ بقية الأفارقة عبيدًا في مستعمرات البرتغال. رفض زومبي المعاهدة تمامًا وأعلن انقلابًا على خالهِ زومبا، وفقًا للمُتاح من المعلومات فإن زومبا قد تمّ تسميمهُ بعد ذلك، وقاد زومبي المعارك ضدّ البرتغاليين، منذ عام 1978 وحتى سقوط بالماريس تمامًا في أيدي البرتغاليين عام 1694. وأصيب زومبي إصابةً في إحدى قدميه أثناء المعارك الأخيرة. ورغمًا عن ذلك أكمل ثورته على المستعمر البرتغالي بعد سقوط بالماريس، إلا أنهم استطاعوا أن يعثروا على مخبأه بسبب خيانة أحد أتباعه؛ ساومُوه على حياتِهِ مُقابل أن يدلَّهم على مكان مخبأ زومبي. بعد القبض على زومبي تمّ قتله على الفور في 20 نوفمبر 1695 وتم قطع رأسه وعرضها في إحدى المدن الكبرى تخويفًا لأي قائد أو «عبد» يفكِّر في الثَّورة على «الأسياد» البرتغال. تمثال القائد الشاب زومبي. «وفقًا لبعض التحليلات التاريخية فقد قطعت رأس زومبي وأعضاؤه التناسلية ومثَّلوا بجثته قبل عرضها على الجمهور. كما تمّ بيع الأسرى الذين تمّ أسرهم في الهجوم في أقصى شمال البرازيل حتى لا يتجمَّع رفاق السلاح من جديد. كما تمّ القضاء على الناجين الذين فرُّوا من بالماريس عام 1713. واستمرت الإبادة لكل من كان منتميًا لها لفترة كبيرة من الوقت». في عام 1960 بدأ الاحتفال بيوم الوعي الأفرو – برازيلي، كان يتم الاحتفال به يوم 13 مايو وهو تاريخ إلغاء العبودية في البرازيل، ولكنّ البرازيليين ذوي الأصل الإفريقي طلبوا أن يكون الاحتفال بهذا اليوم في يوم إعدام القائد زومبي 20 نوفمبر من كل عام. أصبح زومبي بطلًا للحركة السياسية للأفرو – برازيليين بينما تعتبره البرازيل بطلًا قوميًّا لها حارب العبودية والمستعمر ونالَ في مقابل ذلك تمجيدًا لا يزال قائمًا له حتى اليوم بعد أن دفع حياته نظير الحرية. هل كانت هذه هي الثورة الوحيدة؟ لا، لم تكن ثورة «زومبي» هي الثورة الوحيدة، ولا مستوطنة بالماريس هي الوحيدة، فقد استطاع المسلمون الأفارقة أن يؤسسوا مُستعمرة باهيا التي ضمت الكثير من العبيد ذوي الأصول المالية (نسبةً إلى دولة مالي) كانت بداية هذه المستعمرة عام 1579. وقد قامت الكثير من المناوشات بين باهيا والبرتغال، كُللت بثورة عارمة بدأت عام1835، لكنّ المستعمر استطاع أن يخمدها تمامًا. ويمكن للباحثين الاهتمام بهذا الملفّ كثيرًا، من حيث تأثيرات العبيد على الدول التي جُلبوا إليها في الزراعة والمعمار والعادات والتقاليد، ومن حيث نضالهم الدائم والمستمرّ ضد المستعمر ونحو الحرية.