تناولت بالتحليل "أوبن ديمقراسي" أهم اتجاهات تهيمن على وسائل الإعلام المصرية، وأنها تتبنى وجهة نظر قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسى. فكتب المجلة ، حسب "تقرير"، "وسائل الإعلام المصرية محصورة في شبكة من التحيّزات. هناك سبعة اتجاهات هيمنت على المشهد الإعلامي في البلاد على مدى العامين الماضيين. كان من الواضح تمامًا أن وسائل الإعلام المملوكة للدولة أو القطاع الخاص محصورة في شبكة من التحيّزات، تتبنى وجهة نظر عبد الفتاح السيسي ونظامه لتتورط بذلك في مشاكل أخلاقية ومهنية. وعلاوة على ذلك، وصل اعتقال الصحفيين على الصعيد الوطني إلى مستوى قياسي لأسباب متعلقة بالتقارير الصحفية. في مثل هذا المناخ من التحيز الجنوني، من المهم دائمًا مراقبة الاتجاهات التي هيمنت على المشهد الإعلامي في البلاد على مدى العامين الماضيين، وأبرزها خلال السنة الأولى من "استيلاء" السيسي للسُلطة. الفضائح الجنسية وأعمال السحر والشعوذة في وقت سابق من هذا العام قال رئيس تحرير صحيفة التحرير، إبراهيم منصور، إنّ الحكومة تعطي تعليمات مباشرة إلى وسائل الإعلام من أجل “تغطية الفضائح الجنسية وقضايا سخيفة أخرى” لصرف انتباه الشعب عن السياسة. وجاء تصريح منصور بعد أسابيع قليلة من اعتقال 26 رجلًا خلال مداهمة مذاعة عبر شاشات التلفاز لحمّام عام بمحافظة القاهرة. لم يكن التوثيق المتلفز لهذه المداهمة ممكنًا من دون بلاغ سابق، لأنه تم بث صور لرجال نصف عراة أثناء القبض عليهم. تقدم الإعلامية، منى العراقي، التي غطت الحادث، برنامجًا تليفزيونيًا مواليًا للحكومة على قناة القاهرة والناس. ومن قبيل الصدفة، تم رفض قضايا “الاعتياد على ممارسة الفجور” المرفوعة ضد هؤلاء الرجال في وقت لاحق. ومن المفارقات أنّ هذه الإعلامية نفسها، التي اكتشفت “أكبر وكر للشذوذ الجنسي في قلب القاهرة،” نشرت تغريدة قبل بضعة أيام تدعم حقوق المثليين. وبطريقة مماثلة، في منتصف عام 2014، طردت المذيعة ريهام سعيد، ضيفها الملحد من البرنامج على الهواء للتعبير عن آراء تشكك في الإسلام. وفي العام نفسه، في محاولة يائسة من ريهام سعيد لرفع نسب المشاهدة، جلبت مجموعة من الأطفال الذين “مسهم الجن” على شاشات التلفزيون في محاولة لتناول التفاصيل الدقيقة لتوأم يتحول إلى قطط في الليل. صور الجرافيك من الواضح أن اختيار الصور كان دائمًا معضلة أخلاقية للصحفيين في جميع أنحاء العالم. بعبارة أخرى، من غير الأخلاقي نشر الصور المثيرة المؤلمة للقتلى والجرحى. وفي ضوء ذلك وفي خضم “الحرب على الإرهاب” في مصر، لجأت بعض وسائل الإعلام المحلية إلى إعادة نشر الصور الصادرة عن الجيش، التي تصور جثث المسلّحين الذين قُتلوا في سيناء على الجنود المصريين. انحازت صحيفة اليوم السابع، والبوابة والوطن وغيرهم، إلى جانب الحكومة وركّزت تغطيتها الصحفية على تمجيد جنود الجيش وتوثيق انتصارهم. وقد تكرر هذا التوجه أكثر من مرة خلال العامين الماضيين من الاشتباكات الملتهبة في سيناء. مصادر غير موثوق بها لا أحد يستطيع أن ينكر تصاعد هذا الاتجاه في وسائل الإعلام ارتفاع، خاصة في عصر الصحافة الإلكترونية، والاعتماد على أخبار مصدرها صحفيين آخرين. ومع ذلك، فقد ظهرت كل عيوب وأخطاء هذا الاتجاه في وسائل الإعلام المحلية في مصر، لاسيما خلال غارات القصف ضد داعش في ليبيا انتقامًا لذبح الأقباط المصريين على يد جماعة محلية لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا. الكاتبة والصحفية الكويتية، فجر السعيد، نشرت تغريدة مثيرة للجدل عن هجمات القوات الجوية المصرية في ليبيا، وهي حالة نماذجية للاعتماد على مصادر غير مؤكدة. بعد دقة بعض تنبؤاتها، أصبحت مصدرًا موثوقًا به ومعتمدًا لوسائل الإعلام المحلية. وكونها وسيطة للحصول على معلومات سرية، بعد الضربات الجوية استمرت في نشر تغريدات تكشف عن تفاصيل العمليات العسكرية المصرية المزعومة ضد داعش في ليبيا. اعتمدت وسائل الإعلام المصرية على تغريدات فجر السعيد واستخدمتها كما لو كانت مصادر من المتحدث العسكري. جريدة الوطن، والفجر، واليوم السابع والدستور، والصحف المصرية الأخرى، نسخت تغريداتها حرفيًا ونشرتها. مهاجمة وسائل الإعلام الأجنبية بعد فض قوات الأمن للاعتصامات الموالية لمرسي في أغسطس عام 2013، أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية بيانًا باللغة الإنجليزية لوسائل الإعلام الأجنبية تنتقد بشدة تغطيتهم للأحداث. وانتقد البيان المراسلين الأجانب بسبب الابتعاد عن “الموضوعية” و “الحياد”، وخاصة وصفهم للإطاحة بمرسي بأنها انقلاب عسكري وليست تعبيرًا عن الإرادة الشعبية. ونتيجة لذلك، تبنت وسائل الإعلام المحلية وجهات نظر الحكومة. وتكرر الاتجاه نفسه قبل بضعة أيام عندما هاجم مسلّحون مرتبطون بتنظيم داعش الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء. وقال المتحدث باسم الجيش، العميد محمد سمير، في مقابلة مع صحيفة الأهرام المملوكة للدولة، إنّ الجيش “كان يقاتل في حربين”: ضد المسلحين ووسائل الإعلام”. وذكرت وكالة أسوشيتد برس وغيرها من وكالات الأنباء الأجنبية أنّ 64 جنديًا مصريًا قُتلوا، في حين قال الجيش إنّ العدد وصل إلى 17 فقط. ونتيجة لذلك، انتقد العميد سمير الوكالات الأجنبية ووسائل الإعلام الأخرى بسبب محاولة إحباط معنويات الناس من خلال المبالغة في تقدير عدد الجنود القتلى. وللأسف، وقفت العديد من وسائل الإعلام المحلية مع الحكومة وشنّت هجومًا متعمدًا ضد وكالات أجنبية في محاولة لتقليل مصداقية وموثوقية هذا الأخير. والأمر المثير للسخرية هو أنّ صحيفة الوطن نشرت مقالًا بعنوان ” 5 أخطاء مهنية وقعت بها الصحف الأجنبية في تغطية “أحداث سيناء”. الوقوف مع الدولة في عهد الرئيس "المخلوع" حسني مبارك، تم تقسيم الصحفيين إلى معسكرين، إما مع الرئيس أو مع المعارضة، ولكن اليوم معظم الصحفيين يقفون إلى جانب الحكومة العسكرية. نشرت صحيفة الجارديان مقالًا سلّط الضوء على عدد من مقدمي البرامج التليفزيونية والصحفيين الذين يعملون الآن كأبواق للحكومة. من بينهم أحمد موسى، أحد مقدمي البرامج الأكثر شهرة في البلاد، والذي أعرب عن دعمه غير المشروط للجيش و"السيسى" وأعلن: ” “سأقول أي شيء يأمرني الجيش أن أقوله، بدافع حبي واحترامي للمؤسسة العسكرية”. وبالمثل، قال الإعلامي محمود سعد: “لا ينبغي أن نتحدث عن الجيش أبدًا. يجب أن ندعهم يقررون ما يسمحون لنا بقوله ومتى نقوله، فنحن لا نعلم ما سيضر الأمن القومي”. وعلاوة على ذلك، في مقابلة مع مجلة سبعة أيام قال الإعلامي المصري وائل الإبراشي: “إنه من غير المناسب استخدام مصطلح الموضوعية في الوقت الحاضر، البلد في حالة حرب ضد الإرهاب ونحن لا يمكن أن نكون غير منحازين. يجب علينا جميعا الوقوف مع بلدنا حتى يسود السلام والاستقرار مرة أخرى”. وبالنظر إلى أن هناك تعتيمًا إعلاميًا، إلى جانب زيادة عدد الأميين الذين يشكلون 40% من إجمالي السكان في مصر، بات مقدمو البرامج الحوارية يشكّلون الرأي العام الآن. أباطرة الإعلام والرقابة الذاتية في أعقاب ثورة 25 يناير، استفادت العديد من الصحف الخاصة، وقنوات التلفزيون والمواقع الإخبارية من أجواء الفوضى التي أصابت البلاد في ذلك الوقت. هذه المنافذ غرست شعورًا زائفًا عن حرية الإعلام. ومع ذلك، مازالت وسائل الإعلام المصرية بعيدة كل البعد عن الحرية. ويتم تمويل هذه المنابر الإعلامية الجديدة من قِبل نفس رجال الأعمال الموالين للنظام. ولتوضيح ذلك، اختفى كل من يسري فودة وريم ماجد من على شاشات بعد وقت قصير من "الاطاحة" بمرسي في عام 2013. ومع ذلك، نفى نجيب ساويرس مالك قناة ONTV، تلقيه أي تعليمات من السُلطات لوقف برنامج ريم ماجد، ويزعم أن السبب كان نقص التمويل من الإعلانات. كما توقف برنامج المذيع التلفزيوني حافظ الميرازي والإعلامي الساخر باسم يوسف. وألغت قناة CBC برنامج باسم يوسف في نوفمبر عام 2013، على الرغم من أنّ برنامجه يحقق أعلى نسبة مشاهدة في العالم العربي. الحد من حرية الصحافة واجه الصحفيون حملات قمع لم يسبق له أي مثيل على مدى العامين الماضيين، وخاصة خلال السنة الأولى من حُكم السيسي. أصدرت لجنة حماية الصحفيين في نيويورك تقريرًا يذكر أن هناك 18 صحفيًا قيد الاعتقال، وهو أكبر عدد من الصحفيين المعتقلين منذ أن بدأت اللجنة تدوين السجلات في عام 1990. ويتم اتهام معظم هؤلاء الصحفيين بانتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين. وكانت القضية الأبرز هي قضية الصحفيين الثلاثة الذين يعملون في قناة الجزيرة: بيتر غرسته، وهو مواطن أسترالي، ومحمد عادل فهمي الذي يحمل الجنسيتين المصرية والكندية، وباهر محمد، مصري الجنسية. تم إلقاء القبض عليهم في أواخر عام 2013 بتهمة “نشر أخبار كاذبة، ومساعدة جماعة الإخوان المسلمين المحظورة”. بعد أن أمضيا أكثر من عام في السجن، تم إطلاق سراح فهمي ومحمد بكفالة. بعد ما يقرب من أسبوعين من ترحيل زميلهم الأسترالي. وضعت مؤسسة فريدوم هاوس مصر في المركز 73 من أصل 100 في تصنيف حرية الصحافة لعام 2015، مقارنة بالمركز 68 في عام 2014 و62 في عام 2013. وبالرغم من أنّ الرقابة الرسمية كانت إحدى الأدوات التي استخدمتها الحكومة بشكل صارخ، لكن في مايو الماضي تم إغلاق جريدة الوطن لفترة وجيزة بسبب نشرها لمقال صحفي يهاجم السيسي. تم تغيير العنوان الرئيس على الصفحة الأولى من “7 أقوى من السيسي” إلى ” 7 أقوى من الإصلاح”، كما تم حظر نشر مقال رأي كتبه مدير تحرير الصحيفة، علاء الغطريفى، وسُمح للصحيفة بالنشر ولكن بعد أن تم تعديل العنوان وحذف مقال الرأي. على الجانب الآخر، وبالرغم من أن الدستور المصري لعام 2014 يتضمن العديد من الأحكام الإيجابية المتعلقة بحرية التعبير والحصول على المعلومات ووسائل الإعلام بشكل عام، لكن لا تزال هناك مواد يمكن استخدامها لوضع الصحفيين وراء القضبان. قوانين الصحافة وقوانين العقوبات ستصل إلى ذروتها عندما يتم الموافقة على القانون الجديد لمكافحة الإرهاب الذي سيجعل نشر الأخبار التي تعارض السردية الرسمية للأحداث في القضايا المتعلقة بالإرهاب جريمة يعاقب عليها بالسجن. نحن نأمل في أن تعزز وسائل الإعلام المصرية قيم الحقيقة والموضوعية والدقة، والمساءلة، إلى جانب استقلال وحرية التعبير.