كتب ميخائيل جورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السوفياتى، مقالا يحذر فيه الأمريكيين من مواجهة الفشل الذريع فى أفغانستان، وطالب جورباتشوف الغرب بالاتعاظ مما حدث للاتحاد السوفياتى إبان عدوانه على أفغانستان نهاية السبعينيات من القرن الماضى. ونبه آخر رئيس لإمبراطورية السوفيتية التى انهارت على ايدى المجاهدين الأفغان، الغرب كافة وامريكا خاصة بعدم جدوى العمليات العسكرية فى أفغانستان نظرا لاختلاف مسارح العمليات فيها عن تلك التى يعرفها ويعتاد العمل فيها الجندى الغربى، وكذلك لطبيعة التكوين السكانى المتدين والقبلى فى أفغانستان.
وإلى المقال: أفغانستان في اضطراب، مع تزايد التوترات وموت الناس كل يوم. والكثير من هؤلاء، ومنهم نساء وأطفال ومسنون، لا صلة لهم بالإرهابيين ولا المسلحين. والحكومة تفقد سيطرتها على أراضيها.. من بين المحافظات الأربع والثلاثين، تسيطر طالبان على اثنتي عشرة محافظة. وإنتاج وتصدير المخدرات في تزايد. وهناك خطر حقيقي يتمثل في زعزعة الاستقرار التي تمتد إلى الدول المجاورة، بما فيها جمهوريات وسط آسيا وباكستان.
إن ما بدأ بعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، على أنه رد عسكري ملائم ظاهريا يهدف إلى استئصال شأفة الإرهاب يمكن أن ينتهي به المطاف فشلا استراتيجيا ذريعا. إننا بحاجة لأن نفهم لماذا يحدث هذا وما الذي مازال بالإمكان عمله لتغيير وضع شبه كارثي.
والمؤتمر الأخير في لندن، والذي حضره ممثلون من دول كثيرة ومنظمات دولية، هو خطوة أولى في الاتجاه الصحيح. وبعد الإعدادات الحثيثة، تبنى الموفدون إلى اجتماع لندن قرارات يمكن أن تساعد على تغيير الأمور – ولكن فقط في حالة إن تم تقييم تجربة العقود الثلاثة الماضية وتعلم الدروس منها.
في عام 1979، أرسلت القيادة السوفييتية قوات إلى أفغانستان، مبررة هذه الخطوة ليس بمجرد الرغبة في مساعدة العناصر الصديقة هناك ولكن أيضا بالحاجة إلى إرساء الاستقرار في بلد مجاور. وقد تمثل أكبر خطأ في الفشل في فهم تعقيد أفغانستان – ذلك الخليط من المجموعات العرقية والقبائل والجماعات، والتقاليد المتفردة ونظام الحكم الضعيف. وكانت النتيجة هي عكس ما كنا نصبو إليه: اضطراب أكبر، وحرب تمخضت عن الآلاف من الضحايا والعواقب الخطيرة لبلادنا نحن السوفييت. وكان على رأس تلك العواقب أن واصل الغرب، وبصفة خاصة الولاياتالمتحدة، تأجيج النيران في جذوة الحرب الباردة؛ كما أنه ظل – أي الغرب - مستعدا لدعم أي أحد ضد الاتحاد السوفييتي، غير مفكر في العواقب بعيدة المدى المحتملة.
وكجزء من البريسترويكا في منصف ثمانينيات القرن الماضي، استخلصت القيادة السوفييتية الجديدة النتائج من مشكلاتنا في أفغانستان. ومن ثم قمنا باتخاذ قرارين حاسمين. الأول، وضعنا هدف سحب قواتنا. والثاني، عزمنا على العمل مع كل أطراف الصراع ومع الحكومات ذات الصلة بالأمر من أجل تحقيق المصالحة القومية في أفغانستان وتحويلها إلى بلد مسالم محايد لا يمثل تهديدا لأحد.
وأنا أتذكر هذه الأحداث مازلت أؤمن أنه كان مسارا ملائما ومسئولا ذا اتجاهين.
إنني على يقين أننا لو كنا نجحنا نجاحا تاما، لكنا قد تجنبنا العديد من المشكلات والمصائب. لم تكن سياستنا الجديدة مجرد إعلان أو بيان؛ فخلال فترة تقلدي رئاسة الاتحاد السوفييتي، كنا نعمل بجد وإخلاص من أجل تنفيذ هذه السياسة. ولكي ننجح كنا بحاجة إلى تعاون مخلص ومسؤول من كل الجوانب. كانت الحكومة الأفغانية مستعدة للتوصل إلى حل وسط وقطعت أكثر من نصف الطريق من أجل تحقيق المصالحة. وفي عدد من المناطق بدأت الأمور في التحسن.
ومع ذلك، قامت كل من باكستان، وخاصة كبار عسكرييها، والولاياتالمتحدة بإغلاق الطرق المؤدية إلى التقدم. لقد كانوا يريدون شيئا واحدا: انسحاب القوات السوفييتية، والتي كانوا يعتقدون أنها ستترك لهم السيطرة الكاملة. وبحرمان حكومة الرئيس الأفغاني محمد نجيب الله من أقل الدعم، لعب بوريس يلتسين لصالحهم دون أن يشعر عندما تقلد الرئاسة.
خلال تسعينيات القرن الماضي، بدا العالم غير مبال بأفغانستان. وفي ذلك العقد، سقطت الحكومة الأفغانية في يد طالبان، التي حولت أفغانستان إلى مأوى للأصوليين الإسلاميين وحاضنة للإرهاب. وكان الحادي عشر من سبتمبر إيقاظا قاسيا لقادة الغرب. وحتى في ذلك الوقت، رغم ذلك، اتخذ الغرب قرارا لم يكن مدروسا بعناية ومن ثم ثبت فشله.
بعد إسقاط طالبان، ظنت الولاياتالمتحدة أن النصر العسكري، الذي تم تحقيقه بتكاليف قليلة، كان نهائيا وأنه حل بشكل جوهري المشكلة طويلة المدى. لقد كان النجاح المبدئي هو ربما أحد الأسباب التي جعلت الأمريكيين يتوقعون "نزهة" بسيطة في العراق، متخذين خطوة قاتلة في استراتيجية عسكرية هناك أيضا. وفي تلك الأثناء، قاموا ببناء واجهة ديمقراطية زائفة في أفغانستان، تقوم بحراستها قوة المساعدة الأمنية الدولية - أي قوات الناتو. وكان حلف الناتو يسعى بشكل متزايد إلى الاضطلاع بدور الشرطي العالمي. أما الباقي فقد أصبح من التاريخ. لقد ظهر أن المسار العسكري في أفغانستان أصبح غير قابل للحياة. ولم يكن هذا سرا؛ فحتى السفير الأمريكي نفسه، في برقيات تم الكشف عنها مؤخرا، قال ذلك.
سُئلت مرات عديدة في الشهور الأخيرة عما يمكن أن أنصح به الرئيس أوباما، الذي ورث هذه الفوضى عن سلفه. وكانت إجابتي هي نفس الإجابة في كل مرة: الحل السياسي وسحب القوات. وهذا يتطلب استراتيجية مصالحة قومية. والآن، وبعد طول انتظار، تم التوصل في لندن إلى استراتيجية مشابهة بشكل كبير لتلك التي عرضناها منذ أكثر من عقدين من الزمان والتي رفضها آباؤنا: المصالحة، وضم كل العناصر المسئولة، قلت أو كثرت، في المصالحة، والتأكيد على حل سياسي وليس عسكريا.
قال مبعوث الأممالمتحدة إلى أفغانستان في مقابلة مؤخرا إن ما نحتاجه هو نزع الصفة العسكرية عن كامل الاستراتيجية في أفغانستان. يا له من عار أن ذلك لم يتم قوله ولا فعله منذ وقت طويل! إن فرص النجاح – النجاح وليس "النصر" العسكري – هي في أحسن الأحوال 50%. لقد كانت هناك بعض الاتصالات مع بعض العناصر من طالبان. غير أن المزيد مازال مطلوبا لضم إيران إلى العملية؛ ومازال الكثير من العمل الجاد مطلوبا كذلك مع الباكستانيين.
ويمكن لروسيا أن تصبح جزء مهما من عملية استقرار أفغانستان. ويجب على الغرب تقدير الدور الذي يضطلع به قادة روسيا تجاه أفغانستان. وبعيدا عن الشماتة وترك الغرب يتجرع مرارة الأمر الواقع بينما نقوم بغسل أيدينا من القضية برمتها، فإن روسيا مستعدة للتعاون مع الغرب لأنها تفهم أنه من مصلحتها مواجهة التهديدات القادمة من أفغانستان. وروسيا محقة في أن تسأل لماذا، أثناء سنوات الوجود العسكري للولايات المتحدة والناتو في أفغانستان، لم يتم عمل شيء لوقف إنتاج المخدرات التي تتدفق كميات ضخمة منها إلى روسيا عبر حدود جيرانها النفاذة. كما أن روسيا محقة أيضا في أن تطلب الوصول إلى الفرص الاقتصادية في أفغانستان، بما فيها إعادة إعمار عشرات المشروعات التي تم بناؤها بمساعدتنا ثم تم تدميرها في تسعينيات القرن الماضي. إن روسيا هي جارة أفغانستان، ويجب أخذ مصالحها في الحسبان. والمنطق يبدو بديهيا، ولكن في بعض الأحيان يكون التذكير مطلوبا.
وأود أن يبزغ فجر يوم جديد في أفغانستان التي طالت معاناتها، وأن يجد الملايين من شعبها بصيصا من الأمل. إن الفرصة سانحة هناك، ولكن الحاجة ماسة إلى الكثير لاغتنامها: الواقعية، والمثابرة، وأخيرا وليس آخرا، الأمانة في التعلم من الأخطاء التي اقتُرفت في الماضي، والقدرة على العمل في ضوء هذه المعرفة.
أفغانستان جورباتشوف .. أم أفغانستان أوباما ونشر الموقع الرسمى لطالبان مقالا آخر لمراسل فضائية الجزيرة فى أفغانستان، أحمد موفق زيدان، يحمل نفس المعنى قال فيه:
كتب مولانا جلال الدين الرومي 1207-1273 يقول :" العظمة تأتي من أفغانستان، لتؤثر على العالم كله."وتواضع بعده الشاعر الإسلامي محمد إقبال يقول:" أفغانستان بالنسبة لآسيا كالقلب فإن صلح صلحت آسيا وإن مرض وفسد مرضت وفسدت آسيا " ما يجري الآن على الصعيد الغربي واجتماعات ومؤتمرات لندن واسطنبول وميونيخ يعكس حقيقة واحدة أن الخط البياني للقوى الاحتلالية وصل إلى أدنى مستوى له، وأن هذه القوى بدأت تمهد الطريق لهزيمتها التي قال عنها آخر رئيس سوفياتي ميخائيل جورباتشوف في مقال له نشره في الهيرالد تريبيون يوم الخامس من الشهر الجاري، بأنه في حال حصول فشل أمام " الإرهاب" فهذا يعني أن فشلا استراتيجيا عظيما وقع في العالم ..
ينبغي أن نتذكر تماما أنه أواسط الثمانينيات ومع وصول غورباتشوف إلى السلطة اتخذ نفس الخطوات التي يتخذها باراك أوباما الآن ولنتذكر جميعا الخطوة الأولى تمثلت في إعلان المصالحة الوطنية والدعوة إلى مؤتمر لويا جركا وهو مجلس أفغاني موسع بزعامة نجيب الله الشيوعي وهو ما استنسخه الآن حامد كارزاي، مع التأكيد على فصل الطالبان عن القاعدة، وهو ما كرره حينها النظام الشيوعي الذي كان يؤكد على أن المشكلة في شرذمة من الوهابيين العرب الرافضين التصالح والتفاوض وهو ما يتم الآن تماما مع تغييرالأسماء من وهابيين عرب بزعامة عبد الله عزام عليه رحمة الله إلى قاعدة بزعامة أسامة بن لادن ...
والأمر الثاني الذي فعله غورباتشوف واستنسخه أوباما أيضا رفع عدد القوات السوفياتية في أفغانستان والتحضير لهجوم جاجي وبكتيا ومشاركة قوات السبيتناز السوفييت الخاصة في المعارك التي رمى السوفييت من ورائها تطبيق نصيحة الجنرال الأميركي في فيتنام " أعلن انتصارك ثم انسحب" لكن يبدو أن الجغرافيا مختلفة تماما، والآن في الوقت الذي يتحدث أوباما عن المصالحة وإدماج طالبان أو معتدليها حسب تعبيراتهم،يؤكد الأميركيون على إرسال ثلاثين ألف جندي والتحضير لمعارك لكن ليس في جاجي وبكتيا كما فعل السوفييت وإنما في هلمند التي غدت شوكة مؤلمة في الخاصرة الأميركية حيث جردت حتى واشنطن أكثر من أربع عشرة حملة عسكرية عليها دون أن تقضي على المقاومة فيها..
بقي أن نقول أن الطرف الآخر من المجاهدين الأفغان رفضوا تلك العروض وظلوا يقاتلون حتى سقط النظام الشيوعي بغض النظر عما حصل آنئذ لظروفه الخاصة به ولعل لها مكان آخر للحديث عنها ولكن باختصار لم تكن هناك قيادة موحدة للمجاهدين كما هو الحال اليوم.