«المركبات»: إنتاج أول مدرعة مصرية «التمساح 1» كان نقلة نوعية للقوات المسلحة    باسم الجمل: من يملك قوت يومه يملك قراره.. ومشاريع قومية ضخمة لتأمين المخزون الاستراتيجي    اللواء محمد عبد الفتاح: الصناعات الدفاعية المصرية وصلت للاكتفاء الذاتي    موقف صلاح من المرشحين لجائزة لاعب الشهر بالدوري الإنجليزي    أحمد محمود يحصد ذهبية بطولة أبطال الجمهورية في الووشو كونغ فو    حبس شخص وسيدة بتهمة ممارسة الأعمال المنافية للآداب بالجيزة    «آيشواريا راي» بإطلالة ساحرة في افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025 | صور وفيديو    مراسلة إكسترا نيوز: اشتعال المنافسة في الإسكندرية بين 16 مرشحا على 3 مقاعد    الأقصر تشهد أضخم احتفالية لتكريم 1500 حافظ لكتاب الله بجنوب الصعيد    الوطنية للانتخابات: تسليم الحصر العددي لمن يطلب من المرشحين أو الوكلاء وليس للمندوب    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    بعد غد.. فصل التيار الكهربائي عن مناطق وقرى بالرياض في كفر الشيخ لمدة 5 ساعات    الإدارية العليا تتلقى 298 طعناً على نتائج المرحلة الثانية من انتخابات النواب    البورصة تسجل قفزة في سوق الصفقات بقيادة شارم والخليج الإنجليزية    ننشر الجدول الزمنى للإجراءات الانتخابية بالدوائر الملغاة بانتخابات النواب    سوريا ضد قطر.. التعادل السلبي ينهى الشوط الأول بكأس العرب 2025    تحولات الدور التركى فى الساحل الإفريقى    دار الإفتاء: البشعة ممارسة محرمة شرعا ومنافية لمقاصد الشريعة    محافظ قنا ل إكسترا نيوز: غرفة عمليات لمتابعة الانتخابات على مدار الساعة    فوز قطاع الطب الوقائى والصحة العامة بالمركز الأول بجائزة التميز الحكومي العربى    حفل جوائز التميز الصحفى الإثنين |تكريم «الأخبار» عن تغطية افتتاح المتحف الكبير    هنو يكرم خالد جلال «صانع النجوم»    توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين وزارة الخارجية ومحافظة كفرالشيخ لإتاحة خدمات التصديقات داخل المحافظة| صور    بانوراما مصغرة ل«المتحف المصري الكبير» بإحدى مدارس كفر الزيات    الأزهر للفتوى يوضح: اللجوء إلى البشعة لإثبات الاتهام أو نفيه ممارسة جاهلية    خالد الجندي يكشف الحكمة من تناثر القصص القرآني داخل السور وعدم جمعها في موضع واحد(فيديو)    تغيير ملاعب مباريات الأهلي والزمالك في كأس عاصمة مصر    محافظ الدقهلية يقدم العزاء في وفاة الحاجة «سبيلة» بميت العامل بمركز أجا| صور    جولة تفقدية لوكيل صحة القليوبية بمراكز شبين القناطر الطبية ويوجه برفع كفاءة الأداء    دير شبيجل: ماكرون حذر زيلينسكي وميرتس من خيانة أمريكية    إجراءات التقديم لامتحان الشهادة الإعدادية 2026    بيان من نادي كهرباء الإسماعيلية بسبب الشائعات بين المرشحين على مواقع التواصل    ياسمين الخيام تكشف التفاصيل الكاملة لوصية والدها بشأن أعمال الخير    الكرملين: الهند شريك رئيسي لروسيا.. والعلاقات بين البلدين متعددة الأوجه    وفاة معلم أثناء طابور الصباح في القاهرة    تحويلات مرورية في القاهرة.. تعرف عليها    نائب رئيس الوزراء: القيادة السياسية تضع الملف الصحي على رأس الأولويات الوطنية    «التجاري الدولي» يحصد جائزة بنك العام في مصر من مؤسسة The Banker    السفيرة الأمريكية بالقاهرة: نسعى لدعم وتوسيع الشراكة الاستراتيجية مع مصر    كرة طائرة - تواجد الصفقات الجديدة وغياب مريم مصطفى في قائمة سيدات الزمالك بمونديال الأندية    ثقافة الغربية تناقش كتابات نجيب محفوظ احتفالا بذكرى ميلاده    العمل" تُوفر 10 وظائف للشباب في" الصناعات البلاستيكية الدقيقة بالجيزة    الداخلية تضبط شخصا يوزع أموالا على الناخبين بطهطا    الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل ياسر أبو شباب على يد مسلحين فى غزة    لجان لفحص شكوى أهالي قرية بالشرقية من وجود تماسيح    في غياب الدوليين.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة إنبي بكأس العاصمة    رئيس الوزراء يصدر 10 قرارات جديدة اليوم    غدا.. متحف نجيب محفوظ يطلق ورشة السينما والأدب احتفالا بذكرى ميلاده ال114    أبو الغيط: جائزة التميز الحكومي رافعة أساسية للتطوير وتحسين جودة حياة المواطن العربي    الطقس غدا.. تغيرات مفاجئة وتحذير من شبورة كثيفة وأمطار ونشاط رياح وأتربة    ضبط شخص بحوزته عددا من بطاقات الرقم القومي للناخبين في قنا    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    «الأوقاف»: تعديل القيمة الايجارية لأملاك الوقف    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية    الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية    استقرار أسعار الذهب اليوم الخميس.. والجنيه يسجل 45440 جنيهًا    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المُخْبِتُونَ يَعْبُدونَ اللَّهَ بِصَمْتٍ
نشر في الشعب يوم 29 - 06 - 2015

يبدأ هذا الجزء منَ القرآن الكريم ، منْ الآية [ 6 ] من سورة هود [ 93 ] ، وحتى الآية [ 52 ] من سورة يوسف ، وممّا ورَد فيه :
( أَخْبَتُوا إلى رَبِّهِمْ )[ هود 23 ] :
المُخْبِتُونَ : هُمُ الذينَ يَعْبُدونَ اللَّهَ بِصَمْتٍ وَبِتَواضُعٍ كَامِلٍ، دونَ اعتِراضٍ وَلَوْ بالنَفْسِ : ( وَبَشِّرِ المُخْبِتينَ الذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلوبُهُمْ والصَابرينَ على مَا أصابهُمْ والمُقيميْ الصَلاةَ ومِمّا رزقْناهُمْ يُنفقونَ )[ الحج 24 / 25 ] ، ( إنَّ الذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَالِحَاتِ وَ أَخْبَتُوا إلى رَبِّهِمْ أولَئِكَ أَصْحَابُ الجنّةِ )[ هود 23 ] ، وَ هُمْ أهْلُ العلْم حصراً : ( وَ لِيَعْلَمَ الذينَ أوتُوا العِلْمَ أنّهُ الحَقّ مِنْ ربّهِمْ فَتُخْبِتَ لهُ قُلُوبُهُمْ )[ الحج 54] .
(واصْنَعِ الفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَ وَحْيِنَا)[هود 37] :
( وَ أُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنْه لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَ اصْنَعِ الفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْني فِي الذينَ ظَلَمُوا إنَّهُمْ مُغْرَقُونَ )[ هود 36 / 37 ] ، كلمة (مُغْرَقُونَ ) : جاءت بصيغَةِ اسْم المفعول ، أيْ أنَّ الغَرَقَ حَاصِلٌ لَهُمْ لاَ مَحَالَة ، لِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ : سَيَغْرَقُون.
كانَتْ سَفينَةُ نُوحٍ عليه السلامُ ، سَفينَةً مُتواضِعَةً في مُواصَفاتِهَا ، بَناهَا شَخْصٌ واحِدٌ هُوَ نُوحٌ : ( فَأَوْحَيْنَا إلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الفُلْكَ )[ المؤمنون 27 ] ، ( وَاصْنَعِ الفُلْكَ بأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا )[ هود 37 ] ، (وَ يَصْنَعِ الفُلْكَ )[ هود 38 ] ، فَقَدْ كانَتْ سَفينَةً صَغيرَةً مِنْ نَوْعِ الفُلْكِ: (فأَنْجَيْنَاهُ وَالذينَ مَعَهُ في الفُلْكِ )[ الأعراف 64]، ( فأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ في الفُلْكِ )[ الشعراء 119] ، وَقَدْ كانَتْ عِبارَةً عَنْ ألْواحٍ خَشَبيَّةٍ مَشْدُودَةٍ لِبَعْضِهَا بالحِبَالِ، [ لَمْ تُسْتَخْدَمْ فيهَا مَسَاميرُ الحَديدِ ] : (وَحَمَلْنَاهُ عَلى ذَاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ) [القمر 13 ] ، الدِسَارُ هوَ : حَبْلُ السفينَةِ، وَ سَفينَةٌ بِهَذِهِ المُواصَفاتِ ، لاَ يُمْكِنُهَا أَنْ تَحْمِلَ مِنْ جَميعِ أَصْنافِ الحَيوانَاتِ وَ الطيورِ وَ الحَشَراتِ الموجُودَةِ عَلى الأَرْضِ ، زَوْجَيْنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ، إذْ لاَ يُمْكِنُ لأَيِّ سَفينَةٍ ، حَتّى مِنْ سُفُنِ الوَقْتِ الحَاضِرِ العِمْلاقَةِ ، أَنْ تَحْمِلَ كُلَّ هَذا العَدَدِ الهائِلِ مِنَ المخْلوقاتِ [ فَأصْنافُ الحَشَراتِ وَ الطيورِ مَثَلاً تَزيدُ عَلى مئَاتِ الآلافِ مِنَ الأنْواعِ ] ، هَذا عَدا عَنْ تأمينِ المَنَاخِ المُلاَئِمِ داخِلَ السَفينَةِ لِكُلِّ نَوعٍ عَلى حِدَة [ الدَبُّ القُطْبيُّ مَثَلاً يَحْتاجُ لِمناخٍ بَارِدٍ جِداً ] ، نَاهيكَ عَنْ تَأمينِ الغِذاءِ المَطْلوبِ لِكُلِّ نَوْعٍ ، عَدا عَنْ تَأمينِ الحِمايَةِ اللاَّزِمَةِ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الأَنْواعِ الأُخْرى ، [ مِثْلَ حِمايَةِ الغَنَمِ مِنَ الذِئْبِ ، وَ الفأْرِ مِنَ الهِرِّ ] ، ثُمَّ إنَّ جَمْعَ وَ إمْساكَ كُلِّ مَخْلوقاتِ الأَرْضِ ، أمْرٌ مَسْتحيلٌ ، خَاصّةً الحَيواناتُ الخَطِرَةُ ، هَذا إذا تَجَاوَزْنا مَوْضوعَ الذهَابِ إلى مَواطِنِهَا الأَصْليَّةِ [ الكنْغَرُ مَثَلاً في اسْتراليا ] ، كُلُّ هَذا إذا فَرَضْنا جَدَلاً أنَّ نُوحَاً عليهِ السلام يَمْتَلِكُ جَداوِلَ إحْصائيَّةٍ ضَخْمةٍ ، فيهَا تَصْنيفٌ لِكُلِّ أنْواعِ المَخْلوقاتِ مَعَ صُوَرِهَا [ للتَعَرُّفِ عَليْهَا ] لِعَدَمِ نِسْيانِ نَوْعٍ مِنَ الأَنْواعِ ، كُلُّ هَذا يَدُلُّنَا بِشَكْلٍ واضِحٍ عَلى أنَّ الأَزْواجَ التي حَمَلَها نُوحٌ في سَفينَتِهِ المُتواضِعَةِ : ( فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ )[ المؤمنون 27 ] ، كانَتْ أزْواجُ الأنْعَامِ الثَمانيَةِ اللازِمَةِ لَهُ وَمَنْ مَعَهُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الطُوفانِ ، وَالوارِدَةُ بقَوْلِهِ تعالى : ( وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْواجٍ )[ الزمر 6 ] ، (ثَمَانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ المَعِزِ اثْنَيْنِ 000 وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ )[ الأنعام 143 ] .
(إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [هود 46]:
أنَّ عَمليّةَ التَنْقِيَةِ قَدْ شَمَلَتْ أُسْرَةَ نوحٍ بالذاتِ ، فَقَدْ تَمّ القَضَاءُ عَلى امْرأتِهِ وَأحَدِ أبْنائِهِ : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذينَ كَفَروا امْرَأتَ نُوحٍ )[ التحريم 10 ] ، (وَ نَادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إنَّ ابْني مِنْ أَهْلي 000 قَالَ يَا نُوحُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ )[ هود 45 / 46 ] ، نلاحظ أن الله سبحانه قد قال لنوح : ( إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) وهذا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِعِبادِهِ ، أنّهُ لمْ يَقُلْ لِنوحٍ : [ إنّ ابْنَكَ كَافِرٌ ] ، لِمَا لِهَذِهِ العِبارَة مِنْ أثَرٍ بالِغٍ في نَفْسِ نَبيّ مِثْلَ نوح ، وَ مِنْ رَحْمَتِهِ تعالى بِعِبادِهِ أنَّهُ لَمْ يُغْرِقْ ابنَ نوحٍ أمَامَ عَيْنِ والِدِهِ ، بَلْ أَغْرَقَهُ بَعيداً عَنْهُ : ( وَ حَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ فَكَانَ مِنَ المُغْرَقينَ )[ هود 43 ] ، وَ هَذِهِ التَنْقيَةُ كانَتْ ضَروريَّةً في سُلالَةِ نوحٍ بالذاتِ ، حَيْثُ بَقِيَتْ سُلالَتُهُ آخِرَ الأمْرِ : ( وَ جَعَلْنَا ذُريَّتَهُ هُمُ البَاقينَ )[ الصافات 77 ] .
( نَاقَةَ اللّه )[ هود 64 ] :
ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلْنَاسِ نَاقَةَ النبي صَالِح عليه السلام ، وَ بِمَا أَنَّهَا [ نَاقَةَ اللّهِ ] ، لِذَا يَجِبُ أَنْ تُتْرَكَ وَ شَأْنَهَا تَسْرَحُ في الطَبيعَةِ ، دُونَ أَنْ يُؤْذِيَهَا أَحَدٌ : (وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَروهَا تَأْكُلُ في أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَريبٌ )[ هود 64 ] ، وَ جَميْعُ المَخْلُوقَاتِ الأُخْرى ، مِثْلَ العَصَافيْرِ وَ الطُيُورِ وَ حَتّى المَخْلُوقَاتِ البَرِيَّةِ مِثْلَ الدِبَبَةُ وَ النُمُورِ وَحَيَوانَاتِ [ السِيْركِ ] .... ، أَلَيْسَتْ مَخْلُوقَاتُ اللّهِ ؟ ؟ ! ، فَلِمَاذَا نَسْجُنُها في الأقْفَاصِ ثُمَّ نَتَفَرَّجُ عَلَيْهَا ذَلِيْلَةً حَزِيْنَةً ، بِبِرودَةِ أَعْصَابٍ خَالِيَةٍ مِنْ أيِّ إحْسَاسٍ بِمَشَاعِرِهَا ، أَلَيْسَتْ أُمَمَاً مِثْلنَا : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيْرُ بِجَنَاحَيْهِ إلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ )[ الأنعام 38 ] ، وَاللّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الذي تَكَفَّلَ بِتَرْبِيَتِها وَ رِعَايَتِها : (وَمَا مِنْ دابَّةٍ إلاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِها إنَّ رَبّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقيم) [ هود 56 ]، كَمَا تَكَفَّلَ المَوْلى بِإطْعَامِهَا جَميْعَاً: (وَمَا مِنْ دابَّةٍ في الأَرْضِ إلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا)[ هود 6 ] ، بَعْدَ كُلِّ هَذَا الإِيْضَاحِ مِنَ المَوْلى ، ماَ زِلْنَا نَقْتُلُ وَ نَسْجُنُ وَ نُعَذّبُ مَخْلُوقَاتِ اللّهِ، فَكَيْفَ نَرْتَاحُ لِمَنْظَرِ العِصَافيرِ في القَفَصِ ! ، ألَيْسَ مَكانَها الطبيعيّ عَلى الأشْجَارِ ، لِمَاذَا تَهْرُبُ مِنَّا الطُيُورُ ، وَ قَدْ ذَكَرَ لَنَا المَوْلى سُبْحَانَهُ مِثَالاً رائِعَاً عَنْ دَاوودَ عليْهِ السلام وَشِدَّةِ رِفْقِهِ بالطُيُورِ، بِحَيْثُ كَانَتْ تَأْتي إلَيْهِ مُسْرِعَةً: (وَالطَيْرَ مَحْشُورةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ )[ ص 19 ] .
المُؤْتَفِكَةَ: المُنْقَلِبَةَ رأساً على عَقبْ
(يُجَادِلُنَا في قَوْمِ لُوطٍ )[ هود 74 ] :
قوم لوط عليه السلام ، هُمُ الذينَ سَكَنوا في قَرْيَةِ [ سَدُومْ ] ، التي تَقَعُ حَالياً تَحْتَ جَنُوبِ البَحْرِ المَيِّتِ بِفِلَسْطينَ، وَقَدِ ابْتَكَروا للمَرَّةِ الأُولى اللّواطَةَ [ نِسْبَةً لِقَوْمِ لُوْطْ ] وَهِيَ مُعَاشَرَةُ الذُكُورِ جِنْسيّاً دُونَ الإنَاثِ : (وَلُوطَاً إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ العَالَمينَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِسَاء بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ )[ الأعراف 81 ] ، (وَلُوطَاً إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا من أَحَدٍ مِنَ العَالَمين إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِجَالَ )[ العنكبوت 28 ] (أتَأْتُونَ الذُكْرانَ مِنَ العَالَمينَ )[ الشعراء 165] ، وَمَارَسُوا اللُّواطَةَ عَلَناً في ناديهِمْ : (وَتَأْتونَ في نَاديكُمُ المُنْكَرَ )[ العنكبوت 29 ] ، لِذَلِكَ أهْلَكَهُمُ اللَّهُ بعِقابٍ مُتَمَيَّزٍ في شِدَّتِهِ وَقَسْوَتِهِ، إذْ قَلَبَ قَرْيَتَهُمْ رَأْسَاً عَلى عَقِبٍ : (وَالمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى)[ النجم 53 ] ، المُؤْتَفِكَةَ : المُنْقَلِبَةَ رأساً على عَقبْ وهي قَريَةُ سَدوم ، ثُمَّ أَحْرَقَ الجُثَثَ بِحِجَارَةٍ حَارِقَةٍ مِنَ السَمَاءِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ غَطَّى المَنْطِقَةَ بِمِياهٍ شَديدَةِ المُلُوحَةِ [البَحْرُ المَيِّتُ ] ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ إصَابَتِهِمْ بأمْراضٍ مُعْدِيَةٍ حتَّى بَعْدَ الوَفاةِ، وَلَمْ تَنْفَعْ شَفاعَةُ إبْراهيمَ عليه السلام لَهُمْ، فَقَدْ عاشُوا عَلى زَمَنِ إبراهيمَ حَوالي 1700 قَبْلَ الميلاَدِ: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبْراهِيمَ الرَوْعُ وَجَاءَتْهُ البُشرى يُجَادِلُنَا في قَوْمِ لُوطٍ ... يَا إبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذا إنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إنَّهُمْ آتيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدودٍ ... فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ)[ هود 74 ] ، ( فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ) [ الحجر 76 ] ، ( وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ المُنْذَرينَ )[ الشعراء 173 ][ النمل 58 ] ، (القَرْيَةِ التي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السُوءِ )[ الفرقان 40 ] ، وَكَانَ عليه السلام مُبْغِضَاً أَشَدَّ البُغْضِ لِمَا كَانَ يَقُومُ بِهِ قَوْمُهُ مِنْ مُعَاشَرَةٍ الذُكُورِ جِنْسيَّاً تارِكينَ مُعَاشَرَةَ النِسَاءِ: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المُرْسَلِينَ إذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلاَ تَتَّقُونَ 000 أَتَأْتُونَ الذُكْرانَ مِنَ العَالَمِينَ وَتَذَرونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادون ... قَالَ إنَّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ القَالينَ )[ الشعراء 160 ] ، القَالينَ : المُبْغِضينَ أشدَّ البُغْضِ ، وَكَانَتْ سَدُومُ تَقَعُ عَلى طَريقِ القَوافِلِ الدائم الحركة : (وَ إنَّهَا لَبِسَبيلٍ مُقِيْمٍ )[ الحِجْر 76 ] ، فَكَانُوا يَقْطَعُونَ الطَريقَ وَ يُمَارِسُونَ الجِنْسَ مَعَ ذُكُورِ القَوافِلِ: (وَتَقْطَعُونَ السَبيلَ )[ العنكبوت 29 ] .
(بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ)[ هود 86] :
أيْ : مَا أَبْقَاهُ اللهُ لَكُمْ مِنَ الحَلاَلِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الأُمُورِ التي حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ، وَجَمْعُها باقِياتُ: (وَالبَاقِيَاتُ الصَالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ )[ الكهف 46 ][ مريم 76 ] ، (مِنَ القُرونِ مِنْ قبْلِكُمْ أُولوا بَقِيَّةٍ يَنْهَونَ عَنِ الفَسَادِ في الأرْضِ )[ هود 116] .
(أَحْسَنَ القَصَصِ)[يوسف 3] :
تُعْتَبَرُ سُورَةُ يُوسُفَ عليه السلام التي هِيَ أَحْسُنُ القَصَصِ : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ )[ يوسف 3 ] ، فَهي السُورَةُ الوحيدةُ مِنْ بَيْنِ كُلِّ سُوَر القرآنِ الكَريمِ التي اقْتَصَرَتْ عَلى قِصَّةِ يوسُفَ عليه السلام ، وَهيَ القِصَّةُ الوحيدَةُ المُجْتَمِعَةُ في مَوْقَعٍ واحِدٍ، فَأَيُّ سُورَةٍ أُخْرى تَحْمِلُ اسْمَ نَبِيٍّ لَمْ تَنْفَرِدْ بالحديثِ عَنْ ذَلِكَ النَبيِّ وَهِيَ شَامِلَةٌ لِكُلِّ جَوَانِبِ الحَيَاةِ ، وَتَعْتَمِدُ أَصْلاً عَلى رُؤيَا نَبيٍّ هُوَ يوسُفُ وَتَدُورُ أَحْدَاثُهَا في القَرْنِ 17 قَبْلَ الميلاَدِ، كَمَا نُلاَحِظُ أَنَّ شَخْصِيَّةَ يوسُفَ تَشُعُّ بِمَعَانٍ عَديدَةٍ يَنْفَرِدُ بِهَا يوسُفُ مِنْ حَيْثُ :
جَمَالُ هَذِهِ الشَخْصِيَّةِ : ففي الحَديثِ الشَريفِ أَنَّهُ أُوتيَ شَطْرَ [ نِصْفَ ] الحُسْنِ ، وَ رُبَّمَا ورِثَ هَذا الجمَالَ عَنْ زَوْجَةِ إبراهيمَ سَارةُ التي هِيَ أُمُّ جَدّتِهِ : ( فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قطَّعْنَ أَيْدِيَهُنّ وَ قُلْنَ حَاشَى لِلَّهِ مَا هَذا بَشَراً إنْ هَذا إلاَّ مَلَكٌ كَريمٌ )[ يوسف 31 ] ، وَ لَمّا أعْطى اللهُ هَذا الجمَال إلى يوسُفَ ابتَلاهُ بالرِقِّ والعُبوديَّةِ : (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً 000 وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدودَةٍ وَكَانوا فيهِ مِنَ الزاهِدينَ )[ يوسف 19 / 20 ] ، ويبقى الجمالُ مَحبوباً بينَ الناسِ .
ثَبَاتُ هَذِهِ الشَخْصيَّةِ : فَقَدْ كانَ طوالَ حَيَاتهِ مِنَ المُحْسِنينَ ، وفي الحديث الشريف الإحسانُ : [ أن تعبُد الله كأنّكَ تراه ][ رواه البخاري برقم 50] ، فَقَبْلَ السِجْنِ : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْمَاً وَكَذَلِكَ نَجْزي المُحْسِنينَ )[ يوسف 22 ] ، ثُمَّ في السِجْنِ : حَيْثُ يَقُولُ لَهُ صَاحبَيْ السِجْنِ : ( إنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنينَ )[ يوسف 36 ] ، وَ عِنْدَمَا أَصْبَحَ عَزيزَ مِصْرَ حَيْثُ يَقُولُ لَهُ إخْوتُهُ أيْضَاً : ( إنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنينَ )[ يوسف 78 ] ، كَمَا كَانَ مِنَ الصَادِقينَ : ( وَ هُوَ مِنَ الصَادِقينَ)[ يوسف 27 ] ، وَ لَمْ يَقُلْ : صَادِقَاً ، وَلكِنْ قَالَ : مِنَ الصَادقينَ.
صَبْرُ هَذِهِ الشَخْصيَّةِ : ( قَالَ ربّ السِجْنُ أَحَبُّ إليَّ مِمَّا يَدْعُونَني إلَيْهِ )[ يوسف 33 ] ، ثُمّ رَفضَهُ الخُروجَ مِنَ السِجنِ بَعْدَ سَنواتٍ مِنَ السِجْنِ الانْفِراديّ: ( فَلَبِثَ فِي السِجْنِ بِضْعَ سِنينَ )[ يوسف 42 ] ، وَفي ذَلِكَ يَقُولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : [000 وَ لَوْ لَبِثْتُ في السِجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفَ لأَجَبْتُ الدَاعي ][ رواه مسلم في الإيْمان، والبخاري في الأنبياء عن أبي هريرة رضي الله عنه ] .
تَوَكُّلُ هَذِهِ الشَخْصيَّةِ عَلى اللَّهِ : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إبْراهِيمَ وَإسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلى النَاسِ ) [ يوسف 38 ] .
انْتِصَارُ هَذِهِ الشَخْصيَّةِ عَلى غَريزَةِ الجِنْسِ : (وَرَاودتْهُ التي هُوَ في بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلّقَت الأَبْوابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ )[ يوسف 23 ]، وَانتصَارهَا عَلى حِقْدِ الإخْوَةِ : ( قَالَ لاَ تَثْريبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الراحِمِين َ)[ يوسف 92 ] ، لذلك يجبُ دراسة شَخصيّة يوسف منَ النواحي [ النفسيّة ] ، فعندما اتّهمه أخوتُهُ بالسرقة وأمَامَ حَاشيته : (قالوا: إنْ يَسْرقْ فقدْ سَرَقَ أخٌ لهُ مِنْ قَبْلُ )[ يوسف 77 ] ، ولكنّ يوسُفَ عليه السلام لمْ يبدُ حتّى على ملامحه أيّ آثار: ( فأسَرّها يوسُفُ في نفسه ولمْ يُبْدِها لهُمْ )[ يوسف 77 ] ، وأخيراً انتصَارُ هذه الشخصيّة عَلى نَزْغِ الشَيْطانِ : (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَيْطَانُ بَيْني وَ بَيْنَ إخْوَتي)[ يوسف 100 ] .
وَ تُعْطي سُورَةُ يُوسُفَ تَوْثيقاً تَاريخياً مهمّاً في التَاريخِ المصْرِيِّ، حَيْثُ نُلاَحِظُ أَنَّ السُورَةَ لَمْ تَذْكُرْ كَلِمَةَ فِرْعَوْنَ ، بَلْ ذَكَرَتْ كَلِمَةَ : الملِكِ : (وَقَالَ المَلِكُ إنّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ )[ يوسف 43 ] ، فَفي فترةِ [ 1615 1560 ] قَبْلَ الميلاَدِ ، دَخَلَ العَمَالِقَةُ الهكْسُوسُ إلى مِصْرَ وَحَكَمُوهَا خِلاَلَ تِلْكَ الفَتْرَةِ ، وَالحَاكِمُ الهِكْسُوسِيُّ يُدْعَى الملِكُ وَلَيْسَ فِرْعَوْنُ ، وَفي تِلْكَ الفَتْرَةِ دَخَلَ يُوسُفُ وَإخْوَتُهُ إلى مِصْرَ ، وَفي عَامِ 1560 قَبْلَ الميلاَدِ قَامَ الفِرْعَوْنُ [ إحْموسْ الأَوَّلُ ] بِطَرْدِ الهِكْسُوسِ مِنْ مِصْرَ، وَأعَادَ حُكْمَ الفَرَاعِنَةِ .
(وَقَالَ نِسْوَةٌ )[ يوسف 30 ] :
مِنَ المواضيعِ اللُّغَويَّةِ المُلْفِتَةِ للنَظَرِ في سُورَةِ يَوسُفَ مَا وَرَدَ في الآيةِ : (وَ قَالَ نِسْوَةٌ )[ يوسف 30 ] ، فَكَلِمَةُ : [ قالَ ] هِيَ لِلمُذَكَّرِ ، بَيْنَمَا القَائِلُونَ هُمْ نِسْوَةٌ ، فَلِمَاذا لَمْ يَقُلْ : ( وَقَالَتْ نِسْوَةٌ ) ، وَ السَبَبُ هُوَ : أَنَّ القُرآنَ حِينمَا يَسْتَخْدِمُ الفِعْلَ بِصيغَةِ المُذَكَّرِ بينمَا الفاعِلُ مُؤَنَّثٌ، فإنّه يَدُلُّ عَلى [ قِلَّةِ ] عَدَدِ الفَاعِلينَ ، فَعَدَدُ النِسْوَةِ اللَّواتي تَحَدَّثْنَ كَانَ عَدَداً قَليلاً، وَلَيْسَ كُلُّ نِسَاءِ المدينَةِ وَإلاَّ لأَصْبَحَتْ فَضيحَةً لامْرَأَةِ العَزيز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.