تنسيق الجامعات 2025.. ننشر جدول أماكن أداء اختبارات القدرات لطلاب الثانوية العامة    انتخابات مجلس الشيوخ.. تلقي 10 طلبات ترشيح على المقاعد الفردي بالبحيرة    لطلاب الشهادة الإعدادية.. خطوات التقديم لمدارس التعليم والتدريب المزدوج 2026    بسبب تقلبات سعر صرف الدولار…أسعار الذهب تواصل التراجع فى السوق المحلى    رد حماس ايجابى وترامب يرحب…قوات الاحتلال تواصل حرب الإبادة فى غزة قبل الاتفاق على وقف إطلاق النار    رئيس الوزراء يتوجه إلى البرازيل للمشاركة في النسخة ال17 لقمة مجموعة "بريكس"    بحضور ثنائي الهلال ونجوم ليفربول.. جنازة ديوجو جوتا لاعب ليفربول في البرتغال (صور)    مصرع واصابة شخصين في حادث تصادم سيارتين بطريق المنصورة - سمنود    رئيس جامعة دمياط يستقبل ممدوح محمد الدماطي وزير الآثار الأسبق    فينيسيوس وبيلينجهام مهددان بالغياب عن الريال فى نصف نهائى مونديال الأندية    طقس شديد الحرارة نهارا معتدلا ليلا فى كفر الشيخ    باريس سان جيرمان يتحدى بايرن ميونخ فى نهائى مبكر بمونديال الأندية.. فيديو    ترامب يعبر عن رغبته في مساعدة أوكرانيا في مجال الدفاع الجوي    خبير تكنولوجي يحذر من هلاوس الذكاء الاصطناعي    تنسيق الجامعات 2025.. ما هي رسوم التقدم لحجز اختبارات القدرات؟    أول قرار من يانيك فيريرا مع الزمالك.. تأجيل انطلاق فترة الإعداد 24 ساعة    عقيلة صالح يشيد بدور الرئيس السيسي في دعم وحدة ليبيا واستقرار مؤسساتها الوطنية    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عناتا وضاحية السلام شمال القدس ويخرب منازل المواطنين    إصابة 3 أشخاص في حريق مصنع أقمشة بالعاشر من رمضان    موعد نتيجة الدبلومات الفنية 2025.. التعليم تكشف تفاصيل المراجعة والتجميع المركزي للدرجات    لهيب النيران.. مصرع شاب في حريق شقة بالخلفاوي والنيابة تحقق    حادثة تهز تونس.. زوج يقتلع عيني زوجته للحصول على كنز.. اعرف التفاصيل    فيضانات تكساس تتسبب في فقدان 23 طفلة بمعسكر صيفي.. وعائلاتهن تنشر صورهن وتناشد بالدعاء    فيلم "المشروع X" يتراجع ويحتل المركز الثاني في دور العرض السينمائية    الليلة بالسامر.. عرض "العائلة الحزينة" في مهرجان فرق الأقاليم المسرحية    تبدأ من العلمين وتنتهي بالسعودية.. تامر عاشور يستعد ل3 حفلات خلال أغسطس المقبل    محمود الطحاوى: يوم عاشوراء من النفحات العظيمة وصيامه يكفر ذنوب السنة الماضية    10 فوائد مذهلة لطبق العاشوراء    مصر تشارك ب 10 كوادر طبية في برامج تدريبية بالصين لتنمية المهارات    معهد القلب يجرى زراعة 12 صماما رئويا بالقسطرة التداخلية العلاجية خلال 6 أشهر    فلومينينسي يحرم الهلال من 21 مليون دولار    منتخب شابات الطائرة يستعد لمواجهة كرواتيا بعد الانتصار على تايلاند في كأس العالم    جهاز المشروعات يتعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية لدعم مشروعات المرأة المصرية    الجار قبل الدار    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 4 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    وزير الري: جار إعداد منصة رقمية لمتابعة صيانة وتطهير المساقي الخصوصية    وزيرة التنمية المحلية: صوتك مسموع تتلقى 139.8 ألف شكوى وتحل 98.5% منها    "الرعاية الصحية" يتابع مستجدات التحول الرقمى بمنشآت الهيئة فى محافظات المرحلة الأولى    أسعار الدواجن والبيض بأسواق مطروح اليوم السبت 5 يوليو 2025    البابا تواضروس يكشف عن لقاء "مخيف" مع مرسي وسر تصريحاته "الخطيرة" في 2013    هل حضر الزعيم عادل إمام حفل زفاف حفيده؟ (صورة)    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    علاء مبارك يعلق علي دعوة إثيوبيا لمصر بحضور حفل افتتاح سد النهضة    اليوم.. نظر محاكمة 37 متهما بخلية التجمع الإرهابية    تفاصيل تعديلات قانون أعضاء المهن الطبية قبل مناقشته بالنواب.. إدراج أخصائي تكنولوجيا العلوم الصحية.. وضم خريجي هذه الكليات    في هذا الموعد.. نجوى كريم تحيي حفلًا غنائيًا في عمان    عبدالله السعيد يهنئ أبنة بهذه المناسبة (صور)    لويس إنريكي: لا نفكر في الانتقام من بايرن ميونيخ بكأس العالم للأندية    بعد مكاسب تتجاوز 60 دولار.. ننشر اسعار الذهب في بداية اليوم السبت 5 يوليو    تشيلسي يتقدم على بالميراس بهدف بالمر في شوط أول مثير بمونديال الأندية    ترامب: قد يتم التوصل لاتفاق بشأن غزة الأسبوع المقبل    أمير صلاح الدين عن مرضه النادر: الدكتور قال لي لو عطست هتتشل ومش هينفع تتجوز (فيديو)    اليوم عاشوراء.. صيامه سنة نبوية تكفّر ذنوب عام مضى    «إيه كمية التطبيل ده!».. رسائل نارية من أحمد حسن بسبب مدحت شلبي    دعاء يوم عاشوراء مكتوب ومستجاب.. أفضل 10 أدعية لمحو الذنوب وقضاء الحاجه (رددها الآن)    4 أبراج «أثرهم بيفضل باقي»: متفردون قليلون الكلام ولا يرضون بالواقع كما هو    اليوم| نظر دعوى عدم دستورية مواد قانون السب والقذف    ما هي السنن النبوية والأعمال المستحب فعلها يوم عاشوراء؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المُخْبِتُونَ يَعْبُدونَ اللَّهَ بِصَمْتٍ
نشر في الشعب يوم 29 - 06 - 2015

يبدأ هذا الجزء منَ القرآن الكريم ، منْ الآية [ 6 ] من سورة هود [ 93 ] ، وحتى الآية [ 52 ] من سورة يوسف ، وممّا ورَد فيه :
( أَخْبَتُوا إلى رَبِّهِمْ )[ هود 23 ] :
المُخْبِتُونَ : هُمُ الذينَ يَعْبُدونَ اللَّهَ بِصَمْتٍ وَبِتَواضُعٍ كَامِلٍ، دونَ اعتِراضٍ وَلَوْ بالنَفْسِ : ( وَبَشِّرِ المُخْبِتينَ الذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلوبُهُمْ والصَابرينَ على مَا أصابهُمْ والمُقيميْ الصَلاةَ ومِمّا رزقْناهُمْ يُنفقونَ )[ الحج 24 / 25 ] ، ( إنَّ الذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَالِحَاتِ وَ أَخْبَتُوا إلى رَبِّهِمْ أولَئِكَ أَصْحَابُ الجنّةِ )[ هود 23 ] ، وَ هُمْ أهْلُ العلْم حصراً : ( وَ لِيَعْلَمَ الذينَ أوتُوا العِلْمَ أنّهُ الحَقّ مِنْ ربّهِمْ فَتُخْبِتَ لهُ قُلُوبُهُمْ )[ الحج 54] .
(واصْنَعِ الفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَ وَحْيِنَا)[هود 37] :
( وَ أُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنْه لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَ اصْنَعِ الفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْني فِي الذينَ ظَلَمُوا إنَّهُمْ مُغْرَقُونَ )[ هود 36 / 37 ] ، كلمة (مُغْرَقُونَ ) : جاءت بصيغَةِ اسْم المفعول ، أيْ أنَّ الغَرَقَ حَاصِلٌ لَهُمْ لاَ مَحَالَة ، لِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ : سَيَغْرَقُون.
كانَتْ سَفينَةُ نُوحٍ عليه السلامُ ، سَفينَةً مُتواضِعَةً في مُواصَفاتِهَا ، بَناهَا شَخْصٌ واحِدٌ هُوَ نُوحٌ : ( فَأَوْحَيْنَا إلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الفُلْكَ )[ المؤمنون 27 ] ، ( وَاصْنَعِ الفُلْكَ بأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا )[ هود 37 ] ، (وَ يَصْنَعِ الفُلْكَ )[ هود 38 ] ، فَقَدْ كانَتْ سَفينَةً صَغيرَةً مِنْ نَوْعِ الفُلْكِ: (فأَنْجَيْنَاهُ وَالذينَ مَعَهُ في الفُلْكِ )[ الأعراف 64]، ( فأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ في الفُلْكِ )[ الشعراء 119] ، وَقَدْ كانَتْ عِبارَةً عَنْ ألْواحٍ خَشَبيَّةٍ مَشْدُودَةٍ لِبَعْضِهَا بالحِبَالِ، [ لَمْ تُسْتَخْدَمْ فيهَا مَسَاميرُ الحَديدِ ] : (وَحَمَلْنَاهُ عَلى ذَاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ) [القمر 13 ] ، الدِسَارُ هوَ : حَبْلُ السفينَةِ، وَ سَفينَةٌ بِهَذِهِ المُواصَفاتِ ، لاَ يُمْكِنُهَا أَنْ تَحْمِلَ مِنْ جَميعِ أَصْنافِ الحَيوانَاتِ وَ الطيورِ وَ الحَشَراتِ الموجُودَةِ عَلى الأَرْضِ ، زَوْجَيْنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ، إذْ لاَ يُمْكِنُ لأَيِّ سَفينَةٍ ، حَتّى مِنْ سُفُنِ الوَقْتِ الحَاضِرِ العِمْلاقَةِ ، أَنْ تَحْمِلَ كُلَّ هَذا العَدَدِ الهائِلِ مِنَ المخْلوقاتِ [ فَأصْنافُ الحَشَراتِ وَ الطيورِ مَثَلاً تَزيدُ عَلى مئَاتِ الآلافِ مِنَ الأنْواعِ ] ، هَذا عَدا عَنْ تأمينِ المَنَاخِ المُلاَئِمِ داخِلَ السَفينَةِ لِكُلِّ نَوعٍ عَلى حِدَة [ الدَبُّ القُطْبيُّ مَثَلاً يَحْتاجُ لِمناخٍ بَارِدٍ جِداً ] ، نَاهيكَ عَنْ تَأمينِ الغِذاءِ المَطْلوبِ لِكُلِّ نَوْعٍ ، عَدا عَنْ تَأمينِ الحِمايَةِ اللاَّزِمَةِ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الأَنْواعِ الأُخْرى ، [ مِثْلَ حِمايَةِ الغَنَمِ مِنَ الذِئْبِ ، وَ الفأْرِ مِنَ الهِرِّ ] ، ثُمَّ إنَّ جَمْعَ وَ إمْساكَ كُلِّ مَخْلوقاتِ الأَرْضِ ، أمْرٌ مَسْتحيلٌ ، خَاصّةً الحَيواناتُ الخَطِرَةُ ، هَذا إذا تَجَاوَزْنا مَوْضوعَ الذهَابِ إلى مَواطِنِهَا الأَصْليَّةِ [ الكنْغَرُ مَثَلاً في اسْتراليا ] ، كُلُّ هَذا إذا فَرَضْنا جَدَلاً أنَّ نُوحَاً عليهِ السلام يَمْتَلِكُ جَداوِلَ إحْصائيَّةٍ ضَخْمةٍ ، فيهَا تَصْنيفٌ لِكُلِّ أنْواعِ المَخْلوقاتِ مَعَ صُوَرِهَا [ للتَعَرُّفِ عَليْهَا ] لِعَدَمِ نِسْيانِ نَوْعٍ مِنَ الأَنْواعِ ، كُلُّ هَذا يَدُلُّنَا بِشَكْلٍ واضِحٍ عَلى أنَّ الأَزْواجَ التي حَمَلَها نُوحٌ في سَفينَتِهِ المُتواضِعَةِ : ( فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ )[ المؤمنون 27 ] ، كانَتْ أزْواجُ الأنْعَامِ الثَمانيَةِ اللازِمَةِ لَهُ وَمَنْ مَعَهُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الطُوفانِ ، وَالوارِدَةُ بقَوْلِهِ تعالى : ( وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْواجٍ )[ الزمر 6 ] ، (ثَمَانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ المَعِزِ اثْنَيْنِ 000 وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ )[ الأنعام 143 ] .
(إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [هود 46]:
أنَّ عَمليّةَ التَنْقِيَةِ قَدْ شَمَلَتْ أُسْرَةَ نوحٍ بالذاتِ ، فَقَدْ تَمّ القَضَاءُ عَلى امْرأتِهِ وَأحَدِ أبْنائِهِ : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذينَ كَفَروا امْرَأتَ نُوحٍ )[ التحريم 10 ] ، (وَ نَادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إنَّ ابْني مِنْ أَهْلي 000 قَالَ يَا نُوحُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ )[ هود 45 / 46 ] ، نلاحظ أن الله سبحانه قد قال لنوح : ( إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) وهذا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِعِبادِهِ ، أنّهُ لمْ يَقُلْ لِنوحٍ : [ إنّ ابْنَكَ كَافِرٌ ] ، لِمَا لِهَذِهِ العِبارَة مِنْ أثَرٍ بالِغٍ في نَفْسِ نَبيّ مِثْلَ نوح ، وَ مِنْ رَحْمَتِهِ تعالى بِعِبادِهِ أنَّهُ لَمْ يُغْرِقْ ابنَ نوحٍ أمَامَ عَيْنِ والِدِهِ ، بَلْ أَغْرَقَهُ بَعيداً عَنْهُ : ( وَ حَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ فَكَانَ مِنَ المُغْرَقينَ )[ هود 43 ] ، وَ هَذِهِ التَنْقيَةُ كانَتْ ضَروريَّةً في سُلالَةِ نوحٍ بالذاتِ ، حَيْثُ بَقِيَتْ سُلالَتُهُ آخِرَ الأمْرِ : ( وَ جَعَلْنَا ذُريَّتَهُ هُمُ البَاقينَ )[ الصافات 77 ] .
( نَاقَةَ اللّه )[ هود 64 ] :
ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلْنَاسِ نَاقَةَ النبي صَالِح عليه السلام ، وَ بِمَا أَنَّهَا [ نَاقَةَ اللّهِ ] ، لِذَا يَجِبُ أَنْ تُتْرَكَ وَ شَأْنَهَا تَسْرَحُ في الطَبيعَةِ ، دُونَ أَنْ يُؤْذِيَهَا أَحَدٌ : (وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَروهَا تَأْكُلُ في أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَريبٌ )[ هود 64 ] ، وَ جَميْعُ المَخْلُوقَاتِ الأُخْرى ، مِثْلَ العَصَافيْرِ وَ الطُيُورِ وَ حَتّى المَخْلُوقَاتِ البَرِيَّةِ مِثْلَ الدِبَبَةُ وَ النُمُورِ وَحَيَوانَاتِ [ السِيْركِ ] .... ، أَلَيْسَتْ مَخْلُوقَاتُ اللّهِ ؟ ؟ ! ، فَلِمَاذَا نَسْجُنُها في الأقْفَاصِ ثُمَّ نَتَفَرَّجُ عَلَيْهَا ذَلِيْلَةً حَزِيْنَةً ، بِبِرودَةِ أَعْصَابٍ خَالِيَةٍ مِنْ أيِّ إحْسَاسٍ بِمَشَاعِرِهَا ، أَلَيْسَتْ أُمَمَاً مِثْلنَا : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيْرُ بِجَنَاحَيْهِ إلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ )[ الأنعام 38 ] ، وَاللّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الذي تَكَفَّلَ بِتَرْبِيَتِها وَ رِعَايَتِها : (وَمَا مِنْ دابَّةٍ إلاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِها إنَّ رَبّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقيم) [ هود 56 ]، كَمَا تَكَفَّلَ المَوْلى بِإطْعَامِهَا جَميْعَاً: (وَمَا مِنْ دابَّةٍ في الأَرْضِ إلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا)[ هود 6 ] ، بَعْدَ كُلِّ هَذَا الإِيْضَاحِ مِنَ المَوْلى ، ماَ زِلْنَا نَقْتُلُ وَ نَسْجُنُ وَ نُعَذّبُ مَخْلُوقَاتِ اللّهِ، فَكَيْفَ نَرْتَاحُ لِمَنْظَرِ العِصَافيرِ في القَفَصِ ! ، ألَيْسَ مَكانَها الطبيعيّ عَلى الأشْجَارِ ، لِمَاذَا تَهْرُبُ مِنَّا الطُيُورُ ، وَ قَدْ ذَكَرَ لَنَا المَوْلى سُبْحَانَهُ مِثَالاً رائِعَاً عَنْ دَاوودَ عليْهِ السلام وَشِدَّةِ رِفْقِهِ بالطُيُورِ، بِحَيْثُ كَانَتْ تَأْتي إلَيْهِ مُسْرِعَةً: (وَالطَيْرَ مَحْشُورةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ )[ ص 19 ] .
المُؤْتَفِكَةَ: المُنْقَلِبَةَ رأساً على عَقبْ
(يُجَادِلُنَا في قَوْمِ لُوطٍ )[ هود 74 ] :
قوم لوط عليه السلام ، هُمُ الذينَ سَكَنوا في قَرْيَةِ [ سَدُومْ ] ، التي تَقَعُ حَالياً تَحْتَ جَنُوبِ البَحْرِ المَيِّتِ بِفِلَسْطينَ، وَقَدِ ابْتَكَروا للمَرَّةِ الأُولى اللّواطَةَ [ نِسْبَةً لِقَوْمِ لُوْطْ ] وَهِيَ مُعَاشَرَةُ الذُكُورِ جِنْسيّاً دُونَ الإنَاثِ : (وَلُوطَاً إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ العَالَمينَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِسَاء بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ )[ الأعراف 81 ] ، (وَلُوطَاً إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا من أَحَدٍ مِنَ العَالَمين إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِجَالَ )[ العنكبوت 28 ] (أتَأْتُونَ الذُكْرانَ مِنَ العَالَمينَ )[ الشعراء 165] ، وَمَارَسُوا اللُّواطَةَ عَلَناً في ناديهِمْ : (وَتَأْتونَ في نَاديكُمُ المُنْكَرَ )[ العنكبوت 29 ] ، لِذَلِكَ أهْلَكَهُمُ اللَّهُ بعِقابٍ مُتَمَيَّزٍ في شِدَّتِهِ وَقَسْوَتِهِ، إذْ قَلَبَ قَرْيَتَهُمْ رَأْسَاً عَلى عَقِبٍ : (وَالمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى)[ النجم 53 ] ، المُؤْتَفِكَةَ : المُنْقَلِبَةَ رأساً على عَقبْ وهي قَريَةُ سَدوم ، ثُمَّ أَحْرَقَ الجُثَثَ بِحِجَارَةٍ حَارِقَةٍ مِنَ السَمَاءِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ غَطَّى المَنْطِقَةَ بِمِياهٍ شَديدَةِ المُلُوحَةِ [البَحْرُ المَيِّتُ ] ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ إصَابَتِهِمْ بأمْراضٍ مُعْدِيَةٍ حتَّى بَعْدَ الوَفاةِ، وَلَمْ تَنْفَعْ شَفاعَةُ إبْراهيمَ عليه السلام لَهُمْ، فَقَدْ عاشُوا عَلى زَمَنِ إبراهيمَ حَوالي 1700 قَبْلَ الميلاَدِ: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبْراهِيمَ الرَوْعُ وَجَاءَتْهُ البُشرى يُجَادِلُنَا في قَوْمِ لُوطٍ ... يَا إبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذا إنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إنَّهُمْ آتيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدودٍ ... فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ)[ هود 74 ] ، ( فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ) [ الحجر 76 ] ، ( وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ المُنْذَرينَ )[ الشعراء 173 ][ النمل 58 ] ، (القَرْيَةِ التي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السُوءِ )[ الفرقان 40 ] ، وَكَانَ عليه السلام مُبْغِضَاً أَشَدَّ البُغْضِ لِمَا كَانَ يَقُومُ بِهِ قَوْمُهُ مِنْ مُعَاشَرَةٍ الذُكُورِ جِنْسيَّاً تارِكينَ مُعَاشَرَةَ النِسَاءِ: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المُرْسَلِينَ إذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلاَ تَتَّقُونَ 000 أَتَأْتُونَ الذُكْرانَ مِنَ العَالَمِينَ وَتَذَرونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادون ... قَالَ إنَّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ القَالينَ )[ الشعراء 160 ] ، القَالينَ : المُبْغِضينَ أشدَّ البُغْضِ ، وَكَانَتْ سَدُومُ تَقَعُ عَلى طَريقِ القَوافِلِ الدائم الحركة : (وَ إنَّهَا لَبِسَبيلٍ مُقِيْمٍ )[ الحِجْر 76 ] ، فَكَانُوا يَقْطَعُونَ الطَريقَ وَ يُمَارِسُونَ الجِنْسَ مَعَ ذُكُورِ القَوافِلِ: (وَتَقْطَعُونَ السَبيلَ )[ العنكبوت 29 ] .
(بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ)[ هود 86] :
أيْ : مَا أَبْقَاهُ اللهُ لَكُمْ مِنَ الحَلاَلِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الأُمُورِ التي حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ، وَجَمْعُها باقِياتُ: (وَالبَاقِيَاتُ الصَالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ )[ الكهف 46 ][ مريم 76 ] ، (مِنَ القُرونِ مِنْ قبْلِكُمْ أُولوا بَقِيَّةٍ يَنْهَونَ عَنِ الفَسَادِ في الأرْضِ )[ هود 116] .
(أَحْسَنَ القَصَصِ)[يوسف 3] :
تُعْتَبَرُ سُورَةُ يُوسُفَ عليه السلام التي هِيَ أَحْسُنُ القَصَصِ : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ )[ يوسف 3 ] ، فَهي السُورَةُ الوحيدةُ مِنْ بَيْنِ كُلِّ سُوَر القرآنِ الكَريمِ التي اقْتَصَرَتْ عَلى قِصَّةِ يوسُفَ عليه السلام ، وَهيَ القِصَّةُ الوحيدَةُ المُجْتَمِعَةُ في مَوْقَعٍ واحِدٍ، فَأَيُّ سُورَةٍ أُخْرى تَحْمِلُ اسْمَ نَبِيٍّ لَمْ تَنْفَرِدْ بالحديثِ عَنْ ذَلِكَ النَبيِّ وَهِيَ شَامِلَةٌ لِكُلِّ جَوَانِبِ الحَيَاةِ ، وَتَعْتَمِدُ أَصْلاً عَلى رُؤيَا نَبيٍّ هُوَ يوسُفُ وَتَدُورُ أَحْدَاثُهَا في القَرْنِ 17 قَبْلَ الميلاَدِ، كَمَا نُلاَحِظُ أَنَّ شَخْصِيَّةَ يوسُفَ تَشُعُّ بِمَعَانٍ عَديدَةٍ يَنْفَرِدُ بِهَا يوسُفُ مِنْ حَيْثُ :
جَمَالُ هَذِهِ الشَخْصِيَّةِ : ففي الحَديثِ الشَريفِ أَنَّهُ أُوتيَ شَطْرَ [ نِصْفَ ] الحُسْنِ ، وَ رُبَّمَا ورِثَ هَذا الجمَالَ عَنْ زَوْجَةِ إبراهيمَ سَارةُ التي هِيَ أُمُّ جَدّتِهِ : ( فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قطَّعْنَ أَيْدِيَهُنّ وَ قُلْنَ حَاشَى لِلَّهِ مَا هَذا بَشَراً إنْ هَذا إلاَّ مَلَكٌ كَريمٌ )[ يوسف 31 ] ، وَ لَمّا أعْطى اللهُ هَذا الجمَال إلى يوسُفَ ابتَلاهُ بالرِقِّ والعُبوديَّةِ : (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً 000 وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدودَةٍ وَكَانوا فيهِ مِنَ الزاهِدينَ )[ يوسف 19 / 20 ] ، ويبقى الجمالُ مَحبوباً بينَ الناسِ .
ثَبَاتُ هَذِهِ الشَخْصيَّةِ : فَقَدْ كانَ طوالَ حَيَاتهِ مِنَ المُحْسِنينَ ، وفي الحديث الشريف الإحسانُ : [ أن تعبُد الله كأنّكَ تراه ][ رواه البخاري برقم 50] ، فَقَبْلَ السِجْنِ : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْمَاً وَكَذَلِكَ نَجْزي المُحْسِنينَ )[ يوسف 22 ] ، ثُمَّ في السِجْنِ : حَيْثُ يَقُولُ لَهُ صَاحبَيْ السِجْنِ : ( إنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنينَ )[ يوسف 36 ] ، وَ عِنْدَمَا أَصْبَحَ عَزيزَ مِصْرَ حَيْثُ يَقُولُ لَهُ إخْوتُهُ أيْضَاً : ( إنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنينَ )[ يوسف 78 ] ، كَمَا كَانَ مِنَ الصَادِقينَ : ( وَ هُوَ مِنَ الصَادِقينَ)[ يوسف 27 ] ، وَ لَمْ يَقُلْ : صَادِقَاً ، وَلكِنْ قَالَ : مِنَ الصَادقينَ.
صَبْرُ هَذِهِ الشَخْصيَّةِ : ( قَالَ ربّ السِجْنُ أَحَبُّ إليَّ مِمَّا يَدْعُونَني إلَيْهِ )[ يوسف 33 ] ، ثُمّ رَفضَهُ الخُروجَ مِنَ السِجنِ بَعْدَ سَنواتٍ مِنَ السِجْنِ الانْفِراديّ: ( فَلَبِثَ فِي السِجْنِ بِضْعَ سِنينَ )[ يوسف 42 ] ، وَفي ذَلِكَ يَقُولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : [000 وَ لَوْ لَبِثْتُ في السِجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفَ لأَجَبْتُ الدَاعي ][ رواه مسلم في الإيْمان، والبخاري في الأنبياء عن أبي هريرة رضي الله عنه ] .
تَوَكُّلُ هَذِهِ الشَخْصيَّةِ عَلى اللَّهِ : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إبْراهِيمَ وَإسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلى النَاسِ ) [ يوسف 38 ] .
انْتِصَارُ هَذِهِ الشَخْصيَّةِ عَلى غَريزَةِ الجِنْسِ : (وَرَاودتْهُ التي هُوَ في بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلّقَت الأَبْوابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ )[ يوسف 23 ]، وَانتصَارهَا عَلى حِقْدِ الإخْوَةِ : ( قَالَ لاَ تَثْريبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الراحِمِين َ)[ يوسف 92 ] ، لذلك يجبُ دراسة شَخصيّة يوسف منَ النواحي [ النفسيّة ] ، فعندما اتّهمه أخوتُهُ بالسرقة وأمَامَ حَاشيته : (قالوا: إنْ يَسْرقْ فقدْ سَرَقَ أخٌ لهُ مِنْ قَبْلُ )[ يوسف 77 ] ، ولكنّ يوسُفَ عليه السلام لمْ يبدُ حتّى على ملامحه أيّ آثار: ( فأسَرّها يوسُفُ في نفسه ولمْ يُبْدِها لهُمْ )[ يوسف 77 ] ، وأخيراً انتصَارُ هذه الشخصيّة عَلى نَزْغِ الشَيْطانِ : (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَيْطَانُ بَيْني وَ بَيْنَ إخْوَتي)[ يوسف 100 ] .
وَ تُعْطي سُورَةُ يُوسُفَ تَوْثيقاً تَاريخياً مهمّاً في التَاريخِ المصْرِيِّ، حَيْثُ نُلاَحِظُ أَنَّ السُورَةَ لَمْ تَذْكُرْ كَلِمَةَ فِرْعَوْنَ ، بَلْ ذَكَرَتْ كَلِمَةَ : الملِكِ : (وَقَالَ المَلِكُ إنّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ )[ يوسف 43 ] ، فَفي فترةِ [ 1615 1560 ] قَبْلَ الميلاَدِ ، دَخَلَ العَمَالِقَةُ الهكْسُوسُ إلى مِصْرَ وَحَكَمُوهَا خِلاَلَ تِلْكَ الفَتْرَةِ ، وَالحَاكِمُ الهِكْسُوسِيُّ يُدْعَى الملِكُ وَلَيْسَ فِرْعَوْنُ ، وَفي تِلْكَ الفَتْرَةِ دَخَلَ يُوسُفُ وَإخْوَتُهُ إلى مِصْرَ ، وَفي عَامِ 1560 قَبْلَ الميلاَدِ قَامَ الفِرْعَوْنُ [ إحْموسْ الأَوَّلُ ] بِطَرْدِ الهِكْسُوسِ مِنْ مِصْرَ، وَأعَادَ حُكْمَ الفَرَاعِنَةِ .
(وَقَالَ نِسْوَةٌ )[ يوسف 30 ] :
مِنَ المواضيعِ اللُّغَويَّةِ المُلْفِتَةِ للنَظَرِ في سُورَةِ يَوسُفَ مَا وَرَدَ في الآيةِ : (وَ قَالَ نِسْوَةٌ )[ يوسف 30 ] ، فَكَلِمَةُ : [ قالَ ] هِيَ لِلمُذَكَّرِ ، بَيْنَمَا القَائِلُونَ هُمْ نِسْوَةٌ ، فَلِمَاذا لَمْ يَقُلْ : ( وَقَالَتْ نِسْوَةٌ ) ، وَ السَبَبُ هُوَ : أَنَّ القُرآنَ حِينمَا يَسْتَخْدِمُ الفِعْلَ بِصيغَةِ المُذَكَّرِ بينمَا الفاعِلُ مُؤَنَّثٌ، فإنّه يَدُلُّ عَلى [ قِلَّةِ ] عَدَدِ الفَاعِلينَ ، فَعَدَدُ النِسْوَةِ اللَّواتي تَحَدَّثْنَ كَانَ عَدَداً قَليلاً، وَلَيْسَ كُلُّ نِسَاءِ المدينَةِ وَإلاَّ لأَصْبَحَتْ فَضيحَةً لامْرَأَةِ العَزيز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.