ودَّع عام 2009 قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" في أفغانستان بهجمات دامية ونكسات متتالية آخرها مقتل 8 عملاء لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، ليؤكد ما سبق أن أعلنه الحلف من أنه العام "الأسوأ" الذي واجهه في البلد الممزق، خاصةً مع وصول عدد القتلى في صفوف القوات الدولية إلى 512 جنديا. وتعد العملية الأخيرة أكبر خسارة في صفوف وكالة المخابرات المركزية "سي آي إيه" خلال ال30 عاما الماضية، وذلك بعد مقتل 8 من عملائها في تفجير السفارة الأمريكيةببيروت عام 1983. ففي يوم الأربعاء 30-12-2009 وجهت طالبان ضربة قاسية بقتلها 8 أمريكيين يعملون لحساب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) بحسب صحيفة "واشنطن بوست" في قاعدة عسكرية في ولاية خوست جنوب شرق البلاد. وأعلنت حركة طالبان الخميس 31-12-2009 مسئوليتها عن العملية التي جرت الأربعاء، وبحسب المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، فقد فجر الانتحاري حزامه الناسف وسط "عملاء السي آي ايه"، وكان من بينهم قائد قاعدة وكالة المخابرات المركزية في أفغانستان. وقال ذبيح الله: "الهجوم القاتل نفذه عضو شجاع في الجيش الأفغاني"، كما ذكرت وسائل إعلامية استنادا إلى مصادر بطالبان أن منفذ العملية هو أحد كوادرها ويحمل الجنسية الأردنية ويكنى ب"أبو دجانة الخراساني". وتفيد الأنباء أن منفذ العملية تمكن من اختراق حاجز أمني ودخل صالة للرياضة داخل القاعدة العسكرية التي تستخدم كمركز عمليات واستطلاع للسي آي إيه، حيث يتم توجيه طائرات بدون طيار لمهاجمة حركة طالبان والقاعدة في المنطقة الحدودية، كما تستخدم كمعسكر لمشاريع إعادة الإعمار. ويعتبر ذلك الهجوم الأسوأ على عملاء الوكالة منذ تفجير السفارة الأمريكية في بيروت عام 1983. وبلغ إجمالي القتلى من العاملين في الوكالة 90 شخصا منذ إنشائها عام 1947، حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست. وتعهدت وكالة المخابرات المركزية بالثأر بعد ذلك الهجوم، قائلة على لسان أحد مسئوليها الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته "سيتم الثأر لهذا الهجوم من خلال عمليات محاربة الإرهاب الناجحة والهجومية". قتلى كنديون وقبل الهجوم على الوكالة بيوم واحد، استهدف مسلحون الكتيبة الكندية ومقرها قندهار التي تعد معقل طالبان في جنوبأفغانستان؛ ما أدى إلى مقتل 4 جنود وصحفية في انفجار قنبلة لدى مرور آليتهم المدرعة. ويأتي ذلك بعد أسابيع على إعلان الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، عن إرسال 40 ألف جندي، ليصبح بذلك عدد القوات الدولية العاملة بأفغانستان (إيساف)- تضم قوات الناتو وقوات دولية أخرى متحالفة معها في الحرب- نحو 150 ألف رجل، لمحاولة تطويق تمرد حركة طالبان التي جعلت 2009 العام الأكثر دموية للقوات الدولية منذ غزو هذا البلد في 2001. وقبل هذين الهجومين كانت القوات الدولية قد اعتبرت أن العام 2009 هو الأسوأ من حيث الخسائر في صفوفها منذ بدء الانتشار في عام 2001 مع مقتل 512 جنديا في مقابل 295 في 2008 بحسب حصيلة لوكالة الأنباء الفرنسية استنادا إلى موقع متخصص. وفقد الجيش الأمريكي وحده 311 جنديا في 2009 مقابل 155 في 2008 في هذه الحرب. وحذر خبراء من أنه مع ارتفاع عدد القوات في أفغانستان، يتوقع أن يزداد عدد القتلى بين الجنود الأمريكيين. ودفعت هذه الخسائر رئيس أركان الجيوش الأمريكية الأميرال مايكل مولن، الذي زار أفغانستان في 14 الشهر الجاري، إلى أن يحذر من زيادة عدد الجنود الأمريكيين القتلى في هذا البلد. وقال في هذا: "ستكون هذه المهمة أصعب مما كانت عليه قبل عام بالنسبة إلى الجنود الأمريكيين.. قلت لقواتنا أن تستعد لمزيد من المعارك والخسائر؛ لأن تمرد طالبان أصبح أكثر عنفا وانتشارا وتطورا وفعالية". ضحايا مدنيون وعلى الجانب الأفغاني، فقد أثار إعلان مقتل 10 مدنيين، بينهم 8 أطفال في عملية نفذها "الناتو" في شرق أفغانستان في مطلع الأسبوع غضب الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي، وحكومته التي طالبت عبر مجلس الأمن الوطني الخميس، 31-12-2009، ب"تسليم" المسئولين عن هذا الحادث للسلطات الأفغانية. ودار جدل كبير بعد نشر تقرير رسمي يؤكد هذه الاتهامات، وتأخر الناتو في الاعتراف بالوقائع ثم تأكيده لها، زاعما أن جنوده كانوا يردون على مصادر نيران أطلقها أفراد "في سن القتال". وقال مجلس الأمن الوطني: "إن القوات الدولية دخلت الى المنطقة وقتلت 10 شبان، بينهم 8 تلاميذ كانوا في غرفتين داخل منزل، من دون أن تواجه أية مقاومة مسلحة". وشارك مئات الطلاب في ثلاث تظاهرات في جلال آباد (شرق) وكابول الأربعاء، وفي أسد آباد عاصمة كونار الخميس، مرددين شعارات "أوباما إنك الشيطان الأكبر"، و"أوباما اسحب قواتك من أفغانستان". ضحايا آخرون وعلى نفس الصعيد، أعلنت السلطات الأفغانية الخميس أنها تحقق في قضية جديدة تتعلق بمقتل مدنيين الأربعاء على يد قوات الناتو في قصف جوي على هلمند، جنوب البلاد. وصرح داود أحمدي المتحدث باسم محافظة هلمند (جنوب): "نعلم أن مدنيين قتلوا، لكننا نجهل عدد القتلى، وأرسل المحافظ وفدا إلى المنطقة لمساعدة أسر الضحايا والتحقيق في الحادث". ووقع الحادث قرب لشقر قاه عاصمة ولاية هلمند معقل متمردي طالبان حيث تنفذ القوات الدولية منذ يوليو عمليات كبيرة. وبحسب ما يقوله قروي يدعى محمد علم: "كنا مجتمعين في القرية لبحث مشاكل المياه وفجأة تعرضت المنطقة لقصف، وقتل 8 أشخاص وتوفي شخص آخر نقلته إلى المستشفى". وكان 1388 مدنيا قد لقوا مصرعهم في الفترة بين يناير وأكتوبر من عام 2008، لكن هذا العدد ارتفع إلى 2038 خلال نفس الفترة من العام الحالي.