عندما فاز «حسن روحاني» في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في عام 2013، تحدث عن تحسين العلاقات مع السعوديين كأولوية. دوره في التفاوض على توقيع اتفاقية تعاون عام 1998، وما تلاها من زيارة إلى المملكة العربية السعودية من قبل الرئيس «محمد خاتمي» شجع الكثيرين على الاعتقاد بأنه ذلك كان ممكنا. وفي الوقت الذي واصل فيه السعوديون غاراتهم في اليمن يوم السبت الماضي، الموافق 9 مايو انتقد «روحاني» الحكومة «قليلة الخبرة» في الرياض، مشيرا إنها «لا تفهم القضايا السياسية الإقليمية والعالمية.. ويعتقد أنها ربما تحاول استعراض قوتها من خلال استخدام القنابل ومن ثم تبين أنها غير مؤثرة في المنطقة». وكان المرشد الأعلى «آية الله علي خامنئي» أكثر صراحة. ففي أوائل إبريل الماضي اتهم السعوديين ب«الإبادة الجماعية»، وفي يوم 6 مايو اتهمها بارتكاب «جرائم بشعة» أودت بحياة أبرياء. وأكد خامنئي أيضا ما يحرص المسؤولون الإيرانيون على نفيه باستمرار من أن طهران مدت أو تمد الحوثيين، الأهداف الرئيسية للقصف السعودي، بالأسلحة. وبالنسبة لبيت آل سعود، فقد كان الملك «سلمان» أشد صراحة في انتقاد علني لإيران من سلفه وأخيه الملك «عبد الله» الذي توفي في يناير الماضي. ففي قمة الأسبوع الماضي لمجلس التعاون الخليجي قال «سلمان»: إن «قوى أجنبية»، في إشارة إلى إيران، كانت تحاول «فرض سلطتها … ونشر الفتنة الطائفية». ويشير الإشراف على حملة اليمن من قبل الأمير «محمد بن سلمان آل سعود»، الابن البالغ من العمر 29 عاما للملك، والذي يشغل منصب وزير الدفاع ونائب ولي العهد، إلى وصول جيل جديد أكثر تهورا واندفاعا في الرياض. ويتناقل القادة العرب السنة في الخليج، والكثير من وسائل الإعلام العربية، روايات تصور إيران على أنها تمد الحوثيين بالسلاح كجزء من خطة للسيطرة على العالم العربي. ويقولون إن هذه النتائج تأتي ضمن جزء من تداعيات «انسحاب» الولاياتالمتحدة من المنطقة في الوقت الذي تستعد فيه لتوقيع اتفاق نووي مع طهران. الملك «سلمان» وولي العهد «محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود» ونائبه «محمد بن سلمان» تم تصويرهم على نطاق واسع في وسائل الاعلام السعودية باعتبارهم حكومة الثلاثة التي هبطت من السماء بأجنحة ملائكية بيضاء. الصراع الطائفي لقد كان اليمن ساحة معركة لعقود، وهو أفقر دولة في العالم العربي بناتج محلي إجمالي للفرد في عام 2013 حوالي 1473 دولار أمريكي. ولكن الصراع المحلي على أساس قبلي أصبح أزمة إقليمية ودولية، وأطلقت المملكة العربية السعودية غاراتها الجوية في 25 مارس معلنة أنها ستعيد الرئيس «عبد ربه منصور هادي»، الذي كان قد أطيح به في فبراير ويرجع اتخاذ الصراع في اليمن طابعا طائفيا إلى القوة الرئيسية المسؤولة عن الإطاحة ب«هادي»، هي التجمع السياسي المعروف باسم الحوثيين، وهم ينتمون أساسا إلى الشيعة الزيدية. لكن السعوديين دعموا الحكام الزيديين ضد التمرد العسكري في الستينيات من القرن الماضي، ومنذ التسعينيات دعموا رئيسين زيديين، هما «علي عبد الله صالح» و«هادي». مصيبة علاقات اليوم أنها تحولت إلى توترات أوسع بين المملكة العربية السعودية وإيران، وبين السنة والشيعة، والتي تأججت لتحقيق مكاسب سياسية. ويمكن معرفة وفهم مخاوف وقلق المملكة العربية السعودية من حجم النفوذ الإيراني من «آية الله روح الله الخميني»، زعيم الثورة الإيرانية عام 1979، والذي أعلن أن الملكية تتعارض مع الإسلام، ولكن ما زاد انزعاج السعوديين بكثرة هو غزو العراق عام 2003 بقيادة الولاياتالمتحدة، والإطاحة بنظام «صدام حسين السني» في العراق، ووصول نظام شيعي يتحرك بأوامر من إيران. وقد تفاقمت التوترات بين طهرانوالرياض مع الحرب التي استمرت أربع سنوات في سوريا، ففي الوقت الذي تدعم فيه إيران الرئيس «بشار الأسد» المنتمي للأقلية العلوية الشيعية، فإن السعوديين يمولون جماعات المعارضة السنية المتشددة. وفي الوقت ذاته شعر السعوديون بنوع من زعزعة استقرار بلادهم بسبب ثورات الربيع العربي، والتي أطاحت بحليفهم القوي «حسني مبارك» في مصر، وعززت مفاهيم دورة الديمقراطية في المنطقة. لكن تدخل دول مجلس التعاون الخليجي في اليمن بقيادة السعودية هو بعيدة كل البعد عن إرسال 1000 جندي الى البحرين في عام 2011 لدعم أسرة آل خليفة التي شنت حملة قاسية ضد المحتجين المدنيين. وتعكس «عملية عاصفة الحزم»، والتي بات اسمها الآن «إعادة الأمل»، القوة العسكرية المتنامية للمملكة التي أصبحت في العام الماضي رابع أكبر منفق على الدفاع في العالم. لقد كان الإنفاق العام على التسلح في مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2012 بالفعل 98.5 مليار دولار، أي ضعف إنفاق طهران عشر مرات وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. الدعايا الإيرانية وتدرك إيران أنه لا يمكنها الفوز في أي سباق تسلح. وشكك «روحاني» في صفقات السلاح الجديدة التي أعلنتها دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك اتفاق قطر مع فرنسا من أجل مقاتلات رافال بقيمة 7.1 مليار دولار أمريكي، ومفاوضات الإمارات العربية المتحدة مع فرنسا للحصول على 60 مقاتلة رافال بقيمة 11 مليار دولار. وقال في خطاب متلفز «يجب على العالم ألا يبتسم لأجل المشكلة في منطقتنا. لا ينبغي أن يشعر الأمريكيون والأوروبيون بالفخر لبيع المزيد من الأسلحة إلى هذا البلد أو ذاك». ومن هنا كان رد فعل إيران على الأحداث في اليمن مختلط. وأفادت وسائل الإعلام الإيرانية أن القتلى المدنيين من الغارات الجوية السعودية، من المرجح أن يكون أعلى بكثير مما وثقته منظمة العفو الدولية ب 97 قتيلا، في الوقت الذي كان فيه طيار طائرة شحن إيرانية مضطرا إلى العودة الى بلاده بعد أن أجبره الطيارون السعوديون على العودة وإلا إسقاط الطائرة مع حمولتها من الإمدادات الطبية. كانت هناك مظاهرات صغيرة في طهران بعد صلاة الجمعة تصف الرياض بأنها «عاصمة رعاية التطرف والإرهاب. وتحدث الرئيس السابق «هاشمي رفسنجاني»، و«محسن رضائي»، القائد السابق للحرس الثوري عن مؤامرة تشارك فيها الولاياتالمتحدة والسعوديين لتقسيم اليمن وسورياوالعراق. وفي الوقت ذاته، فإن الحذر يبدو واضحا، وكأنه اتفاق ضمني مع الولاياتالمتحدة على عدم السماح بعدم تأثير الصراع في اليمن على التجارة البحرية أو تدمير المحادثات النووية مع القوى العالمية. قافلة إيرانية تقترب من اليمن في إبريل إذا بها تغير وجهتها بعد اتصال مع حاملة طائرات أمريكية، وتقوم الولاياتالمتحدة بدوريات عسكرية لحماية السفن الأمريكية والبريطانية التي تمر عبر مضيق هرمز، وحتى عملية احتجاز سفن إيرانية لسفينة شحن ترفع علم جزر مارشال مملوكة لشركة أمريكية قبالة الساحل يوم 28 إبريل بحجة الإجراءات القانونية، انتهت بإطلاق سراح سفينة الشحن التي تم احتجازها في اليوم التالي. ويستشعر قادة إيران عدم القدرة على أي تنبؤ جديد في السلوك السعودي، لكنهم الآن ينتظرون أي تطورات جديدة. وبينما قال «حسين أمير عبداللهيان»، نائب وزير الخارجية، في 2 مايو إن «المغامرات العسكرية» التي يقوم بها الآخرون لن يسمح لها تعريض «الأمن المشترك» في إيران للخطر، إلا إن المصالح الإيراينة في اليمن طفيفة، لا سيما بالمقارنة مع العراق أو سوريا. وبالتالي سيستمر قادة إيران في تلطيخ اسم المملكة العربية السعودية وتشويهها من خلال تكرار نبرة قتل المدنيين عن طريق الغارات، وتشبيهها بالهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة. واتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» السعوديين باستخدام القنابل العنقودية والذخيرة التي تقدمها لها الولاياتالمتحدة، والتي يستخدمها الإسرائيليون أيضا ضد الشعب الفلسطيني، على الرغم من أن المتحدث العسكري بالرياض ينكر باستمرار. هناك سبب آخر يجعل إيران تنتظر. حيث لم يتسبب القصف الجوي حتى الآن في إزاحة الحوثيين من العديد من النقاط الاستراتيجية، بما في ذلك ميناء عدن والحديدة ومطارات صنعاء. ومما لا شك فيه؛ أن هناك البعض في القيادة الإيرانية يستمتع بعدم قدرة المملكة العربية السعودية على تحقيق أي مكاسب أرضية ضد الحوثيين، نظرًا للخبرة السعودية المحدودة. كما تجدر الإشارة إلى أن هناك نسبة كبيرة من عناصر الجيش السعودي من أصل يمني. وتشكك إيران في قدرة القوات السعودية، وعلى الرغم من تظاهر وزير الدفاع الشاب بالشجاعة، إلا إن الرياض مترددة في القتال على الأرض، ومع وجود 150 ألف جندي تم حشدهم على الحدود، فإنه ربما يكون الهدف في المقام الأول هو ردع الحوثيين عن الانتقام ضد الضربات الجوية. وأقنعت الرياضالسنغال بإرسال 2100 جندي، ولكن باكستان والسودان ومصر، ربما بسبب التكلفة المالية في المقام الأول، رفضتا دعوات سعودية بإرسال جنودهما في طريق الأذى. وبإمكان إيران أن تدير وتتدبر عملية الإمدادات العسكرية الخاصة بها. وتم إبراز عدد قليل من الأدلة كانت مهمة للغاية في بلد يعج بالفعل بالأسلحة، رغم تقرير صادر مؤخرا من الأممالمتحدة يسلط الضوء على إمدادات الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين منذ عام 2009. ولكن إيران زادت دورها منذ التدخل السعودي. «كانت هناك تقارير موثوق بها صادرة عن المعهد الجمهوري مؤخرا تتحدث عن الدعم بالتدريب والمعدات» بحسب «جيمس سبنسر»، مستشار أمني مستقل. وأضاف «كانت معظم المعدات عبارة عن قطع غيار، بالإضافة إلى تدريب متخصص على صواريخ سكود [الصواريخ التي تطلق من الأرض] التي استولى عليها الحوثيون. وربما لا يمتلك الحوثيون التدريب أو الخبرة أو حتى مخزوناتهم الخاصة من الأسلحة أو قطع الغيار المطلوبة عند صيانة مثل هذه الأسلحة. ليس لدي أي سجل لإطلاق صواريخ سكود في اليمن منذ عام 1994، وكانت صواريخ سكود ومنصات إطلاقها المتحركة هدفا ركز عليه السعوديون في بدء حملتهم». دعوات وقف إطلاق النار التي أطلقها السعوديون ووافق عليها الحوثيون سوف تبدأ غدًا في عكس اتجاه تدخل «جون كيري»، وزير الخارجية الأمريكية. وتخشى واشنطن ليس فقط من مخاطر التصعيد في منطقة الخليج بشكل واسع، ولكنها أيضًا قلقة من أن المزيد من العنف في اليمن سيسهل من نشاط ودعم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ولكن أيا كان ما سيحدث في قمة كامب ديفيد التي ستجمع بين الولاياتالمتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي هذا الأسبوع، فإن السعوديين يواجهون خيار التصعيد، إما من خلال إشراك مزيد من القوات، وربما برًا، أو مواجهة انهيار تدخلهم العسكري. وربما لا تبرح المحادثات التي تضم مختلف الفصائل اليمنية مكانها، وتجد ما يعترض طريقها، ولكن نجاحها المتوقف على مدى استعداد جميع الأطراف المعنية لإلقاء أسلحتهم وعودة مبكرة ل«هادي» بصفته رئيسا هو أمر غير وارد أو مرجح. وفي جميع الاحتمالات، فإن طهران سوف تردد بأن السعوديين فشلوا، ولكن مهما تردد داخل إيران عن هزيمة المملكة العربية السعودية، فإن هذا ليس بالضرورة انتصارا لإيران. وعلى الكل أن يدرك أن التوتر بين القوتين الإقليميتين يدخل فترة متقلبة جديدة، ليس من السهل التكهن بها.