التطورات السياسية التي شهدتها الساحة اللبنانية في اليومين الأخيرين، خاصة يوم الأربعاء الماضى، على هامش الجلسة البرلمانية 22 لانتخاب رئيس للجمهورية، ويوم الخميس بعد جلسة الحكومة، كل هذه التطورات تكشف عن مستوى مرتفع من التشنج السياسي بين القوى اللبنانية الممسكة بزمام القرار. ففي ظل التسليم اللبناني السياسي والشعبي أمام لعبة تعطيل الانتخابات الرئاسية نتيجة لصراع الأحزاب وإصرارها على مرشح يمثلها، إضافة إلى الدور الذي يلعبه حزب الله وحلفاؤه في قوى الثامن من مارس، امتدت لعبة التعطيل لتطال الجلسة البرلمانية تحت اسم "جلسة تشريع الضرورة" التي سبق أن توافقت عليها كل القوى وتهدد ب"نسفها" على خلفية رفض الكتل المسيحية الممثلة لأحزاب الكتائب والقوات اللبنانية ومعهم إلى حد ما التيار الوطني الحر الذهاب إلى جلسة تشريعية في ظل الشغور الرئاسي. تجدر الإشارة إلى أن جدول أعمال الجلسة التشريعية المرتقبة والتي من المفترض أن يدعو لانعقادها في اليومين المقبلين حسب النظام الداخلي للبرلمان، خاصة بعد توزيع جدول الجلسة على كل النواب، لن تناقش أزمات أساسية تتعلق بإقرار الموازنة العامة للدولة التي مازالت تخضع للنقاش. إضافة إلى استبعاد إدراج موضوع سلسلة الرتب والرواتب للقطاعين العام والخاص بسبب ارتباطها بالنقاش حول الموازنة، ما قد يهدد مصير العام الدراسي هذه السنة حسب المواقف التصعيدية لهيئة التنسيق النقابي، على غرار ما حصل السنة الماضية، وكان من نتيجته إدراج بند الشهادات الرسمية على جدول أعمال جلسة تشريع الضرورة، إضافة إلى استبعاد طرح موضوع التعيين أو التمديد في قيادات الأجهزة العسكرية، خاصة قيادة الجيش والأمن الداخلي. حل البرلمان نبيه بري رئيس البرلمان، وأمام التجاذب الحاصل والشروط المرفوعة أمام انعقاد الجلسة البرلمانية، رفع من سقف مواقفه بالتلويح بإمكانية طرح "حل البرلمان" مباشرة بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مؤكدا في الوقت نفسه أنه لن يذهب إلى "جلسة تشريعية في غياب المكون المسيحي لأنها لن تكون ميثاقية"، معلنا عزوفه عن القيام بحركة اتصالات لتجاوز هذا المأزق. موقف بري يأتي في ظل المخاوف من استمرار تعطيل جلسة الضرورة وانتهاء المهلة القانونية أواخر الشهر المقبل وما قد يؤدي إلى دخل البلد في فراغ تشريعي أكثر تعقيدا. في المقابل، وأمام ما تبديه بعض الأوساط السياسية من مخاوف تتعلق بإمكانية تراجع الغطاء الدولي الذي قطع الطريق على دخول لبنان في دائرة التأثيرات للأزمات التي تعيشها المنطقة، وتذهب إلى الاعتقاد أن المرحلة المقبلة ستشهد تطورات قد تفرض إعادة تموضع على القوى السياسية المتصارعة على الساحة اللبنانية بعد المستجدات السياسية والعسكرية التي انتهت إليها "عاصفة الحزم" في اليمن التي قام بها التحالف العربي بقيادة السعودية. وأمام هذه المخاوف، دخل مجلس الوزراء اللبناني للحوار بين هذه القوى في دائرة التعطيل من جديد، خاصة بعد "تفريغ" الجلسة الأخيرة للحكومة يوم الخميس 23 إبريل من أي تفاهم حول ملفات أساسية، وانتهت إلى رفع منسوب المخاوف لدى المواطن اللبناني، وتحديد بسبب ما لمح إليه وزير المالية علي حسن خليل - الذي يمثل نبيه بري وحركة أمل في الحكومة - إلى إمكانية عدم قدرة وزارة المالية على دفع رواتب القطاع العام بسبب عدم وجود موازنة للدولة. افتعال الخلافات وتعتقد أوساط متابعة للعمل الحكومي أن إنتاجية مجلس الوزراء قد تراجعت وباتت أكثر وضوحا في الجلسة الأخيرة، بسبب لجوء بعض أعضائها إلى افتعال خلافات حول بعض الملفات، كما فعل وزير الخارجية جبران باسيل – ممثل ميشال عون والتيار الوطني الحر- في ملفي النازحين السوريين مع وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس من تيار المستقبل، وكذلك في ملف "عقود شركتي الاتصالات وداتا الاتصالات" مع الوزير بطرس حرب، ما أدى إلى استنفار الأول - درباس - وخروجه من جلسة مجلس الوزراء، وإلى تعطيل طرح مناقصات الاتصالات قبل انتهاء مهلة التشغيل الحالية والتي تنتهي نهاية شهر مايو 2015 وبالتالي التمديد للشركتين المشغلتين. وفي موضوع الموازنة العامة للدولة والتي من المفترض أن يناقشها مجلس الوزراء تمهيدا لإقرارها، فقد أعرب أحد الوزراء الممثلين للمكون المسيحي بأنه لن تكون هناك موازنة هذا العام بسبب الخلافات السياسية، وهو ما ترجم في القرارات التي صدرت باعتماد الصرف على أساس القاعدة الاثني عشرية بهدف تسيير أمور مؤسسات الدولة. ومن المتوقع أن يتحول شهر مايو المقبل إلى شهر اختبار لبقاء ما تبقى من مؤسسات الدولة اللبنانية، في ظل الاستحقاقات الأساسية التي من المفترض أن تنجر خلاله، وأهمها الجلسة التشريعية للبرلمان، وحسم ملف قادة الأجهزة العسكرية والأمنية بين التمديد والتعيين، إضافة إلى تطبيق الخطة الأمنية التي أعلن عنها وزير الداخلية نهاد المشنوق في الضاحية الجنوبية لبيروت والتي تخضع لسيطرة حزب الله ونفوذه من خارج سلطة الدولة وأجهزتها.