تقود حكومة السفاح الصهيوني بنيامين نتنياهو، في الولاياتالمتحدة وعلى الصعيد الدولي، ضمن المحاولات لإلغاء الاتفاق بين إيران والدول الست أو إجراء تعديلات جوهرية عليه، تأتي ضمن قناعة نتانياهو إن إدارة باراك أوباما، باتت اليوم، أكثر من أي وقت مضى، قابلة للرضوخ أمام الضغوطات، وهو لا يعمل لوحده وليس فقط لحسابه الخاص ولا حتى لخدمة المصالح الإسرائيلية بقدر ما يعمل لخدمة أجندة الحزب الجمهوري الأمريكي، وبات يعتبر نفسه جزءا من الأكثرية الجمهورية بين معارضي الرئيس الأمريكي داخل الكونغرس. ويبدو أن التصفيق وقوفا الذي حظي به نتانياهو، خلال كلمته الأخيرة أمام الكونغرس، وانتصاره في معركة الانتخابات الإسرائيلية شحنتاه بقوة مسكرة تدفعه إلى خوض معركة أخرى داخل الكونغرس لتجنيد أكثريته ضد أوباما، لعله هذه المرة يجمد الاتفاق مع إيران أو يغيره أو يؤدي إلى تفجيره تمامًا. وأثارت المطالب التي طرحها نتانياهو، نقاشًا إسرائيليًّا أظهر خلافات في الموقف بين المؤسستين العسكرية والسياسية وتعالت الأصوات المحذرة من تعميق الأزمة مع واشنطن وأبعادها، على رغم التصريحات والتحركات العسكرية التي تشير إلى استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل، بخاصة مع وصول حوالي ستمئة جندي وضابط أمريكي إلى إسرائيل، على متن بارجتين عسكريتين رستا في ميناء حيفا وتحمل كل منهما صواريخ متطورة، استعدادًا لتدريبات إقليمية ستتم خلال الفترة القريبة. غير أن هذا الاتفاق كان مناسبة جديدة للأجهزة الأمنية لاستئناف حملة التخويف والترويج للخطر المحدق بإسرائيل والساعي لإزالتها. فعرضت سلسلة مطالب للحصول على معدات قتالية ودفاعية، جوًا وبرًا وبحرًا، لتكون مستعدة لأي سيناريو متوقع. وفي الوقت نفسه، حرص وزراء ومسؤولون سياسيون على إطلاق رسائل محلية وأمريكية ودولية، مفادها أن جميع الخيارات لمواجهة احتمال رفض المطالب الإسرائيلي بإلغاء الاتفاق مع إيران أو إجراء تعديلات عليه، لم ولن تسقط.
هدفان لإسرائيل الحملة التي تنوي الشروع بها إسرائيل، خلال الأيام القريبة، تشمل مسارين متوازيين ومحتدمين: الكونغرس من جهة، والإدارة الأمريكية من جهة أخرى. والتوقعات الإسرائيلية أن يكون المسار تجاه الإدارة أشد صعوبة من حملة إسرائيل بإقناع الأكثرية داخل الكونغرس، بخاصة بين الجمهوريين؛ حيث يحظى نتانياهو بدعم واسع من قبلهم، وأرسل نتانياهو وزير الشؤون الاستراتيجية، يوفال شطاينتس، الشخصية الأكثر دعمًا لسياسته تجاه إيران ليطرح المطالب الإسرائيلية بكل وضوح ونجح في أن يجعل من بعضها تهديدا مبطنا، وعرض شطاينتس ستة مطالب، ترفض إسرائيل التنازل عنها وتحذر من أبعاد رفضها وهي: - تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي، التي سيسمح لإيران بمواصلة تفعيلها، والتي يمكن استخدامها فورًا، إذا ما قررت الانطلاق نحو إنتاج قنبلة نووية. - المطالبة بإغلاق منشأة بوردو. - رفع العقوبات عن إيران في شكل تدريجي، وبما يتفق مع تقدم إيران في تطبيق الاتفاق، علمًا أنه في هذه المسألة لم يتم التوصل إلى اتفاق بعد، وتطالب إيران برفع العقوبات فورًا، بينما تطالب القوى العظمى برفعها بالتدريج. - مطالبة إيران بكشف كامل التفاصيل المتعلقة بالجوانب العسكرية المحتملة للمشروع النووي. - التزام إيران بإخراج كل مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة منخفضة تصل إلى 3.5 في المئة، من أراضيها. وهذه المسألة لم يتم الاتفاق عليها بعد بين الجانبين، إذ ترفض إيران إخراج هذا المخزون الذي يصل إلى 10 أطنان من أراضيها، وتوافق فقط على تخفيف اليورانيوم المخصب. - السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية بالدخول إلى كل مكان في إيران، في كل وقت. ويثير طرح هذه المطالب، في مقابل الحملة التي ستطلقها إسرائيل داخل الكونغرس الإمريكي، نقاشا إسرائيليًّا استبعد خلاله سياسيون وأمنيون أن تساعد الحملة إسرائيل في تحقيق هدفها. ويرى أصحاب هذا الرأي أن عدم نجاح إسرائيل يكمن في افتراض البيت الأبيض أن نتانياهو وسفيره رون دريمير تآمرا مع المسؤولين في الحزب الجمهوري في الكونغرس على منع الاتفاق مع إيران. وفي حملتها داخل الكونغرس ستحاول إسرائيل تجنيد النواب والشيوخ لتمرير قوانين تعيق المصادقة، أو تمنع المصادقة على اتفاق شامل مع إيران، إذا ما تم التوصل إليه في الثلاثين من يونيو، وإقناع أكبر عدد منهم بدعم مشروع القانون الذي طرحه رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ، السيناتور بوب كوركر من الحزب الجمهوري، ويحدد هذا المشروع فترة زمنية مداها 60 يومًا منذ توقيع الاتفاق الشامل مع إيران، يقوم خلالها أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ بمناقشة تنفيذ ومراقبة كل بنود الاتفاق. ويحتم مشروع القانون على إدارة أوباما تقديم تقارير مفصلة إلى الكونغرس والمثول أمامه للرد على تساؤلات في شأن الاتفاق. كما يحدد مشروع كوركر أنه يمكن إلغاء أي قانون يفرض العقوبات الأمريكية فقط إذا قررت لجنة الخارجية في الكونغرس ومجلس الشيوخ، خلال 60 يومًا، دعم الاتفاق مع إيران، ولا يضمن مشروع كوركر منع الاتفاق، وإنما فقط تأخير تطبيقه ووضع عراقيل بيروقراطية أمامه. كما ستحاول إسرائيل إقناع أعضاء الكونغرس بإضافة بند إلى مشروع القانون يحدد أن التعامل مع الاتفاق النووي يجب أن يكون كالتعامل مع معاهدة دولية، انطلاقا من أن توقيع الولاياتالمتحدة على معاهدة كهذه تحتم التصويت عليها في مجلس الشيوخ كي تصبح سارية المفعول. إن طرح المطالب الإسرائيلية وما تشمله الحملة من خطوات، يأتيان انطلاقا من تعامل إسرائيل مع الاتفاق مع إيران بأنه سيء ويهدد أمنها وكيانها. غير أن أصواتا عدة واجهت هذا الطرح باعتبار الاتفاق ليس سيئاً لإسرائيل، كما قال الخبير السياسي عوديد بلبان، الذي يواجه الداعمين للحملة الإسرائيلية بالقول: «الاتفاق المرتقب سيؤخر المشروع النووي ل 15 سنة، وتحت رقابة صارمة، ويتضمن إخراج اليورانيوم المخصب إلى خارج البلاد». ويضيف: «أن هناك ميزة أخرى للاتفاق تكمن في أنه من المرجح أن يخلق ديناميكية دمج إيران تدريجيًّا في العالم. ويفترض برفع العقوبات وعملية التنمية المتوقعة أن تعزز المصالح الإيرانية الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية، وتجنب انتهاك الاتفاق». وفي رأي بلبان فإن سياسة أوباما تهدف إلى استغلال الصدع في القيادة الإيرانية، لتشجيع أولئك الذين يعارضون التطوير النووي العسكري لبلادهم. مع ذلك، يستدرك بلبان بالقول: «التهديد بعمل عسكري قد يساعد أيضاً المعارضين داخل إيران على تطوير النووي للاستخدام العسكري. فالتهديد غير فعال إذا لم يتم دعمه بأدلة على النية والقدرة على الهجوم». ويتخذ بلبان من صاروخ «حيتس» مثلاً داعماً لموقفه فيقول ان هذا الصاروخ يهدف الى منع الرد الإيراني على عملية عسكرية إسرائيلية. وبعبارة أخرى، يعني أن إسرائيل اهتمت بالفعل بتوفير الرد على الصواريخ التقليدية التي ستطلقها إيران بعد الهجوم الإسرائيلي. وبرأي بلبان فإن رسالة حيتس تعني أن إسرائيل جدية في نيتها مهاجمة إيران إذا لم تتراجع عن عزمها على امتلاك أسلحة نووية، ويقول: «الاتفاق الذي يجري العمل عليه في لوزان، لا يتعارض مع فكرة شن هجوم عسكري لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، ولكنه وسيلة أفضل من الهجوم. وعلاوة على ذلك، فإن التهديد بشن هجوم قد يساهم في تعزيزه». أمنيون إسرائيليون، سابقون وحاليون، يتوقعون صراعا وخلافات وتحديات كثيرة، تعترض صياغة الاتفاق النهائي مع إيران. الرئيس الاسبق للموساد، افرايم هليفي وصف الرد الإسرائيلي على الاتفاق ب «المتسرع» محذرًا من أنه لا يمكن الإمساك بالحبل من طرفيه: محاربة الرئيس أوباما لإحباط إنجازه التاريخي، من جهة، وفي الوقت ذاته التحدث معه كي يحسن المنتوج. ويواجه هليفي موقف نتانياهو وحملته ضد الاتفاق بدعم موقف الرئيس الأمريكي، ورغم أنه يعتبر أن الاتفاق يتضمن الكثير من النواقص، فقد عبر عن دعمه لوصف أوباما الاتفاق بالوثيقة التاريخية مستعرضاً خطوات عدة اتخذت تشير إلى ضرورة واهمية مثل هذا الاتفاق بينها: - رفض إيران طوال عشرات السنوات مطالب المجتمع الدولي بإجراء مفاوضات على المشروع النووي، ويثبت اتفاق المبادئ في لوزان أنها استسلمت عندما وافقت على التفاوض على مشروعها وعلى منشآتها النووية. - اضطرت إيران إلى الموافقة على إعادة مشروعها إلى الوراء وتدمير معدات باهظة الثمن في بعض منشآتها وإجراء تقليص كبير في عدد أجهزة الطرد المركزي التي ستبقى فاعلة. - إبقاء ألف جهاز طرد مركزي من بين ستة آلاف جهاز في منشأة باردو التي بنيت بشكل سري تحت الجبل وكشف النقاب عنها في 2009. وسيتم استغلال الأجهزة المتبقية للبحث والتطوير لأغراض مدنية فقط وتحت إشراف دولي. ولن تبقى مواد مشعة فيها ولن يتم طوال 15 سنة إجراء عمليات تخصيب لليورانيوم. - اضطرت إيران إلى الموافقة على نظام مراقبة دولي غير مسبوق لمنشآتها النووية وتفكيك منظومات حاسمة. وسيبقى في نطنز حوالى 5000 جهاز طرد مركزي من الطراز القديم، فيما سيتم إخراج ألف جهاز طرد مركزي جديد وتخزينها بإشراف الرقابة الدولية. وستتوقف في منشأة اراك عملية إنتاج البلوتونيوم وسيتم تدمير قلب المفاعل النووي أو إخراجه من البلاد، وستجري هناك أبحاث بمصادقة من القوى العظمى فقط. - وافقت إيران على تقييد مستوى تخصيب اليوروانيوم في المنظومات الضعيفة إلى نسبة 3.67 في المئة. كما وافقت على تقليص مخزون اليورانيوم المخصب من حوالى 10 آلاف كلغ إلى 300 فقط، وأما الكمية الزائدة فسيتم إخراجها من إيران أو معالجتها في شكل آخر، شريطة ألا تبقى خاضعة للسيطرة الإيرانية. - وافقت إيران على القيام بخطوات لم يتم الاتفاق على تفاصيلها بعد، من أجل توفير رد على مطالب بتوضيح التجارب التي أجرتها في مجال منظومات السلاح النووي. - تم بث خطاب الرئيس الأمريكي في أعقاب إعلان الاتفاق، مباشرة في التلفزيون الرسمي الإيراني، من دون إجراء أي رقابة عليه أو قطع البث، وهذه خطوة تعتبر سابقة في إيران منذ الثورة الإيرانية، بخاصة في مثل هذا الموضوع الحساس. وفي مقابل هذا الدعم لموقف أوباما هاجم هليفي نتانياهو بعد عرض مطالبه وبرأيه فإن المطلب الذي يطرحه نتانياهو باعتراف إيران بحق إسرائيل في الوجود هو مطلب يؤكد عدم رغبة رئيس الحكومة الإسرائيلية بالتوصل إلى اتفاق وبأن توجهه هو حربي».