بقلم: ياسر الزعاترة انتخب المجلس الثوري لحركة فتح بالاجماع الرئيس محمود عباس قائداً عاماً للحركة ، ما يعني تأكيد وراثة الرجل لزعامة السيد ياسر عرفات ، الأمر الذي يعني انقلاباً على القسمة الأولية التي أعقبت اغتيال عرفات ، والتي منحت فاروق القدومي زعامة الحركة (أمين سرّها بحسب التسمية المعروفة والمعتمدة) ، مقابل رئاسة اللجنة التنفيذية ورئاسة السلطة لأبي مازن ، مع العلم أن لا وجود لمنصب القائد العام الذي حمله عرفات في النظام الداخلي للحركة. محمد دحلان ، حليف عباس وصف ما جرى بأنه يأتي في إطار تعزيز صلاحيات ونفوذ الرئيس عباس ، وفي إطار الإصلاحات التي تتم داخل الحركة ومن أجل عقد المؤتمر السادس لها. أما الخطوات التالية فتتمثل في قيام عباس بإضافة أعضاء إلى المجلس الثوري ، وصولاً إلى اللجنة المركزية التي لن تتوقف المساعي قبل إضافة ستة أعضاء جدد إليها ، سيكونون في الغالب من جماعة عباس ، وهم محمد دحلان وروحي فتوح وحمدان عاشور وعزام الأحمد ونبيل عمرو ، مع مروان البرغوثي الذي يستدرج إلى ذات المجموعة من أجل منحها بعض المصداقية. جميع هذه التحولات بالنسبة لحركة فتح ، هي في إطار تشديد قبضة تيار رفض العسكرة على الحركة ومن ثم تحويلها من حركة تحرر وطني إلى حزب سياسي ، أو حزب سلطة بتعبير أدق ، وبالطبع في دولة مؤقتة كالتي رسم ملامحها شارون ويسير أولمرت من أجل تحقيقها على الأرض. ولا يغير بالطبع من هذه النظرية أن حماس اليوم هي الحركة الأولى انتخابياً ، لأن هؤلاء مستيقنون بناءً على ضمانات عربية وأمريكية وإسرائيلية وأوروبية من أن القوس ستعود إلى باريها بعد قليل من الوقت ، حتى لو استغرق ذلك ثلاث سنوات أخرى هي عمر المجلس التشريعي الحالي. نقول ذلك لأن الترتيبات التي يفكر فيها أولمرت، وغدت موضع اجماع أو ما يشبه اجماعا في الأوساط الإسرائيلية بعد بناء الجدار والانسحاب من غزة، لا بد لها من سلطة فلسطينية وحزب حاكم لا يؤمن بغير المفاوضات، ويقبل تبعاً لذلك بالدولة المؤقتة حتى لو واصل رفضها والنضال من أجل تغيير واقعها من خلال الأطر السياسية والضغوط الدولية!! ما يجري إذن بشأن حكومة الوطنية واستمرار التهدئة، وسوى ذلك من الإجراءات هو في جوهره مجرد فاصل ضروري أملته الظروف المحلية والعربية والإقليمية والدولية بانتظار إعادة الوضع إلى نصابه، وقد يكون ضرورياً كي يرتب القوم أوراقهم داخل فتح وفي أطر السلطة من أجل أن تتم العودة بطريقة سلسة ، وإلا فلماذا يجري الحديث عن إعادة قوات بدر وتسليح الحرس الرئاسي ومده بالأموال في ذات الوقت الذي يبشرون فيه بحكومة الوحدة الوطنية والتوافق وفك الحصار. يحدث ذلك أيضاً لأن البدائل الأخرى كانت مكلفة من أجل التسريع بالانقلاب على الوضع القائم، مع العلم أن القوم لم ييأسوا إلى الآن من إمكانية استدراج حماس إلى خطاب آخر يسهّل عملية الانقلاب التالي عليها ، وربما يدفعها نحو الموافقة على خيار إخراج القطاع من دائرة الصراع، كمقدمة ضرورية من أجل تكرار التجربة في الضفة وتكريس الدولة المؤقتة بعد ذلك. خلاصة القول هي أن ما جرى ويجري في فتح لا يعني الحركة وحدها، وإنما هو جزء من مخطط ترتيب أوراق القضية الفلسطينية برمتها، من دون أن يعني ذلك أن اللعبة ستكون برسم النجاح، فهنا ثمة شعب على درجة كبيرة من الوعي، ومعه قوى لا تقل وعياً بشعبها وقضيتها، فيما يتبقى الأمل بأن تتحرك بعض الأطر الفتحاوية الأخرى من أجل الوقوف في وجه هذا التيار بما يبقي فتح حركة تحرر حتى يتحقق التحرير الحقيقي، وليس الوهمي، كذلك الذي بشر به أوسلو من قبل، وسيبشر به مشروع الدولة المؤقتة، أكان مباشرة أم عبر خريطة الطريق التي تنص مرحلتها الثانية على إنشاء الدولة المؤقتة أيضاً.