في بيت متواضع لأسرة فلسطينية ثائرة وسط مخيم الدهيشة بمدينة بيت لحم الخالدة أقيم العزاء اعتقدت ولا تظن أنك ستسمع فيه صوت العويل والصراخ على العروس التي لم تكتمل فرحتها ولكن ستذهل حين تصغي لتجد صوت الزغاريد وأغانى الأفراح. على بعد أمتار من المنزل ستجد والدة العروس الصابرة المحتسبة تستقبل المهنئات لها تهديهم شربات الزفاف وتبادهم الود وتتعهد أن تبارك لهن فى زفاف ابنائهم في مثل هذا اليوم 29 مارس عام 2002 امتزجت الزغاريد بالبكاء فاليوم عُرس "أيات الأخرس" وإن لم تلبس الفستان الأبيض وتُزف إلى عريسها الذي انتظر يوم زفافه ما يزيد على عام ونصف وارتدت بدلا منه بدلة الجندية والكوفية الفلسطينية، وتزينت بدمها الأحمر الحر لتحوله إلى عرس فلسطيني يدخل البهجة والفرح على قلب أم كل شهيد وجريح. من أيات الأخرس؟ آيات محمد لطفي الأخرس من مواليد 20 فبراير عام 1985 هي الرابعه بين أخواتها السبع وأخوانها الثلاثة وطالبة في الصف الثالث الثانوي عُرفت بتفوقها الدراسي حيث حصلت على تقدير امتياز في الفصل الأول لهذا العام ورغم معرفتها بموعد استشهادها فإنها واصلت مذاكرة دروسها، وقضت طوال ساعات آخر ليلة تذاكر دروسها، وذهبت إلى مدرستها لتحضر آخر درس تعليمي لتؤكد لزميلاتها أهمية العلم الذي أوصتهم به. أيات.. بنت فلسطين ذهبت آيات مع زميلاتها في يوم الجمعة إلى المدرسة وكان ذلك ضمن دروس تعويضية أقرتها مديرة المنطقة التعليمية نتيجة للتأخير الذي نتج عن الاجتياح الاسرائلي للمدينة قبيل أيام وفي نهاية الدرس خرجت آيات مع زميلاتها لتعود للمنزل. توقفت "أيات" عن زميلاتها لتسلك طريقا آخر فسألتها صديقتها إلى اين ولكنها اكتفت بمعانقتها دون أن تجيب وكأن ذلك كان بوحا بجزء مما تكتمه. كانت "آيات" بنت السبعة عشر عاماً قد قررت أن ترتدي بدلة الجندية والكوفية الفلسطينية لتنفذ عملا تعتقد أنه سيشفي صدور أمهات الأطفال التي داستهم دبابات الاسرائليين وهي التي كان منتظرا بدلا من ذلك أن ترتدي بدلة عرسها الذي كان متوقعا أن يكون في يوليو 2002. أيات التي ودعت زميلاتها وقد ملأ عينيها الدموع قالت لهن إنني أريد إنجاز عمل ولم تفصح عن هذا العمل فكتبت ورقة ورفضت الكشف عن مضمونها وأوصت إحدى زميلاتها المقربات منها أن تأخذ هذه الورقة وأن لا تفتحها إلا بعد يوم. قامت "أيات" بحمل حقيبة مملوءة بالمتفجرات وتوجهت إلى أحد شوارع القدسالمحتلة وقامت بتفجير نفسها. أيات.. جلب للعرب عار كانت أيات أول فلسطينية تقوم بعملية استشهادية وتقتل وتصيب من اليهود الغاصبين لتفتح باباً لكثير من فتيات جيلها حيث تبعتها "هنادي جردات"و"دارين أبو عيشه" وغيرهن كثير ليكشفوا للعرب حقيقتهم حقاً. سجلت أيات مقطعاً مصوراً قبيل العملية تدعوا فيه الحكام العرب أن يدفعوا الكيد عن المسجد الأقصي المبارك لعلهم يستفقوا لكن لا حياة لمن تنادي. أيات.. سطرت لنا أيات بعد العملية اهتزت أركان الكيان الصهيوني وعلى الفور قامت قوات الاحتلال بهدم منزل عائلتها واعتقال عدد من اشقائها هذا الى جانب احتجاز جثمانها في مقبرة الارقام لمدة 12 عاماً حتى تم تسليم رافاتها إلي أسرتها فى فبراير عام 2014 ليودعها أبناء بيت لحم وكل فلسطين بالدموع والزغاريد فى مشهد مهيب.