"لا أريد أن أنسب لنفسي ما هو ليس لي ولكن الحقيقة تقتضي أن أقول أني أول من أطلق عبارة "الضباط الأحرار" على التنظيم الذي أسسه جمال عبد الناصر" وأنا الآن أعتذر عن هذه التسمية لأنها لم تكن اسماً على مسمى فهؤلاء لم يكونوا أحراراً إنما كانوا أشراراً وكان أغلبهم كما اكتشفت فيما بعد من المنحرفين أخلاقياً واجتماعياً ولأنهم كذلك كانوا في حاجة إلى قائد كبير ليس في الرتبة فقط وإنما في الأخلاق أيضاً حتى يتواروا وراءه ويتحركوا خلاله وكنت أنا هذا الرجل للأسف الشديد" كانت هذه العبارات تخرج من قلب "محمد نجيب" ليسجلها ضمن مذكراته فى كتاب كنت رئيساً لمصر . ففى اليوم 14 نوفمبر من عام 1954 أعلن جمال عبد الناصر عزل الرئيس "محمد نجيب" أول رئيس مصرى ووضعه تحت الإقامة الجبرية وتولى الحكم بدلا منه وأعلن حالة الطوارئ فى البلاد. محمد نجيب قائد حلم الأمه . أصبح الرئيس "محمد نجيب" أول رئيس مصرى فى جمهورية مصر العربية عقب انتهاء العهد الملكى بقيام ثورة 23 يوليو 1952 التى انتهت بعزل الملك فاروق ورحيله عن البلاد. الانقلاب ... السمه العسكرية الأبرز لم يستمر الرئيس "محمد نجيب" على كرسى الحكم بعد إعلان الجمهورية سوى فى الفترة بين 18 يونيو 1953 وحتى 14 نوفمبر 1954 ووُضع الرئيس "محمد نجيب" تحت الإقامة الجبرية بأمر من جمال عبد الناصر عقب انقلابه وتوليه الحكم. نجيب .. نصير الشعب كان الخلاف الأول بين الرئيس "محمد نجيب" وبين ضباط مجلس قيادة الثورة حول محكمة الثورة التى تشكلت لمحاكمة زعماء العهد الملكى تبع ذلك خلاف آخر بسبب صدور نشرة باعتقال بعض الزعماء السياسيين من بينهم مصطفى باشا النحاس وعلى الرغم من رفضه اعتقال مصطفى باشا النحاس إلا أنه فوجئ بعد توقيع الكشف بإضافة اسم مصطفى باشا النحاس. وكان دائما ما يدعو مجلس قيادة الثورة إلى الإفراج عن المعتقليين وعودة الأحزاب السياسيه والبدء فى اجراء انتخابات جديه تنتهى بعودة الجيش إلى ثكناته. انقلاب يقتل الجمهورية الوليدة !! يوم 14 نوفمبر 1954 توجه "محمد نجيب" من بيته في شارع سعيد بحلمية الزيتون إلى مكتبه بقصر عابدين ولاحظ عدم أداء ضباط البوليس الحربي التحية العسكرية له وعندما نزل من سيارته داخل القصر فوجئ بالصاغ "حسين عرفة" من البوليس الحربي ومعه ضابطان و10 جنود يحملون الرشاشات يحيطون به فصرخ في وجه "حسين عرفة" طالباً منه الابتعاد حتي لا يتعرض جنوده للقتال مع جنود الحرس الجمهوري فاستجاب له ضباط وجنود البوليس الحربي. كما لاحظ "نجيب" وجود ضابطين من البوليس الحربي يتبعانه أثناء صعوده إلي مكتبه نهرهما فقالا له إن لديهما أوامر بالدخول من الأميرالاي "حسن كمال" كبير الياوران فاتصل هاتفياً بجمال عبدالناصر ليشرح له ما حدث فأجابه عبدالناصر بأنه سيرسل عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ليعالج الموقف بطريقته. وعندما جاءه عبد الحكيم عامر وقال له أن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية فرد عليهم نجيب بكل ثبات "أنا لا أستقيل الآن لأني بذلك سأصبح مسئولا عن ضياع السودان أما أذا كان الأمر إقالة فمرحبا" وأقسم اللواء عبد الحكيم عامر أن إقامته في فيلا زينب الوكيل لن تزيد عن بضعة أيام ليعود بعدها إلي بيته لكنه لم يخرج من الفيلا طوال 30 عاما. خرج محمد نجيب من مكتبه في هدوء وصمت حاملا المصحف مع "حسن إبراهيم" في سيارة إلي معتقل المرج وحزن علي الطريقة التي خرج بها فلم تؤدي له التحية العسكرية ولم يطلق البروجي وقارن بين وداعه للملك فاروق الذي أطلق له 21 طلقة وبين طريقة وداعه. الإقامة الجبرية .. مصير الشرفاء . عندما وصل الرئيس إلي فيلا زينب الوكيل بضاحية المرج بدأ يذوق من ألوان العذاب مما لا يستطيع أن يوصف فقد سارع الضباط والعساكر بقطف ثمار البرتقال واليوسفي من الحديقة وحملوا من داخل الفيلا كل ما بها من أثاث وسجاجيد ولوحات وتحف وتركوها عارية الأرض والجدران وكما صادروا أثاث فيلا زينب الوكيل صادروا أوراق اللواء نجيب وتحفه ونياشينه ونقوده التي كانت في بيته ومنعه تماماً من الخروج أو من مقابلة أياً من كان حتى عائلته. وأقيمت حول الفيلا حراسة مشددة كان علي من في البيت ألا يخرج منه من الغروب إلي الشروق وكان عليهم أن يغلقوا النوافذ في عز الصيف تجنبا للصداع الذي يسببه الجنود اعتاد الجنود أن يطلقوا الرصاص في منتصف الليل وفي الفجر كانوا يؤخرون عربة نقل الأولاد إلي المدرسة فيصلون إليهم متأخرين ولا تصل العربة إليهم في المدرسة إلا بعد مدة طويلة من انصراف كل من المدرسة فيعودون إلي المنزل مرهقين غير قادرين علي المذاكرة. كانت غرفته في فيلا المرج مهملة بها سرير متواضع يكاد يختفي من كثرة الكتب الموضوعة عليه وكان يقضي معظم أوقاته في هذه الحجرة يداوم علي قراءة الكتب المختلفة في شتي أنواع العلوم خاصة الطب والفلك والتاريخ ويقول محمد نجيب: هذا ما تبقي لي فخلال الثلاثين سنة الماضية لم يكن أمامي إلا أن أصلي أو أقرأ القرآن أو أتصفح الكتب المختلفة. الكذب ... طريق الطاغية المعتاد أصدر مجلس قيادة الثورة بيان إقالة الرئيس محمد نجيب وقال البيان وورد فيه إن الرئيس محمد نجيب طلب سلطات أكبر من سلطات أعضاء المجلس وأن يكون له حق الاعتراض على قرارات المجلس حتى ولو كانت هذه القرارات قد أخذت بالإجماع وهو ما لم يحدث مطلقا بل كانت ذريعه للتخلص من رجل كان كل همه هو البسطاء والكادحين. ويتهم البعض ضباط مجلس قيادة الثورة بعمل مخطط لإزاحة الرئيس محمد نجيب والانفراد بالسلطة موضحين أن الرئيس محمد نجيب كان مجرد رئيسا رمزيا فى الوقت الذى استحوذ فيه ضباط مجلس قيادة الثورة على مجلس الوزراء وكانت ترقية الصاغ عبد الحكيم عامر إلى رتبة لواء دفعة واحدة وتعيينه قائدا عاما للجيش جزءا من هذا المخطط، وقد عارض الرئيس محمد نجيب ذلك بشدة وبالتالى تم الاستحواذ على السلطة المدنية والعسكرية.