عام 1988، وبينما كانت قوانين "العلمانية التركية" لا تزال تمنع المحجبات من دخول الجامعات، ذهبت "خير النساء" – هذا اسمها – زوجة الرئيس التركي المنقضية ولايته "عبد الله غُل" إلي جامعة أنقرة؛ لكي تسجل للدراسة في درجة "الليسانس"، ولكن الجامعة رفضت طلبها بسبب ارتدائها للحجاب، ما أضطرها آنذاك للتقدم بشكوى ضد حكومة بلادها - مع أخريات- إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولكن المحكمة الأوروبية لم تقبل شكواها. وقد أصرت "خير النساء"، على رفع القضية مرة أخري أمام المحكمة عام 2002، رغم أنها أصبحت حينئذٍ زوجة لرئيس الوزراء "غٌل" وتمتلك امتيازات، وإمكانيات مخصصة لها، بوصفها زوجة لرئيس الوزراء، تشكو فيها القضاء التركي لرفضه – بقرار المحكمة الدستورية- الموافقة على التحاقها في كلية الآداب بجامعة أنقرة؛لأنها محجبة. وقد حاول رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء منذ عام 2003، أن يرفع حظر الحجاب من الجامعات والمؤسسات العامة، ووعد بهذا في حملته الانتخابية 2007 ، وبالفعل في 7 فبراير 2008 أصدر البرلمان التركي الذي يهيمن عليه حزب أردوغان (العدالة التنمية) تعديلًا على الدستور سمح للنساء بارتداء الحجاب في الجامعات التركية مستندًا؛ لأن العديد من النساء لن يتمكنَّ من إكمال تعليمهنَّ إذا لم يتمكنوا من ارتداء الحجاب. ولكن في 5 يونيو 2008، ألغت المحكمة الدستورية التركية (أخر رموز الدولة العميقة، كما يصفها أنصار أردوغان) تعديل البرلمان الذي يهدف إلى رفع الحظر على ارتداء الحجاب، وأعادت منع الحجاب داخل الجامعات. وأخيرًا في 9 أكتوبر 2013، ألغت تركيا رسميًّا الحظر علي ارتداء الحجاب في مؤسسات الدولة، ضمن مجموعة من الإصلاحات أطلقها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي قال تعليقًا علي هذا: "ألغينا اليوم حكمًا بائدًا كان مناقضا لروح الجمهورية، إنه خطوة نحو العودة إلى الوضع الطبيعي". خير النساء تنتصر ومع أن هذا الإلغاء لحظر دخول الجامعات بالحجاب، اعٌتبر انتصارًا لزوجة عبد الله غُل، وكافة زوجات وبنات أعضاء الحكومة اللاتي ترتدي زوجاتهن، وبناتهن الحجاب، فقد أجلت "خير النساء" استكمال دراستها، وعودتها للجامعة بسبب انشغالها مع زوجها الرئيس، وأخرت هذه الخطوة حتى انتهت رئاسة (غُل)، لتقرر أخيرًا مواصلة دراستها الجامعية في جامعة "بوغازيتشي" باسطنبول. حيث أفادت مصادر بجامعة "بوغازيتشي" في مدينة إسطنبول، أنّ: "زوجة الرئيس التركي السّابق عبد الله غُل، "خير النّساء غُل" عادت إلى المقاعد الدّراسية في كلية الفنون الجميلة، بعد أن أُجبرت على إيقاف مسيرتها الدّراسيّة بسبب القانون الذي كان يمنع دخول المحجّبات إلى الجامعات التركية في السابق". وقالت الجامعة أن "خير النساء" بدأت دراستها الجامعية يوم 18 من نوفمبر الماضي، ولكن لم يعلن عنها حينئذ، وفق برنامج يلزمها بالحضور يومين في الأسبوع، للحصول على شهادة التخرج موقعة باسم جامعة "هارفارد". وقد جري تسجيل "خير النساء" في برنامج "الربيع الثاني"، ضمن الاتفاقية الموقعة بين الجامعة التركية "بوغازيتشي"، والجامعة الأمريكية "هارفارد"، للأشخاص المتقدمين في العمر. وقالت زوجة رئيس تركيا الأسبق التي اختارت مواصلة دراستها في تخصص "تطوير الفنون الجميلة"، و"علم النفس" في تصريح صحفي: "الإنسان جاء إلى هذه الدنيا من أجل التعلم الدائم ولتطوير نفسه، ليس هناك سن محدد للتعليم". كما طالبت من هيئة التدريس عدم التمييز بينها، وبين باقي الطلبة الآخرين للصفة الرمزية التي تحملها كزوجة لرئيس الجمهورية السابق، كما أعلنت أنّها ستلتزم بالحصص الدراسية المقرّرة في البرنامج الأسبوعي، وأنّها ستدخل الشُّعب الدراسية بمفردها، ومن دون حرسها الشّخصي. أول محجبة بالقصر الرئاسي ورغم الحملة الشديدة التي تعرضت لها "خير النساء"، زوجة أول رئيس تركي تدخل قصر الرئاسة التركي (شنقايا) وهي تلبس الحجاب علي يد الأحزاب والصحف المؤيدة للعلمانية الأتاتوركية التاريخية، فقد حرص بعض أعضاء بحزب أردوغان علي تذكيرهم أن زوجة كمال أتاتورك "مؤسس العلمانية التركية" - لطيفة أوساكي" - كانت محجبة أيضًا، وتلبس الحجاب أو ما يُسمي "الشرشف" التركي الأسود الشهير، والذي يشبه العباءة الخليجية السوداء، والذي لا يزال منتشرًا في مناطق تركية متدينة، ومحافظة عديدة خصوصًا في الشرق، واسطنبول . وقال أعضاء حزب "التنمية والعدالة" وصحف الحزب إنه: "عندما ثار أتاتورك علي الدولة العثمانية، ودعا لخلع الحجاب، كان "الشرشف" – الحجاب- هو الزي الرسمي للتركيات، وكانت زوجته "لطيفة" ترتديه. وتظهر الصور الرسمية لمؤسس الدولة التركية (أتاتورك)، بالفعل أن "لطيفة" كانت محجبة، وتلبس الشرشف الأسود الذي لا يظهر سوي وجهها فقط ويغطي جسمها بالكامل، قبل أن تخلعه بأوامر من أتاتورك لاحقًا، وترتدي زيًّا أوربيًّا يظهر شعرها، وقسم من كتفيها. وبدخول حجاب "خير النساء" الخميس 29 أغسطس 2007 لأول مرة للقصر الرئاسي رغمًا عن أنف العلمانيين، أصبح حجابها العصري الجديد الملون هو الوريث الشرعي ل "شرشف" السيدة "لطيفة" الأسود، زوجة أتاتورك بعد 83 عامًا من المنع العلماني للحجاب، ليغزو الحجاب بذلك قصر الرئاسة، ويتكرر الغزو مع دخول زوجة أردوغان أيضًا (أمينة) المحجبة للقصر الرئاسي أيضًا. فرغم القوانين العلمانية التي منعت لبس الحجاب في المدارس، والجامعات، والمصالح الحكومية، فقد ظل "الشرشف" منتشرًا في المدن التركية المختلفة، وظلت العديد من التركيات تلبسْنَ الحجاب، حتي بلغت أن إحصاءات تركية تشير لأن نسبة المحجبات مع عودة ظاهرة الإحياء الديني منذ ثمانينات القرن الماضي بلغت 65% من التركيات، قسم منهن يلبسن الزي القديم (الشرشف)، والغالبية تلبس الحجاب العصري الملون. أصل الشرشف وتؤكد الكاتبة التركية "دفنه بيراق" أن هذا الزي النسائي (الشرشف) ظل موجودًا منذ الزمن العثماني ولم يتغير، وأنه لا يزال حتى الآن موجودًا في المناطق المتدينة المحافظة في تركيا خصوصًا في مدن شرق تركيا، والعاصمة اسطنبول (منطقة فاتح)، وأن هذا الزي غالبًا يكون لونه أسود أو أزرق غامقًا، وهو يغطي الجسم كله من أعلي لأسفل. وتضيف أن: "الصورة التي تظهر فيها زوجة أتاتورك، وهي بدون الحجاب بجوار زوجها ظلت توضع في كتب المدرسة الإعدادية، ولكن مع تولي حكومة حزب العدالة، وتحديدًا منذ عام 2005 جري تغيير هذه الصورة، ووضع الصورة القديمة لأتاتورك، وزوجته، وهي بالحجاب، ما دعا أحد مؤلفي الكتاب الخمسة – وهو علماني مؤيد لحزب أتاتورك (الشعب) - لرفع دعوي قضائية؛ لإلغاء التعديلات التي جرت في الكتاب". نصف زوجات البرلمانيين محجبات ووفقا لإحصاءات نشرتها صحيفة "حرييت" التركية، فقد غزا الحجاب كل مؤسسات الدولة تقريبًا منذ فوز حزب "العدالة"، ومن قبله حزب "الرفاه"، حيث أصبحت أمينة زوجة أردوغان، هي ثاني زوجة محجبة لرئيس الوزراء التركي بعد زوجة أربكان، ثم خير النساء زوجة "غُل"، كما أظهر الإحصاء أن زوجات 235 نائبًا (من 550) في البرلمان المنتخب في 22 يوليو 2007، علي سبيل المثال، هن من المحجبات، وأن هذه النسبة ظلت تتزايد في البرلمانات اللاحقة. ومعروف أن التركيات ظللن حتى عام 1924 يرتدين الحجاب، والملابس الساترة للجسد ما عدا الوجه؛ حيث بدأت محاربة الحجاب في تركيا عام 1924م في أعقاب تأسيس الرئيس أتاتورك نظامًا علمانيًّا جديدًا، وأصدرت عدة قرارات أهمها: منع دخول المحجبات إلى الجامعات، والعمل في المؤسسات الحكومية، وفصل المحجبات من الطالبات، والموظفات، أو إجبارهن على خلع الحجاب. ويقول مؤرخون أتراك إنه كان يحدث في كل عام دارسي في هذه الفترة، أن تأتي القوات المسلحة التركية لتحيط بالجامعة، وتمنع المحجبات من دخولها، وتقوم الشرطة النسائية بإخراجهن من الجامعة بالقوة، كما تعرضت الكثيرات منهن للسجن أكثر من مرة، وعقابهن مما دفع الكثير من الجامعيات إلى الدراسة خارج بلدهن ومنهن بنات رئيس الوزراء التركي الحالي أردوغان؛ لمنعهن من ارتداء الحجاب في جامعات بلادهن. وعلى الرغم من وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي لسدة الحكم عام 2002م، فإن الحجاب ظل ممنوعًا في الجامعات والمؤسسات الحكومية حتى تم إلغاؤه عام 2013، وتشير الإحصائيات التركية الحديثة إلي أن 65% من النساء التركيات يلبسْنَ الحجاب.