اختتم الرئيس الفلسطيني محمود عباس زيارة لروسيا استمرت ثلاثة أيام، بدأها بزيارة العاصمة الشيشانية بدعوة من رئيسها رمضان قاديروف. زيارة عباس لجروزني مثلت إشارة رمزية لاحترام سيادة الاتحاد الروسي ووحدة أراضيه وخاصة أن الكثير من الأصوات في روسيا وإسرائيل حاولت في السنوات السابقة تشبيه الحالة الفلسطينية بالحالة الشيشانية الانفصالية. ولكن الأهم في زيارة عباس لروسيا والتي هي الثانية له خلال العام الجاري كان اللقاء مع الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف للمرة الأولى منذ تسلمه السلطة في السابع من مايو الماضي. لقاء عباس وميدفيديف جرى عمليا خلف الأبواب المغلقة، ولكننا علمنا من مصادر مطلعة أن الرئيس الروسي عبر عن دعمه لشرعية عباس كرئيس منتخب، وعن دعمه أيضا لدفع عملية السلام وعقد مؤتمر موسكو. الرئيس الروسي أشار أيضا إلى أهمية تحقيق المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس وإن انتقد تصرفات الأخيرة. دعم الرئيس الروسي لمحمود عباس تجلى بوضوح في تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي أكد أن القيادة الروسية تؤيد بثبات محمود عباس كرئيس شرعي منتخب لكل الشعب الفلسطيني. وأضاف أن بلاده ستقدم لعباس كل العون والدعم في جميع المجالات وخاصة في المجال الأمني ومساعدة الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية وتشجيع الاستثمارات الروسية في الأراضي الفلسطينية. لافروف علل تجديد موسكو لتأييد شرعية الرئيس الفلسطيني بتمسك عباس وفريقه بالعملية السلمية في إشارة واضحة لانتقاد موقف حركة حماس التي ترفض شروط الرباعي الدولي. في نفس الوقت أكد الوزير الروسي اهتمام موسكو بتحقيق المصالحة الوطنية بين فتح وحماس، مشيرا إلى الاستفزازات التي تعيق هذه المصالحة وذلك في إشارة أخرى إلى مواقف حركة حماس. بعض المراقبين الروس يعتقدون أن هذا الموقف الروسي قد يعني تغير النهج الروسي تجاه حماس. فمن المعروف أن روسيا لا تقر بحماس كمنظمة إرهابية، وكانت موسكو أول من دعا قيادة هذه الحركة لزيارتها. وبالفعل زار خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة العاصمة الروسية مرتين. وتمثل الهدف الروسي في محاولة إقناع حماس بضرورة الموافقة على شروط الرباعي الدولي والمتمثلة في الاعتراف بالاتفاقيات المبرمة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل تمهيدا لاعترافها بحق إسرائيل في الوجود. غير أن حماس لم تستجب للحوار مع روسيا، الأمر الذي دفع الروس في الفترة الأخيرة إلى تخفيض الاتصالات مع هذه الحركة. غير أن المراقبين الروس الآخرين لا يرون في موقف موسكو المنحاز لعباس قطيعة كاملة مع حركة حماس. فروسيا حسب هؤلاء المراقبين ستحرص على مواصلة فتح قنوات الاتصال مع الحركة وفقا لمبدأ " لعل وعسى " . الرئيس الفلسطيني حصل من موسكو على ما أراد أثناء زيارته لها . فقد انضمت روسيا إلى المؤيدين لاستمرار عباس في السلطة حتى عام 2010. كما انضمت لموقف عباس الداعي إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في آن واحد لحل مشكلة الشرعية. ويبدو أيضا أن موسكو اقتنعت بأن عباس وفريقه يعملان من أجل تحقيق المصالحة الوطنية. وأخيرا تأكد عباس من أن روسيا وعلى أعلى مستوى ما زالت متمسكة بعقد مؤتمر موسكو للسلام في العام القادم وإن لم يتمكن من تحديد موعد ذلك المؤتمر بدقة لأن إسرائيل ما زالت تضع العراقيل أمام انعقاده.