يوجب علينا ما تعلمناه أن نحترم من هم أكبر منا ونبرهم ، وعلمنا أهلنا ( ان اللى ملهوش كبير يدور له على كبير ) ، وشخصيا أؤمن أن كل من يكبرنى بيوم واحد فإن معرفته بالحياة أكبر من معرفتى لأنه سبقنى إليها ، دائما كنت أؤمن بمفهوم الشراكة الجيلية حيث تتكامل الأجيال لتصنع مستقبلا أفضل لم أكن راضيا ورفضت تطاول وحدة وقسوة بعض أبناء جيلى على الأجيال الأكبر خلال الثلاثة سنوات الماضية خاصة خلال الشهور الأخيرة التى تم بها استفتاء الدستور وانتخابات الرئاسة ورغم اختلافى مع انحيازات واختيارات أغلب هذه الأجيال وطريقة تقييمهم للأمور وقراءتهم للواقع إلا أننى كنت ألتمس لهم الأعذار وأقول يجب أن نتفهم ما عاشوه وما عشناه وما رأوه وما رأيناه لأن الاختلاف فى مسارات التكوين يؤدى لاختلاف الرؤى والحكم على الأمور لكن صدمنى أن أجد أن ما نطالب به أبناء جيلنا من تفهم وصبر واستيعاب للاختلاف لا أجد له مقابلا موازيا فى كثير ممن ينتمون للأجيال الأكبر ، إن هناك بعضهم يهاجمون جيلنا بضراوة ويحملونه كل خطأ ومصيبة ويثبطون عزيمته ويستنكرون أحلامه ويستكثرون عليه أن يكون له رأى مختلف ، فإذا لم يوافق رأيه هواهم اتهموه وشككوا فيه ثم جلدوه ، وحين أتناقش مع بعض أبناء جيلى ومن هم أصغر منى أكتشف أن رد فعلهم العنيف وحدتهم نتاج الأسلوب الذى يعاملهم به الكبار هذا المقال ضد فكرة التعميم فهناك من الكبار من تتفوق أفكارهم وحماسهم على حيوية أفكار الشباب ولكن مشكلتنا فى هذا الجناح الذى يمارس الإقصاء الجيلى والذى يجب أن نذكره مضطرين أن ما نحن فيه من مأساة سببه أن أجيال أخرى سبقتنا ارتضت الصمت والمشى جنب الحيط وتركت الوطن ينتقل من سىء الى أسوأ حتى وصلنا لهذا القبح تحملنا عاقبة صمت أجيال سبقتنا ولولا أن جيلنا كسر حاجز الخوف وأطلق شرارة ثورة يناير ليهز أركان دولة الخوف والطغيان لما تغير شىء ، نعم تعثرت الثورة واختطفت وربما صارت الأوضاع أشد سوءا وبؤسا الأن لكن هذا لا يمحى من الذاكرة صور الشباب الشهداء الذين فتحوا باب الحرية بدماءهم وبعيونهم وتضحياتهم التى كانوا يبتغون بها حياة أفضل لكل المصريين يحاسبنا بعضهم على ما آلت اليه الاوضاع وكأننا كنا نحكم على مدار ثلاثة سنوات وينسون أن المجلس العسكرى ثم الاخوان هم من حكموا مصر وينسون أن خطأنا أننا عقب 25 يناير وتنحى الديكتاتور مبارك أسرعنا للكبار وسلمناهم الأمانة كى يقودوا المشهد ونحن من خلفهم لكنهم خذلونا بشقاقهم وتمزقهم إلى أن وقعنا جميعا فى المستنقع ودفعنا الثمن إن ما يجب أن تدركوه أننا مختلفون عنكم والعالم الذى نعيشه مختلف عن عالمكم الذى نشأتم فيه حتى أحلامنا مختلفة عن أحلامكم ، نحن رأينا – بفعل تغير الزمان وتقدم العالم – دولا تقدمت حين قدست الحرية وأعطت للمواطن حقه وحفظت كرامته ، نحن نؤمن إيمانا راسخا أنه لا أمن ولا تقدم ولا راحة إلا بالديموقراطية لأنها مفتاح رغيف الخبز والحياة الكريمة وأن كل إدعاء أن هناك أولويات تسبقها هو خرافات ثبت بالتجربة زيفها جيلكم ارتضى يوما تأجيل الديموقراطية وردد مع حكامه ( لا صوت يعلو على صوت المعركة ) فماذا كانت النتيجة ؟ كانت نكسة وضياعا لأجزاء من الوطن لم يعد بعضها حتى الأن ؟ هل منحكم القمع أمانا ؟ هل أطعمكم الاستبداد خبزا ؟ إن القمع والاستبداد لا يصنعان أمنا ولا خبزا بل خوفا وجوعا ! أنتم لا تصدقون أن السير فى نفس الطريق بنفس الوسائل والأفكار لن يخلق نتيجة مختلفة بل فشل أخر أشد بؤسا ، أنتم لا تصدقون أننا لسنا مرضى بالاحتجاج ولكننا لم نحلم إلا بحياة كالحياة ، ولا نستطيع أن نصمت أو نرتضى أن نعيش حياة ليست بحياة كلنا نستطيع أن نرحل ونغادر الوطن إلى بلاد أفضل لكن حبنا لهذا الوطن وانتماؤنا إليه جعلنا لا نراه فندقا نغادره إذا ساءت الخدمة فيه ، بل هو وطن نتنفسه ونصر على إصلاحه وجعله فى أعلى مكان بين بلاد العالم ، لو لم نعشق هذه الأرض ما تحملنا كل ما مضى ، لم نستطع أن نصنع عالما موازيا منعزلا عن الناس لأننا نشعر بمسئوليتنا تجاه هؤلاء الناس ونرى أن الله سيحاسبنا إذا لم نبذل الجهد لنغير حياتهم ونحسنها سامحونا على مرضنا بحب الوطن وعشق ناسه ، وتذكروا أنكم زرعتم فينا هذا منذ الصغر والأن تتنصلون منه ! فهل كانت تلك القيم نظرية ؟ أم للتطبيق العملى ؟ ألم تقولوا لنا أن من يعش لنفسه فقط هو إنسان أنانى ؟ ألم تقولوا لنا أن الحرية هى أثمن ما يمتلكه الانسان واذا فرط فيها صار ميتا ؟ ألم تقولوا لنا انصروا الضعفاء ودافعوا عن المظلومين ؟ ألم تقولوا لنا أن الوطن أمانة فى أعناق الشباب لأنهم صناع المستقبل ؟ فلماذا تصادرون هذا المستقبل الأن وتريدون منا أن نقبل بعودة الماضى الذى تشتكون منه ؟ رفقا بنا وكونوا عونا لنا لا حربا علينا ، انصحونا برفق وأحسنوا بنا الظن ، ولا تجعلونا رهائن لتجربتكم ، ثقوا أن سنة الحياة هى التغيير فلا تقفوا أمام سنن الكون ، فلتتشابك أيدينا لنبنى وطنا ولا نتنازعه ، مهما أصابنا منكم أنتم الكبار ونحن أبناءكم .