التقنيات الصوتية والبصرية في لغة القرآن – سورة القارعة نموذجا ياسر أنور تمثل لغة القرآن المستوى الأعلى في اللغات الإنسانية تأثيرًا على المستويين الوجداني والعقلي على السواء, ولم يكن للإسلام وسيلة في غزو حصون القلوب وقلاع العقول إلا من خلال معجزته القرآنية التي بهرت جميع الطبقات والشرائح الثقافية المختلفة بدءًا من الأمي الذي لا يقرأ, وانتهاءً بالشعراء أمراء البيان. وقد استخدم القرآن لغة ثلاثية الأبعاد في تحقيق هذا التفرد بين جميع وسائط الخطاب الإنساني, البعد الوجداني, والبعد الصوتي, والبعد البصري, وقد أشار القرآن نفسه إلى تلك اللغة الثلاثية في قوله تعالى: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب (وجدان) أو ألقى السمع (صوت) وهو شهيد (بصر). وهي ذات الأبعاد التي تستخدمها اللغة السينمائية لإحداث أقصى درجات التأثير فيمن يوجه إليهم الخطاب. ويمكن تقسيم المشاهد القرآنية إلى أربعة أقسام تتبادل التأثير الصوتي والبصري بدرجات متفاوتة , تكون فيها البطولة والهيمنة إما للصوت وإما للبصر, أو تتحول إلى مزيج صوتي بصري معًا. وبطريقة أخرى يمكن تقسيمها إلى: مشهد صوتي مشهد بصري مشهد بصري صوتي مشهد صوتي بصري, ويمكن الاستدلال على ذلك مثلًا بسورة القارعة, حيث بدأت السورة بالمشهد الصوتي فقط, دون أن يكون للبصر أي مساحة من الحضور, وهو أمر طبيعي, فالموتى, لكي يتم إيقاظهم يوم القيامة, في حاجة إلى صوت رهيب غير معهود, لذلك بدأت السورة بهذه التقنية الصوتية القارعة! أي التي تقرع الآذان وفقط, ونلاحظ هنا وفي كثير من آيات القرآنية أن التقينة الصوتية التي تعتمدها آيات لإيقاظ الموتي للقيامة أن الفواصل (نهاية الآيات) تنتهي بحرف الألف بعده حرف أو حرفان (بإسقاط الشدة في بعض الحروف) مثل القارعة - الواقعة – الآزفة – الصاخة – الطامة – الغاشية), وبالعودة مرة ثانية إلى سورة القارعة, نفاجأ بتقنية التكرار الصوتي فقط دون وجود أي شحنات بصرية, القارعة, ما القارعة, وما أدراك ما القارعة؟ وبعد أن يستيقظ الموتى, تبدأ العين في مشاهدة ما يحدث, لذلك ينتقل القرآن إلى التركيز على المشهد البصري, ليحتلل البصر دور البطولة, مكان الصوت, لذلك نجد ظهور مفردات بصرية مثل: الناس, الفراش المبثوث, الجبال, العهن المنفوش, ولكي بمنح القرآن البصر فرصة التأمل فإنه يتوسل بوسائل الإطالة الزمنية, وهي حروف المد في الناس, الفراش, المبثوث, مستخدمًا تقنية المد العارض للسكون الذي يصل إلى ست حركات, وهكذا في الآية التي تليها, وفي هذا المشهد البصري بامتياز تتوارى تقنية الصوت بشكل ملحوظ, ثم بعد ذلك يظهر النوع الثالث من المشاهد, وهو الذي يمزج فيه بين التقنيات الصوتية والبصرية بالتبادل ودرجات متفاوتة في بقية الآيات.