رائحة البول تزكم الأنوف، لماذا هى الكبارى وحدها التى يتبول الناس تحتها وبجوارها ؟! قد يبدو السؤال عبثيا .. أحاول اللحاق بالميكروباص المتجه إلى المنصورة .. تأخرت كثيرا .. - الأجرة سبعتاشر جنيه يا حضرات ! قالها السائق الأحمق بنبرة مغلفة بالتهديد .. ولم لا واليوم الخميس والركاب بالعشرات لا يجدون ما يحملهم .. أستمع إلى غمغمات بعض الركاب الذين لا يجرؤون على معارضة السائق الذى رفع الأجرة من اثنى عشر جنيها إلى سبعة عشر ! الجميع بما فيهم أنا تحت وطأة السرعة والاستعجال وافقوا .. فى الطريق قرأت على بعض الجدران الملاصقة للطريق : محمد بيحب أميرة يا أم أميرة ! تكررت العبارة عدة مرات .. على قدر الضحك تألمت لهذه الحالة وتذكرت مجنون ليلي ودعوت الله أن يجمعه بأميرة فى الحلال وأن يهدي أم أميرة التى يُفهم من المكتوب أنها تعارض هذا الحب .. بعدها بفترة قرأت على أحد الجدران " قاتل cc " ! صرعتنى ذاكرتى بمشاهد الأشلاء والقتل فى رابعة العدوية .. أخذتنى سنة من النوم حتى أفقت على صوت ياسين التهامى عند ميت غمر .. يا عين عين وجودي يا مدى هممي يا منطقي و عباراتي و إيمائي يا كلّ كلّي يا سمعي و يا بصري يا جملتي و تباعيضي و أجزائي يا كلّ كلّي و كلّ الكلّ ملتبس و كل كلّك ملبوس بمعنائي أذكر أنى قرأت هذه الأبيات فى قصيدة للحلاج .. عجبت لهذا السائق الذى لا يعرف أى شئ عن الحلاج ، ويخالف عادة رفاقه من سائقي الميكروباص فى الاستماع إلى أغانى الكوز والحمار والمهرجان .. ويستمع لأغانى صوفية ! - إنت فين يا معلمى ؟ الأسطي حسان يا عم .. ! وقفنا قرب سندوب لمدة نصف ساعة فى انتظار مندوب الأسطي حسان ليرحمنا من هذا اليوم العصيب الذى تعطلنا فيه مرات عديدة .. لمحناه من بعيد قادم بالترنج الأسود والسيجارة بين إصبعيه السبابة والوسطي ابتسم فظهرت أسنانه السوداء .. صعد فوق الميكروباص يفك الحبال .. أخيرا نزل بالكرتونة .. كان بجوارى من يشتم " الشعب المتخلف" وأمامنا من يقول : عليه العوض ! نزلنا بعد رحلة من العذاب .. أشعر بثقل فى رجلى من طول الرحلة .. الدراسات .. الجامعة .. جاى يا نجم ..؟ أسرع الخطوة لألحق بالسيرفيس .. ألمح أمام أحد المحلات يافطة كبيرة " فوضناك يا خير أجناد الأرض" ثم سرعان ما توالت الجدران وما عليها "قاتل cc " !