بعد فشل كل المحاولات العسكرية والإعلامية.. التخاريف هى الحل قصة الكاتب المعتوه «روبرت سبنسر» فى كتابه «هل محمد كان موجودا؟» ماذا حدث عندما قال «باراك أوباما»: إن الولاياتالمتحدة لم تعد أمة مسيحية؟! يمر العالم الغربى الآن بحالة من فقدان التوازن، ربما هى الأسوأ منذ هزيمته فى الحروب الصليبية على يد الزعيم الحقيقى «صلاح الدين الأيوبى»، لا الزعماء الكرتونيين والبلاستيكيين من المرضى والمهاويس الذين ابتُليت بهم الأمة هذه الأيام، والذين لا يشك عاقل فى أنهم مجرد فقاعات جوفاء تتم صناعتهم وفق آلة إعلامية سطحية وتافهة على يد مجموعة من الإعلاميين الحمقى والجهلاء فى سيرك الصحف سيئة السمعة، كالراقصات تماما، وفى مقاهى القنوات الفضائية التى لم تعد تقدم إلا بهلوانات الإعلام ومهرجى الثقافة وحواة الفقه.. إنها المشاهد العبثية التى تتكرر دائما فى كل المراحل التاريخية، حتى فى العهد النبوى ذاته؛ فقد كان هناك بعض هؤلاء المهرجين الذين يضفون مسحة كوميدية على مسرح الأحداث حتى فى أثناء المعارك الحربية، فأبو جهل على الرغم من عنفه وقسوته كان واحدا من هؤلاء المهرجين والمجانين بحب الزعامة، وعبد الله بن أُبى بن سلول كذلك، وغيرهم من الذين حاولوا ويحاولون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، فكان مصيرهم أن جمعت سيرتهم ووضعت فى أكياس القمامة وألقيت فى إحدى زوايا التاريخ. يقف العالم الغربى الآن فاغرا فاه من الحيرة والدهشة والعجز أمام هذا الدين وانتشاره الخارق لكل ما هو مألوف ومعتاد، لسبب بسيط لم يدركه العالم الغربى بعد، وهو أن الإسلام لا ينتشر وفقا لقوانين المنطق وقواعد التاريخ فحسب، بل وفق منظومة أخرى ربانية لا تعرفها المختبرات والمعامل الغربية. فقد جربوا كل أنواع المعارك والأسلحة بدءا من غزوة مؤتة ومرورا بغزوة تبوك وأجنادين واليرموك ومعارك أخرى عبر التاريخ، ثم الحملات الصليبية التى لم تنته حتى الآن، وكان آخرها ما صرح به الرئيس الفائز بلقب الأكثر حماقة فى تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية «جورج بوش الابن» عندما قال عشية حربه على العراق «إنها حرب صليبية»! فشلت إذن كل المحاولات المسلحة فى أن تجعل المسلمين يتنازلون عن دينهم، وهو رد عملى على ادعاءاتهم الخرقاء بأن الإسلام انتشر بالسيف، فإذا كانت أسلحتكم وقنابلكم وطائراتكم عجزت عن نشر معتقداتكم وأفكاركم، فكيف تريدون أن تقنعونا بأن ديننا قد انتشر بالسيف؟ هل السيف أقوى من طائرات (إف 16) وطائرات الشبح والقنابل العنقودية؟ اللهم إلا إذا كان الأوائل قد تنازلوا -بتلك السهولة- عن دينهم مغازلة للإسلام الجديد، وهى تهمة لكل الأمم القديمة بالخيانة وعدم التمسك بأساطيرهم وطقوسهم التى يطلقون عليها اسم دين. والآن وفى هذا العصر، أصبحت مهمة العالم الغربى أكثر صعوبة فى إيقاف المد الإسلامى الجارف على الرغم من كل محاولات التشويه التى تغذيها وتنفق عليها كبرى المنظمات اليهودية والمسيحية المتطرفة، فقد أحدثت ثورة الاتصالات الحديثة، وبخاصة الإنترنت، حالة من فقدان السيطرة على الراغبين فى التعرف إلى الآخر أيا كان، وبات العالم أشبه بمحيط كبير لتبادل المعلومات والأفكار والمعتقدات، لذلك فقد بدأ العالم الغربى يبتكر وسائل أخرى، ولا شك أنها ستصاب هى الأخرى بفشل إثر فشل، بل ولا نبالغ إذا قلنا إنها سوف تكون سببا لمزيد من الإقبال على الإسلام والتعرف إليه واعتناقه،كما جاء فى الحديث: «... وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر». آخر هذه الوسائل الكوميدية والمجنونة أيضا هى ما يقوم به أحد أكثر المتطرفين ضد الإسلام على مستوى العالم وهو الكاتب الأمريكى المسيحى المتطرف «روبرت سبنسر» من خلال كتاباته العدائية ضد الإسلام، والتى بلغت ذروة سماجتها وبلاهتها فى كتابه الأخير بعنوان: «هل محمد كان موجودا؟» Did Muhammad Exist ? وأعقبه بعنوان فرعى: «تساؤل عن الأصول الغامضة للإسلام» أو An inquiry into Islam's obscure origins . وقبل أن نناقش فكرة الكتاب المضحكة، نريد أن نتسلى قليلا ونحن نشاهد هذا البهلوان وأفكاره الأكروباتية.. يقول الأبله «روبرت سبنسر» متحدثا عن القرآن، المصدر الأول فى الإسلام: القرآن لا يحتوى على أية معلومات عن محمد إلا نادرا، فاسم «محمد» ذكر فى القرآن أربع مرات فقط، بينما ذكر إبراهيم 79 مرة، وموسى 136 مرة، وفرعون 74 مرة، وعبارة رسول الله (the messenger of Allah) ذكرت 300 مرة، وعلى الرغم من أنها تشير إلى شخص، فإنها لا تحدثنا عن سيرته ولا حياته، ثم يصل العبقرى «سبنسر» إلى هذه النتيجة الباهرة فى صفحة 19 حين يقول: “we can glean nothing from these passages about Muhammad's biography. Nor is it even certain، on the basis of the Qur'anic text alone، that these passages refer to Muhammad، or did so originally”. إننا لا نستطيع أن نلتقط من تلك الفقرات شيئا عن سيرة محمد، ولا حتى أن نتأكد -وعلى أساس النص القرآنى وحده- أن تلك الفقرات تشير إلى محمد أصلا. وبعد ذلك ينتقل(العالم الفذ) «سبنسر» إلى المصدر الثانى وهو الحديث الشريف، ليقول فى مشهد أكروباتى آخر إن تلك الأحاديث الكثيرة جدا والتى تملأ مجلدات كبيرة الحجم، تتسم بالتناقض والاختلاق، كما أنها كتبت بعد وفاة محمد بسنوات، ولم تكتب فى حياته. ثم يتوجه إلى المصدر الثالث وهو السيرة النبوية قائلا: “The earliest biography of Muhammad was written by Ibn Ishaq (d.773)، who wrote in the latter part of the eighth century، at least 125 years after the death of his protagonist، in a setting in which legendary material about Muhammad was proliferating. And Ibn Ishaq's biography does not even exist as such; it comes down to us only in the quite lengthy fragments reproduced by an even later chronicler، Ibn Hisham، who wrote in the first quarter of the ninth century، and by other historians who reproduced and thereby preserved additional sections. Other biographical material about Muhammad dates from even later.” (p.19) «لقد كتبت أقدم سيرة لمحمد بواسطة ابن إسحاق المتوفى عام 773 ميلادية، الذى قام بتدوينها فى الجزء الأخير من القرن الثامن الميلادى بعد 125 عاما على الأقل بعد وفاة بطل قصته (محمد) بطريقة تنتشر فيها المادة الأسطورية عن شخصية محمد، كما أن ابن إسحاق نفسه، لم يكتبها بهذه الطريقة السردية، بل جمع شذراتها المتناثرة أحد المؤرخين فيما بعد، وهو ابن هشام الذى كتبها فى الربع الأول من القرن التاسع الميلادى، وكذلك أيضا جمعها عدد آخر من المؤرخين الذين أضافوا إليها أجزاء أخرى، كما أن ثمة مادة أخرى لسيرة محمد يرجع تاريخها إلى مرحلة متأخرة» (ص:19). ولم تقتصر الأزمة لدى «سبنسر» عند شخص النبى -صلى الله عليه وسلم- بل كانت كلمة «مسلم» أيضا من المحاور التى ناقشها، محاولا بطريقته البهلوانية إثبات أن هذه الكلمة لم تكن معروفة أيضا، ولم تُذكر فى المراجع التاريخية التى كتبها مؤرخو البلدان التى فتحها المسلمون. ثم يعرج الكاتب على بعض المصادر المسيحية التى لم تشر إلى اسم «محمد» صراحة، ومن الطرائف التى سردها قوله: «إن غزو القدس تم سنة 637م، ولم يذكر الأب «سوفرنيوس» Sophronius -الذى سلم مفاتيح المدينة إلى عمر بن الخطاب- اسم «محمد»! كما يستشهد بعبارات المؤرخ المسيحى «يوحنا النيقاوى» أو «النيقوسى» عام 690 ميلاديا حيث يقول: The first reference to the term Muslim comes in 690 by a Coptic Christian bishop، John of Nikiou. He wrote: “And now many of the Egyptians who had been false Christians denied the holy orthodox faith and life giving baptism، and embraced the religion of the Muslims، the enemies of God، and accepted the detestable doctrine of the ( ) [سباب ضد النبى]،، that is، Muhammad، and they erred together with those idolaters، and took arms in their hands and fought against the Christians.” «إن أول إشارة إلى المصطلح (مسلم) يأتى عام 690 ميلاديا من خلال القس المسيحى القبطى (المصرى) يوحنا النيقوسى حيث كتب: وقد تنكر كثير من المسيحيين المصريين للعقيدة المسيحية الأرثوذكسية المقدسة وللتعميد الذى يمنح الحياة واعتنقوا دين المسلمين أعداء الله، وقبلوا العقيدة الأكثر بغضا وهى عقيدة (...) محمد، ومارسوا الخطيئة مع هؤلاء الوثنيين واتحدوا لقتال المسيحيين». وكما هو واضح، فقد كانت النبرة التى صاغ بها «يوحنا النيقوسى» عباراته مفعمة بالحزن والحسرة والقسوة أيضا على المسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام بسهولة، وتحالفوا مع المسلمين. وهكذا يستمر الكتاب فى هذه السردية العبثية لكى يصل إلى عدة نتائج، منها أن كلمة «محمد» أو «مسلم» لم تكن معروفة أو مستخدمة إلا نادرا فى المراجع التاريخة قبل عام 690م، وأن الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان هو من بدأ فى استخدام هذه الكلمات. ثم يتساءل فى نهاية كتابه: “Did Muhammad exist? As a prophet of the Arabs who taught a vaguely defined monotheism، he may have existed. But beyond that، his life story is lost in the mists of legend، like those of Robin Hood and Macbeth. As the prophet of Islam، who received (or even claimed to receive) the perfect copy of the perfect eternal book from the supreme God، Muhammad almost certainly did not exist. There are too many gaps، too many silences، too many aspects of the historical record that simply do not accord، and cannot be made to accord، with the traditional account of the Arabian prophet teaching his Qur'an، energizing his followers to such an extent that they went out and conquered a good part of the world.” (pp.214-215) «هل وجد محمد كنبى للعرب قام بتعليمهم التوحيد بطريقة غامضة؟ ربما وجد، لكن بخلاف ذلك، فإن قصة حياته مفقودة فى ضباب الأسطورة، مثل قصص روبن هود وماكبث. أما باعتباره نبى الإسلام الذى تلقى أو حتى زعم أنه تلقى أعظم نسخة من أكثر الكتب خلودا من الله العلى، فإن محمدا بالتأكيد تقريبا لم يوجد. إن هناك الكثير من الفجوات، وكثيرا من فترات الصمت، وكثيرا من أوجه التسجيل التاريخى التى لا يتفق عليها، ولا يمكن أن تجعلنا نتفق عليها من خلال الرواية التقليدية عن النبى العربى الذى علم القرآن، وحفز أتباعه إلى الحد الذى جعلهم ينطلقون لغزو جزء غير قليل من العالم» (ص 214- 215). هذه هى خلاصة الكتاب، ومن الواضح أن إصرار «سبنسر» على ذكر عقيدة التوحيد مرارا، أمر ليس عفويا، فهو كاتب مسيحى متطرف يؤمن بالتثليث الذى نفاه الإسلام بشدة، وهى الأزمة التى سببها الإسلام للمسيحية على مر العصور، فالمؤلف لديه حالة اكتئاب وإحباط ويأس من هذا الانتشار المذهل للإسلام فى الولاياتالمتحدة وأوروبا كان من نتيجتها أن صرح «باراك أوباما» منذ سنوات -وربما بسبب التغير الحاد فى خريطة التركيبة العرقية للولايات المتحدة- فقال: “Whatever we once were، we are no longer a Christian nation” هذا التصريح الذى أحدث حالة من الهياج والغضب فى المجتمع الأمريكى معتبرينه هجوما على المسيحية والدستور، وتعرض بسببه «أوباما» للكثير من الشتائم والسخرية. إن حالة فقدان التوازن فى العالم الغربى بسبب مؤشرات تراجع وانهيار الحضارة الغربية بسبب المد الإسلامى جعل «سبنسر» يلجأ إلى هذا النوع من الكوميديا السوداء أو الكتابة الهيستيرية التى لا يلتفت إليها ولا تستحق الرد، ويكفى أن نذكر قائمة ببعض مؤلفات «سبنسر»: - الحقيقة حول محمد. - أكذوبة التسامح الإسلامى. - ليس سلاما بل سيف، الفجوة الكبرى بين المسيحية والإسلام. وغير ذلك من الكتب والمقالات والبرامج التليفزيونية. ولا نملك إزاء «سبنسر» إلا أن نتوجه إليه بخالص الشكر هو وبقية المتطرفين على جهودهم التى يبذلونها نيابة عنا؛ فهم جميعا جنود مجهولون ينشرون الإسلام ويروجون له بحماقاتهم وتخاريفهم وأموالهم كذلك، وصدق الله إذ يقول: « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ» (الأنفال: 36).